الخميس ٢ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم يحيى السماوي

تـرنـيـمـتـان أخـريـان

(1)
 
ذات لـيـلٍ عـاصِـبِ الأقـمـارِ
أفـطـرتُ ـ وإنْ
لـم أصُـم ِ:
 
بـرغـيـفٍ مـن عـنـاق ٍ..
وبـكأسٍ مـن شـذا الـجـيـدِ..
وتـمْـر ٍ
مـن بـسـاتـيـن ِ الـفـم ِ..
 
وتـوضّـأتُ..
فـصـلّـيـتُ صـلاة َ الـفِـطـرِ والأضـحـى..
وصـلّـيـتُ الـتـراويـحَ قـنـوتـا ً..
طـفـتُ مـن حـولِـكِ سَــبـعـا ً..
كـطـوافـي قـبـلَ عِـقـدَيـن ِ بـروضِ الـحَـرَم ِ!
 
وتـهـجّـدْتُ ..
وسَـبَّـحْـتُ ..
ورتَّـلـتُ جَـهـورا ً سُـوَرَ :
«الإنـسـانِ».. و«الـتـوبـة ِ» ..
و« الإخلاصِ».. و«الـفـتـح ِ»..
وبـعـضَ :
«الـنـحـل ِ» و«الـفـرقـانِ» ..
«طـه»... «مـريـم» ..
 
ثـمَّ أمْـسَـكـتُ نـهـاريـنِ ولـيـلـيـنِ
فـمـا حـدّثـتُ إلآكِ ..
ولا أبْـصَـرْتُ إلآكِ ..
ولا هـاتـفـتُ إلآكِ ولـو
فـي حُـلُـم ِ ..
 
لـم أكـن وحـديَ أمْـسَـكـتُ
فـقـد أمْـسَـكَ :
قـيـثـاري ..
وعـطـري ..
ومُـزاحـي بـيـن نـدمـانـي ..
وحـتـى قـلـمـي :
 
كلما حاولـتُ أن أكـتـبَ عـن زنـبـقِ خصـر ٍ
وغـزالٍ نـافـرِ الـصـدرِ :
رمـانـي خـارجَ الـسَّـطـر ..
وفـرُّ الـحـرفُ مـذعـورا ً
فـرارَ الـحُـلـم ِ فـي يـقـظـةِ عـيـنِ الـنُّوَّم ِ
 
وربـابـاتـي :
إذا حـاولـتُ أنْ أنـسـجَ لـحـنـا ً
عـن شـذا فـاتـنـة ٍ أخـرى
تـشـظـتْ غـضـبـا ً
واغـتـاظَ مـنـي نـغـمـي !
 
ودروبي أمْـسَـكـتْ : زمّـتْ رصـيـفـا ً
وأشاحَـتْ وجـهَـهـا
عـن قـدَمـي!
 
ذات يوم ٍ :
لـطـمَ الـجـفـنُ عـيـونـي
عـنـدمـا حَـدَّقـتُ سَـهْــوا ً
بـمَـهـاة ٍ
تـرتـدي ـ مـثـلـكِ ـ شـالا ً مـن حـريـر ٍ
شـعَّ مـن تـحـتِ حِـجـاب ٍ
لـونُـهُ لـونُ دمـي!
 
أفـمـا حـانَ سـحـوري؟
فاسـقِـني مـنـكِ ولو بعـضَ حروفٍ
من فُـتاتِ الكَلِم ِ ..
 
أنـا أرضـى
بـرذاذٍ مـن يـنـابـيـعِـكِ ..
أرضـى
بـدخـانِ الـمـوقِـدِ الـشـتـويِّ والـتـنّـور ِ ..
بـالـفُـضْـلـة ِ مـن قـهـوتِـكِ الـمُـرَّة ِ ..
مـن واحـاتِـكِ الـصُّـوفـيَّـة ِ الأورادِ
أرضـى
بـزهـورِ الـعَـلـقـم ِ!
 
آن َ لـلـقـيـثـار ِ أنْ يـمـلأ كـأسَـيـنـا
بـخـمـر ِ الـنَّـغـم ِ ..
 
مـرَّ يـومـانِ عـلـى إمْـسـاكِ :
عـيـنـيَّ ..
ضـلـوعـي ..
شـفـتـي ..
صـدري ..
يـدي ..
حـضـنـي ..
وسَـمـعـي ..
فـمـتـى تـنـصـبُ لـيْ مـائـدة َ الـجـنَّـة ِ ؟
قـمْ نـحـرثُ حـقـلَ الـشـوقِ
نـسـتـسـقـي لـهُ الأمـطـارَ والـشـمـسَ ..
قُـم ِ
 
حَـرَّمَ الـلـهُ عـلـى الـيـنـبـوع ِ
أنْ يُظْـمِـئَ أفـوافَ الـفـراشـاتِ
وزهـرَ الـبُـرعـم ِ
 
مُـسْـلِـمٌ أنـتَ ..
فـلا تـمْـنـعْ نـمـيـرا ً
عـن ظـمـيء ٍ مُـسْـلِـم ِ
 
(2)
 
أنا آخـرُ العـشّـاقِ من أحـفـادِ «أنـكـيـدو»..
وأنـتِ بـقـيّـة ُ الوحشـيّـةِ الأشـواقِ «ســيـدوري»..
هَـبَـطـتِ إلـيَّ مـن فـردوسِـكِ الـعـلـويِّ ..
أنْـسَـنْـتِ الـضّـواري في كـهـوفِ
الـغـابـةِ الـحـجـريّـة ِ الأشـجـارِ ..
صـرنـا فـي هـوانـا خـارجَ الـتـاريـخ ِ
والـكـتُـبِ الـقـديـمـةِ والـجـديـدة ِ
والـلـغـاتِ الـسّـائـدةْ
 
عـلّـمْـتِـنـي كـيـف اصـطـيـادُ غـزالـة ِ الـمـعـنـى
وكـيـف أسـوقُ نـحـو الـبـيـدِ والـواحـاتِ
قـافـلـة َ الـغـيـوم ِ الـشّـاردةْ
 
وأعَـدْتِ لـلأشـجـار ِ خـضـرَتَـهـا
ولـلأنـهـارِ مـوجَـتـهـا
ولـلـعِـذق ِ الـيـبـيـسِ نـضـائـدَهْ
 
وأعـدْتِ لـيْ
مـا كـنـتُ قـد أهـرقـتُ مـن مـاءِ الـسـنـيـنِ
عـلـى رمـال الأمـسِ فـي
وطـنـي الـمُــخَـرَّز ِ بالـمـقـابـر والـمـشـانِـقِ ..
والـمُـسَـيَّـجِ بـالـخـنـادق ِ ..
والـمُـطـرَّز ِ بـالـتـصـاويـر ِ الـقـمـيـئـة ِ ..
والـمُـحـاصـر ِ بـالـجـيـوش ِ الـوافـدةْ
 
وأقـمْـتِ لـيْ كـوخـا ً عـلـى سَـعَـة ِ الـهـوى ..
الـنـهـرُ فـيـه ِ الـكأسُ ..
والـخـمـرُ الـمَـسَـرَّة ُ ..
والـحـقـولُ الـمـائـدةْ
 
وأعَـدْتِ رسـمَ مَـلامـحـي ..
هـذّبْـتِ قـافـيـتـي ..
قـتـلـتِ الـمـارقَ الـشـيـطـانَ فـي جـسـدي ..
هَـدَمْـتِ جـمـيـعَ حـانـاتي الـقـديـمـة ِ ..
والـكـهـوفِ الـفـاسـدةْ
 
آمـنـتُ بـعـد ضـلالـتـي :
فالـلـهُ واحـدُ ..
والـيـقـيـنُ الـحـقُّ واحـدُ ..
والـتـي لـيـسـتْ تـسـمّـى :
واحـدةْ ..
 
وأنـا ـ الـفـقـيـرَ إلـى هـواكِ ـ اثـنـان ِ :
جـذرٌ ضـاربٌ فـي عُـمْـقِ طـيـنِ الأمـس ِ ..
جـذرٌ لا رفـيـفَ لـهُ ..
وغـصـنٌ دون ظِـلّ ٍ تـسْـتـبـيـهِ الـرِّيـحُ ..
أنـتِ جـمَعْـتِـنـي
فـأعَـدتِ جـذري لـلـغـصـونِ ..
ولـلـنـخـيـلِ قـلائـدَهْ
 
وبـعـثـتِ نـهـري مـن رمـيـم ِ جَـفـافِـهِ
فـاخْـضَــرَّ شـاطـئُـهُ الـمُـقـرَّحُ
واسْـتـعـادَ روافـدَهْ
 
طـوبـى لـنـهـري
فـي تـلاشـيـهِ الـمُـبـاركِ فـي حـقـولِـكِ ..
لانـبـعـاثـي فـيـكِ طِـفـلا ً شـاعـرا ً
يـلـهـو
فـيـنـسـجُ مـن خـيوطِ الـمـاءِ قـرطـاسا ً
لـيـكـتـبَ بـالـضـيـاءِ قـصـائِـدَهْ
 
عـيـنـايَ زائـدتـانِ
إنْ لـم تُـطـبِـقـا جـفـنـا ً عـلـيـكِ ..
ورحـلـتـي إنْ لـم تـكـونـي يـا مُـقـدَّسـة ُ
الـبـدايـة َ والـنـهـايـة َ
زائـدةْ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى