الثلاثاء ١٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم وجدى العبد الله

حسرة وأسف وغضبة كويتية على "خالد بن الوليد"..!

يشهد واقع الدراما التلفزيونية، على أبواب رمضان 2006، ظاهرة تراجع عدد الأعمال التاريخية، وانسحاب تلفزيون قطر (الجهة المنتجة الأولى في هذا المجال) من إنتاج هذا النوع الدرامي، وتخليه الطوعي عن مكانته في عالم الإنتاج التلفزيوني، بينما يأتي غياب القطريين غير المتوقع عن ساحة الدراما التاريخية، (والذي يعني انسحاب تلفزيوني عربي كامل من "التاريخ")، ليترافق من جهة أخرى مع دخول كويتي وآخر أردني - سوري على سوق انتاج الدراما التاريخية، من خلال مسلسلي "خالد بن الوليد" و"أبناء الرشيد: الأمين والمأمون"، اللذين قد يكونا العملان التاريخيان الوحيدان، لهذا العام.

ولكن حتى هذا الرأي يبدو متفائلاً في كل ما ذهب إليه؛ فالانسحاب لا يبدو قطرياً فحسب، بل هو على الأغلب إنسحاب عربي شامل. والتراجع لم يعد في حدوده التي توحي بها هذه المفردة، بل تحول إلى عداء للدراما التاريخية.. وأخيراً، وليس آخراً، فإن العملان لم يعودا كذلك، بل أصبحا عملاً واحداً فقط. ويبدو أن محبي الدراما التاريخية -أمثالي- سيعيشون على رصيد الرمضانات الماضية، إذا أرادوا أن يشاهدوا ما يحبون..

الكويت.. تقف ضد عملها!

كان من المبشر أن تدخل جهة كويتية على خط إنتاج الأعمال التاريخية؛ فذلك يوسع الخيارات ويثري ألوان الإنتاج.. ولم يدر بخلد أحد أن التوجه الكويتي سيواجه غضبة كويتية، واعتراضاً برلمانياً، من شأنه أن يجهض المحاولة الكويتية، ويقضي عليها في مهدها. والحجة أن خالد بن الوليد هو صحابي جليل.. وهكذا تصبح مكانته هذه سبباً في منع استحضار شخصيته الفذة تلفزيونياً، وداعياً لحجب المثل والدروس والعبر، التي يمثلها، عن مسلمي اليوم.

ولكن ما الضير في عمل تلفزيوني تدور قصته حول حياة القائد العربي المسلم خالد بن الوليد (سيف الله المسلول)، ويروي قصة حياته منذ ولادته، وحتى وفاته، مروراً بدخوله الإسلام والفتوحات التي قام بها، بالإضافة إلى الظروف التي صنعت منه مقاتلاً لا يقهر..!؟

لا أحد يعلم إلى أين ستصل هذه الغضبة الكويتية ضد "خالد بن الوليد"؛ والتي تؤشر في السياق العام على ضيق ونفاذ صبر عربي حيال التاريخ، ولكننا نعلم أنها شديدة وقادرة على قصم الظهر. ولكن واقع عدم الترحيب بـ"خالد بن الوليد" في الكويت اليوم (رغم أنه من إنتاجها)، يضعنا أمام احتمالات حجبه بشكل عام عن المشاهد العربي، لتتحول المساحة الرمضانية، بالنسبة للدراما التاريخية، إلى "ون مان شو"، هذا إذا لم يتم التضييق على العمل التاريخي الآخر، كذلك!

كما يبقى من الأمر معناه، فإن حجب "خالد بن الوليد"، الذي تم تصويره في ستين حلقة، يعني خسارة بحجم مسلسلين (كان سيعرض في جزئين؛ الأول في رمضان الحالي، والثاني في رمضان المقبل) تتكبدها شركة واحدة، وهذه كارثة إنتاجية كفيلة بإحداث انتكاسة كبيرة في الدراما التاريخية.

قطر.. قطر!

يرفض بعض الأصدقاء العاملين في الصحافة الفنية، الرأي الذي يذهب إلى اعتبار قطر الجهة الأولى في مجال إنتاج الدراما التاريخية، قبل أن تنسحب من هذا المجال هذا العام؛ ويؤكد بعضهم "أن قطر كانت تنتج عمل تاريخي واحد كل عام، في حين كان ما ينتج عربياً لا يقل عن خمسة أعمال تاريخية"، وأن "انسحاب قطر هذا العام من إنتاج الدراما التاريخية لا يشكل فرقا كبيراً في خارطة الإنتاج العربي من هذا النوع الدرامي".

وبالرغم من تحفظي على المعلومة التي تقول بأن قطر كانت تنتج عملاً تاريخياً واحداً فقط كل عام، فإن هذه المعلومة تكشف جوانباً تزيد من اللوعة على انسحاب قطر من الساحة الإنتاجية، فهي كانت (1) تنتج الدراما التاريخية سنوياً بواقع عمل على الأقل، وهذا التوجه الثابت إن لم يجعل منها منتجاً أولاً، في هذا المجال، فهو بالتأكيد أهلها لأن تكون منتجاً ثابتاً ومواظباً، وهذا أمر ليس بالقليل أبداً؛ وأن (2) الإنتاج العربي من الدراما التاريخية لم يكن يقل عن خمسة أعمال سنوياً، بينما هو لهذا العام ينحسر إلى عملين فقط.

وليس من المعلوم تماماً إن كان هذا الانحسار مقصود لذاته، وفي ذاته، أم هو مجرد تراجع عفوي في إطار فوضى سوق الإنتاج؛ إلا أنه لا يعقل أن يتخلى منتج كبير للدراما التاريخية (كتلفزيون قطر) عن ورقته الرابحة، طوعاً، ليتحول إلى مجرد مستهلك؛ بل أن تحوله إلى مجرد مستهلك يعدّ خسارة فادحة، وغير مبررة، للدراما التاريخية التي تبقى ملكة الشاشة الرمضانية بلا منازع، ولمحبيها الذين يجمعهم رمضان.

الحسرة والأسف

لقد كان من أهم نتائج فورة الإنتاج التلفزيوني العربي في بداية التسعينات أن تحرر الإنتاج التلفزيوني من "النمط" المصري، الذي كان يفرض نفسه ورؤيته ولكنته على العمل التاريخي؛ وصار بالامكان مشاهدة أعمال تاريخية بلغة عربية فصحى لا تخدشها اللكنات المحلية، بالإضافة إلى إحداث نقلة هائلة في طبية هذا الإنتاج، والتحول به إلى مستوى أكثر مصداقية وحرفية، إلى درجة أن الأشقاء المصريين (الرواد في صناعة الدراما التلفزيونية) ابتعدوا عن تقديم الدراما التاريخية في اعتراف ضمني تعزز باعترافات صريحة بأهمية ما تم تقديمه منها خارج مصر؛ ذلك كله يترك الآن لفوضى السوق، على ما يبدو، ولا يستثمر كما يجب..!

أفلا يكفي هذا لإبداء الحسرة والأسف..!؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى