الخميس ٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم
تلكَ الرِّسالَةُ الحمقاء
1
لَمْ أَقُلْ شيئاً حينَ قَالتْ: لافقطْ.. تَأبَّطتُ قصائديوكراريسي الأَرْبَعَةَالتي كتبتُها لها..وتَأَبَّطتُ كُلَّ أحلامي،طموحاتِ قلبيوما بَيَّضتُ على الأَوراقِ الصَّفراءِوما خَرْبَشْتُ على هَوامِشِ الكُتُبِ..كُلُّ ذَلكَ تَأبَّطتُهُ ذَاتَ خَرِيفٍومَضَيْتُ منتعلاً وَجَعاً كَبيراًبحجمِ الحُبِّ..مَضَيْتِ إلى خارجِ الفَرَحِ،إلى مَكَانٍ جَديدٍأَضَعُ فيهِ قصائدي،بعيداً عَنِ الوَجَعِ والحُزْنِ.2
كانَ يوماً بارداً جِدّاًيوماً خريفيّاً بامتيازٍ؛أَوراقُ الأَشجارِ الصَّفراءِتتساقَطُ في كُلِّ مكانٍ،والسُّحُبُ الرَّمادِيَّةُ تتكَتَّلُ في السَّماءِوكُلِّ شيءٍ يبدو كئيباً.......وصلتْ رسالتُكِ أَخيراًتحمِلُ كُلَّ القَلَقِ والفَزَعِتحمِلُ الخَوْفَ والرُّعْبَ والجَهْلَ..وصَلَتْ رِسالتُكِ الحمقاءُ أَخيراًتَقْطُرُ دَماًوقَيحاًوكُفراًوَصَلَتْ وأَنَا أَرسُمُكِ هُنافي سِيَرِي الشَّعبيَّةِفي مَرويَّاتِ أَبطالي الأُسطورينَلمْ أَهْرُبْ كَمَا هَرَبْتِ،ولا أَخشى صَقِيعَكِ المميتَ.فَقَدْ بَدَأْتُ أَرْسُمُكِ في دَفَاتِرِ الغِيابِوفي لوحَاتِ الأَمسِ الجميلِ..حُلُماً كُنْتِتَرقُّباً أَلهبني مَعَ أَوراقيانتظاراً أَرَاقَ الكَثيرَ مِنَ الحِبرِوالدَّمعِ..3
سيكونُ الشّتاءُ القَادِمُ دافئاً مِنْ دونِكِوستشتَعِلُ أَصابعي حُبّاًستبوحُ بأَغلى ما امتَلَكَتْستمْطِرُ حُبّاً وحِبراً وحناناًلنْ تحتاجَ إِليكِوستُغنِّي بسعادَةٍ كبيرةٍكَمَا غَنَّتْ مارلين مونروفي فِلمِهَا الرَّائِعِ "غِنَاءٌ تحتَ المَطَرِ"سترقُصُ أَصابعي فرحاًوهيَ تُداعِبُ حُلُماً جديداًبَعْدَ أَنْ تَدفنَ آخرَ ما تَبَقّى مِنكِ.4
كنتِ الفَصَلَ الثّاني مِنْ كتابِ حياتي..وأَنا الآنَ أَطوي هذا الفَصْلَبَعْدَ أَنْ قَرَأْتُهُ طَويلاًوحفظْتُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍوأَحبَبْتُهُ بالتَّأكيدِولحَّنتُهُوغَنَّيتُهُوحَزنْتُ مَعَهُ أَيضاً.وأَنا أَطوي هذا الفَصْلَأُعْلِنُ ميلادَ الفَصْلِ الثَّالثِ!5
لمْ أَقُلْ شيئاً بَعْدُومَعَ ذَلكَكِدْتِ تستهلكينَ حِبرَ الرُّوحِوأنا أُطلقُ أَقلامي في عَوَالمِكِ المثيرَةِتَكْتُبُ ما تَشَاءُوتَخُطُّ الذي تُريدُوتَفعلُ ما تَفعَلُ..كِدتِ تَستنْزِفينَ سُحُبِيوأَنا أُمطرُكِ آلافَ القَصائِدِبما فيها تَلكَ القَصائِدُ السّياسيَّةُ الماكِرَةُ.أَصابِعُكَ تَسترسِلُ فيَّتحاوِلُ إِخمادَ جنوني بِكِ..عَبثاً تحاوِلُ ولا تَصِلُ.وَجْهُكِ يمضي في صَدَئِهِ إلى لحظَةِ تَفَتُّتِهِ،وَجْهُكِ الغَارِقُ في وَهْمِهِ وجَهْلِهِيَدخُلُ في خَرَائِطَ قَديمةٍلا جدوى منها ولا أَهميَّةَ لها.لا تَدَعِيهِ يَدخُلُ في لُعبَةِ مَوتِهِفأَنا لمْ أَعُدْ أُريدُهُلا يَهُمُّنِي قَط.6
تَغَيَّرِتِ التَّفاصِيلُ كَثيراًقلبي ليسَ للإيجارِوصَباحاتي ليستْ للرّحيلِ والضَّياعِ..لنْ أَلعَنَ الظَّلامَولنْ أَهرُبَ مِنْ أَمسيوسأَرتَدي قَصائِدي كَمَا كُنْتُ أَفعَلُ،وسَأنسُجُ الكَثيرَ منهاوأُهدي مَنْ أَشَاءُ في الوَقْتِ الذي أَشَاءُ.ولنْ أُخَالفَ قاموسَ الأَمَلِولا وصايا العجائِزِ.أَتَطَلَّعُ إلى دِفءٍإلى قَصيدَةٍإلى فَرَاشَةٍ تحملُني في أَجنحَتِهَاتَضَعُني في حَقْلٍ مِنَ الزُّهورِتَغمُرُني بالأَلوانِ الجَديدَةِ..أَتَطَلَّعُ إلى قَمَرٍ فِضِّيٍّيُعانِقُ قَلمي الخَارِجَ مِنْ نجمتِهِالطَّالِعَ مِنْ وَرَقَتِهِ السِّحريَّةِالنَّاهِضَ مِنْ صُرَاخِهِ..أَتَطَلَّعُ إلى مَدينَةٍ أُخرىأُولَدُ فيها مِنْ جَديدٍوأَلعَبُ كالأَطفالِ مِنْ جَديدٍوأُحِبُّ مِنْ جَديدٍوأُصَادِقُ مِنْ جَديدٍوأَكتُبُ الشِّعْرَ مِنْ جَديدٍ..أَتَطَلَّعُ إلى مَسَاءٍ غريبٍلا يُشابِهُ المساءاتِ الرَّتِيبَةَ،وصباحٍ يختلفُ عَنِ الصَّباحاتِ العَادِيَّةِ،صباحٍ استثنائيٍّ..7
عاشقٌ أنامِنْ قِمَّةِ رأسي إلى أَخمَصِ قَدَمَيَّ..عاشقٌ حتّى الثُّمالَةِتَشْهَدُ على ذَلكَ كُلُّ خَرْبشاتي عَلَى الأَوراقِوكرنفالاتُ اليَاسمينِ الدِّمشقيِّواحتفالاتُ النَّرجِسِ والفُلِّ والنِّسرِينِ..عاشقٌ حَدَّ العشقِ،وكُلُّ أَلحانِ أَباطرَةِ الموسيقى مِنْ موزارتَإلى رمسي كورساكوفَ ودفوراكَ..كُلُّها تَشهَدُ أَنِّي عاشقٌ مَاهِرٌ.حتّى السَّاحاتُ العامَّةُوالأَبراجُ والقصورُ والحدائقُحتّى مُقدِّماتُ الغيومِتُقِرُّ ليَ بالعشقِ.. فَقَدْ كُنتُ أُشهِدُها على ذَلكَوأَنا أُحدِّثها عَنْ أَحوالِ العشقِومراراتِهِوجماليَّاتِهِ..عاشقٌ والشّعرُ يُعربِدُ على شَفَتيوأَنا أُطلِقُهُ في فَضاءاتِ الوجودِبلا خوفٍ مِنْ سلطويَّتِهِأو مِنْ نرجسيَّتِهِ وآثارِهِ العجيبَةِ الغريبَةِحتّى لو كانتْ على حِسَابِ قلبي.تخرُجُ النُّجومُ المختبئةُ في جيبي مِنْ زَمَنٍ بعيدٍمِنْ يَوْمِ كُنتُ طفلاً أَقطِفُهامِنْ على سَطْحِ دَارِناكُلّما سَنَحَتِ الفرصَةُ لي.كُنتُ أَضعُ النُّجومَ في جيبيوما دَرَيتُ أَنَّني سأَحتاجُها حينَ أَكبُر..ومَعَ أَوَّلِ دَقَّةٍ على بابِ قلبياحتجْتُ نجومي المخبّأةَلأَزرَعَها في شَعْرِ حبيبتي،لأَرسمَهَا حَولَ اسمِها..لأَضَعَهَا في خرقَةٍ على هيئَةِ حِجَابٍوأَجعَلَهَا تَعويذَةً تَضَعُها في صَدرِهَا،كي تَغرَقَ في بحرِ أَحلامِها،عَلَّها تَلتَقِطُ نجمَةً حلوةًكانتْ يوماً مِنْ محفوظَاتي.ويومَ نَفَدَ ما عندي مِنْ نجومٍرُحْتُ أَصنَعُ نجوماً وأَلتقِطُ أُخرى،حتّى امتلأتْ خوابيَّ وكُتبي ودَفاتريبما عَبَّأتُ مِنْ نجومٍوما صَنعْتُ منها في غرفتي الرِّيفيَّةِ......حتّى القمرَ صَنعْتُهُ يوماًثُمَّ أَلقيتُهُ في ليلٍ حميميٍّ،ومِنْ يومِها ما زَالَ يُواعِدُ العشَّاقَويحنو على القلوبِ المعذَّبَةِ..8
مِنْ يَومِ تحوَّلَتِ الأَحلامُ إلى وُرودٍ في يَدِيمِنْ يَومِ استيقظتُ على صَدْحِ العنادِلِفي حديقَةِ بيتي الملكيَّةِمِنْ لحظَةِ انبثاقي على كَتِفِ سَاقيَةٍوخروجي النَّرجِسيِّ مِنْ بَينِ الأَوراقِ الصَّفراءِوانبجاسي مِنْ بَينِ الصُّخورِعلى هَيئَةِ شَلالٍ مِنَ الحروفِ والكلماتِمُشَكِّلاً بحيرةً مِنَ الجُمَلِ الصَّاخِبَةِ المثيرَةِ..مِنْ سَاعَةِ ميلادي ذَاتَ فَجْرٍ مغرِقٍ بالرُّومانسيَّةِفي السَّاعَةِ الخامِسَةِ مِنْهُ تحديداًفي لحظَةِ عَطاَءٍ بهيٍّ..مِنْ وَقْتِ ظهوري العَلَنِيأَمامَ مَلايينِ الورودِ والزُّهورِفي الحَدَائِقِ والرِّياضِ والغَاباتِ.مِنْ تِلكَ اللحظاتِ القَدِيمةِ وأَنا طِفلٌ جميلٌ..مِنْ تِلكَ الأَيَّامِ وأَنا أُزاوِلُ مِهنَةَ الحُبِّلأَنَّني لمْ أُتقنْ سِواها.أَمَّا قِطافُ النُّجومِ واصطيادُ الأقمارِفتلكَ هوايةٌ يُتقنها كُلُّ عاشقٍ،فقطِ العشَّاقُ من يتقِنُ ذلكَ.....