الأربعاء ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم أحمد مظهر سعدو

بين يدي رواية «قريباً من الجرمق»

عن اتحاد الكتاب العرب في سوريا صدرت مؤخراً في دمشق رواية عربية فلسطينية متميزة للكاتب عبد الكريم عبد الرحيم. وقد جاءت تحت عنوان «قريباً من الجرمق» ضمن /201/ صفحة من القطع المتوسط ..

وفي إطلالتنا اليوم على عوالمها الروائية الجميلة يتبدى لنا بوضوح أن الكاتب عبد الرحيم، وباعتباره آت إلى الرواية من موقعه كشاعر، فقد راح يكتب روايته بلغة الشاعر القابع جوانيته، ولكن من قال أن الرواية لا تحتاج إلى الشاعر، ولغة الشاعر، بل وعواطف ووجدانيات هذا الشاعر ؟!!

والحقيقة فانه لم يستطع الكاتب الخروج من بوتقته الشعرية، كما لم يستطع التخارج مع الواقع الفلسطيني الذي ينتمي إليه .. والذي تنتمي معه الأمة كل الأمة إليه .. فما زالت القضية الفلسطينية قضية الأمة المركزية، بامتياز، وعمق .. ولأن الواقع الفلسطيني حزين ومؤلم، فان الرواية تستغرق بمفردات مؤلمة ومحزنة، مفردات الآن الفلسطيني، ومعاناة الشعب الفلسطيني المقاوم .. (الأسرى، الزنازين، السياط، الألم ... الخ )

كذلك فهو يطوف في تلافيف الحال الفلسطيني، فيتحدث في غير مكان عن (العرق والسمك الطبراني، عدة الأيام السود، أيام الهجرة، والفقر، وتفقيس الأحزان في الشقاء والوحل).

وحيث (يتكوم العمال في الصباح الباكر في ساحات معينة من المدينة، بانتظار مرور متعهدي البناء أو غيرهم).

وأمام المعاناة التي تلف الحالة الفلسطينية، فان الرواية في النهاية، تبقي للأمل والسلام وجوداً مبتغى .. حيث (لم تمنع ألسنة اللهب والدخان، الحمامة البيضاء من أن تهدل على التلة).
وسعدية إحدى بطلات الرواية .. (سعدية نسيج من البحر والغناء والقوة التي تلازمك حتى تخال أنك قادر على فتح السماء، الأزهار البرية والأساطير, البكاء والفرح .. الأمل الذي يرفض التفاصيل .. ويهدل كحمامة بيضاء في المخيلة والبيت والفراش).

والكاتب الروائي في غير منعطف يبرز ملامحً فلسطينية ذات طبيعة فكرية تمس الواقع كقوله (ألم يكن دائماً يردد مع عالم الاجتماع: الحداثة تعني القطيعة مع الماضي فكيف يفسر ماهو فيه الآن ؟)

أو أنه يتطرق إلى أفكار عصره وإيديولوجياته، بقوله على لسان شخوصه: (استاء كثيراً من أولائك الذين يعلقون صور «لينين» وعبارته المشهورة: الدين أفيون الشعوب)، والحقيقة فان القارئ لهذه الرواية يرى فيها الكثير من الصياغات الأدبية عالية المستوى، كما أنه يقف معها أمام العديد من الجمل التي تنحو باتجاه الحكمة الموصولة شعراً إلى القديم منه حيث يقول: «بين الطهارة والجسد جسر الشهوة» وقوله «خيولنا الأصيلة لا يمكن أن تقترب من أنثاها إذا شاهدها أحد .. يذكر أن مهراً عصبت عيناه، وهيج ليلقح أمه، وحين أزيلت العصابة عن عينيه .. وعرف الحقيقة .. ظل يعذب جسده .. إلى أن مات»

أو قوله «نحن لا نموت لو ظلت الشمس تسقينا .. ورائحة الياسمين البلدي تعبق في نفوسنا» ... ويتابع في مكان آخر «إن الياسمين البلدي لا يغير رائحته أبد»اً.

والرواية التي بين أيدينا أبت إلا أن تصل فكراً وممارسة إلى انطلاق الانتفاضة الفلسطينية..
حيث الحلم الذي اشتعل، وكأن الأديب يؤشر هنا إلى أهمية ومستقبلية استمرار الانتفاضة كأسلوب نضالي كفاحي اختطته الثورة الفلسطينية المعاصرة، في زمانها الأخير...
علماً بأن الكاتب كان بين الفينة والأخرى يعود للواقع العربي بقوله: «في مراكز بقائنا .. نحن الشرق أوسطيين.. رؤوسنا مغروزة في حقول النفط، وظهورنا مساطة بخناجر النخاسين» .. ولكن ما يلفت النظر في سرده الروائي هذا، هو تركيزه في الكثير مما سرد، على عبارات (الشرق أوسطيين) أو (مدينة شرق أوسطية) وهذه مسألة نستغربها لدى الكاتب العروبي الأستاذ عبد الرحيم؟!!

ولأنه «تحت السياط لا تنمو الشموس»، «وتحت السياط لا تنمو إلا هذه المقابر والأقبية والهزائم، لكننا نحن نسير في دائرة الشموس التي لا تطفئها أفواه الجلادين»
حسب شخوص الرواية .. فان الأمل مازال معقوداً على أهل الثقافة والأدب العربي والفلسطيني منه بشكل خاص ..

ليفعل دوره روائياً وشعرياً، وقصصياً، دعماً لحالة عربية مناهضة ومقاومة للمحتل ومن وراءه، من أصحاب المشاريع التي تطال المنطقة برمتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى