الثلاثاء ١ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم حسن أحمد عمر

حتة مقال إنما ايه..

أحذر الحكام العرب من رفع رواتب موظفى الحكومة والعاملين بمؤسسات الدولة لأن ذلك يمثل خطورة كبيرة على أنظمة الحكم القائمة حيث أن المواطن الفقير المحتاج يقهره الفقر وذل الحاجة ويضيع جل وقته فى البحث عن الجنيه الذى يشترى به قوت يومه وملبس عياله وأجرة المسكن ولا أقول ثمن العلاج فذاك شأن آخر حيث يعجز هذا الموظف الفقير عن توفير علاج المريض من أسرته ويميل به الزمن ويصبح ملطشة لكل من هب ودب ويضرب بإنسانيته عرض الحائط ولا يحنو على مريضه سوى تراب القبر.

لن يستطيع هذا الموظف المحتاج المقهور أن يتعلم أو يتثقف أو يفهم مجريات الأمور فى العالم حوله ولو فهم فلن ينطق بحرف خوفاً على مرتبه المعدوم ولقمة عيش عياله وسيعيش مطيعاً حانى الرأس مطأطئاً لا يجرؤ على المطالبة بحق من حقوقه ولا يستطيع التحدث بما يقض مضجعه ومضجع زوجته ويزرف بسببه دموعاً من دم وخصوصاً لو كان هناك فى الأسرة شخص مريض وهذا موجود فى كثير من الأحيان، فقد تم تطويع هذا المواطن بعوامل الفقر والقهر فيعمل كالجهاز وليس من حقه قول كلمة لا .. وإلا فالطرد من العمل والتشريد جزاؤه المحتوم ومصيره المشؤوم وسيظل هذا المواطن هكذا طالما طارده الفقر وذل الحاجة ولقى العنت فى كل المصالح الحكومية وعومل أسوأ معاملة فى أقسام الشرطة ومباحث أمن الدولة ولذلك فمثل هذا المواطن هو البيئة الملائمة والمناخ المناسب لنمو الإستبداد وتفاقم قوته القاهرة التى تأكل فى طريقها الأخضر واليابس، أما إذا رفع راتبه فأغناه عن ذل الحاجة وسؤال اللئيم فسوف تنقلب الأمور وتتغير الأوضاع ويصبح هذا المواطن شخصاً آخر له آمال أخرى ومتطلبات لم يحلم بها الحاكم المستبد حين فكر فى رفع مستوى معيشته وبناءاً عليه لا ترفعوا راتبه ولا ترفعوا مستواه المعيشى !!!

هذه النصيحة الغالية أوجهها للحكام العرب من مدمنى التسلط والديكتاتورية وفرض الأحكام العرفية وتغليب الدولة الأمنية على الدولة المدنية وقهر الحريات ومصادرة الأفكار والآراء والتعتيم المتعمد على كل حوادث التعذيب حتى التى تؤدى لموت الضحية وإليهم أيضاً—الحكام العرب---أؤكد أنهم طالما استمروا على حبس الأموال وإنفاقها فى رفاهيتهم الخاصة ومكاتبهم وقصورهم وسياراتهم ألفارهة وعلى جنودهم وحراس أمنهم و أقربائهم وعملائهم وخدمهم وحشمهم وطالما استمروا فى سجن المواطن داخل فقره وحاجته وذله فسوف تستمر غلبتهم وسوف يدوم نصرهم وسوف يطول حكمهم وتتفرع شجرة زقومهم حتى يصلاها ويأكل منها القاصى والدانى والصغير والكبير والمرأة والرجل وكل ناطق بكلمة حق أو متفوه بشهادة صدق وعدل فى زمن يختلط فيه الحابل مع النابل.

لو رفعتم المرتبات –دمتم بخير على عروشكم ألوف القرون - فسوف يجد هذا المواطن قوت يومه متوفراً بسهولة يشترى ما يشاء من لحوم وفاكهة وأشهى المأكولات التى يمر عليها يومياً فيبتلع ريقه ويشم رائحتها العبقة فقط أما لو زاد راتبه فسوف يجرى عليها ويشتريها ويأكل منها هو وأولاده فيشبعون، ويشترى ملابس فاخرة ويكسى أهله بما يشاء من أفخر الثياب فيلبسون، وقد يفترى فيعيد دهان شقته وتغيير عفش منزله أو شراء عفش جديد فيستقرون، ويدخل من تبقى طفلاً من أولاده مدارس لغات ويعلمهم أرقى تعليم فيتعلمون، ثم إنه قد يجن فى عقله فيفكر فى شراء سيارة بعد فترة قصيرة من زيادة راتبه فيركبون ويتفسحون ويفرحون.
كل ماسبق ليس مهماً بالمقارنة بالكارثة الكبيرة التى ستحدث فما هى هذه الكارثة؟؟

الكارثة أنه سوف يبدأ فى شراء الكتب –لو كان غاوى ثقافة—ويبدأ فى القراءة والتوسع فى الإطلاع وطالما حصلت راحة مادية وصارت الحياة سهلة مرحة فما المانع من إندفاع الملايين من الحاصلين على الشهادات أو حتى بدون شهادات طلباً للتزود بالعلم والمعرفة الذين حرم منهما بسبب الفقر والإلتهاء الكامل عنهما فى السابق بلقمة العيش المرة والتى تغير طعمها الآن –بسبب رفع الرواتب رفعة عادلة — فصار طعمها مسكراً ولذيذاً وكارثة الثقافة والعلم والإطلاع وإنتشارهم بين كافة أبناء المجتمع لن تكون بالأمر السهل خصوصاً لو وصل الطمع بهذا المواطن المرتاح مادياً –على افتراض ما سيكون---فقد يشترى كمبيوتر ويركب خط تليفون للوصول إلى عالم الإنترنت أو يشترك فى سيبر – أرخص شوية من سعر النت على التليفون—وبهذا تكون حصلت الطامة الكبرى!!!
ما هى الطامة الكبرى؟؟

سوف يتعلم الكمبيوتر بسرعة لأنه مشتاق له ولعالمه العجيب المثير اللذيذ وسوف يدخل على النت بعد أقل من شهر من العملية التكنولوجية السابق شرحها وبذلك سيدخل على الصحف الإلكترونية فإذا به يدخل على كل صحافة العالم ويقرأ ويتوسع ويتبحر ويقوم بعمل down load لكل مقال يعجبه ولكل رأى يشده ولكل كتاب يذهله ولكل قصة يتوقف أمامها ولكل مصيبة جديدة عليه ولكل الكوارث الأخلاقية والإجتماعية التى كانت مخفية عنه فأصبح الآن يقرؤها بسهولة وصارت فى متناول يده وسيدخل على الصحف التى تفضح الجميع بغير حساب ولا خوف من أمن دولة أو ضابط شرطة متمرس فى تعذيب الغلابة أصحاب الأيادى القصيرة والقلوب الذليلة والعيون قليلة الحيلة.

كما أنه—المواطن حديث العهد بالنت--- لن يمر عليه شهران آخران حتى يبدأ ينفعل بما يقرأ فيشارك فى المنتدايات فيدافع عن قضايا يؤمن بها ويكفر بأمور كان شديد التعلق بها ويؤمن بأفكار جديدة بدأ يقتنع بها ويشتم المخالفين فى البداية ثم يتعلم الأدب على أيادى كبار مثقفى النت ويبدأ بردود محترمة وتتولد لديه الرغبة فى الكتابة فيكتب فيضحك عليه البعض ويهدهد البعض الآخر على صدره ناصحين له بعدم اليأس فإذا به مع الوقت يتحول إلى مثقف عظيم ويفهم معانى الإنسانية وإحترام حقوق الإنسان ويفهم – وقد كان عسير الفهم—أن للمرأة حقوقاً وللطفل حقوقاً وللإنسان عموماً حقوقاً تم التعتيم عليها لآلاف الأسباب وملايين الموروثات من عادات ومعتقدات فيتم صقل فكره وتجلية علمه فيصبح يوماً ما ممن ينادون بحقوق الإنسان على أرجاء الأرض كلها فى الحياة الحرة الكريمة التى يتمتع فيها بحرية الدين والفكر والمعتقد والرأى .

وبهذا يا سادة تنقلب الدنيا رأساً على عقب بسبب زيادة المرتبات وبدلاً من مواطن ليس له غير بضعة جنيهات حقيرة آخر كل شهر نفاجأ بمواطن يأخذ حقه بما يستحق مقابل ما يقدم من أعمال وإنجازات و بدلاً من مواطن يهرب من العمل بسبب موت مرتبه ويضرب بمصالح الناس عرض الحائط غير عابىء بهم نجد موظفاً لا يبرح عمله ويؤديه بإتقان شديد والأغرب من ذلك أنه لن ينتظر الرشوة المتعارف عليها أيام الفقر والراتب الصغير والأعجب من ذلك هو نظافة المصالح الحكومية والمؤسسات وحسن إستقبال العاملين بها للمواطنين كأننا فى دول العالم الأول والغريب أن كل مواطن صار يحترم أوقات العمل بشكل ملفت للنظر ولا يضيع منه شىء بسبب وجود رؤساء ومديرين أذكياء يعلمون ما يفعلون فيثيبون المجتهد ويجازون المارق ويدربون الغافل ويذكرون الناسى وينشرون مبادىء الحب فى العمل ومصلحة الوطن والمواطن فوق كل شىء وقبل كل شىء.

إن هذا المواطن الجديد المثقف الفاهم الواعى سيكتشف أن هناك شىء إسمه الديمقراطية والعدالة والمساواة وأنه ليس هناك شىء إسمه رئيس يحكم دولة لعدة عقود وكل مرة تكون نتيجة الإستفتاء 99,9% وسوف يكتشف أن له حقوقاً مهضومة يجب أن يحصل عليها مثل حقوقه السياسية وحقوقه الاجتماعية وحقوقه الفكرية وحقوقه الإقتصادية وسوف يطالب بها وبالطبع هو ليس رجلاً واحداً بل هو شعب كامل حدثت له هذه الطفرة الثقافية المفاجئة بسبب زيادة راتبه وراحته المادية والنفسية التى دفعت به للبحث عن سبل العلم والثقافة والإطلاع فتحول بقدرة قادر إلى إنسان آخر يفهم فى كل شىء ويطالب بكل حقوقه وهذا أكثر شىء يرعب الحاكم الديكتاتور فى كل بلد عربى وفى كل بلاد العالم فهو يحب أن يعيش الناس فى جهل مدقع يسبحون بحمده قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ويحب أن يعيش شعبه فقيراً محتاجاً حتى لا يشبع فإذا شبع بحث عن حقوقه وهى مهضومة بالطبع لدى المستبدين وأزلامهم ولدى عملائهم وأقربائهم وأصدقائهم .

لهذه الأسباب: جميعاً وكثير غيرها أحذر الحكام العرب المستبدين من رفع مستوى معيشة المواطن العربى حتى يستمر من الرعية ولا يخرج عليكم بعقل ذكى وفكر ألمعى فيطالب بحقوقه وعندئذ لن يكون للواحد منكم مكان تحت الشمس وستخبو ناركم ويحل محلها عهد سلام وعلم وعدالة وديمقراطية ومحبة بين الناس الأحرار—عندئذ--- وسوف ننهض ونكبر ونقوم من كبوتنا التى امتدت ألوف السنين ويحل محلها يقظة لا ينام الوطن العربى بعدها أبداً ويصبح فى مصاف الأمم المتقدمة ويتم تعديله من عالم ثالث إلى عالم اول وهذا طبعاً ما تكرهون ...
كتبت هذا المقال منذ خمس سنوات وكان عنوانه(حذارى من رفع رواتب الموظفين) .. ومع مرور الزمن تحقق الأمل
والله المستعان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى