الأربعاء ٢١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم زهير الخويلدي

تجديد التفكير لسالم المساهلي

"الارتقاء بالعربية لا يتم فقط داخل المؤسسة التعليمية، فاللغة أداة تواصل وإبداع وخلق عوالم مغايرة، ولا حياة للغة دون إحياء لروحها الخلاقة من خلال العناية المستمرة بفنونها وحاجتها الدائمة إلى التطوير والتجديد."

عرفت سالم المساهلي منتجا ثقافيا بإذاعة الكاف التونسية مشاركا بايجابية في مجال التنشيط في تلك الربوع الجميلة للشمال الغربي من خلال برنامج:" خير جليس" وشهدته أيضا مدرسا ومهتما بالجوانب البيداغوجية لمادة التفكير الإسلامي التي تكون فيها جامعيا ولكن قد اكتشفته بعد ذلك شاعرا وناقدا أدبيا وكاتبا قد صدرت له العديد من الدواوين مثل: أشواق الخيل وماذا لو يبوح النخل؟ وحديث البلاد وكبرياء التراب وكذلك عمل مشترك مع ثلة من المهتمين والنقاد هو:مقاربات نقدية في الأدب التونسي، ولكن أن يظهر له في الآونة الأخيرة على الساحة الثقافية في تونس كتاب جديد في مارس 2009 من الحجم المتوسط (272 صفحة) عن مطبعة الزرلي بالكاف يحمل عنوان: تجديد التفكير، قراءة هادئة لأسئلة قلقة في فكرنا المعاصر، فذلك أمر غير معهود ويبشر بكل خير ويمثل علامة ساطعة على وجود الحراك المطلوب في كل ثورة ثقافية منشودة.
والحق أن الكتاب واعد ويتطرق إلى قضايا حضارية ساخنة ويتناول عدة محاور اجتهادية جادة ويقتحم لجج بحر من الأمواج الفكرية المتلاطمة وهو ما جعله يؤثر في مقدمة وخاتمة كل فصل طرح الأسئلة وتحسس الإشكاليات على تقديم الحلول وتوفير الأجوبة وينحو في اتجاه التأصيل والتوطين والاستشراف والمناشدة على التأسيس والقول الفصل والتنظير والوعظ والدعاية.

يتضمن السفر الفكري الأول للأستاذ المساهلي عشر فصول يغلب عليها البعد الحضاري وتشمل إشكاليات التراث والتجديد والإعجاز والتسامح والشورى والحقيقة القرآنية وفهم الإرادة الإنسانية وغائية الوجود وضرورة التفكير وتجنب التكفير وتنتهي الفصول إلى دعوة من اجل إنهاء الفوضى المفاهيمية التي نعيشها ويقوم في سبيل ذلك بضبط بعض المصطلحات ومعالجة القضايا المصيرية التي تهمنا.

منذ البداية يرصد المساهلي حالة الركود التي تعيشها الثقافة العربية وواقع التأزم ويفسر ذلك بغياب الإبداع وانحسار التجديد ويذكر أن المحاولات المبذولة لم ترقي إلى مستوى الرؤية المتكاملة والمشروع الواضح وظلت تعيد نفس السؤال الذي طرحه المصلح شكيب أرسلان ذات مرة والذي صاغه كما يلي: لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟

التوجه الذي قاد الكاتب في طرحه لمشكله الحضاري الذي يشغله ارتكز نحو ثلاث مسالك كبرى يمكن صياغتها في ثلاثة أسئلة: هل نحن نريد العودة إلى الماضي؟ أليس من المفروض أن نرغب في مواكبة الحاضر الأوروبي؟ ألا ينبغي أن نستفيد المفكرين المجددين وزعماء الإصلاح الذين ظهروا عندنا منذ قرن على الأقل؟
هذا يقودنا إلى الاستنتاج بأنه يتحرك من ثلاثة زوايا نظر: الأولى الموقف من التراث القديم والثانية الموقف من الفكر الغربي والثالث هو الموقف من الفكر العربي الإصلاحي والنهضوي والتجديدي.

أما عن محاور التجديد وحقوله فقد تعهد بأن يتحرك في دائرتين وهما: علم أصول الدين أو علم الكلام، وعلم أصول الفقه وبالتالي علم الفقه، ولكنه تعدى إلى حقول أخرى دون أن يدري مثل اللغة والفلسفة والعلوم الإنسانية وخاصة علم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس وتطبيقاته في دراسة الظواهر البشرية.

المنهج الذي اتبعه الكاتب في رغبته في التجديد في القضايا التي تناولها سماه آفاق المسألة وكان في صفحات 56 و57 و58 وارتكز على جملة من المراحل الفكرية أو اللحظات المنطقية هي:

 محاولة الإحاطة قدر المكان بالمدونة التراثية
 العمل على استنطاق النصوص وفهم مقاصدها
 تحليل هذه النصوص تاريخيا
 التصنيف الإيديولوجي والبحث عن الخلفيات التي حكمت النصوص
 التقييم والفرز للنصوص الملائمة مع الحاضر
 الاستلهام والدمج وربط القضايا المعاصرة مع التراث
 الاجتهاد والتجديد بعد التمكن من فهم طبيعة العصر والواقع المعيش.

هذه المسلكية البحثية أعلن عنها الكاتب في الفصل الثالث المعنون أي معنى للإعجاز اليوم؟ ولكن المتتبع لبقية الفصول يرى أنه استخدمها بطريقة ضمنية وبشكل متفاوت أي ينقص منها بعض الخطوات حينا ويستوفيها كاملة حينا آخر. اللغة التي كتب بها المؤلف سليمة ومحايدة وتدل على أن الشاعر حرص على الالتزام بالثيمة الموضوعية وذلك بغية التخلص من آفة الوقوع في لغة المشاعر والعواطف التي تلبست بها في تجاربه الشعرية والنقدية الأدبية.

كشف الكاتب عن كنوز من التراث تنم عن دراية موسعة بالنفائس وحاول في الإشكاليات التي تناولها آن يردم الفجوة التي بيننا وبين ما تركه أجدادنا من ثقافة وعلوم وفنون ومجلدات وموسوعات ومصنفات. علاوة على أن إطلالته على روح العصر الذي يعيش فيه مكنته من الحضور والالتفات إلى أمهات المسائل التي تلوكها الألسن اليوم من عولمة وحداثة وتنوير والأصالة وتراث وعقلانية وكونية وعلمانية وكان يحرص في كل ذلك على الاجتهاد والفهم والتأويل والإبداع ويستدل بحقائق كونية أنتجها الفكر الغربي الكوني ويؤيد نصوصه بكليات تراثية من مأثورات وأحاديث نبوية وآيات قرآنية وحكم فلسفية دون أن يهمل الكشوفات التي توصل إليها المعاصرون العرب والمسلمون الذين ينتمون إلى دائرة المفكرين الجدد في الإسلام وخاصة محمد إقبال وطه حسين والطاهر بن عاشور وحسن حنفي محمد عابد الجابري ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون.

يقول الأستاذ سالم المساهلي ما يلي:" الجلي أن الحديث إلى الإسلام لا تكون من خلال معرفة قواعده وأصوله ومقاصده فحسب، وإنما بإبداع الطرق الموصلة إلى عقول الناس وقلوبهم ولا يكون بالخطابة والخطب والأمر والنهي وإنما بحسن التحلي بقيم الدين والصبر على مخالطة الناس بالإنصات إلى مشاغلهم وتفهم الصعوبات التي تعترضهم."

يريد الأستاذ المساهلي أن تتحرر لغة الضاد من كونها لغة قوم وحالمة لأحكام فقهية وقيم دينية إلى لغة شعر وأدب منفتحة على الخارج ومستفيدة من الآخر ويسعى الى محاربة التعصب ومواجهة عقلية التكفير بالدعوة إلى التفكير وترسيخ قيم التسامح والاعتدال ولكنه لا يفسر الأسباب الموضوعية التي تنتج هذه الظواهر وتجعلها في تكاثر مستمر. يحاول كذلك أن يجعل فكرة الديمقراطية نموا طبيعيا للشورى بماهي مبدأ الحضاري ويحاول أن يؤسس التأويل عبر تطوير لفكرة مواصلة الاجتهاد ولكنه لم يقل لنا هل يتعلق الأمر باستئناف الاجتهاد في الفروع أم في الأصول وهو ما يعني إعادة تأصيل الأصول وممارسة الاجتهاد حيث هناك نص وهل سيقبل فكرة التأويل اللامتناهي للنص القرآني وفي مجال الإعجاز هل يكتفي بالحديث عن الإعجاز البلاغي أم انه يؤمن بوجود إعجاز علمي بالمعنى الوضعي، وإذا أخذنا بتغيرات المنطق العلمي أفلا يؤدي ذلك إلى القول بتغيرات مضمونية في القرآن وفقدان لبعض الحوافي الدلالية بمرور التاريخ وهذا ما يتنافى مع حقيقة القرآن بماهو عقل العالم ومنطق الوجود وروح الحياة وكلمة المطلق ورسالة البشر. أما القول بغائية الوجود دون التمييز بين الخير والشر يؤدي بنا إلى البحث عن شروط لرفع الإشكال حول ظهور القبح وندرة الحسن وحول مدى وجاهة القائلين بفساد الوجود وبلاغائية الحياة وحتمية العدم وواقع العبث.

لم يتوصل الكاتب إلى حلول نهائية للأسئلة التي طرحها ولم يستوفي كل القضايا التي تناولها وكان متواضعا منذ البداية عارفا أن كل ما يمكن أن يعرفه المرء هو أنه لا يعرف شيئا وأن في الفلسفة الأسئلة أهم من الأجوبة، ولكن تتمثل قيمة ما أنجزه في تصويبه النظر نحو مطلب تجديد التفكير باعتبارها المدخل الحقيقي نحو أي إصلاح ممكن في المدينة وتنوير للناشئة الأبية، لننظر ما يقوله حول هذا الموضوع:"كان الفكر الإسلامي بحاجة إلى تركيز رؤية عقلية وواقعية للممارسة السياسية باعتبارها الآلة الضرورية لتنظيم المجتمع واستقراره ولإنهاء حالة الاقتتال التاريخي والخلط المنهجي بين الدين والسياسة أي بين الوحي والتاريخ وبسبب غياب هذا التنظيم المفهومي والفكري بقي الموضوع ذا حساسية وحرج وقلق دائم."

لكن مثل هذا الكلام الحصيف هو نوع المثال الأخلاقي التي تحن إلى سماعه الأنفس في زمن العولمة الملتهبة وواقع الفردانية الأنانية، وخير ما نختم به هذه المتابعة هو الأسئلة التي يطرحها الكاتب علينا في محاولة منه لترصد مواطن فاعلية الكانسان المريد و حسن طرقه لأبواب الانساني والتي تضم: من نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نصل إلى ما نريد؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى