حادثة 4 فبراير .. البكاء على الماضي
في صباح مثل هذا اليوم، 4 فبراير 1942 طلب السير مايلز لامبسون السفير البريطاني في القاهرة لقاء رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا وسلمه إنذارا شديد اللهجة موجه للملك فاروق، يهدده فيه بأنه – أي الملك- سيتحمل تبعات ما سيحدث إذا لم يوقع قبل السادسة مساءً نفس اليوم قرارا بتكليف زعيم الوفد مصطفى النحاس تشكيل الحكومة.
بعد ذلك طوقت الدبابات البريطانية قصر عابدين، وخضع الملك للإنذار، ودخلت الفضيحة التاريخ بصفتها أكبر مؤشر على طبيعة نظام فاروق وخضوعه لإرادة الاحتلال حتى في أدق الشئون الداخلية. النظام الملكي الذي هزم في حرب 1948 التي أسفرت عن إقامة دولة الكيان الصهيوني، ومع ذلك يتغنى البعض بالديمقراطية أيام الملك، ويتناسون معتقلات إبراهيم عبد الهادي وزير العدل( الداخلية) عام 1945، والتي أشار إليها حينذاك فكري أباظة في مجلس النواب تعقيبا على خطاب العرش منوها بخطورة الأحكام العرفية والرقابة على الصحف وتزوير الانتخابات، وبأنه من المخجل أن تتولى السلطات الانجليزية وليس النيابة المصرية التحقيق مع المعتقلين! هذا ما جاء في نص كلمة أباظة التي نشرتها الأهرام في 7 فبراير 1945.
هذا عن ديمقراطية العهد الملكي، وكنا في واقع الأمر نعيش في وطن محتل، حيث لا توجد الديمقراطية أبدا في ظل الاحتلال. وقد أظهرت حادثة 4 فبراير تلك الحقيقة بصورة مخزية ومهينة. مع ذلك تصادفني على مواقع التواصل صفحات كثيرة تمجد العهد الملكي، مرة باسم ملك مصر الأول، ومرة الملك فاروق، وأخرى فاروق لم يكن فاسدا وغير ذلك كثير. ويذكرني من ينشئون تلك الصفحات بملاحظة سجلها داروين عن التطور، حين أشار إلى أنه في مرحلة ما من تاريخ التطور خرجت الحيوانات البحرية من المياه إلى الشاطئ وتطورت عضويا إلى طيور، وكان من بينها الدلفين، لكنه كان الكائن البحري الوحيد الذي تمهل على الأرض وهز رأسه وقرر الرجوع إلى البحر، ويخطر لي فيخطر لي أن هناك من البشر دلافين كيفما اجتذبتهم إلى المستقبل والتطور يرتدون إلى الماضي ويتباكون عليه وعلى حواشيه المذهبة، وديمقراطيته، وعلى حنان الملك مع الفلاحة التي جلست على قارعة الطريق حتى أنه توقف وجعلها تركب إلى جواره.
إلا أن الحقائق عنيدة، ولهذا تبدد الحقيقة كل أكاذيب ومزاعم أن ثورة يوليو أجهضت "ديمقراطية الملك"، إذن لم تكن ثمة ديمقراطية، وهو أمر رصدته الدراسات التاريخية الموضوعية، كما عالجه الفيلم السينمائي الشهير "غروب وشروق" عام 1970 ودخل قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وفيه تتضح طبيعة ديمقراطية ذلك العهد الملكي. وأغلب الظن أن الذين يتباكون على الزمن السعيد، لا يرمون إلى استعادة ما كان، لكنهم فقط يموهون على الطرق إلى المستقبل، بفتح شارع جانبي مشبع بالحنين الكاذب إلى الماضي، وتجميل صورة فاروق الأول الذي لم يكن "فاسدا"، لكن في ظل حكمه قامت إسرائيل، وفي ظل حكمه اعتقل الآلاف، وصودرت الحريات، وكان أعظم أحلام مصر اقامة مشروع "الحفاء" لتوفير حذاء لكل مواطن. لكنها الدلافين التي تغرق الطريق إلي التطور بشتى الأكاذيب المبللة بالدموع.