السبت ١٩ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

حب يحتضر

نــــــاديـــة بيـــروك

حب يحتضر

أمسك حمزة بلفافة السيجارة التي تحترق بين أصابعه، وأحس الألم وهو يعصر قلبه الذي لم يتوقف عن النزيف بعد. كانت الضوضاء تعم المكان، فهذا المقهى كعادته، غاص بالعجزة ذوي الألسنة الحادة والحشرجة المزعجة. وهذا الشارع، أشبه بحمام نساء، أو بسوق شعبي. حيث لا تسمع إلا صراخ بائعي الخردة والجرائد، أو صياح الصبيان الذين يتشاجرون من أجل كرة متهرئة. لم تكن هذه الجلبة لتنقذ حمزةمن هواجسه، فسرعان ما غاص وسط بحر من التفكير اللاذع، حين طارده شبح الذكريات دون رحمة. لازالت صورتها تنخر مخليته المتعبة، لازال صمتها الرهيب يلفح أنفاسه الحارة، لازالت نظراتها تلاحقه كاللعنة الرهيبة، ولازال حبها يعصف به كإعصار المحيط.

انبعثت آهة عميقة من بين ضلوعه، وهو يتذكر تلك الأيام الغابرة، حين كان يلعبان معا تحت شجرة الزيتون الضخمة، حين كانا يتسلقا فروعها ليرمي إليها بحباتها الطازجة، حين كانا يمشيان متجاورين إلى المدرسة وحين تخرجا سوية من نفس المعهد.

 "ما أشبه اليوم بالبارحة و ما أسرع مرور الأعوام!- قال حمزة متأوها- لقد أحببتها منذ صغري، أسكنتها قلبي و فرشت لها أركانه، كان فؤادي معبدا وكانت راهبته، لكنها اتخذتني أخا دون استئذاني، فأحبت غيري. وهاهي ذي تزف إلى حبيبها، أما أنا فإني أحاول استئصال قلبي من جذوره فلا أستطيع!" عندها اغرورقت عيناه بالدموع، و أحس بخنجر يدمي أحشاءه. فجأة، تهز كتفه يد غريبة بكل قوة، ليرفع رأسه إلى صاحبها الذي يستعجله قائلا:

 لقد افتقدك أهل العريس، والعروس تود وداعك، ألن تذهب؟

نهض حمزة في تثاقل وهو يجرجر قدميه، لكنه أدرك حينها أن حبه يحتضر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى