الاثنين ٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم أسماء عزايزة

تركتك لشفافية القمح...

لا تتملكني حاجة، ولا شيء يشبهها لأن أتذكر ماضيك الحزين أو حاضرك الأحزن حتى أراك جميلة..
فيمكنك أن تكوني هكذا دون صور شعرية ملأى بالحسرة أو حروف مغموسة بالنوستالجيا.. يكفيني ما كتب الأدباء من مراث سوداء، يكفيني ما سطّر الشعراء والشوك في أناملهم، يكفيني ما أخفت معاطفهم المخملية الطويلة ذات شتاء.. أشكر أقلامكم وما سكبته من شجن عليها.. أشكر قبعاتكم الصوفية وما حفظته من روايات حزينة عنها.. أشكر حقائبكم التي كلّت تحمل أعباءها الثقيلة. فلا حاجة للمزيد.. لم يطلب منكم أحد أن تعتلوا همومها على أكتافكم الضيّقة وتجوبوا شوارعها متظاهرين بالمسؤولية! أشكركم نيابةً عنها لتتنحوا جانبًا.. فاذهبوا.. اذهبوا بعيدًا في بحرها.. ينتظركم كاظم الأعباء فاركبوه واذهبوا.. اذهبوا يا من شردتموها وتركتموها تنزف وأخذتم تتغزلون بالعشب الأحمر تحت قدميها. كفاكم تبكون بحرها بأشعاركم الزائفة.. كفاكم ترثون ليل المدينة القديمة.. كفاكم قهرًا ويأسًا. هي جميلة دون أن تكون حزينة مثل وجوهكم وأقنعتكم الرخوة.. هي رقيقة دون أن تكون مغتصبة أو تحت سطوة من تكرهون. لا تحبوها هكذا.. لا تحبوها لأجل أضدادها.. أحبوا أضدادها لأجلها. أحبوها كما تركتها لكم.. فاتركوها كما تركتها.. شفافة عارية..

واصعدوا على أوراقكم النتنة وامحوا ما قسي من كلام.. واقبضوا على مجلداتكم الفارغة واعصروها بأيديكم..
كنّسوا أحزانكم البالية والقدر العفن الذي صنعتموه. فهي جميلة دونه.. دون دموعكم الحلوة ودون آهاتكم وعويلكم الكاذب. تركت حيفا للقمح ترقص! والقمح شفاف كخاصرتي حين تصير موطنًا للمدينة وللفراشات الصغيرة.. حيفا ترقص وتنحني عند منعطفات كرملها.. تغمز الزبد بعينها اليسرى وتركض. يركض نهدها معها ويغفى على الشاطئ لليلة. يغار الشاطئ من الرمال المالحة ويعانق أهدابها عشرين مرة. تصعد الجبل حافية القدمين.. نصف عارية. حيفا الشقية تهمس للتراب. ترقص للقمر في كماله.. وتطلب قبلة.. وعندما تعانق الأسوار جسد عكا المرتجف من نسمات المتوسط الليلية الباردة، تغار حيفا وتصبح عكا.. فتعانقها الأسوار ويتحد الجسدان..

عروس البحر تخون زوجها وتنتحل كل مكان.. تتشاقى.. تحزم جسدها وتسافر بعيدًا.. ترى أسباط الناصرة تضاجع المدينة.. فتتغاوى لتصبح عشيقة الأسباط وطرقات السوق القديمة.. لا داعي لأن تتحايلي الدخول بين قريتي وبين خلانها.. فأنا سأهديك ما تشائين من حب للممارسة.. فَطور بلدي كرملك النهاري، ومرجها بحرك الليلي.. تشبهك بلدتي حد الجنون.. سأتركك للطور يغازلك ويطلب منك رقصة أيلول الأخيرة قبل أن يغرق المطر ابن عامر فيكف عن مداعبة شعرك الغجري. تركتك لقمح المرج يدغدغ قدميك الصغيرتين.. فانهضي لمضاجعك.. اسرقي لحظات العشق ممن شئت.. وكوني من شئت.. كوني كل البلاد دفعة واحدة.. كوني عكا إن شئت.. كوني الناصرة إن شئت.. فكل البلد أنت، وأنت كل البلاد...

الأول من تشرين الأول، 2006

دبورية

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى