الاثنين ٢٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم مصطفى غريب

جوهر الإنسانية وإسقاط الجنسية

اكتشف جان جاك روسو أن كل شيء قادم من السياسة ولهذا تقدم بفلسفة جديدة يرى فيها ضرورة تحديد المعايير لمفهوم المواطن وحق المواطنة, ولقد رأى أن أولويات بناء المواطن هو ثقافة وتعليم وهي مرتبطة بشروط الحرية والمساواة وفهمها بقدر يسمح بإيجاد التوافق اللازم بين مبدأ إستقلال الإنسان كفرد ضمن مفهوم الحرية الفردية ومع وجوده داخل المجتمع وإندماجه فيه, وبالتالي لابد من التضحية بجزء من الحرية الفردية المطلقة لصالح هذا المجتمع وأوضح هذا المفهوم من خلال نظرية العقد الإجتماعي.

وفي هذا المقال نريد أن نسلط الضوء على الحقوق التالية : حقوق المواطنة وواجباتها, نظرة الإسلام للمواطن, الإسلام والمرأة وحقوق المواطنة, الجهاد وحقوق المواطنة, الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحقوق المواطنة, الإرهاب وحقوق المواطنة, المقاومة وحقوق المواطنة.

حقوق وواجبات المواطنة

المواطنة هي حق الإنتماء الى الوطن ، وهذا الإنتماء يرتّب على المواطن حقوقاً ويضع عليه واجبات, ولا يمكن للمواطن أن يطالب بحقوقه دون القيام بواجباته، كما أنه من غير المعقول أن يؤدي واجباته ثمّ يتنازل عن حقوقه.

وحق الإنتماء للوطن ليس له علاقة بالدين ولهذا نجد أن هناك مواطنين من أعراق وديانات مختلفة وإن كان الإسلام هو دين الله الذي إرتضاه لعباده على الأرض، وهو يحكم كلّ جوانب الحياة الإنسانية وينظّم شؤون المجتمع في شتى الميادين، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, ولاتعارض في الإسلام بين الدين والسياسة، بل إنّ العمل السياسي نفسه يعتبر عبادة، إذا كان يسعى لرفع الظلم والدفاع عن المستضعفين ونصرة القضايا العادلة للمواطنين.

نظرة الإسلام للمواطن

لقد قامت شريعة الإسلام على إحترام حقوق الإنسان وقامت بتنظيم العلاقة بين الفرد والمجتمع والعلاقات بين الناس، وكان الهدف الأساسي بناء مجتمع إنساني يعتمد على قواعد الرحمة والعدالة والمساواة، ورعاية الحريات ، ولهذا دخل الناس في دين الله أفواجا ولاسيما أن الإختلاف بين الناس موجود منذ الأزل حيث وقعت أول جريمة على الأرض بعد إختلاف, ولهذا جاء الإسلام منسجماً مع هذا الإختلاف ليرسي دعائم وقواعد العيش المشترك بين الناس.

أرسى الإسلام هذه القواعد من خلال الإعتراف بالآخر وإحترام التعامل معه وكان ذلك مبنياً على مباديء الأخلاق التي لاتنحاز لأحد بإختلاف الدين أو أي إعتبار آخر, كما أن الأخلاق ليست أسلوب تعامل المسلم فقط مع من يحب، ولا مع أبناء عشيرته أو قوميّته أو دينه، إنّها أسلوب التعامل مع الناس جميعاً بأسمى القيم الإنسانية وهي العدالة ومن أجل تحقيقها أرسل الله الرسل والأنبياء والصالحين والمجددين والعلماء والحكام الراشدين ليحكموا بين الناس بالعدل والكتاب هو مصدر العدالة ووسيلة تحقيقها هو الميزان بالقسط ولهذا أحب الله المقسطين.

الإسلام والمرأة وحقوق المواطنة

يرى الإسلام في كلّ من الرجل والمرأة (جوهر) الإنسانيّة، ووحدة الخلق والنشأة، مع اختلاف الوظيفة المناطة بكلّ منهما، ومع الاختلاف الخَلقي الذي يجعل كلاًّ منهما قادراً على القيام بوظيفته في الحياة.

ولهذا فهو يقرّر مبدأ المساواة المطلقة بينهما في كلّ ما يتّصل بالكرامة الإنسانيّة، وبالمسؤوليّة العامّة, أمّا ما يتعلّق باختلاف الوظيفة داخل الأسرة، وداخل المجتمع بين الرجل والمرأة، فإنّ الإسلام يقرّر مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات المتبادلة، في قوله تعالى: (ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهن درجةٌ والله عزيز حكيم) سورة البقرة: 228).

إنّ رعاية الأسرة هي أولى مهمّات المرأة بلا جدال، ولا يستطيع غيرها أن يقوم مقامها فيها, أمّا فائض الوقت والجهد حين يوجد فإنّ المرأة تستخدمه للقيام بسائر واجباتها الاجتماعية، والواجبات يتحدّد نطاقها بإختلاف ظروف المرأة نفسها، وإختلاف ظروف المجتمع وحاجاته وتطوّره, وهو يشمل كلّ نشاطات المجتمع الاقتصاديّة والسياسيّة وحتّى العسكريّة عندما يتعرّض الوطن للخطر.

والإسلام عندما قرر حجاب المرأة وضع لها الضوابط التي تحفظها وتحفظ المجتمع، مثل تحديد شروط الإختلاط، وتحريم الخلوة، وغير ذلك من الأحكام المتعلّقة بمشاركة المرأة في نشاطات المجتمع, وأوجد حلولاً حتى لا يضع الرجال والنساء موضع الحرج، ولهذا كانت المرأة تشارك في النشاطات الإجتماعية دون إثم أو عدوان, وإنّما أسبغ عليهما آدابه الشرعيّة كما أسبغها على سائر ميادين النشاط الاجتماعي، ووضع الآداب التي تحمي وتصون، سدّاً للذرائع أمام المفاسد والمحرّمات.

لكنّها جميعاً شرعت لتنظّم مشاركة المرأة الاجتماعية لا لتمنعها من ممارسة حقوقها المشروعة ، لذلك لم يكن غريباً أن يمتلىء تاريخنا بنماذج رائعة من النساء اللواتي كان لهنّ دور رائد في المجتمع سواء في المجال العلمي أو السياسي أو الأدبي أو حتى الجهادي.

الجهاد وحق المواطنة

الجهاد في سبيل الله: هو بذل الجهد في كلّ عمل يرضي الله تعالى, ومنه جهاد النفس الأمّارة بالسوء، وجهاد الدعوة، وجهاد كلمة الحق أمام السلطان الجائر، وجهاد العدو باللسان أو بالسيف أو بأية وسيلة أخرى, أما القتال فقد شرعه الإسلام لأسباب محدّدة، وسمّاه جهاداً في سبيل الله، ليبقى خاضعاً للضوابط الشرعية.

ويعتبر فريضة قائمة إذا قرر إمام المسلمين ذلك أو كان هناك عدوان ضدّ بلاد المسلمين وديارهم ، ولا يمكن أن يتحوّل ضدّ حكوماتنا أو شركائنا في الوطن من غير المسلمين ، الذين نعيش معهم منذ أمد طويل في ظلّ مواثيق وعهود يجب أن يلتزم بها الجميع.

كما ينبغي أن يتوافق أفراد المجتمع على تفسيره بحيث لايجعله موجهاً ضدّ المجتمع نفسه ، أو يَطال إخواننا المواطنين من أبناء الديانات الأخرى، فيؤدي بالتالي إلى خلخلة السلم الإجتماعي وتمزيق الوحدة الوطنيّة، ويقدّم خدمة مجّانية لأعداء الأمة.

وهو أصلاً نقض للعهد لا يجوز أن نقع فيه، قال الله تعالى: (الذين ينقُضون عهدَ الله من بعدِ ميثاقِه، ويَقْطَعونَ ما أمرَ اللهُ به أنْ يوصَلَ، ويُفسِدون في الأرضِ، أولئك هُم الخاسِرون) سورة البقرة الآية 27. ونقض العهد يعتبر غدراً، وقد نهى الإسلام عن الغدر.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحق المواطنة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي على كل مواطن ومواطنة ، لكنّ استعمال القوة فيه غير مشروع ، إلاّ إذا كان المنكر بواح ويدخل تحت ولاية من يريد النهي عنه ومجاز من الدولة ، لأنّه عند ذلك يكون مكلّفاً بإزالة هذا المنكر بوسائل تحددها له السلطات وليس مجرّد النهي عنه, أمّا المنكرات العامّة الشائعة في المجتمع، فإنّ الواجب الشرعي على المواطنين إزاءها هو الإنكار باللسان وتقديم النصيحة، خاصة وأنّ محاولة استعمال القوّة لن يؤدي إلى إزالتها وقد يؤدي إلى منكر أكبر.

ويبقى واجب المواطن والمواطنة الإنكار باللسان أو إبلاغ السلطات التي من حقها أن تقوم بردع من قام بهذا المنكر, ومن حق المواطن والمواطنة محاولة إصلاح نظام المجتمع بالحكمة والموعظة الحسنة, لذلك مرفوض إستعمال العنف أثناء النهي عن المنكر بكلّ أشكاله وصوره.

الإرهاب والمقاومة وحقوق المواطنة

يمكن القول إن الإرهاب هو: (الاعتداء على الأبرياء بالخطف والترويع، وإلحاق الأذى بهم، أو قتلهم لتحقيق أهداف سياسية أو شخصية لا علاقة لهم بها, وعليه يمكن القول: إنّ الإسلام يرفض الإرهاب، وهو لا يقبل إلحاق الأذى بالأفراد أو بالشعوب وحتّى بالحيوان, ويأمر بالرفق حتّى مع الأعداء، وينهى عن الاعتداء عليهم بدون سبب، ويظهر في قوله تعالى (وقاتلِوا في سبيل ِاللهِ الذين يقاتلِونَكم، ولا تَعتَدوا) سورة البقرة: 190.

ولكن من حق المجتمع المتمثل في المواطن والمواطنة والدولة أن يردّوا العدوان بمثله، إمتثالاً لأمر الله تعالى: (فَمَنْ اعتدَى عليكُم فاعتَدوا عليه بمثل ِما اعتدى عليكم) سورة البقرة: 194, ويكون هذا الحق مستحقاً حين يُعتدى على الناس، في حقوقهم أو كرامتهم أو دينهم أو أرضهم.

وتعتبر المقاومة حق مشروع لكل مواطن ومواطنة والدولة لردّ العدوان كما إنّ حقّ جميع الشعوب في الاستقلال على أرضها، وإختيار نظام حكمها، وهي حقّ فطري مقدّس، كرّسته جميع الشرائع الإلهية والمواثيق الدولية ومباديء حقوق الإنسان, ولا يمكن أن توصف مقاومة أي شعب لعدو يحتلّ أرضه بأنها إرهاب بل مقاومة مشروعة وبكل الوسائل المتاحة.

ونستطيع أن نحدد بعض أركان هوية المواطن والتي تعبر بشكل أو بآخر عن العلاقات الرابطة بين الفرد والمجتمع والدولة, وتتجسد في نوع العلاقة بينهما وإن كانت تبدوا بلا شك في طابع سياسي تعبر عن علاقة ولاء أو تبعية للدولة, إنها علاقة شخصية أبدية للفرد مع دولته ذات السيادة والتي تفرض عليه قدر كبير من الالتزامات أهمها الولاء والإخلاص وتكون هذه العلاقة وثيقة ودائمة حتى الموت كما هو الحال بما ينتج من الالتزام بأداء الخدمة العسكرية والدفاع عن الوطن ومقاومة الإحتلال.

وهنا يتبادر الى الذهن سؤالين : هل يحق للدولة إسقاط الجنسية عن المواطن لأسباب : دينية أو عنصرية أو طائفية أو سياسية ؟, وهل يحق للمواطن ممن أسقطت عنه الجنسية أن يستعيدها؟.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى