الأربعاء ٣ أيار (مايو) ٢٠٠٦
مسرحية "سيمفونية وحشية" لمحمد بني هاني :
بقلم مهند عدنان صلاحات

جدلية الحياة التي تبدأ من الموت

قدم المخرج المسرحي الشاب محمد بني هاني عرضه المسرحي الافتتاحي لمهرجان فيلادلفيا المسرحي والذي ابتدأ في التاسع والعشرين من نيسان بعنوان " سيمفونية وحشية"، حيث كأن العرض الأول للمهرجان، وكان كذلك من العروض المستجدة على ساحة المسرح الأردني لكون بني هاني يمتاز بكونه مخرجاً ما بعد حداثي.
وجاءت مسرحية بني هاني والتي هي من المسرح الحركي، لتحمل عدداً من الصور المرئية للمشاهد لتعطيه صورة عكسية عن مجرى سير الحياة في الواقع، حيث ابتدأت المسرحية بخروج الممثلين من التوابيت لتبدأ حياتهم من عند هذه النقطة، والتي جاءت عبارة عن عدد من اللوحات الحركية التي أعطت سياق النص من خلال لوحات جسدية تحمل لغة جسدية متقنة لتستبدل اللغة المحكية الكلاسيكية على خشبة المسرح.

ولأن المسرح ما بعد الحداثي هو حديث جداً على المسرح الأردني، ولأن قلة جداً من المسرحيين الأردنيين يحاول تقديم هذا العرض، إلا أن بني هاني يعتبر في الوقت الحالي من أفضل من يقدم هذا المسرح ما بعد الحداثي على مستوى الفن الأردني عموماً.

حملت مسرحية " سيمفونية وحشية" أبعاداً فكرية واسعة عبر الصور المرئية التي قدمتها المسرحية، جاءت في معظمها ناقدة للسلطة السياسية، والسلطة بكل أشكالها بشكل عام، وعن عدمية الوجود وعبثيته، وحملت الكثير من الإيماءات التي أشارت للسلطة عبر ما صوره المخرج من إلقاء النفايات على الخطيب أثناء خطبته وهو مستمر بالحديث في إشارة مسرحية ذكية لفساد الخطاب السياسي والذي عبر عنه المخرج بهذه الطريقة، والتي ترمز للصراع الدائم بين المثقف والسلطة منذ الأزل.

أما الناحية الفنية في المسرحية فقد تم تركيب العمل المسرحي من مجموعة من الصور المرئية التي صاحبها الإيقاع الموسيقي المتزن والملائم للصورة، وحيث اعتماد العرض على الكتلة والفراغ على خشبة المسرح، وعلى حركات منتظمة للممثلين بدأت من حركة الأيدي المعبرة وهي تخرج من التوابيت التي بدأت العرض مع عد تنازلي يصاحبه إيقاع موسيقي روحاني ملامس لجو وصور العرض المتقطعة، حيث كانت هذه الحركات مدروسة من الناحية الأكاديمية بحيث تم تنفيذها بشكل أكاديمي، وحيث صاحبها مزج موسيقي موفق جداً للحركة والصورة، فحملت الكثير من اللوحات التي لا تحتوي على وضوح بالمفردة البصرية، ومنسجمة مع المشهد الحركي والانفعال للمثل في محاولة للابتعاد بشكل عالي عن المباشرة في الطرح.

أما الأداء التمثيلي للمثلين والذين يعملون مع مخرج ما بعد حداثي الذي يحتاج إلى ممثل مبدع وخلاق لا يعتمد على الحرفة فقط، هذا ما لم ينطبق على مسرحية " سيمفونية وحشية" بل وأثار جدلاً حول إشكالية عدم تثقيف الممثل والتي تعني إنصاف العرض وانسجامه والتعمق فيه بنى اللوحات البصرية والأداء التمثيلي.

أما الإضاءة التي جاءت موفقة ومدروسة وتعكس حرفية إخراجية عالية وإبداع لدى المخرج ، فقد كانت متناغمة جداً مع التشكيل الحركي، ومثلت الإضاءة نوعاً من الإثارة البصرية الغنية جداً والتي حملت كذلك بُعداً جمالياً خالصاً.

أما مشكلة المسرحية الأخرى كانت في عدم ترابط كثير من المفردات البصرية رغم نضوج واكتمال عرض كل مفردة على حدى، لكنها افتقدت لرابط ينظم هذه المفردات في رؤية واحدة متماسكة ومتكاملة، وهذا يُعزى إلى أن الاشتغال على الارتجال المسرحي يذهب بالكثير من الأحيان في المخرج إلى تشتيت عرضه وخروجه عن تسلسل منطقي سردي ( وهذه رغم كونها إشكالية لدى البعض إلا أنها تعتبر كذلك إحدى ميزات المسرح ما بعد الحداثي والذي يوصف بأنه المسرح التفكيكي الذي يعطي بالمجمل عدداً من اللوحات البصرية أو المسرحية المتكاملة في كل منها والتي قد لا تكون في مجملها تعطي إذا ما تم ربطها سيناريو واحد متكامل).

" سيمفونية وحشية" حملت الكثير من الجمالية خاصة في تشكيلات الممثلين الحركية، وفي تصميم الكثير من اللوحات والتي من أبرزها لوحة غسيل شعر الفتاة من قبل الممثلين الخمسة الباقين، والذي بحد ذاته شكّل مفردة غنية بصرياً إلى جانب أنها مدروسة جيداً من قبل الناحية الفنية، ولكنها لم تُوظَف بشكل مثمر في داخل العرض.

في ذات الرؤية ثمة بعض الثغرات من الناحية الجمالية تعزى كذلك إلى عدم احتراف الممثلين في تأدية بعض اللوحات، الأمر الذي اختل فيه أداء الممثلين.

تبدو الفكرة الرئيسية وراء العرض في " سيمفونية وحشية" مجترحة، وتحمل الكثير من الجدة والجدية الكامنة في خروج الموتى من أكفانهم، ورصد ومتابعة حياة ( هؤلاء الموتى) ( أو موت هؤلاء الأحياء) في سعي واضح للمخرج بني هاني إلى إحداث مقارنة ما بين الواقع والمفترض والمأمول، وهي إحدى التقنيات التي يستخدمها بني هاني في مسرحه الما بعد حداثي والذي يرتقي فيه عن أنظمة فنون المسرح الكلاسيكي أو الحداثي الذي يأخذ النمط التقليدي السردي العادي، والتسلسل المنطقي، لسياق العرض المسرحي، فكان هنالك سياق عكسي يحمل صورة الحياة التي تبدأ من الموت.

وكان المخرج المسرحي نبيل الخطيب قد لجأ في تحليله للعرض إلى أن " سيمفونية وحشية" هو عرض في الدرجة الأولى عرض مسرحي جامعي، قام به مجموعة من الطلبة بإشراف مخرج مسرحي بمستوى هذا العرض يستطيع أن يكيف فيه الطالب الجامعي مع أدوات الممثل الذي يريد أن يكشف عن مواهبه، لذلك في هذا العرض أجتاز المشرف أو المخرج هذا الشكل من عرض الجسد، أو المسرح الحركي لتوظيف بعض أدوات الارتجال ومساحاته، والتفاعل الحسي الموجود عند الممثلين بتوفير شروط تقنية ولونية، ورؤية إخراج، بمعنى أن هذه العناصر الثلاث تهيئ لهؤلاء الممثلين الكشف عن أدواتهم ( الأدوات الحسية والحركية والجسدية) ويبدو أن المخرج أعطى للمثلين مساحة للارتجال الحركي، بمعنى أن فكرة العرض كاملة قائمة على الارتجال، وهذا أهم ما في هذا العرض، أي أن المخرج قدم لهم فكرة وأعطاهم مساحة لتأليف العرض الحركي.

وحول المسرح الحركي في مقابل المسرح المحكي فقد علق الخطيب قائلاً : لا شك في أن عنصر اللغة المنطوقة هي عنصر أساسي في المسرح مثلها مثل الأدب والحياة العامة، إلا أن الجسد كذلك هو لغة فنية عالية الدقة نجدها في المسرح والباليه والفن التشكيلي، ولغة الجسد هذه تشكل سياق بصري أو عنصر تلقي جمالي بين المشاهد والممثل.
ولأن هذا النوع من المسرح الحركي الما بعد حداثي غير موجود على الساحة الفنية المسرحية الأردنية، إلا أن هذا العرض شدّ المتلقي ( المشاهد) لأسباب كان أهمها عنصر الغواية في التلقي، مما خلّف عنصر الدهشة، وهذا سببه ليس في كاتب النص أو المخرج، أو النص ذاته، وإنما مجموعة من الممثلين ليسوا مسرحيين أو دارسي مسرح أو عارضي باليه، وهذا ما أظهره العرض الذي كان محاولة أولى لاكتشاف جسدهم من المنحى الفني.

ما شاهدناه في سيمفونية وحشية هو مجموعة لوحات متناسقة، تحمل كل لوحة حكاية خاصة تحمل مدلولات متنوعة، لكن لا نستطيع أن نتبنى نصاً حوارياً منطوقاً من خلال ما شاهدناه من خلال هذه اللوحات..

والمهم في هذا العرض، أن عنصر الديالوج الجسدي لم يكن معمقاً بين الممثلين، بمعنى أن الحوارات الجسدية داخل اللوحة الواحدة كانت متقطعة، فتهافت المشهد الجسدي كله في الحركات الطولية والعرضية المنظمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى