الخميس ٢٦ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم وفاء عبد الرازق

تخاريف النعيمي فانتازيا واقع راهن!

حين قرأتُ هذه الأقاصيص(تخاريف حسام الدين النعيمي) توقفتُ كثيراً أمام رموز«الفنتازيا» فيها وكأنه يقدم لنا هويَّة واقعنا الراهن بأسلوب شيِّق. .

لا يعبث بالكلمات، بل لكل رمز مغزى يحاول إيصاله للقارئ كرسالة تقول له:

 لا تجعل صوتكَ يـَبُحّ وقم معي إلى العبث نعيد له توازنه ونستكمل مشروعنا الثقافي والإنساني من أجل القيم والأخلاق واستعادة ما فقدناه. . حاملاً خطابه هو لاعباً على وتر "الفنتازيا" ليترجم من خلالها إشكاليات ذلك الواقع ومجابهته.

 ثقافة الكاتب واضحة وحريته في ممارسة أسلوب فلسفي وساخر أحياناً حسبما تقتضيه تخاريفه المصابة بداء الفن كما يحلو لي تسميتها.

له أبجديته الخاصة كطفل وكاتب وشيخ وشاعر يكتمل بصوره كلها كإنسان ويطرح تساؤلات يعرِّي بها وحوش الحياة التي فرضتها علينا كراسي الحكام، أو جشع الرئيس بممارسة جنون العظمة على المرؤوسين، أي رئيس وإن كان في معمل أو متجر، إذ لا يبعدنا بتاتاً عن نضج الفكرة وسخاء الأسلوب وسلاسته، ورغم أنه يكتب برموزه هو لكنه يكتب عنا، وبأصواتنا التي امتزجت بصوته.

لا أطيل، فمن يكتب بيد الشمس صعب مجارات شمسه.

وختاما. . إني أرى تراقيمه، نقطه، علامات الاستفهام، مقدمات تخاريفه نهاياتها، خطى من الألف إلى الياء تكتبنا وترسم لنا الطريق لنعبر.

أما خاتمه تخاريفه فقد وجدتُ فيها عشقاً صوفياً يناجي حبيبة غير مرئية إلا بروحه هو، وشعرتُ بكلماته تلامس خديّ تلك الحبيبة رغم المسافات التي تفصلهما.

أدهشتني تخاريف النعيمي ووجدت جسراً بين حلمه وأحلامنا وإن سكنتنا الكلمات وعاشرتنا إلاّ أن يومياتها لا تقبل الشك، أو الارتحال عبر الغيوم، بل تقول: توقـَّدوا، احترقوا، ولا تصلوا درجة الرماد.

أقاصيص

تـخـــاريـف

حسام الدين النعيمي

أظنها صادقة:

لقد التمست العذر (لبيدبا الهندي) و (لكليلة ودمنة) حين كتبت كتابي هذا قبل عشرين سنة، فعجزت عن البوح بوحا واضحا ليكون الوضوح فيما أرى بالذي أسميته

بـ (تخاريف حسام الدين النعيمي)

إذا شئت فاقرأ هذه التخاريف...

لأنني أظنها..

صادقة.

الإهداء:

الى من سيقرأ هذه، ويوقن بأنها تخاريفه التي يحس.. ويعاني.. ويعجز عن بوحها.

1

عم الهرج والمرج المدينة.. وتناقل سكانها البخلاء خبر فأرة مباركة، تأكل السمن فتخلف محله الذهب الخالص.. فحرم قتل الفئران، وكشفت دنان السمن في الأسواق والبيوت، لسابلة الفئران وصعاليكهم.

فشبعت الفئران حتى أتخمت، وبلغ الفأر الواحد منها حجم الآدمي.

وجاع سكان المدينة البخلاء وتضاءل حجم الواحد منهم حتى صار بحجم الفأر، وبدأت الفئران بملاحقتهم من جحر الى جحر، وتحمل الآدميون قسوة الفئران ودمويتهم.. على أمل أن يشيع في الفئران خبر آدمي مبارك، يأكل السمن فيخلف محله الذهب

الخالص..!!!

2

خزينة مال، عظيمة وفارغة إلا من صك واحد خطت عليه كلمة (أحبك).. وقعته فتاة عرجاء لصالح ضرير فقد بصره، عند اللقاء

الأول...!!!

3

حديث مغرم مخبوء في ذاكرة فتاة بكر لفها الموت قبل أن تجهر به لمحبوبها، وما يزال هذا الحديث المخبوء في ذاكرتها

مخبوءا، وتضيق به حنايا القبر المندلس.

ومحبوبها الساعة يقف قبالة شرفة إحداهن يراودها عن قلبها، وعن حديثها المخبوء في ذاكرتها....!!

4

حطت على سطح امرأة تتشح السواد، حمامة بيضاء، و كانت الأرملة تنخل دقيقا.

تبسمت... فهدلت الحمامة لها، وبقيتا لساعة من الزمن، الأرملة تنخل وتبسم.. والحمامة تقترب.. وتهدل، حتى أذا بلغت الحمامة الأرملة، مدت الأرملة كفها بحنو ورقة لتمِّسد على ريشها.

استهجنت الحمامة ذلك، فلم تكن لتأمن من البشر أكفهم.

ارتعبت.. مدت جناحيها حتى أقصاهما، ورفرفت رفرفة الخائف العشوائية فدارت بين يدي الارملة وفوق الدقيق دورات أثارت عاصفة دقيقية، وحلقت.

وبعد ان سكنت العاصفة، وجدت الأرملة أن السواد غادرها فصارت بيضاء ناصعة، بلون الحمامة.

ارتفعت برأسها للسماء فإذا هي نقطة توشك على التلاشي في الفضاء الشاسع.

انتفضت الأرملة.. أفردت جناحين هائلين.. رفرفت بهما فأثارت عاصفة دقيقة أعظم من سابقتها، وانطلقت في أثر الحمامة تريد كبد السماء، وقبل أن تتلاشى في الفضاء السحيق، عرجت بعينيها على الأرض تريد بيتها، فوجدته ابيضا بلون الثلج ينظر إليها، مفردا جناحين غطيا الحي كله.. ففكرت..

لم يتبق من الدقيق شيئا، ليثيراه الجناحان..

قد يثيران شيئا ما...

.. قد...!!

5

أطفال حفاة تغوص أقدامهم في الطين حتى القدم، فينتشر الطين من تحت جلدهم ليذوب في الدماء ويستقر في الأوصال، ومن ثم يبعث في الكبر من المسام عرقا.. وبخورا...

.. وطينْ..!!

6

عداء مشهور، اكتشف بأن الأرض تتلون تحت قدميه، ولم يكن ليكشف ذلك من قبل...

..إنها الخبرة ولا شك..!

7

نزل اللقلق عند شاطئ البحر ووقف كالعادة على ساق واحدة. بهت حين نظر إلى صفحة الماء من تحته ليجد ساقه منكسرة، وحين لحظ قربها سمكة صغيرة، حدس بأنها السبب في انكسارها فانقض عليها بمنقاره الطويل غاضبا، لكنه أفلتها حين صعق بمنظر منقاره منكسرا في الماء. . عندها صرخ محلقا:

لأنجو بالساق الباقية...!!

8

قطعة نقدية تصلح لأن تستخدم قنديلا، يعكس شمس ظهيرة البارحة، لتفتت بضوئها الثاقب حلكة ظلام هذه الليلة...!!

9

جحش عبقري دعي إلى حفل ساهر, حضره علية القوم وأشرافهم، وكان المنتظر منه الجواب السديد والرأي الدقيق حين احتد النقاش واحتدم بين المدعوين في الجرائم التي ترتكب في حق الإنسانية والإنسان في العالم، إلا أنه لوى مبتعدا وأقفل خارجا،

وفي الطريق العام تناهى إلى أسماع المدعوين نهيق حانق، اهتزت له أرجاء الطريق العام والحفل،

ولعلوه وشدته بلغ أصقاعا ومجاهيل لا نهائية..

عندها عرف الجميع، بأنه الجواب السديد والرأي الدقيق.. !!!

10

تذكرة وجواز سفر لعلي، وجدهما غريب يدعى صفوان على قارعة الطريق.

وكم كان يود صفوان السفر الى خارج البلاد ويحلم بذلك، بعد أن ثقلت أعباؤه وازدادت ديونه وكثر مطاردوه، وحين عجز عن تغيير الصورة والاسم من جواز سفر علي فيحل محلهما اسمه وصورته، سافر مخلفا وراءه الجواز والتذكرة على قارعة الطريق نفسها.. متنهدا:

:- قد يحظى بالجواز والتذكرة آخر، يشبه عليا، ويحمل نفس الإسم...

قد..!!

11

إبريق شاي تعود مرغما، أن يتلقف القهوة بين أحضانه كل صباح...

.. أقدار. . !!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى