الاثنين ٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٥
بقلم منى وفيق

بين " الأنا الأعلى".. "أناي".. و " الهُو " . كانت هـــــــــيَ !

أمعقول ؟!!!؟ ما زالوا متسامرين حتّى هذا الهزيع الأخير من اللّيل؟! من الغريب حقّا ألاّ أسمع لهم صوتا !! كثرة الأحذية و النّعال أمام باب غرفتها تجعلني أخمّن أنّها دعت كلّ العاملين معها في الفندق. ماذا تُراهم يقولون لها و هي تشكيهم آرائي الصّادمة في أحيان كثيرة؟! لا أحسبهم عابئين بمواساتها، كما لا أتمنّى أنّهم يحرّضونها على ترك المنزل! لستُ أنسى نظراتهم السّاخرة من سذاجتها أوّل أمس و هي تصف لهم إحساس عاملة المصعد: " حين أصعد بالزّبائن لأعلى أرى العالم تحت قدميّ و ملكا لي و لأحلامي !" قالتها باحتفاليّة كبيرة قبل أن تسترسل في انطفاء: " أمّا حين أنزل بهم إلى أسفل أراني كما أيّ حشرة مقزّزة يدوسها أيٌّ كان!!" إحساسها هذا كان يتجاوز المصعد إلى الحياة بشكل عام. كنت بهذا الأدرى!!

هل تنتظر منّي إلاّ أن ألومها على صداقتهم المُفبركة.. و علاقتهم معها الّتي تسقط كلّ حين في مستنقع مزاجيّتهم!

هي فعلا ثرثارة بشكل غير عاديّ.. و صحيحٌ أنّك لو سألتها عن الوقت تشرح لك كيف صُنِعت السّاعة. لكنّ الوقت جدّا متأخر. ثمّ هي لا تحبّ هذا اللّيل الصّموت الّذي أعشقه أنا!!

إنّني لا أمارس عليها أيّ نوع من الأستاذيّة. إنّما يؤرّقني تربّعها على عرش الأحلام / الأوهام في برجها العاجيّ! إلى متى عساني أظلّ أقول و أكرّر لها أنّ أغلب النّاس رماديّون و غير واضحين.. و أنّ عليها أن تحذو حذوهم !!
أنا هنا أحدّثها عن عشقي للون السّحاب في حين تهتف هي بثقة و حبّ: " و الله ليس هناك أجمل من سماء صافية!"

أكره الانتظار رغم أنّني تعلّمت أن أحترفه. إنّها الثّالثة صباحا. كيف لي أن أقتل الوقت؟! كيف أسبق الزّمن؟! هل أقضم أظافري أم أعدُّ من الألف إلى الصّفر؟!

حتّى " عليٌّ" الأخرق لم يتّصل. مالذّي يعجزه أن يزعجني هذه اللّيلة أيضا؟! . كان قد أكّد لي أنّه سيهاتفني من المعهد العسكريّ الّذي يدرس فيه. في الواقع، هي أوّل مرّة ألحّ فيها عليه أن يتّصل بي. حين يكتشفون أنّ بحوزته هاتفا نقّالا سيعاقبونه بمنعه من الخروج لشهر كامل. كنت أتلذّذ و أنا أتخيّل الأمر. سيرضي هذا ساديّتي و يجعلني أستمتع بمازوشيّته . من منكم القائل أنّ المرأة لا تحبّ الرّجل النّزق و من يجرؤ على أن يدّعي أنّ الرّجل لا تجذبه المرأة النّزقة بقوّة !! لا أدري مالّذي يرومه " عليٌّ " حين يُعيد على مسامعي أنّ المفتاح الذّهبيّ للمصير معلّقٌ في أحداق النّساء! هو لا يجني سوى استصغاري له. و هل أراه أنا غير سارقٍ للوقت؟!
.. الوقت.. تبّا لهذا الوقت الّذي يمرّ بطيئا. هي ذي الثّالثة و النّصف صباحا. كلّ الأحذية في مكانها. ألا لعنةُ الله على سويعات الانتظار هذه ! كيف انسجموا في الحديث معها ؟!

هم متبنّون لسياسة النّعامة و هي المتسائلة دوما و أبداً:" لِم صراحتي تدغدغ الوحوش و لا تضرّ بهم ؟؟! لِم يغضب منّي البعض حين أعتذر لو طلبوا منّي مجاهرتهم بعيوبهم.. و لِم يشتدّ امتعاضهم بعد أن أصارحهم بنواقصهم ؟! . أستغرب حقّا كيف امتزجت و تناسقت هذه الفسيفساء المتناقضة!"

هناك أسطورة ما أنفكّ أسقطها عليها بشكل مختلف و برؤيتي الخاصّة. تقول الأسطورة أنّ القردة تنجب أحيانا توأمين فتخصّ أحدهما بالحبّ و الحنان و تمدّه بالطّعام في عناية و رفق، بينما تدير وجهها عن التّوأم الآخر و تهمله. لكن بحكم إرادة إلهيّة يموت القرد المدلّل صغير السنّ بينما يعيش القرد المنبوذ حتّى الشّيخوخة. أيضا هي قذفتها الحياة بعد أن خصّتها بروح شفّافة نقيّة و فؤاد محبّ و صاف.. اعتنت بها كثيرا حين أرضعتها حلما و رقّة و عشقا بلا حدود لهذا الكون. بالمثل قذفت الحياة بتوائم عدّة لها.. ذوو وجوه سمجة.. كميّة الشرّ في دواخلهم مخيفة لا ينضب معينها.. يستأسدون و يستنسرون.. و هم المنتصرون الّذين سيعمّرون طويلا. و أنا أشدّ ما أخشاه عليها هو أن تحترق بجمالها. لا يحتاج المرء لكثير إدراك ليعرف أنّ هكذا فراشات دائما تحترق!!
الرّابعة و النّصف صباحا. عدد الأحذية عشرة. أي أنّ لا أحد منهم قد غادر. سأنقع غليلي منها لاحقا. خليق بها أن تعاتبني .. تبثّني غضبها و حزنها منّي كما اعتادت.. لا أن تسمح لهؤلاء المتحذلقين بحشر أنوفهم في خصوصيّاتها!

ربّما صفعتي لها لم تكن حنونا هذه المرّة. القسوة ليست ديدني معها.. لكن، وجدتُني مجبرة على الانفجار أمامها بتلك الحدّة. تعمّدت أن أجرحها. طموحاتها و أحلامها أكبر منها لذا كان يجب أن أنبّهها إلى أنّها واثقة من أشياء لن تحدث. لسانُ حالها يقول أنّ الحلم هو ما ينقصنا و أنّنا نحتاج حبّا لا خبزا.. كان من الضّروريّ أن أذكّرها بأُناسٍ يعيشون فقط ليأكلوا و ليسوا يأكلون ليعيشوا.. لا يعرفون كلمة "شكراً " فكيف تلقّنهم درسا في الحبّ لأجل الحبّ و حسب؟!!

" ليتنا نلغي التّعامل بالنّقود و نترك المشاعر الإنسانيّة تكون الوسيط عوض هذه الأوراق المرسومة " تقول هي. كنت مضطرّة لِلَفتِ نظرها لوجود أشخاص ينتظرونك فقط حتّى تلتفت ليلدغوك كما العقارب السامّة!!
تمتدح لي الابتسامة البريئة لرئيسها الجديد في العمل.. تستبق الحديث عن طيبته و نبله. لهذا أنعشت ذاكرتها بالبيت القائل: " إذا رأيت نيوب اللّيث بارزة، فلا تظنّن أنّ اللّيث يبتسمُ"!!

استحقَّت أن أوقظها من غفوتها و انتظارها لرجل لن يأتي. تريده صادقا وفيّا.. تتجسّد رجولته في احترامه لكينونتها و إيمانه بوجودها و قدراتها. من أجل هذا عملتُ على أن أؤكّد لها أنّ الرّجل الحقيقيّ في زمننا البئيس هذا هو الّذي لا يكفّ عن الصّراخ و السّباب.. فبهذا يثبت أنّه رجل حقيقيّ و " سوبرمان" آخر.. مهمّته المقدّسة تدجين النّساء!

تفخر هي على الدّوام بأنّ لها أصدقاء ذكورا كثر.. و أنّها حقّقت نصرا ما بعده نصر.. تتبادل و إيّاهم كلمة " أحبّك" دون أدنى مركّب نقص. و تنكيلا بأوهامها سألتها: "ليس هناك من صداقة بين رجل و امرأة فكيف بالتّصريح بكلمات حبّ بريئة بينهما؟!"

بفرح طوباويّ تحكي لي عن أكلها للحمّص بالكيمون مع بعض الأطفال على ناصية الشّارع .. عن لعبها الكرة معهم بعذ ذلك .. عن صراخها أمام المارّة تعبيرا عن سعادتها. ما كان منّي إلاّ أن أضحكَ من بساطتها و تلقائيتها الغبيّتين ، و أنصحَها بالتصنّع و الترفّع عن كلّ ذلك إذا أرادت ألاّ تُتّهَم بالجنون!!

الخامسة و النّصف فجراً .. لا زالت الأحذية تغازل بعضها البعض أمام باب غرفتها . هي لا تستطيع أن تظلّ غاضبة منّي .. هي لا تغضب من أحد!
حسنا .. لا بأس .. سـأحزم أمري .. خطاي الواثقة من تردّدها تحملني لغرفتها .. بهدوء أفتح الباب .. .و...!!

يالغبائي و ذاكرتي المثقوبة!!!! فعلَتها البريئة بخبث .ليس سواها بالغرفة . لا أدري من أين جمعت كلّ هذه الأحذية ووضعتها أمام غرفتها حتّى لا أزعجها و تنجو من تقريعي . نائمة مثل كتكوت مبتلّ .. و تلك طلعتها المشرقة .. تتدغدغ أعماقي و أنا أنظر إليها .. لكأنّ هاتفها يرنّ في أذنيّ:" آويتُ لفراشي و تحت وسادتي وضعت الكثير من الحبّ و الحلم و الغفران لأستيقظ و في قلبي أغنيّة.. و قد نسيتُ توبيخك و تفنّنك في جرحي!!
أنا خيرُ من يعلم أنّها ستستيقظ في السّادسة صباحا و تهرع إليّ لتحضنني و تعتذر و إن كنتُ أنا الملومة.. فيها كلّ ما أتمنّى أن أكونه.. لكنّها لن تنجو من تقريعٍ حادٍ غدا!!


مشاركة منتدى

  • اسلوب ذكي في الكتابة
    بالنسبة لي..
    الانا العليا ملصق باعالي السماء و لا يرضي باقل من ذلك
    و الانا السفلى * الهو* فهو منحط و فقط يريد التلذلذ و مهما يكن الثمن و لكن ليس شريرا

    و الانا ..محتار بين الاثنين ..حيث ان الاثنين بصراحة معكرين مزاج الانا دائما...
    الانصياع للواقع و نسيان الاثنين هو الحل الامثل ..

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى