الأحد ٣ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

جامعات منتهية الصلاحية!

يتميز العالم الثالث بوفرة التعليم العالي الفاسد بامتياز، ففي أسواق التعليم العالي تعرض بضائع من كل صنف ولكنها تالفة ومنتهية الصلاحية، ولا تصلح للاستهلاك! وذلك رغم ادعاء جميع جامعات العالم الثالث أنها فريدة، وأنها عالمية، وإنها لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها.

ففي مجال الحوكمة تعلن هذه الجامعات أنها تحرص على تقديم الأفضل، وان برامجها على أعلى درجات العالمية والاحترافية. وتتباهى كل هذه الجامعات بان لديها رؤية ورسالة وفلسفة وأهداف لا تقل في مثالياتها عن اعرق جامعات العالم المتقدم.

كما تتبجح معظم هذه الجامعات بان موظفيها ومدرسيها هم خيرة الخيرة، وان مبانيها وتسهيلاتها هي الأفضل، وتنشئ مواقع اليكترونية جذابة لتقول للناس أن العلم لديها وفير، وأنها الخيار الأحسن لمن يريد تعليما عاليا يتوج بشهادة يشتري بها وظيفة أو يجعلها لوحة على حائط من ديكورات البيت.

في بلادنا جامعات لا تعرف ما هي فلسفة التعليم، ولا تدرك الفرق بين الرسالة والأهداف، ولم تقم أبدا بالتفكير بإجراء أية مراجعة مؤسسية للرؤية أو الرسالة من خلال عملية مؤسسية وتشاركية مربوطة بجدول زمني للتنفيذ.

في بلادنا جامعات لا تعرف لماذا وجدت، ولا تدرك دورا لها بالضبط فتسير بغير هدى مكتفية بتخريج المئات من الأميين وأشباه الأميين في نهاية كل فصل دراسي أو عام جامعي. وفي بلادنا لم نقرا عن أي تقارير للمراجعة الذاتية، ليعرف المواطن أين هو بالضبط وأي بضاعة يشتري.

في جامعاتنا لا نقرا عن أي خطط إستراتيجية توضح للمواطن أين ستسير هذه المؤسسات الوطنية، وكيف ستحقق أهدافها، ومتى تتمكن من انجاز ما تريد الوصول إليه. وأتحدى أن يعرف احد من كوادرها الأكاديمية أو الإدارية عن أية وثائق حول وجود خطط إستراتيجية. وان وجدت مثل هذه الوثائق فهي من إعداد عباقرة إدارة الجامعة المقربين للرئيس، ولا يشارك احد آخر من هيئات الجامعة في صنعها أو إبداء الرأي فيها بشكل مؤسسي محترم.

في جامعات العالم الثالث يتم تأليف كل شيء وتصاغ التعليمات من كل صنف ثم ترمى في وجه المدرسين والموظفين باعتبارها قدرا يجب قبوله من قبيل احترام القوانين والتعليمات. وهناك وثائق منتحلة ومفبركة حول متطلبات الجودة يتم صياغتها على عجل للتخلص من أو الالتفاف على شروط الترخيص أو الاعتماد.

وفي جامعات العالم الثالث تغيب العمليات الشفافة والمنطقية والمؤسسية في إعداد القوانين والتشريعات التي ينفرد بها ثلة من مقربي الشخص الأول في الجامعة رئيسا أو مالكا. وتغيب كذلك عمليات التخطيط الاستراتيجي الحقيقي، فلا آليات واضحة، وان وجدت بعض الخطط فهي لا تطبق ولا ترى النور، لأنها مرهونة برؤية ورغبات الشخص الواحد الذي ما فتئ يردد شعار: أنا الجامعة والجامعة أنا!!

نتمنى أن تطلع علينا جامعة واحة لتقول لنا أنها أجرت مراجعة حقيقية لأدائها. وأنها يسرها أن تنشر تقرير المراجعة السنوية للأداء الذي طالما ادعت انه متميز. ونتمنى أن تجرؤ جامعة واحدة لتعلن عن مقاييسها للأداء المؤسسي "المتميز".

إنني اعتقد أن نقص التخطيط المؤسسي والتخبط في الإدارة الجامعية وصناعة القرار الجامعي من اخطر التهديدات التي تواجه سوية التعليم العالي في بلادنا النامية. كما أن غياب أهداف مرحلية أو سنوية وعدم وجود مؤشرات كمية ونوعية لقياسها يسهم في زيادة التردي في نوعية التعليم العالي ومخرجاته التي أصبحت بالية ومشكوك بصلاحيتها.

جامعاتنا مطالبة الآن وأكثر من أي وقت مضى بالانفتاح على الناس واحترام عقول المواطنين وعدم استغفالهم وان تثبت لهم أنها لا تمارس بيع التعليم الفاسد وتعاطي البحوث الفاسدة. ومن حق المواطن أن يعرف، وخاصة ونحن نعيش زمن الانفجار المعرفي غير المسبوق في العالم، كيف تمول هذه الجامعات نفسها، وما هي ممارساتها في وضع الميزانيات العامة وتنفيذها.

وان شكت هذه الجامعات أنها عاجزة، فعلى إداراتها الفذة تبيان كيف حدثت هذه الخسارات المتلاحقة، وإذا تبين هناك عيوب فيها رائحة فساد مالي أو إداري فعليها تقديم ملفات ذلك إلى يد العدالة لان مقدرات الوطن ليست امتيازات شخصية يتم التصرف بها دون رقيب أو حسيب.

في رأيي، لا يوجد جامعات عاجزة، وإنما هناك إدارات جامعية عاجزة وربما فاسدة ومفسدة. فالفساد والعجز ليسا قدرا من السماء وإنما هما صناعة بشرية. ألا ترون أن الوقت حان لمحاسبة رؤوسا جامعية قد أينعت، وحان قطافها؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى