الأحد ٣٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
أرشيف المرصد
بقلم رانية عقلة حداد

بوصلة الى وجع الإنسان أنّى كان

" الحرية توّحدنا ... والوحدة تحرّرنا " تشكل كلمات ابن عربي هذه الأساس الذي يقوم عليه مشروع (أرشيف المرصد) حيث التوق والبحث الدائم عن العدالة الاجتماعية والحرية الغائبة، يوحد الأعمال التي يجمعها المرصد في أرشيفه من جميع بقاع العالم لأفراد متنوعين ومختلفين في هويّاتهم، وهذه الوحدة هي التي ستقودهم في النهاية الى التحرر المرجو... الى أحلامهم.

(أرشيف المرصد) مشروع مستقل يقوم عليه مرصد الفيديو غير المحدد الهوية في إسبانيا، والمدعوم من قبل عدة هيئات ثقافية إسبانية، وشركات إعلامية، فنية، أو تجارية، ويتخذ المرصد طابع أممي؛ فهو وطن لجميع الأصوات الإنسانية المتعبة من مختلف بقاع العالم حيث تتوحد على منبره الحر وهي ترنو الى التغيير، أنشئ هذا المشروع حول ثيمات مستقلة تمتلك هدفا واضحا؛ هو اعادة اكتشاف عالمنا ونقد الثقافة المعاصرة فيه من خلال رصد ملامح تلك الثقافة عبر استخدام المواد السمعية البصرية المختلفة؛ سواء أكانت فيديو آرت، أو أفلام روائية ووثائقية، طويلة وقصيرة - والتي غالبا ما تكون ذات إنتاج مستقل - أو ما يسمى بوسائل الإعلام (الاركيولوجية) المتعلقة بمواد أو أفلام مصورة قديما وأعيد اكتشافها.

وكان عام 1993 نقطة انطلاق المشروع والبدء بجمع عدد من الأعمال والأفلام المتنوعة الهويّات في (أرشيف المرصد)، الى أن أصبحت مكتبة الأرشيف تضم الآن طيف واسع من الأعمال يصل عددها الى 1400 عمل من مختلف دول وقارات العالم، تختلف في مواضيعها لكنها تتشارك في حرية التعبير وفي عكس مخاوف وأحلام الإنسان؛ على مستوى الفرد أو الجماعة، فيمنح (أرشيف المرصد) بذلك منبرا لبعض الأعمال التي لم يكن لها الفرصة لتصل من قبل الى الناس، ولكي يكون هذا الأرشيف متاحا للجميع يُنظم المرصد كل سنة ونصف في مقره في برشلونة عروض جماهيرية، كما قد يتنقل بعروضه هذه الى أماكن أخرى من العالم بالتعاون مع هيئات مستقلة ذات صلة في بلدان مختلفة تشترك مع المرصد بذات الهم والرؤيا، بالإضافة الى أنه يقدم خدماته للمهتمين في الاطلاع على هذا الأرشيف إما بتواصلهم معه عبر النت أو من خلال زيارتهم لمقره الدائم في برشلونه.

العروض بمجملها هي حوار بين مشروعين أو أرشيفين (أرشيف المرصد) و(أرشيف بابل) حيث يهتم الأول بجمع الأفلام الفنية الإبداعية، أما الثاني فبجمع وتصنيف الوثائق السمعية البصرية المرتبطة بذات الثيمة، ويشتركان بهاجس الكشف عن الجوانب المظلمة في حياتنا - بالأخص بما يتعلق بنفوذ السلطة الإمبراطورية أو الاستعمارية ومظاهرها المختلفة وكيف تؤثر فينا كالجوانب العسكرية، الطبية، الصناعة الرقمية، والحملات الترويجية المنظمة لخدمة تلك المصالح، المواد الوثائقية التي يجمعها (أرشيف بابل ) أنتجت بالأصل لا كي تعرض إنما لغايات خاصة لتؤدي مهمة في وقت محدد وتنتهي بعدها، ولكن عندما ألتقط (أرشيف بابل) هذه المواد وتم عرضها من خلال المرصد خارج سياقها الزمني أو الوظيفي ظهر بجلاء الغايات السيئة والمرعبة التي تقف خلفها والآليات المتبعة لتحقيق تلك الغايات. ولم يأت استخدام كلمة بابل عبثا؛ فهي علاوة على أهميتها كدلالة لحضارة ومدينة تاريخية أيضا لها دلالة لغوية بمعنى المدينة الكبيرة المنغمسة في الترف والاثم، الأمر الذي ينسحب على دول عظمى رأسمالية بترفها وبأحلامها الاستعمارية والتدميرية الآثمة، ومثال ذلك يعرض المرصد وبابل بعض المواد من مواقع إلكترونية عسكرية أمريكية تفضح بعض أعمالهم العدوانية اتجاه بعض الدول، أو بعض الألعاب الإلكترونية التي توظفها في تدريب عناصر الجيش للحرب في العراق - فتصمم اللعبة على شكل مدن عراقية والمهمة الموكلة القضاء على فصائل عراقية - ومن ثم بعد انتهاء المهمة المحددة والمنتظرة من هذا التدريب يتم تسويقها عبر النت الى المراهقين والشباب كمادة للتسلية (كألعاب) فتبني شيئا فشيئا شعورا بالعدائية لدى هذه الفئة اتجاه هذه الدولة وتشكيل اتجاه عام لدى الأفراد يدعم الفكرة المبتغى ترويجها.

كل عرض من عروض المرصد يقوم على ثيمة ما توحد مواضيع الأفلام التي تعرض ( كالهوية ووسائل الاتصال الجماهيري، العولمة، مقاومة، الحلم الاستعماري ومناطق الحكم الذاتي...) ويُنتخب للعرض عدد من الأفلام والوثائق السمعية والبصرية التي أضيفت الى (أرشيف المرصد) في فترة ما بعد آخر عرض، وتتعلق بأكثر المواضيع أهمية في وقتنا، بأحلام وكوابيس عصرنا؛ كسيادة النظام العالمي الجديد، العولمة والمقاومة التي تولدها، ما بعد أحداث 11 أيلول، أو الصراعات في مختلف مناطق العالم ؛ كالصراع الأرجنتيني أو الصراع العربي والفلسطيني ضد إسرائيل والذي يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام المرصد فخلال عروض عام 2003 تم تخصيص مساحة لخمسة أفلام فلسطينية لتقديم هذا الصراع من زوايا مختلفة؛ " غباش "، و " توتر " لرشيد مشهراوي، " هاي مش عيشه "لعلياء أرصغلي يتناول حياة ثمان نساء فلسطينيات من خلفيات دينية واجتماعية مختلفة وكيف يعشن في الحرب، "يوم من حياتنا" وهو نتاج ورشات عمل مع أطفال في فلسطين، " أُسود " لناهد عواد يتحدث عن الاجتياح الإسرائيلي لرام لله في 2002، كذلك الفيلم اللبناني " فانتوم بيروت " لجلال توفيق عن الهجوم الإسرائيلي على لبنان عام 2000، أما في عروض عام 2005 والتي تحمل ثيمة (مقاومة) تم تناول أشكال مختلفة للصراع والمقاومة فعُرضت عدة أفلام تقدم المقاومة الفلسطينية الشعبية (الانتفاضة) من جهة، ومقاومة حزب الله من جهة أخرى ضد العدو الإسرائيلي، كذلك المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، كأحد أشكال الصراع والمقاومة التي تقف جنبا الى جنب مع باقي الأشكال الأخرى في مختلف مناطق العالم كالصراع والمقاومة لانتزاع حقوق الإنسان، أو الصراع ضد العولمة ومقاومتها...

كما ان القضايا العربية الأخرى لا تغيب عن شاشة المرصد ففي مطلع العام 2006 وضمن شبكة تجمع المرصد في إسبانيا، بالملتقى التربوي العربي في الاردن، وفيديو كرافان في المغرب، وبشرى خليلي المقيمة في باريس، تم تخصيص أسبوع لعرض أفلام من؛ الاردن، لبنان، المغرب، سوريا، وفلسطين حيث تشكل مواضيع وقضايا العالم العربي الثيمة الرئيسية في العرض وتنويعات عليها، فننتقل معها من العالم الشعري الى السياسي، ومن اليومي المعاش الى الروحي، ومن الصراعات الى السلام…، العرض القادم للمرصد سيكون في كانون ثاني العام 2008 .

(أرشيف المرصد) بوصلة الى وجع الإنسان أنّى كان، يفضح الجوانب المظلمة للقوى الاستعمارية المتجددة بأشكالها... يرصد الظلم، الألم، الواقع، الحلم، ولا يستكين أبدا في دعوته الدائمة لعقل الإنسان مهما اختلفت هويته كي يفكر من أجل المساهمة في بناء عالم مغاير، فيقدم المرصد زوايا مختلفة لرؤية العالم لا كأجزاء منفصلة، إنما كوحدة مترابطة فما يحدث في مكان ما من العالم غير منفصل عما يحدث في أي مكان آخر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى