الاثنين ٢٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم شاكر فريد حسن

جمهورنا وعزوفه عن حضور الندوات الأدبية

تثار بين فينة وأخرى مسألة هامة وجوهرية، وهي عزوف الناس عن المشاركة في الندوات الأدبية.

وكلما تثار وتطرح هذه المسألة أتذكر ندوة أدبية نظمتها حركة "أبناء البلد"في أم الفحم، قبل سنوات سابقة، إحياء لذكرى الكاتب والأديب الفلسطيني الفذ والمبدع غسان كنفاني، ولم يزد عدد الحضور عن ثلاثين شخصاً، ويومها تساءلت عن أسباب عدم مشاركة الجمهور في النشاطات والفعاليات الثقافية والندوات الأدبية، في حين إذا اقيم حفل غنائي مع عشاء فاخر فان الجمهور لا يتخلف عن الحضور والمشاركة في هذا الحفل، ونجد الناس زرافات، ومن كل حدب وصوب، لقضاء ليلة غنائية.
إن هذه الصورة الكئيبة القاتمة والمقلقة تدل بكل جلاء ووضوح على الواقع المأزوم الذي يعيشه إنسان هذا العصر، واقع الإحباط واليأس والقهر اليومي والضغط النفسي، الناجم عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وثقافة العولمة والاستهلاك،كما تؤكد غياب الوعي لأهمية الثقافة والإبداع، وأهمية الندوة الأدبية والمحاضرة الثقافية والتربوية في حياة الشعوب المقهورة والمستضعفة والمناضلة، في معاركها السياسية والطبقية والأيديولوجية ضد الظلم والاستبداد والفقر العاري، ومن اجل الغد الأجمل والأفضل.
والسؤال المطروح في هذا السياق: من المسؤول عن هذا التدهور الثقافي الحاصل في حياتنا، وعن القطيعة بين الناس والندوات الثقافية والأدبية؟!

برأيي المتواضع، إن هناك أكثر من طرف مسؤول عن ذلك. أولا:المؤسسة الحاكمة في البلاد التي تحرم أطفالنا وشبابنا من المراكز والنوادي الثقافية والشبابية، ولا تخصص الميزانيات الكافية للنشاطات الثقافية والأدبية ولا تبدي اهتماماً بالثقافة والأدب في الوسط العربي.

ثانياً: الآباء الذين يهملون شؤون أبنائهم ولا يوجهونهم لإثراء ثقافتهم وتعميق وعيهم، بل يغرسون في نفوسهم منذ الصغر الثقافة الاستهلاكية، ثقافة الأكل والطبيخ والكوكاكولا والبيتسا، وعبادة المال وحب السيارة الفاخرة.

ثالثاُ : المدرسة التي لا تبث في عقول طلابها روح المعرفة وعشق الكتاب وضرورة الاطلاع على الآداب الإنسانية والتزود بالمعارف الإنسانية والفلسفية والفكرية، وإنما الالتزام بالمنهاج الدراسي، ولا تحثهم على المشاركة في الندوات الأدبية والفكرية والسياسية، وكيف يشارك الطلاب في مثل هذه الندوات ومعلمهم لا يشارك فيها؟!
إنني أقولها بكل ألم وحرقة وأسف ومرارة، ان قسماً كبيراً من معلمينا مساهم في ولادة ونشوء هذا الوضع الخطير وآثاره السلبية المدمرة. والغالبية العظمى من المعلمين أصبح همهم وشغلهم الشاغل المعاش "السمين" في بداية كل شهر..!
رابعاً : الحساسيات بين الأدباء والمتأدبين والمتثاقفين، وظاهرة "الشللية" المتفشية، والصراعات السياسية والخلافات العقائدية والأيديولوجية الحادة والعميقة بين القوى السياسية والفكرية، ناهيك عن الإحباط النفسي. فكل ذلك أدى الى ابتعاد الناس عن المشاركة في العمل والنشاط السياسي والاجتماعي والثقافي والأهلي، وعدم الإقبال على الندوات والمحاضرات.

ان الخروج من هذه الحالة يتطلب نهضة جديدة وانطلاقة ثورية تجديدية وانتفاضة في العقل العربي بهدف محاصرة الثقافة الاستهلاكية المتعولمة، وبناء الشخصية المتحررة المتنورة والمستقلة ذات المسلك الاجتماعي القادر على قهر الأزمات وتجاوز الصعوبات، والمساهمة الفاعلة والنشطة في عملية البناء الحضاري والتغيير والتحول الثوري الشامل لمجتمعنا العربي، على أسس سليمة بعيدة عن الزيف والدجل والتلون والنفاق والتقليد الزائف. إضافة إلى تأصيل المفاهيم والقيم الحضارية بين الأجيال الشبابية الصاعدة، وتنشئتها على حب الكلمة وأهمية الثقافة والعلم والأدب والتنور في الحياة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى