الخميس ٢٨ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بين جمجمتي سليمان الحلبي وديكارت
بقلم محمود عبدو عبدو

ثمة تاريخ ونضال مهمل

بداية نقف أمام معادلة الحياة والموت معادلة التكريم و الإهانة بين تكريم ديكارت الفرنسي وإدانة البطل السوري سليمان الحلبي كمجرم ...

فالحملة التي خصصت لاسترجاع جمجمة المناضل إلى وطنه تكللت بكتاب وثائقي قيم هو خلاصة الحملة بعنوان
"سليمان الحلبي كأول منتقم للعرب من العدوان الغربي الحديث" للكاتبة بيانكا ماضية والتي تناولت فيها في تسعة فصول مع ملحق وصور ووثائق أهم ما توصلوا إليه إذ جاء الكتاب وفقا لما يلي :

المقدمة :

تتحدث عن الوطن كقيمة وقيمة الفداء في سبيله وعن الوطنية ومستلزمات التعبير عن حبه: " مفهوم الوطنية يرتبط ارتباطا شديدا بالمعاناة التي تتولد عن هيمنة الاستعمار ومحاولة سلبه أراضي الغير " ص 7

ولعل حديثها عن البطل سليمان الحلبي بصفته البطولية كونه أقدم على قتل الجنرال كليبر قائد جيش نابليون إذ أطاح به انتقاما لتدميره مدينة العلم القاهرة التي قصدها سليمان لتلقي العلم من الأزهر الشريف

وهذا الكتاب يأتي تتويجا لعمل طويل وباكورة الأبحاث والدراسات التي تناولت حياة وبطولة وتداعيات إعدامه والتمثيل بجثته وحفظها بطريقة تسيء لكل الأمة التي أنجبته وجاء هذا الكتاب تتويجا لعمل الحملة الوطنية الشعبية لاسترداد جمجمته ورفاته من متحف الإنسان في باريس وهذه الحملة التي تبناها الصحافي والمؤرخ هاني الخير وكانت من أفكار المؤرخ الدكتور شاكر مصطفى رحمه الله وثانيا لكثرة الشائعات التي دارت حول الدافع المباشر الذي جعل سليمان الحلبي السوري أن يقوم بهذا العمل البطولي الفذ وثالثا لأن هذا البطل الشهيد لم ينل حقه الكافي من الدراسات والأبحاث لا بل ألحق بعض الدارسين بشخصيته الكثير من الترهات والخلفيات التاريخية المشبوهة وراح يقدمه على أنه مجرد قاتل محترف في ساحة الصراع السياسي
والذي اعتبرته مصر بطلا شهيدا فأطلقت اسمه على عدد من مدارسها ومن الشوارع في القاهرة وفي عدة مدن مصرية أخرى وأن تكرس حكاية بطولته في ذاكرة أبنائها من خلال البرامج التعليمية والمناهج المدرسية مثلا يحتذي في الشهادة والكفاح والمقاومة ضد المحتل الأجنبي .

وكذلك في حلب مسقط رأسه التي خلدت اسمه على أحد أحيائها كما أطلقت اسمه على مدرسة للتعليم الأساسي وعلى روضة للأطفال وجاء الكتاب وبحسب المؤلفة ص10" لحصر الشائعات التي دارت حول شخصية البطل سليمان الحلبي ليتمكن القارئ الكريم من إعمال فكره فيما يقدم من تلك الشائعات , وليدرك تمام الإدراك أن الدافع الأساس الذي جعل سليمان الحلبي ينتقم لأمته من غدر العدوان الفرنسي هو حب الوطن , والشعور القومي تجاهه , وتقديم النفس فداءً لخلاصه من يد الإثم والعدوان ."

لقد أقدمت المؤلفة على تأليف كتابها الشائق الوثائقي هذا ليكون مرجعا أمينا شاملا عن هذه الشخصية الفارقة في التاريخ .

الفصل الأول :

تتناول فيه بشيء من التفصيل التعريف بسليمان الحلبي فهو سليمان محمد أمين الملقب بالحلبي نسبة إلى مدينة حلب الذي ولد في عام 1777في قرية كوكان فوقاني " الجزرونية " التابعة لمنطقة عفرين في الشمال الغربي من مدينة حلب السورية من عائلة أوس قوباز ، ثم استقر في مصر ليتلقى علومه الإسلامية الشرعية من الأزهر الشريف بالقاهرة وليشهد من هناك مظالم العسكر وسوء معاملاتهم وخاصة قتلهم لشيخه وأستاذه الشيخ الشرقاوي أثناء دخول الفرنسيين للأزهر الشريف وتعديهم على حرمته ..

ففي صبيحة 14 حزيران 1800 توجه الجنرال كليبر في عرض عسكري وإذ بالشاب السوري يقترب ويفاجئه بعدة طعنات قاتلة في قلبه وجسده ويُعتقل بعدها سليمان الحلبي وتصدر المحكمة حكما بقطع يده اليمنى التي نفذت القتل ثم يعدم على الخازوق وتترك جثته فوقه حتى تفترسها الجوارح فوق تل العقارب الذي شهد الحكم في 28/6/1800

الفصل الثاني :

صورة من محضر التحقيق مع سليمان الحلبي كما نشره الفرنسيون والذي ترجم إلى اللغة العربية بلغة ركيكة من قبل ( براشويش ) سكرتير الجنرال كليبر وترجمانه الخاص وهو الذي قام باستجواب سليمان بالاشتراك مع ( سارلتون) المعين مقررا .

وتظهر فيها بصورة جلية محاولات الفرنسيين صياغة الموضوع حسب أهوائهم ولتثبت للملأ أن سبب إقدام سليمان الحلبي على قتل الجنرال كليبر إنما هو زيادة الضرائب التي يتقاضاها والي حلب وهناك كتاب تماشوا مع تلك التصورات للتقليل من قيمة ما قام به .

الفصل الثالث :

تناولت الآراء في قضية سليمان الحلبي وذلك لتعدد الروايات والأقاويل والأبحاث و الهدف الحقيقي الكامن وراء ما قام به والكثير اعتبرها لغزا من ألغاز التاريخ تكتنفه علامات الاستفهام فمنهم من يعتبره خائنا وعميلا ومنهم من يشير إلى أن انتقامه كان بدافع الحب والغرام أو كقاتل مأجور وما تلك إلا الإشارات إلا لمحو الدافع الوطني الذي كان سبيلا لتقديم سليمان الحلبي روحه من أجل أمته مؤكدين بأن هذا البطل ظلم على المستويين الرسمي والتاريخي إذ لم ينصفه من كتب تلك الحقبة مع ذكر الكثير من الأمثلة .

الفصل الرابع :

سليمان الحلبي والدكتور المؤرخ شاكر مصطفى

وما فعله وافرده الدكتور شاكر مصطفى رحمه الله من كتاباته وأبحاثه والدراسات وحياته وهو الذي راعه رؤية جمجمة سليمان الحلبي معروضة في متحف الإنسان في باريس وتحتها دمغة الإجرام إذ كتب : في باريس ذات يوم فاجأني منظر لا أنساه كنت أتجول في متحف الإنسان , في أحد ممراته الضخمة ولفت نظري في إحدى زواياه جمجمة وحيدة في جام من البلور واقتربت منها فإذا قد كتبوا تحتها : جمجمة عبقري : وهذا العبقري هو ديكارت فيلسوف فرنسا المشهور , وما كدت أتحرك حتى لفتت نظري جمجمة تناظرها على الطرف الآخر , ودفعني الفضول إليها واقتربت وإذا تحتها مكتوب : جمجمة مجرم ! ومن المجرم ! إنه سليمان الحلبي !! وانفجر نهر من الدماء في عيوني وعادت صورة سليمان الحلبي ابن بلادي , إلى خاطري عبر 195سنة في سنة 1800 ارتفع فجأة اسم سليمان الحلبي الشاب ذو الأربعة والعشرين ربيعا من نكرة من النكرات ليصبح شخصية يعرفها تاريخ المشرق الإسلامي كله , كما يعرفها تاريخ فرنسا ولتبقى قضيته معلما بين الطرفين إلى اليوم !" .

الفصل الخامس :

عن الحملة الوطنية الشعبية التي خصصت لاسترجاع جمجمة البطل ودور الصحافي هاني الخير وتوقفت مطولا عند دوره حول تحويل الأسف على طريقة عرض الجمجمة إلى فعل وحراك مجتمعي للمطالبة بعودته الى تراب وطنه إذ صرح وقال الصحفي هاني الخير بصورة واضحة : لقد آن الأوان للجهات الفرنسية الرسمية أن تعيد جمجمة هذا المناضل الكبير إلى وطنه , بل إلى مسقط رأسه في حلب , بعد مرور أكثر من قرنين على إعدامه , لا سيما وأن فرنسا الحالية هي وريثة الثورة الفرنسية ...إنها دعوة للشرفاء الأنقياء , وأصحاب العقول المستنيرة والقلوب الكبيرة أينما وجدوا , للضغط على الحكومة الفرنسية الحضارية , من أجل إعادة ما تبقى لنا .. ما تبقى من سليمان الحلبي إلى وطنه الشامخ أبداً في وجه التحديات الكبرى .. اللهم ولمرة واحدة .. إني قد بلغت فاشهد " وحول دعوته إلى فعل حقيقي من خلال الحملة الشعبية التي وقّع عليها الكثير من الكتاب والمثقفين والطلاب اللجنة التي تألفت من :

هاني الخير ( مؤرخ وصحافي )

محمد ماهر موقعّ ( محاضر في جامعة حلب )

محمد كامل قطّان ( مدير الثقافة في حلب )

المحامي فواز الخوجة ( قانوني وباحث جنائي )

الدكتور محمد منير الشويكي الحسيني ( الأمين العام لأنساب السادة الهاشميين في سورية )

الدكتور حسين راغب ( باحث ومؤرخ أدبي )

أديل برشيني ( شاعرة )

بيانكا ماضية ( إعلامية )

ليث المصري ( باحث )

الفصل السادس :

خصص لنشر ما كتب في وسائل الإعلام المحلية العربية عن الحملة وعن قضية سليمان الحلبي من جرائد وصحف ومواقع الكترونية .

الفصل السابع :

عنونتها بـ من يحيي ذكرى سليمان الحلبي في حلب ؟

وما أكده الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة السوري بقوله : ولم يعد أحد يتذكر المآسي التي أوقعها جيش نابليون ضد الشعب المصري إلا لتمجيد المقاومة البطولية النبيلة كتلك التي جسّدها طالب الأزهر السوري الكردي سليمان الحلبي الذي قتل كليبر , وكان الحكم عليه ذروة في الوحشية فقد أعدم بالخازوق وبالحرق حياً وقد أحيت مصر ولا تزال تحيي ذكراه "

الفصل الثامن :

جولة البحث عن الجمجمة في أروقة ومتاحف باريس وهو ما قامت به الإعلامية بيانكا في السفر لهذه المهمة .

الفصل التاسع :

تناولت فيه ما كتب عن سليمان الحلبي في الموسوعات العربية عنه وفي ختام الكتاب زيلت باعتذار من الشعر المحكي كتبه الشاعر سمير فيل إلى سليمان الحلبي ، مع ملحق لبعض الصور والهوامش التوثيقية .

ورغم كل تلك الجهود المبذولة لا زالت الجمجمة معروضة بتلك الصورة المهينة وبجانبها دمغة الإجرام بدل دفنها في الوطن وتكريمه ..

كما لوحظ بعض الأخطاء التي مرت من خلال المؤخرة التي كتبتها الناشرة سحر محمد نديم بساطة على غلاف الكتاب كـعبارة " فالكتاب عن سليمان الحلبي العربي السوري الكردي " وغيرها كما أن العنوان بدا فجا عدائيا وهو ما نحن فعلا بعيدون عنه وخاصة المناضل سليمان فإقدامه على قتل كليبر كان من دوافع وطنية وليست انتقاما أو ثأرا كما ورد على غلاف الكتاب " أول منتقم للعرب من العدوان الغربي الحديث "

وجدير بالذكر أن هذا الكتاب صادر عن دار الشروق الجديد لنشر العلوم الإنسانية من تأليف بيانكا ماضية لعام 2007في 120صفحة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى