الجمعة ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

جولة أدبية

من القائل:

لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا
ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ

هذا البيت من شعر عمرو بن الأهتَم المِنْقَري، وهو من قصيدة أوردها (المُفضَّل الضَّبّي (المُفَضَّليات)، ص 125- 127 كاملة في ثلاثة وعشرين بيتًا، و بعضها ورد في (معجم الشعراء، ص 402) للمرزُباني.

معنى البيت أن الأرض واسعة ولا تضيق بأحد، ولكن الضيق يكون في أخلاق الرجال وصدورهم.
ورد البيت في سياق الحديث عن الكرم، وما قام به الشاعر من أجل قِرى ضيفه، وهذا الموضوع (الموتيف أو المتردِّدة) أفردت له حماسة أبي تمام بابًا خاصًا واسعًا تحت عنوان "باب الأضياف والمديح"- ( ج2، شرح التبريزي، ص 240- 352، حيث أورد أبو تمام خمسة أبيات من القصيدة).

قصيدة عمرو مطلعها:

أَلاَ طَرَقَتْ أَسْماءُ وَهْيَ طَرُوقُ
وبانَتْ على أَنَّ الخَيالَ يَشُوقُ
[....]
ذَرينِي فإِنَّ البُخْلَ يَا أُمَّ هَيثْمٍ
لِصَالِحِ أَخلاقِ الرِّجالِ سَرُوقُ
ذَرينِي وحُطِّي في هَوَاي فإِنَّنِي
على الحَسَبِ الزَّاكِي الرَّفِيعِ شَفِيقُ
وإِنِّي كريمٌ ذُو عِيالٍ تهِمُّنِي
نَوَائِبُ يَغْشَى رُزْؤُها وحُقُوقُ

(في الحماسة: ذريني فإني ذو فَعال تُهمّني.....)

أَضَفْتُ فلم أُفْحِشْ عليهِ ولم أَقُلْ
لأَِحْرِمَهُ: إِنَّ المكانَ مَضِيقُ
فَقلْتُ لهُ: أَهلاً وسهلاً ومَرحبًا
فهذا صَبُوحٌ راهِنٌ وصَدِيقُ
[....]
وكلُّ كَرِيم يَتَّقِي الذَّمَّ بالقِرَى
ولِلخَيْرِ بينَ الصّالحينَ طَريقُ
لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا
ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ

عارض الشاعر في قصيدته من عذلته في جوده، وطلب إليها أن تذهب مذهبه، ووصف الضيف الذي يطرقه في الليل في قر الشتاء، وما يلقى من عناء، ثم ما يستقبله من جود وقِرى. ثم نعت الجزور بنحره للضيف، وكيف عالجه الجازران. وأخيرًا أثنى على الكرم، وباهى بأصله وطيب أرومته...

وُصف الشاعر أنه كان جميل الخَلق والصورة، ولذا لقب "المُكَحّل"، أما أبوه "الأهتم" فقد لقب بذلك لأن قيس بن عاصم ضرب فمه بقوس فهَتَـم أسنانه- أي كسرها من الأمام.
عن ترجمة حياته انظر: ابن قتيبة (الشعر والشعراء)، ج2، ص 632.

وفد الشاعر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم، وسأله الرسول عن الزِّبْرِقان بن بدر فمدحه، ثم هجاه، ولم يكذب في الحالين، فقال رسول الله:

"إن من الشعر حكمًا وإن من البيان سحرًا".

انظر: الجاحظ (البيان والتبيين)، ج1، ص 349.

تناولت هذا الحديث الشريف سابقًا، وباستفاضةـ تحت عنوان "إن من البيان لسحرًا"، في صفحتي في الفيسبوك يوم 28/11/2016.

يقول بشار بن برد في هذا المعنى، وكأنه يعزف على نفس الوتر:

وكنت إذا ضاقت علي محلَّة ٌ
تيمّمتُ أخرى ما عَليَّ تضِيقُ
ولا ضاقَ فَضْلُ اللَّهِ عن مُتَعَفِّفٍ
وَلَكِنَّ أَخْلاَقَ الرِّجال تضيق

(ديوان بشار، ص 562)
ثم إن ابن الرومي استشهد بالبيت في قصيدة فاحشة هجا فيها إبراهيم بن المدبّر، وكان البيت مقول القول:

فقال مجيبًا وهو في سكراته
له نخرات بينهن شهيق:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها....

(ديوان ابن الرومي، ج4، ص 1645).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى