الأحد ١٠ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم عزيز العرباوي

ثلاثة وجوه

الأديب الجائع:

كانت الغربة هي حياته، لذلك كان غالبا ما يتحدث عنها بغلظة، يحس بالموت والفناء والريبة والخوف من المستقبل والفقر والتهميش والميز كلما وجد نفسه أمام حشد من الناس. سكان هذا الكوكب يصعب التعامل معهم دون نفاق وثعلبية.

هذا ما كان يشعر به وهويلج الحياة الموعودة والمفروضة عليه فرضا.
كل الأيام تمر به ثقيلة، متوحشة،سوداء، حالكة، مقززة، مشؤومة...وكل الساعات التي يفترسها من عمره أشبه بالساعات التي يقضيها أسير معتقل في بلد ديمقراطي جدا من الدول العربية. وكل الدقائق بطيئة في مرورها وتآكلها يجد نفسه لم يحقق إلا الندامة والخسارة.

يستحق هذا المخلوق الإهانة والجوع حسب عرف البعض، إن لم نقل الكل، لأنه بكل بساطة غريب عن مجتمعهم، عن حداثتهم، عن ثقافتهم المعجونة بالفساد والجنس المنظم، والبول، والقذارة، واللصوصية،...يستحق هذا الشخص الذي يشبه البشر حسب ما يعتقدون، التعذيب والتجريح، لأنه يتطاول على أسياده ويعيرهم وينقص من قيمتهم على صفحات أوراقه التي لا تساوي ثمن خبزة متوسطة الحجم تسد رمق جائع ما،وما أكثر الجائعين في مجتمعه...

هو الفقير الوحيد الذي ينتفض من فقره وجوعه، يكتب المقالات الغنية بحبر الحرية والديمقراطية والرحمة، لذلك نجده دائما وحيدا في قصره الورقي الذي شيده بالقصيدة والقصص والمقالات، وفريدا في غرفة نائية لا يؤم المحافل والمنتديات، لأنه بكل بساطة لا يملك بذلة محترمة تخول له ارتيادها...!!

الشاعر.

يستحيل في زمن الذئاب والثعالب أن تكون شاعرا رقيقا، تغضب، وتحزن، تفرح، وتحتفل، تتداعى أمام العواصف والمشاكل، وتقوى قدام الأفراح والجمال والسعادة...

لا تستطيع وأنت شاعر رقيق أن تطوع حجر الحياة المحمول على أكتاف الذين تعرفهم، أو أن تطيح بهامات الحديد والفولاذ الراسية على شواطئ الأرض والسماء والماء...ولا تستطيع وأنت شاعر عاشق أن تراود " بلقيس" عن نفسها في الشوارع العامة أو في مقاهي الأنترنيت أو في الملاهي الليلية إن لم تكن تحتكم على ثروة قارون أو قوة العظماء، أو جمال يوسف الذي كاد يعصف به في متاهات العشق والحب والخطيئة، وياليته فعل...
كل شاعر يعيش حياته ببساطة هو شاعر ينطبق عليه أحد الوصفين: إما متخلف عن الركب ولا يقدر على مسايرته لذلك نجده يكتفي بالذي يحتكم عليه، وإما متقدم على الركب بآلاف السنين، فيهذي بالكلام والخطوات، ولذلك نجد هذا الصنف متوفر في عالمنا نحن العرب بالذات...

الكثير من شعرائنا يبالغون في القول كلما حدث حادث غير مرئي وشفاف، ويبتعدون عن الفن أبعد ما يكون في الوجود.

فواقع شعرائنا يندى له الجبين خاصة عندما نجدهم مصفوفين في طابور الحكومات يغتنمون بعض الدريهمات الباقية من الميزانية التي نخرها سوس العمالقة.

يا سلام، عندما يتخرج شعراؤنا من المؤسسات الرسمية بنياشين وميداليات، فهذا منتهى الجمال الذي يعمنا ويجمل صورتنا أمام الآخرين، فيا أيها الشعراء، لا تتخلوا عن أمكنتكم الرسمية فهي عنوان تحضرنا....

الرئيس..

يبدو غريبا في حديثه دائما، فتناقضاته الحياتية تظهر للكل دون أن يبدي أي صعوبة في محاولة اكتشافها. وجسمه الممتلئ لايكاد يظهر أنه حقود في دواخله. ولكن، كل ما يأتي به من أقوال وأفعال وتصريحات يكون علامة يأس وهدم لكل جميل وحضاري، ولذلك نجده يتفق في الخط كليا وفقط، مع من يؤمن بالقوة والقتل والتعذيب..

تعجبه دائما الكلمات التي تمدحه وتنعته بالعظيم والخالد، والزعيم الذي أنقذ الناس من الحرب الأهلية والاقتتال بين الإخوة والأشقاء. ولكننا إن لاحظنا جيدا كل ما يفعله فإنه يؤسس للحرب من جديد، لكن على نطاق واسع هذه المرة.
الرئيس يعجبه السفر دائما، لذلك نراه غالبا ما يدفع أصدقاءه إلى استضافته، ليس من أجل ربط علاقات اقتصادية أو ثقافية أو أخوية، ولكن ليصرح أمام لجانهم وبرلماناتهم ومحافلهم بأنه إنسان يؤمن بالحرية، وبأنه نصير الأقليات باسم التوسع والهيمنة..

صديقنا الرئيس مازال يحن إلى ماضي الحجاج فكريا فقط، لكنه مخطئ لأن الحجاج الثقفي كان يفتقر للحق والحكامة....!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى