الخميس ٣١ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم أمينة شرادي

بكت عيناه..

بدا شاكيا، باكيا، بدون دموع..ممتنعا عن الكلام المباح.صامتا، ينظر بعيون فارغة لا تحمل أي أمل في الحياة.غابت ابتسامته الجميلة و البريئة، التي كانت بمثابة الشمعة التي تضيء المكان. أشعلت التلفاز حتى أثير انتباهه.انتفض من مكانه كانتفاضة عصفور شعر بخطر يحوم حوله.و رفض الصورة التي تتراقص أمامه،طالبا إغلاقه.تحايلت عليه قليلا ببعض الكلمات حتى ينسى طلبه.لم أفلح. ظلت ملامحه سابحة في بحر من الحزن بعيون فارغة..أغلقت التلفاز رحمة به.نظرت إليه.سألته، كأنني لا أعلم شيئا عن مرضه:

 أبي، ما بك؟لمادا أنت حزين اليوم؟

استمر في سكونه.دفع من فمه ببعض الكلمات دفعا كأنها آتية من بئر عميق.و قال بدون أية رغبة في الكلام:

 لا شيء.

سبح في صمته من جديد.وبخت نفسي على سؤالي البليد و المستفز.نظرت إليه من جديد.لا أثر للبهجة على محياه.حاولت قراءة صمته الحزين.أخذني إلى عالمه المعتل الذي لم ينفع معه دواء.عدت إلى الأمس القريب الذي كان فيه سيد نفسه.لا يعترف بالألم.يدك الأرض برجليه دكا. يفرح كالطفل يوم العيد،لما ينتصر على السنين التي تراكمت فوق ظهره.توالت الأيام،و أبي كالجبل الشامخ،يصول و يجول كفارس على صهوة جواده،يسطو على قلاع الزمن القاسية الممتنعة.غدر به،في غفلة منه،أصابه سهم تائه.بادر إلى الاستشفاء بطريقته الخاصة.تكالبت عليه السنين وكسر المرض ظهره و كبل خطواته بسلاسل ثقيلة.استحال إلى جسد واهن،لا يرمي الخطوة الأولى حتى يستريح زمن.بكى تلك الليلة كثيرا دون أن أرى دموعه.أعدت السؤال لكن بشكل آخر:

 أبي،أعلم أنك مريض،تسلح بالصبر و ستشفى قريبا.

تمايل قليلا و حاول أن يعدل من جلسته، و قال:

 ساعديني حتى أقف قليلا.رجلي تؤلمني بعض الشيء.

وبخت نفسي من جديد و حاولت إيجاد طريقة أخرى للكلام بعيدا عن النصيحة.هو دائما كان يرفض النصيحة.في يوم مضى،حاولت أن أغير له شكل لباسه بحجة الأناقة و المنظر الجميل.استشاط غضبا رافضا كل تغيير لحياته التي بناها و ألفها مند سنوات خلت.من يومها، و أنا أحترم كل اختياراته.و أنا جالسة إلى جانبه،أخذني صمته،و آلمني حاله،فباغتني و قال لي لمجرد الكلام و التخفيف عن النفس:

 لا يشعر بالألم إلا المصاب به.

حاولت اغتنام الفرصة و الخوض معه في حديث مسترسل نقتل به جدار الصمت الذي أطبق على نفسينا:

 معك حق يا أبي.لكن نحمد الله على معرفة المرض و وجود الدواء و على القدرة على شراءه.
و دون انتظار جواب منه،أكملت بسرعة خوفا من أن يعود إلى صمته:

 هناك فقراء لا يستطيعون شراء الدواء و يموتون عبثا..ستفرج إن شاء الله.
أومأ برأسه و تمدد على فراشه و أغمض عينيه.ناديت عليه.لم يجب أو رفض الإجابة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى