الأربعاء ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم سناء بنت المنصف

حراس القلب

قصة للأطفال

كان يُمكنُ ليومِهم أن يكونَ عادِيًّا، رتيبًا، كسائرِ أيّامهم، ولكن، انقلبَ حالُ أعضاء الجسم جميعًا ذاتَ صباحٍ، عندَما وقفتْ ’المَرارةُ’ القابعةُ أسفلَ الفصِّ الأيمن «للكبد»، وصاحتْ بصوتٍ حادٍّ لا يخلُو من الحسد:

قد سئمتُ من هذا المكان المُظلم، ومَللْتُ من هذه الرّائحة المُزعجة التي التصقتْ بي، وأرغبُ في الإقامة فوق «القلب»، علّني أساعِدُهُ في ضخّ الدّم عبر أوعيتي، وتزويد الجسم (بالأكسجين) والمُغذّيات.

قالت قولتَها، وهي تنتفضُ من مكانها، ثم انتصبتْ بجانب ’الكبد’ الذي حَملقَ فيها بدهشة عظيمة قائلًا:

أيُّ إقامةٍ وأيُّ مُساعدةٍ أيّتُها ’المرارة’ المُجوّفة! لا ينبغي لك أن تُغادري مكانك، فلكُلِّ عُضوٍ هنا مكانهُ المُخصّصُ ووظيفته المُحدّدة.

رفعتْ «المرارة» حاجبيْها باستهزاءٍ كبير، ولمعتْ عيناها بحُنق عريض قائلة:

بل يجوزُ لي أيُّها «الكبد» البليد، فلقد ظللتُ سنوات عديدة وأنا محشُورة تحت بطنك، أخَزِّنُ عُصارَتي الصفراويّة بتكاسُلٍ مُملٍّ، ومن حقّي اختيارُ مكان إقامتي وتغيير وظيفتي.

جهرتْ بهذا القرار وهي تشرئِبُّ بعُنقها نحو الأعلى، مُوجّهة خطابها للجميع بعُلوّ واستعلاءٍ:

أيُّها الأعضاء، اعلموا أنّ وِجهَتي نحو «القلب» ستبدأ الآن، وتأكّدوا أنكُم ستنعمُون بوافر الصّحة والعافية فورَ وصولي واستقراري.

وما أنْ أكملتْ «المرارةُ» وَعْدَها، حتّى ارتفعتْ أصواتُ الأعضاء بين مُعارضٍ ومُحتجّ، بين مُستنكرٍ ومُتعجّب، وكثُرَ اللّغطُ والجدال، واشتدَّ النقاشُ فيما بينهم، لولا تدَخّل ’العقل’ وهو يرفعُ يدهُ مُعلنًا الصّمت قبل أن يتكلم:

أيّتُها «المرارة»’، لا ينبغي لك أن تحتلّي مكانَ غيرك، واعلمي أنْ لا سُلطان لكِ علينا ولا وِصاية، وتأكّدي أن قرارَكِ هذا سيُضعفُ جسَدَنا ويُفرّقُ وحدتَنا ويُعجّل بهلاكِنا، فالزمِي مكانكِ، كيْ لا يختلَّ نظامُنا.

مع نهاية خطابه وتحذيره، احمرّت «المرارةُ» غضبًا، وامتلأتْ عيناها كمدًا، وقفزتْ فوق «الكبد» قائلةً بلسانٍ ملؤه الغرور وهي تهتفُ نحو حاشيتها وأنصارها:

فلتتجهّزوا سريعًا، ستبدأ رحلتُنا الآن، أعدُكُم بالمُعافاة الدائمة والسّلامة التّامة، استعدُّوا لإقامتكم الجديدة وتأهّبُوا لمكانكُم الموعُود.

في تلك اللحظة، قفزتْ أنياب الفم مُرحّبةً بهذا القرار، بينما التفّتْ الأمعاءُ الدقيقة ببعضها البعض مُستبشرةً بهذا الوعد المُزوّر، في حين تَمَلمَلَ «المريءُ» في مكانه مُعلنًا عزمَهُ المُشاركة في هذه الرحلة، قبل أن يَخفِقَ ’الطّحال’ في أعلى الجانب الأيسر من البطن مُهلّلاً بهذا العهد الكاذب.

هُنا، وقفت «المرارة» بزهوٍ مُصطنع، بجانب أنصارها وأتباعها، وهي تنظرُ إلى أعضاء الجسم الذين تعلّقت أبصارُهم «بالقلب» وهو ينبضُ بثقة وإصرار، إلى أن قطعَ صمتهُم قائلاً بعزّة وشُموخ:

لن تنالي سوى الخزيَ والعار أيّتُها «المرارة»، واعلمي أنّ التسلّطَ والتجبُّر عاقبتهُ وخيمة.

كشفتْ «المرارة» ابتسامتَها الصفراء، ثم التفتَتْ إلى حاشيتها، مُعلنةً بدْءَ الرحلة نحو «القلب»، وهي تُعربدُ بعُتُوٍّ منبُوذ قائلة:

قريبًا يتحقّقُ وعدُنا، ونستريحُ في إقامتنا الجديدة.

وشرعتْ بالزّحف نحو الأعلى وسط ترحيب أنصارِها وأتباعها، بينما اضطربَت أعضاءُ الجسد، وبدؤُوا (بدأوا) يتهامسُون بقلقٍ كبير، خوفًا من مآل هذا التحرُّك الخطير.

لم تمضِ سوى لحظات معدودة، حتى قفَزَ ’الّلسانُ’ من مكانه، بعد أن استأذنَ «العقل»، وانتصبَ أمام «المرارة» قائلاً بصوت قويّ عزيز:

لا يغرنّك أنصارُك وحاشيتك، فلِلْقلبِ جنودٌ كثيرة، ولن ترضَى بهذا الغزوِ الغاشم.

نظرتْ إليه «المرارة» باستعلاءٍ وقالت:

دعْكَ من هذه النّصائح أيها المبعُوث الأرعَنْ، فقد اقتربَ تحقيقُ وعدي، وسأنعمُ قريبًا بموطني الجديد.

وفورَ تأكُّد «اللّسان» من استحالةِ إقناع «المرارة» بخُطورة فعلتِها، قفَزَ سريعًا إلى مكانه، بينما ارتجّتْ الأوعيةُ الدمويّة بشكلٍ مُتسارعٍ حثيث، قبل أن تظهرَ فجأةً «كُريّاتُ الدّم الحمراء» التي وقفَتْ فوقَ بعضها البعض بشكلٍ مُستقيم مُنظّم كأنّها بُنيانٌ مرصُوص، وَوَثبَتْ أمام «المرارة» وأتباعها مُعلنةً بدْءَ المُقاومة، في حين أطلقَ الغُزاة إشارةَ الاستعداد، وبدأ قَرْعُ الطّبول، وتَحفّزَ المُقاتلون، وانطلقتْ المعركة.

كان قِتالاً حاميًا، استخدَم فيه المُدافعون كلّ أسلحتهم التي كانوا يُرسلونَها بشكلٍ جماعيّ وفي وقتٍ واحد، نحوَ وُجوه المُعتدينَ بُغيَةَ إنهاكهم وإجبارهِم على التّراجع، في حين كانَت ’المرارةُ’ تُطلقُ من فمِها ألسنةً حمراء طويلة، كأنّها حِبال.

كانت ألْسِنَتُها تخرُجُ بطريقة سريعة، كأنّها وَميضٌ من برق، تُراوغُ السّهام، تلمَسُ المُدافِعَ، ثم تلتَفُّ حولَهُ وتَخطفُهُ إلى باطنَ فمها في لمحِ البصر.

لم تكُنْ المعركةُ هيّنةً على أعضاء الجسم الذين ظلُّوا يُراقبون هذه الملحمَةَ بأبصارٍ مُنتبهة وَجلة، بسبب سُقوط بعض الجُنود وتفكُّكِ حائطِ الدّفاع شيئًا فشيئًا، مِمّا دفعَ فريقَ الحماية إلى اللّجُوء سريعًا نحو تنفيذ خطّتهم البديلة، والتحموا من جديد بشكل كُرويّ، حتى صارُوا أشبهَ بكُرة دفاعٍ كبيرة، وواصلُوا هُجومَهم بالسّهام الحادة نحو «المرارة» التي كانت تبتلعُها بشراهة، كأنّهُ (كأنها) تبتلعُ سِهامًا من حلوى.

ومع مُرور كُلّ لحظة، واشتعالِ القتال، بدأَت كُرة الدّفاع في الانهيار، بعد أن خَسِرَ الجُنود نصفَ أفرادهم، ولم يتبقَّ سوى قلّةٌ قليلة، واصلتْ هُجومها بعزمٍ وثبات، بِيَقينٍ كبير أنّ النّصر قريب، وأنْ لا سبيلَ لها للنّجاة إلاّ بالمُقاومة، ولم تهرُبْ للنّجاة بنفسِها من سطوَةِ العدوّ وقُوته، رغمَ نفاذِ (نفاد) مخزونها الحربيّ وشدّة إرهاقها وخسارة قُوّتها.

لكن، وفي تلك اللحظات الحرجة، وقُبيل انتهاء المعركة، تَزَلزَلَ «القلب» بقوّة وبدأ يضُخُّ الدّم إلى الجسم بطريقة سريعة مُرتبكة، فرَفَعَ الجميع أبصارهم إليه، بينما شرع «الدّماغُ» في تنظيم (الأكسجين) والتنفّس والسيطرة على انفعالات الأعضاء الحيويّة، قبلَ أن يلتفتَ الجميعُ، نحوَ مشرطٍ حديديّ قد اخترقَ الجلد فجأة، ثم برَزَتْ لهم أدواتٌ جراحيّة حادّة، اتّجهتْ جميعًا نحو ’المرارة’ التي صرخَتْ بحسرة كبيرة لاذعة، وهي تُسحَبُ بعيدًا عنهُم، قبل أن تختفي أمام أعينهم، ويُغلقَ الجرحُ من جديد، وسطَ بهجة «القلب»، وتهليل «العقل»، وفرحة الأعضاء.

= انتهت =

قصة للأطفال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى