الخميس ٨ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم أحمد سوكارنو عبد الحافظ

ثقافة النقل لا العقل….إلى متى؟

إن الاعتماد الكامل والدائم على النقل فى موروثنا الثقافى والتعليمى والدينى قد أدى إلى إحداث عطل فى قدرتنا على التفكير والتأمل وإعمال العقل. لقد اعتاد المسلمون على سماع خطبة الجمعة فى المسجد حيث يتناول الخطيب أمرا من أمور الدنيا أو ينبهنا إلى الأخطاء التى قد نقع فيها أو يقدم لنا العظات التى من شأنها أن تدفع أسلوب تعاطينا مع الأمور الحياتية نحو الأفضل. ومن الواضح أن معظم المصلين يصمون آذانهم أو يسكون على عقولهم حتى لا تتصدع جراء التفكير والتأمل فى أقوال الخطيب وربما يغطون فى نوم عميق لا يصحون منه إلا عندما يرتفع آذان الإقامة، وقد سألت ذات مرة بعض المصلين من معارفى عن موضوع خطبة الجمعة فلم يستطع أحدهم تحديد الدرس أو الدروس المستفادة من الخطبة. وربما يلتمس المرء بعض الأعذار للمصلين لأنهم لم يتدربوا خلال مراحل التعليم المختلفة على الفهم والتحليل والنقد بل تدربوا فى مدارسنا على الحفظ من دون فهم والتحصيل الكمى للمعلومات من دون البحث فى جوانب القصور فى هذه المعلومات. وهذا يفسر تلك الهوة أو الفجوة العميقة بين أقوالنا وأفعالنا، إذ قد نردد أقوالا لا نفهمها جيدا ومن ثم تتناقض مع أفعالنا.

أعرف شخصيات مثقفة دينيا ويستطيعون ان يأتوا لك بالأحاديث النبوية فى موضوعات شتى بل أن أحدهم يؤم المصلين ويلقى خطبة الجمعة ولكنه لا يطبق هذه المواعظ على نفسه وقد يلقى أحدهم عليك بسهام النقد مقتبسا أحاديث من هنا وهناك ليثبت أنك على خطأ وهو على صواب. زارنى منذ فترة ثلاثة فتيان وكانت المهمة التى جاءوا من اجلها تتعلق بالتبليغ والدعوة. لقد اعتاد هؤلاء الفتية على التنقل بين مساجد القرى حيث يقيمون فيها لفترة قصيرة يزورون خلالها بعض أفراد القرية. وما أن جلسوا على الأريكة حتى أبدى أحدهم ملاحظة بشأن منضدة حولها ستة مقاعد تشغل أحد أركان الحجرة قائلا: لماذا تحتفظ بهذه المائدة ومقاعدها فى الحجرة؟ فأجبت: إننا نتناول عليها الطعام. فرد بثقة: هذا لا يصح لأن النبى صلى الله عليه وسلم أبى أن يتناول الطعام إلا على الأرض وكان عليه السلام لا يستخدم سوى يده اليمنى عندما يتناول الطعام. ووجدتنى أرد عليه قائلا: أراك تضع ساعة تزين معصمك وهذا خطأ لان النبى لم يفعل ذلك، فالساعة اختراع أوربي لم يكن متاحا فى ذلك العصر، و طرحت سؤالا على الضيوف هذا نصه: أنتم من مدن الدلتا، فكيف حضرتم إلى هنا فأجابوا: بالقطار. فقلت لهم: هذا خطأ لأنه كان يتعين عليكم أن تأتوا على ظهر البعير بدلا من القطار كما كان يفعل المسلمون زمن الرسول الكريم. فلاذوا بالصمت واستأذنوا للانصراف.

وخلاصة القول: لن يتقدم المسلمون إلا إذا سعوا إلى تشغيل محركات عقولهم وإدراك المعانى التى تتضمنها أقوالهم بحيث لا تتناقض مع الأفعال التى يأتون بها. وفى ذات الوقت فإن الأمر يتطلب إعادة النظر فى الطريقة التى نعلم بها أجيالنا القادمة التى فى حاجة إلى اكتساب مهارات التحليل والنقد والتخلى عن الحفظ والتلقين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى