الثلاثاء ٢٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢
بقلم عبد الكريم المحمود

تراتيلُ الحَمْد

لك الحمد يا أول الأولينا
قديماً عزيزاً قوياً متينا
لك الحمد يا سرمديّ الوجود
بغير كيانٍ حوى الكائنينا
تباركت قبل حدوث الزمان
قديراً حكيماً وحقاً مبينا
وما لك آخَرُ يا ذا البقاء
لك الحمد يا آخِر الآخرينا
تعاليتَ عن رؤية الناظرين
وأعجزتَ عن نعتك الواصفينا
فكيف يشبّهك الناعتون
وما لك شِبهٌ لدى الناعتينا
خلقتَ بقدرتك الكائنات
فأبدعتَ كوناً عظيماً رصينا
ومن منك أقدرُ يا ذا الأياد
لك الحمد يا أقدر القادرينا
الهي لك الحمد من واهبٍ
حياةً وكنا لها فاقدينا
فكم قد أتى من مديد الدهور
ولم نكُ شيئاً لدى الذاكرينا
فأنشأتَ آدمَ أصل الأنام
تراباً وماءً ومن ثمّ طينا
نفختَ به الروح منك فقام
سميعاً بصيراً ذكياً فطينا
وألهمته العلمَ بالكائنات
فصار لديك أثيراً قمينا
أمرتَ الملائكة المكرمين
فخرّوا جميعاً له ساجدينا
وما كان ابليسُ في الساجدين
حسوداً حقوداً عدواً لعينا
ومن صلب آدم آباؤنا
توالوا على الأرض منتشرينا
ونحن وهم نُطفٌ ناشئات
من الأرض ثم لها عائدينا
تخلّقنا علقاً في البطون
وتخرجنا للدُنى تبتلينا
فمن منك أحسن في الخالقين
لك الحمد يا أحسن الخالقينا
وأحييتَ بالروح أبداننا
فصرنا بأعضائها عاملينا
لتنظرَ منا حميدَ الفعال
وما كان منها ذميماً مَشينا
أمرتَ فلم نمتثلْ طائعين
ونهُيك منه ركبنا متونا
فلم تبتدرْنا بسوط العقاب
كريماً حليماً رؤوفاً مُعينا
فرحماك من موبقات الذنوب
وعفوَك عن جُهّلٍ مسرفينا
ومن منك أرحم بالجاهلين
لك الحمد يا أرحم الراحمينا
تباركتَ من راحمٍ للعباد
أحاط قضاؤك بالعالَمينا
سلكتَ بهم في سبيل الكمال
تقود محبّتك السالكينا
فما ملكوا عنك تأخيرَهم
وليسوا تقدّمَهم مالكينا
قسمتَ بعدلك أرزاقهم
فصاروا سواءً لها خاضعينا
فما هم لزائدها ناقصين
وما هم لناقصها زائدينا
ومن منك أعدلُ في القاسمين
لك الحمد يا أعدل العادلينا
ووقّتّ في العيش آجالهم
اليها بأعمارهم سائرينا
فإما الى جنة الصالحين
وإما جهنم للطالحينا
هو الحكم منك فهم يُسألون
وما عن فعالك من سائلينا
ومن منك أحكمُ يا ذا الجلال
لك الحمد يا أحكم الحاكمينا
تقدّستَ يا ملهماً للعقول
بفضلك معرفةَ الحامدينا
فلو قد حبستَ عقول الأنام
عن العلم ما أصبحوا شاكرينا
لصاروا كأنعامهم في الضلال
وعادوا بهائمَ لا يفقهونا
فيسّرتَ منهم عسيرَ الفُهوم
لتهدي اليك نُهى الفاهمينا
وجنّبتهم مرديات الشكوك
وبالعلم كرّمتهم فائزينا
فمن منك أكرمُ يا ذا النوال
لك الحمد يا أكرم الأكرمينا
لك الحمد يا من بفيض نداك
بعثتَ رسولك في الأمّيينا
يعلّم آياتك المنزلات
لمن في الضلال جروا حائرينا
فعادوا بما أخلصوا مهتدين
وصاروا على غيرهم شاهدينا
بعلمٍ وفقهٍ وحكمٍ مكين
وصرنا لهم في الهدى لاحقينا
فذلك منك عطاءٌ عظيم
غدونا به نهتدي مسلمينا
ومن منك أعظم يا ذا الهبات
لك الحمد يا أعظم الواهبينا
تباركتَ يا من دللتَ العباد
على توبةٍ تنقذ الخاطئينا
هي الفضل منك لنا أجمعين
جليلاً جسيماً على المذنبينا
وضعتَ بها إصرَنا مؤمنين
بوحيٍ أتى خاتَم المرسَلينا
مدى الوسع كلّفتنا مسلمين
بدينٍ حبانا سماحاً ولينا
فما أنت جشّمتنا بالعسير
ولكنْ بيسرٍ لدى المنصفينا
فليس لنا حجّةٌ في الجحود
عليك ولا عذرَ للهالكينا
ومن منك أنقدُ للعاملين
لك الحمد يا أنقدَ الناقدينا
بفضلك تحلم عمّن عصاك
وصار لغيرك في العابدينا
ومنك تزوّد نبض الحياة
وإن كان من قبلُ ماءً مهينا
تربّيه في نشأةٍ بالعطاء
وتوليه في الضعف حضناً أمينا
وتغذوه بالنعم الوافرات
ليصبح منها قوياً مكينا
فهل عاد يشكر ذاك الحنان
اليك ويركع في الراكعينا
فمن منك أحلمُ يا ذا الأناة
لك الحمد يا أحلم الأحلمينا
بسترك أنت شملتَ الأنام
وأكرمتهم بنُهى المدركينا
ألنتَ مقاولهم للدعاء
وعرّفتهم سبلَ المهتدينا
وسهّلتَ مسلكهم في الوصول
اليك ومن نقصهم كاملينا
فهل قابلوك بغير الكُفور
وقد عاد أكثرُهم فاسقينا
حريصين في بُعدهم عن رضاك
وعما تريد لهم معرضينا
ويدعون في غيّهم طالبين
مزيداً وليسوا به مستحينا
وقد حق فيهم سريعُ العقاب
بما أعرضوا عنك مستهزئينا
وحق العذابُ بما أغضبوك
وإياك كم خالفوا مسخطينا
ولكن بحلمك قد أمهلوا
ليومٍ سيأتونه راجعينا
فمن منك أصبر في الصابرين
تعاليت يا أصبر الصابرينا
تباركتَ يا عالماً بالنفوس
وحين توسوس للمختفينا
وأنت اليهم كحبل الوريد
وأقرب منه بما يفعلونا
جعلتَ ملائكة عاملين
علينا بكل خطىً حافظينا
حراصاً بأفعالنا عالمين
كراماً لأعمالنا كاتبينا
فكلٌ علينا رقيبٌ عتيد
فبعضٌ شمالاً وبعضٌ يمينا
فإن يفعل العبدُ أيَّ الفعال
تراهم لذا الفعل مستنسخينا
وإن يلفظ العبد أيَّ الكلام
تراهم لأقواله جامعينا
فهل أحسن الناس ما يعملون
وفي الفعل هل أصبحوا مصلحينا
وهل وزن الناسُ ما يلفظون
وفي القول هل أصبحوا صادقينا
فكيف تمادوا بما يصنعون
وقد عاد أكثرهم مفسدينا
وكيف تمادوا بما يهذرون
وقد عاد أكثرهم كاذبينا
وأنت البصير بهم عاملين
وأنت السميع لهم ناطقينا
وأنت العليم بما في الصدور
مسرّين ما فيه أو معلنينا
وتعلم من لحظات العيون
لديهم بريئين أم خائنينا
بذلك أخبرتنا في الكتاب
بحقٍ نصدّقه موقنينا
ومن منك أصدق في القائلين
لك الحمد يا أصدق القائلينا
تباركتَ من خالقٍ للجَمال
يروع بروعته الشاعرينا
وخرتَ لنا منه حسنَ القوام
بأحسن ما ينبغي أن يكونا
نفوق به سائرَ الكائنات
وإن أذهلتْ خابريها فتونا
ومن منك أجملُ يا ذا البهاء
لك الحمد يا أجمل الأجملينا
وذلّلتَ في أرضك الممكنات
تُقاد بيسرٍ لنا قائدينا
وسخّرتَ أعظمها للخضوع
اذا ما هتفنا بها آمرينا
بحولك صيّرْتنا أقوياء
ولولاك من ضعفنا ما قوينا
فمن منك أقهرُ يا ذا العلاء
لك الحمد يا أقهر القاهرينا
تباركتَ يا من تجلّى سناك
عظيماً لأفئدة المتقينا
لك الحمد يا من توالي النوال
كريماً وتغضي عن الجاهلينا
تقيل برحمتك العاثرين
ومن عطبٍ تمنع الغافلينا
فكيف تجاهلك الملحدون
وأنت الرقيب على الملحدينا
تغرّ أناتُك طيش العصاة
وتمهل من حلمك الفاجرينا
وأنت القدير على الانتقام
بأسرع من لمحة المبصرينا
ولكنْ تأنيتهم للمتاب
كريماً عطوفاً على التائبينا
ومن منك أغفر يا ذا السماح
لك الحمد يا أغفر الغافرينا
ويا من لك النعم الوارفات
وجمّ عطاؤك للمحوجينا
وتغدق آلاءك السابغات
على المؤمنين أو الكافرينا
وحلمك يقبل عذر المسيء
وجودك يهتف بالمحسنينا
وتقبل ممن أطاع اليسير
وتعطيه أجراً وفيرا ثمينا
فمن منك أفضل في الشاكرين
لك الحمد يا أفضل الشاكرينا
ويا من تردّ نزول البلاء
وتكشف ضرّاء عن مبتلينا
تجيب الدعاء اذا ما دعوك
وصاروا بما مسّهم ضارعينا
منيبين يرجون منك النجاة
ويبكون من هلكهم خائفينا
فلما كشفت ظلام البلاء
وعادوا الى نورهم آمنينا
اذا هم لفضلك مستبعدون
وفي ذكر غيرك مستهترينا
جحوداً عليك من الكافرين
فآبوا بما كفروا خاسرينا
ومن منك أعرف بالصالحين
لك الحمد يا أعرف العارفينا
وأنت تفرّج همّ القلوب
وتنعش مكروبها والحزينا
وللحق أنت تعزّ الضعيف
بنصرٍ تذلّ به الظالمينا
وباللطف أنت تُغيث اللهيف
وتُرقي لعينيه دمعاً سخينا
وتعطي الأمان بدفع المخيف
إجارتُك الخائفَ المستكينا
فمن منك أعطف يا ذا الحنان
لك الحمد يا أعطف العاطفينا
لفضلك ينتجع المجدبون
فتنعش من فضلك المجدبينا
تجيب لهم مرسلاً بالرياح
لأرضٍ مواتٍ تسوق المزونا
فيغدون بالغيث مستبشرين
وإن بات أكثرهم مبلسينا
فمن منك أجود يا ذا العطاء
لك الحمد يا أجود الأجودينا
وأنت تنجّي الغريق الوحيد
تغشّاه موجٌ يُطيح السفينا
وتشفي عليلاً جفاه العضيد
وصار أطبّاؤه يائسينا
وأنت غياث السجين الضهيد
ومن قبضة الظلم تنجي السجينا
وأنت بجودك مأوى الشريد
بعيداً عن الأهل والأقربينا
وأنت أنيس الغريب الطريد
تطوّح في وحشة الضائعينا
فمن منك أحسنُ في المحسنين
لك الحمد يا أحسن المحسنينا
وأنت السميع الى من دعاك
بنجوى تخفّت على السامعينا
لك الملك وحدك دون سواك
وتمهل في حلمك المشركينا
ولم يخلُ من فضلك الجاحدون
ولستَ لهم بالعطايا ضنينا
وأجريت من رزقك الطيبات
علينا ولسنا لها مقرنينا
فنحن لنعماك لا نستطيع
لنشكر أصغرها جاهدينا
وأنت الغنيّ عن العالمين
وما زاد في ملكك الطائعونا
فمن منك أملك يا ذا الجلال
لك الحمد يا أملك المالكينا
وبالعدل أنت تكيد العتاة
فتمحق في كيدك الكائدينا
وبالعدل تمكر بالكافرين
فتخذل في مكرك الماكرينا
وتكسر شوكة فضّ عسوف
يغالب في جوره الجائرينا
فمن منك أغلب يا ذا المِحال
لك الحمد يا أغلب الغالبينا
لئن طال إمهالُك الظالمين
وعادوك في غيّهم سادرينا
فكل ممالكهم للزوال
وسوف يجافونها بائدينا
وملكك باقٍ وثيق الدوام
وحاشاه في خُلده أن يهونا
عليهم لك الحججُ الدامغات
فويلٌ لمن جنحوا معتدينا
لهم خيبةٌ تخذل الخائبين
وأشقى شقائك للخائبينا
كثيرٌ تقلبهم في العذاب
وليسوا على طوله مُخرجينا
فمن رحمة الله هم مبعَدون
وعادوا بما أجرموا قانطينا
ومن منك أفصل في الفاصلين
لك الحمد يا أفصل الفاصلينا
بفضلك تدنو من المدّنين
وتدعو الى نفسك المدبرينا
ولستَ تغيّر سيب نداك
ولا أنت تلغيه كالناقمينا
ولكنْ تنمّيه للصالحين
وتُبقي عليه لدى السيّئينا
قضاء حوائجنا من غناك
ولسنا سواك بها قاصدينا
فكيف الثناء لهذا العطاء
عليك ولسنا له حاسبينا
ومن منك أنفع في النافعين
لك الحمد يا أنفع النافعينا
يخيب على غيرك الوافدون
وتُنجح من فضلك الوافدينا
ويخسر إلا لك القاصدون
وتُربح من سَيبك القاصدينا
ويجدُب من غيرك الطالبون
وتُنجع من جودك الطالبينا
وقد ضاع إلا بك النازلون
وتُكرم في ساحك النازلينا
فمن منك أوسع في المنعمين
لك الحمد يا أوسع المنعِمينا
لمجدك يرتحل الراغبون
فتُنحل من مجدك الراغبينا
وإياك ينتجع الظامئون
فتُنهل من غيثك الظامئينا
ونحوك يتّجه الآملون
فليس تخيب منى الآملينا
وبابك يطرقه السائلون
وأنت القريب من السائلينا
فمن منك أمجد يا ذا السناء
لك الحمد يا أمجد الماجدينا
تقدّمتَ يا ذا العلا بالوعيد
ورغّبتَ باللطف شرعاً ودينا
وأظهرتَ آياتك البيّنات
ولم تُبقِ عذراً لمعتذرينا
ومن كل شيءٍ ضربت المثال
وأخّرتَ من قمعك العاندينا
وليس من العجز طول الأناة
ولا منك وهناً ولا منك لينا
ولكنْ لتُبلغَ في الاحتجاج
وتُبديَ أقصى مدى المكرِمينا
وتُظهرَ أوفى ندى المحسنين
وأكملَ ما ينعم المنعمونا
وذلك منك قديم الفعال
فكان وما زال حقاً يقينا
ومن منك أدوم في المفضلين
لك الحمد يا أدوم الدائمينا
لك الحمد يا من رفعتَ السماء
بلا عمَدٍ تبهر الناظرينا
فسوّيتَ سبعاً طباقاً شداد
وأوحيتَ أمرك فيها مكينا
بها الجنّ والانسُ مستعبَدون
وليسوا لأقطارها نافذينا
يؤَجّ عليهم شُواظُ النحاس
ونارٌ فما هم بمنتصرينا
فهل في بناها رأى المنكرون
فروجاً أم انقلبوا خاسئينا
اليها من الأرض حين العروج
بأمرك يومان للعارجينا
فيومٌ بألفٍ بعدّ السنين
ويومٌ بخمسين ألفاً سنينا
وزيّنتَ أقربها بالنجوم
ورجمَ الشياطين والمارقينا
مصابيحُ عند الدجى زاهرات
وفي التيه تهدي بها التائهينا
ومن منك أحفظ للعالمين
لك الحمد يا أحفظ الحافظينا
وأوقدتَ شمساً كوهج السراج
يعود الكسالى بها ناشطينا
وأهديتنا قمراً في الحساب
لنعلمَ أيامنا حاسبينا
وبالقمرين أنرتَ الظلام
نهاراً وليلاً حثيثان فينا
وبالليل تسلخ منه النهار
فيمسي العبادُ به مظلمينا
قرينان تولج هذا القرين
بذاك وتولج فيه القرينا
ويختلفان لنا دائبَين
لذكرك ممسين أو مصبحينا
لنا في النهار طلابُ المعاش
ونسكن في ليلنا نائمينا
فهلاّ صحبناهما قائمين
عشياً لحمدك أو مظهرينا
تباركتَ منشيء هذا البناء
ومَن فيه كلٌ عنَوا قانتينا
وبالحق يعبدك النابهون
وضلّ دعاة الهوى سامدينا
ومن منك أوجب للعابدين
لك الحمد يا أوجب الواجبينا
لك الحمد يا مطعِماً للعباد
ولولاك لاقتتلوا جائعينا
وأنت سقيتهمُ بالمياه
ولولاك لاصطرخوا ظامئينا
فهل نظروا في الذي يأكلون
وإياك هل شكروا آكلينا
وهل عرفوا سرّ ما يشربون
وإياك هل حمدوا شاربينا
بأنك أنزلتَ ماء السماء
وأسكنته الأرض ثرّاً خزينا
وأجريتَ فيها عظيم البحار
وفجّرت أنهارها والعيونا
وأنبتّ من كل زوجٍ بهيج
زروعاً بألوانها تستبينا
فمنها الرياحين ذات العطور
تحاكي القرنفل والياسمينا
ومنها النخيل بطلعٍ نضيد
وقنوانها تعجب المجتنينا
وغُلب البساتين ذات الثمار
تظلّل زوّارها فاكهينا
وحبّ وقضبٌ وبقلٌ عديد
تقوت منافعه الطاعمينا
وشتى الفواكه ذات الطعوم
تُحيّر في طعمها الذائقينا
ومرعى لأنعامنا السائمات
يسرّ بخضرته السائمينا
فتغدو جمالاً لمن يسرحون
وحين العشيّ بها رائحينا
وصارت لدى الناس خيرَ المتاع
وما أصبحوا دونها مغتنينا
فيغدون من درّها شاربين
ومن دفء أصوافها دافئينا
ومن لحم أطيبها طاعمين
ومن ظهر أصلبها راكبينا
وتحمل أثقالهم واصلين
بلاداً تشقّ على الواصلينا
فهل شكروك لما يملكون
وليسوا لأنعامهم رازقينا
وهل ذكروك بما يحرثون
وليسوا لما حرثوا زارعينا
فمن منك أقوت يا ذا الثراء
لك الحمد يا أقوت القائتينا
وأوحيتَ للنحل شيدي البيوت
خلالَ الجبال وما يعرشونا
وطوفي بأزهار كل الثمار
ونقّي أطايبَ ما تأكلينا
فيخرج منها لذيذُ الشراب
يداوي السقيم ويشفي الزمينا
فسبحان جاعلها للعباد
جنوداً لصارخهم منقذينا
فهل شكروك بحال الشفاء
واياك هل سألوا مشتكينا
ومن منك أرأف بالواهنين
لك الحمد يا أرأف الرائفينا
وأرسيتَ في الأرض صمّ الجبال
لئلاّ نعيش بها مائدينا
غرابيب سودٌ وحمرٌ وبيض
تعنّي بأثقالها الحاملينا
وأثبتّ أركانها الشامخات
فسرنا على ظهرها هادئينا
وعادت لنا الأرض نعم المهاد
فراشاً بساطاً قراراً أمينا
ونسلك منها وسيع الفجاج
ذلول المناكب للسائرينا
ونبني عليها فخامَ القصور
ونبغي معايشنا آمنينا
فهل قدر الناس هذا العطاء
وقد نشأوا في الفضا طائرينا
على كوكبٍ سابحٍ في السماء
كمثل الملايين من سابحينا
يضيع بأبعاد كونٍ مهول
وليس لدى الله في الضائعينا
فسبحان ممسكه من زوال
وما للسماوات من ممسكينا
سواك تعاليت من صانعٍ
فلولاك أمست من الزائلينا
ومن منك أتقنُ في الصانعين
لك الحمد يا أتقن الصانعينا
وأنت مرجتَ البحور العظام
تروع بأمواجها الماخرينا
فمنها يموج بملحٍ أجاج
يجاور عذباً فراتاً مَعينا
وهذان بحران يلتقيان
ولا يبغيان من الدهر حينا
فبينهما برزخٌ من قضاء
لطاعته صار كلٌ رهينا
ومن كل بحرٍ طريَّ اللحوم
تحوز الشباكُ من الصائدينا
ومن غاص فيه من الحاذقين
جنى لؤلؤاً يبهر اللابسينا
ويحمل فُلكاً كشُمّ الجبال
تديل التجارة للتاجرينا
وبالفُلك يمخره الراحلون
فتطوى المسافاتُ للراحلينا
فهل شكروك لهذا النعيم
واياك هل ذكروا مبحرينا
ومن منك أفضل للذاكرين
لك الحمد يا أفضل المفضلينا
لك الحمد حمداً ينال رضاك
وعفوَك نحيا به ما حيينا
يكون لنا في كتابٍ رقيم
ويُرفع منا الى علّيينا
يضيء لنا ظلمات القبور
ويوم النشور يكون القرينا
تقرّ به العين يوم البروق
ويوم خشوعٍ يُزيغ العيونا
وتبيضّ في الحشر منه الوجوه
بيومٍ ستسودّ في الجاحدينا
به العتق من ذلّ نار العذاب
بلوغاً الى جنة المكرَمينا
ومن منك أضمن عند الثواب
لك الحمد يا أضمن الضامنينا
لك الحمد يفضل حمد الكرام
لديك ملائكةً مقربينا
وحمداً يقابل كل عطاء
بأضعافه أبد الآبدينا
يفوق الخلائق منذ النشوء
ليوم قيامتهم منشَرينا
نضاعف أعداده حاسبين
وما نحن من عدّه منتهينا
فلا حدّ في حدّه منتهاه
ولسنا لغايته بالغينا
يكون طريقاً لنيل رضاك
يقود الى جنة الخالدينا
ومن منك أكرم للحامدين
لك الحمد يا أكرم المكرِمينا


الأعلى