الجمعة ١ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم رانية عقلة حداد

تسع حيوات

الأحياء وسط الموت المحيط...
يبدون أكثر موتا من الموتى أنفسهم

قصص منفصلة لتسع نساء تتوالى كحلقات في سلسلة طويلة تمتد خارج الفيلم الأميركي (تسع حيوات) انتاج 2005، للمخرج الكولومبي (رودريجو جارسيا) ابن الروائي جابريل جارسيا ماركيز، وتشكل كل قصة منها منمنة تضاف إلى الصورة الكلية، في هذا القالب الفني المألوف يضع المخرج لحظات منتقاة من حياة شخصياته النسائية، والتي هي شخصيات عادية وغير استثنائية إنما كما يرى رودريجو فكل قصة لها حياتها واهميتها.

سجينة في انتظار زيارة من طفلتها، والمشاعر التي تنتابها من هنا تبدأ الحكاية الأولى، مرورا بحكاية امرأة تلتقي صدفة في السوبرماركت حبيبها القديم بعد عشر سنوات، وقد تزوج كل منهما، لكن ما أن تلتقي نظراتهما حتى تبعث المشاعر القديمة من جديد، إلى مشاعر امراة مصابة بالسرطان قبل خضوعها بقليل لعملية استئصال الثدي، وغيرها من الحكايات التي ترصد كل واحدة منها لحظة محددة للشخصية توضع تحت المجهر، لا يهم ما قبلها وما بعدها، أو اي تفاصيل عن الشخصيات عن سبب ما حدث لها، أو عن تاريخها فلا نعرف سوى الاسم الأول الذي يعنون كل لوحة، دون حلول أو افعال ايجابية من قبل الشخصيات.

هذا القالب يذكرنا بالفيلم المصري "منهم وفيهم" انتاج 2007، للمخرجة ماجي مرجان الذي تكلمنا عنه في عدد سابق، حيث هو سبع قصص مستقلة متتالية لنساء، مع قدر من الاختلاف بين الفيلمين، حيث "منهم وفيهم" يتمتع بحس شعري يغيب عن "تسع حيوات"، كما أن في "منهم وفيهم" لا تلتقط المخرجة لحظة معينة فقط وانما حكاية كل امرأة والفكرة التي تقف خلفها، وكل امرأة هي الراوية لحكايتها نسمع لمونولوجها الداخلي، والفيلم يقارب الحياة في تنوعها حيث بعض الحكايا تحمل قدر من الايجابية والبعض الاخر السلبية في خيارات شخصياتها، بخلاف فيلم "تسع حيوات" الذي يتسم بلون واحد حيث هناك فقط الخيبات.

اللقطة الواحدة الطويلة -12 دقيقة- لكل حكاية من التسع، باستخدام الكاميرا المحمولة الثابتة، لم تسعف ابدا المخرج رودريجو جارسيا في صنع فيلم ممتع، وشيق يشد المُشاهد دون أن ينتابه الملل، على الرغم من أن الكاميرا المحمولة الدائمة الحركة، بتنوع زواياها واحجام لقطاتها تمنح حيوية للمَشاهد وجاذبية خاصة، كما أن اداء بعض الممثلين غير الموفق ساهم ببعث الملل.

هناك ملامح غرائبية، سيريالية تسم بعض مشاهد الفيلم، ففي احدى الحكايا مثلا تذهب سيدة وطفلتها للتنزه واللعب في مقبرة الذي يضع المقبرة في غير وظيفتها المألوفة، وفي حكاية اخرى تذهب سيدة إلى جنازة زوجة زوجها السابق، فيترك هذا الزوج الاصم مراسم الجنازة الخاصة بزوجته المتوفاة، ليلحق بزوجته السابقة والمرأة التي يحب فيقودها إلى غرفة مجاورة ويمارس الحب معها هناك، ليضع كما في المشهد السابق جنبا إلى جنب الموت والحياة، لكن الحياة يجب أن تغلب.

هل صحيح أن ل (القطة) تسع ارواح؟ هكذا تسأل الصغيرة والدتها حيث تجلسان في نزهة معا على الارض المنبسطة بين شواهد القبور، فتجيبها الام بعد لحظة صمت اظن فقط هناك واحدة، بهذه الاجواء يختار رودريجو أن ينهي فيلمه ولربما إلى هذا يشير اسم الفيلم "تسع حيوات أو ارواح" حيث ليس للمرء سوى حياة واحدة يحياها، فكل لحظة هي قصة، وكل لحظة هاربة جديرة بالاهتمام والمتعة، لكن المرء لا يتمكن من الاستمتاع بها... هكذا هي الحياة، فالاحياء وسط كل هذا الموت المحيط يبدون اكثر موتا من الموتى انفسهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى