الأربعاء ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٥
الأسفار

حكايات من وإلى الصحراء

إنتاج مسرحي عراقي بلجيكي

على أثر تقديم مسرحية الأسفار في بغداد ـ منتدى المسرح ـ حزيران 2004وفي عمان ـ مهرجان المسرح العربي ـ كانون الاول 2004 سيستضيف مهرجان العالمي للمسرح في بروكسل فريق العمل الذي سيقوم بجولة في العديد من المدن الأوربية بينها بروكسل وبرلين في المسرحية التي تسعى الى الغاء الحدود الثقافية، وتنظر وجها لوجه إلى استهلاكية العالم المعاصر متسلحة بالمتعة والجمال كمأوى أخير بعد أن تخرب كل ما يمكن تخريبه!

بعد أكثر من ربع قرن يلتقي الفنان البلجيكي (العراقي المنفي) حازم كمال الدين مع مجموعة من زملائه الفنانين الذين عانوا تحت وطأة صدام حسين كل تلك العقود. أي نكهة ستكتنف هذا اللقاء المشوب بقطيعة غسيل الدماغ الذي تعرض له الطرفان: على يدي زمرة صدام وعلى يدي انسحاقات المنفى؟

لقاء بين مخرج وممثلين زادهم الحوار والحركة. اختط الفنانون طريقهم في ظل الديكتاتورية بينما ترعرع الفنان في المنافى: استانبول، صوفيا، بيروت، دمشق، أثينا ثم أنتوربن.

في ثنايا كوابيس الأسفار يتبادل الخيال والواقع الأدوار دون أن نستطيع تحديد المسافة بين الواقع والخيال. لم لا؟! ألسنا نعيش منذ عقود في واقع متخيّل؟

بعد الخراب الذي تركه صدام جاءت ثورة الحواسم، على يد من؟ لقد تمت سرقة معظم الأشياء. لقد تم حرق المسرح الوطني وسرقة ممتلكاته حتى أصبح خرابا. على يد من؟ الأمريكان لوحدهم؟ زمرة صدام لوحدها؟

على أية حال: من ركام الحريق، من بقايا المكاتب المحترقة والأبواب المدمرة تمت صناعة خشبة مسرح في المنتدى حيث ستقدم عروض الأسفار.

الفنانون المشاركون هم نتاج مقطع عرضي للمسرح العراقي، لا اختيار الأفضل بل شريحة تمثل المسرح العراقي اليوم تمثيلا حقيقا: بعضهم قادم من المسارح التجارية، وآخر من المسارح الجادة، وثالث ممن عمل في مسرحيات النظام، وممن عمل في مسرحيات مضادة للنظام. هم شباب وكهول، منحدرون من المنفى الجغرافي ومن منفى الداخل. والممثلون أصابت بعضهم الحرب وآخر راقص محترف وثالث يعاني من آلام مبرحة في الظهر ورابع ممثل حوار لا حركة. جاؤا جميعا ليخضوا تجربة مجهولة لا يعرف أحد نتائجها.

يقدم حازم كمال الدين في الأسفار تسع حكايات تعتمد الفابل الشفاهي، وهي حكايات ببنية تصويرية خيالية.

كمشاهد ربما ستذكرك المسرحية بحكايات ألف ليلة وليلة، أو بالحكايات الشعبية؛ مراجع المسرحية المعرفية، ولكن إذا ما مرت دقائق على العرض سيتضح أن سفيان شخصية من شخصيات القرن العشرين، بوحدتها وهمومها اللامعقولة والوجودية. ليس هذا فقط، بل إن الأسفار تطمح لقيادة المشاهد بالطرق التي تريد، حتى لتكاد تعتقد أن سفيان هو نسخة هوليودية من بطل معاصر.

سفيان رجل ذي رسالة غامضة، يتلقى مختلف أنواع الأوامر، حتى لتدخل بعضها في عداد الكوميديا الساتيرية. ثمة عوالم من اللامعقول يتحرك فيها سفيان وتقوده إلى مقولة واحدة: يجب أن يسود العالم نظامه الشخصي!

إن لديه قناعة بأنه سوف يسيطر على العالم عاجلا أم آجلا وسيفرض ذلك النظام، لأنه يثق بنفسه ثقة عمياء، ولأنه يجيد لغة السيف. النتيجة أن سفيان يطور مجرى حياته، فيقتل الجميع.

جسديا يتعامل الممثل مع الفضاء المحيط به بشكل عضوي كمثل الجنين والرحم. إنه يقدم نفسه كممثل مبادر متلائم مع مختلف ظروف المسرحية ويتجنب الوقوع في الأكليشيهات المسرحية. الممثلة التي تقف بمواجهة خمسة ممثلين (عهود ابراهيم) فهي تشكل عبر حضورها الجسدي قضية ملفتة للانتباه بالرغم من أن حضورها في النص يكاد يكون غائبا. تتشرب السينوغرافيا بالفضاء الأصلي للمنتدى وبالتأليف الموسيقي للفنان (سامر الصراف) الذي يشكل بعزفه جزء من كلية العرض المسرحي.

عن مسرح حازم كمال الدين ثمة العديد من التأويلات. أحد هذه التأويلات هو ما كتبه الدراماتورغ البلجيكي جيف آرتس:

المسرح في حركة ربما أفضل التسميات التي يمكن أن يوصف بها مسرح حازم كمال الدين. تلك الاستمرارية في الحركة، تجد تجسيدها في الأسلوب التجريبي للمخرج، وتجد مكانها في رحلة البحث عن تفاعل ثقافي وحوار لا متسلط بين الشرق والغرب. مسرح حازم كمال الدين يحتاج من مشاهده، طريقة أخرى للمشاهدة، طريقة ليس لها علاقة بالأحكام السبقية أو القواعد الغربية للمسرح. على المشاهد أن يتخلى عن معرفته الغربية للمسرح إذا جاء لمشاهدة عروض حازم كمال الدين لكي يتمكن من الانفتاح على تجربة جديدة في المسرح.

يسعى المخرج المسرحي العراقي حازم كمال الدين لإعادة الأصالة لوسائل العرض المسرحي، ويسعى لتفجير طاقة الممثل الداخلية ـ الخارجية، عن طريق تفكيك وتوحيد العلاقة بين العقل، العاطفة/الانفعالات والجسد. هذا البحث عن الوحدة يشكل عالما من المعرفة ولغة مسرحية خاصة، طريقة أخرى للتخيل، وتطويع جديد للطقوس. وعن طريق هذا الأسلوب يعرج حازم كمال الدين على أسئلة ثاقبة حول العلاقة الكليشيه بين مختلف الأنظمة المسرحية. كل إنتاج مسرحي للفنان له طابع خاص مؤسس على أصالة بحث الممثل الإبداعي واستعداده لأن يكون هو نفسه. وفي النهاية ستكون لحظة اللقاء بين الممثل والجمهور، هي لحظة اللقاء الحي التي تخلق المسرح كل ليلة من جديد.

إن الحاجة للتساؤلات المنهجية حول التقنيات المسرحية القائمة، مزج هذه التقنيات مع بعضها، تخريبها ومقابلتها لبعض، هو في الحقيقة ضرورة مرتبطة بطابع عمل الفنان المرتكز على التساؤل وليس الإجابة، والمرتكز على مبادئ اللا تسلط والتفاعل الثقافي.

إن الأعمال المسرحية التي قدمها في السنوات الماضية تشير دون لبس إلى سعيه لإلغاء الحدود الثقافية، وتؤشر بوضوح إلى أن نتائج مثل هذا العمل يمكن أن يكون مسرحا ناقدا لاستهلاكية عالمنا المعاصر. فمنذ زرقة الرماد، مرورا بـ ظلال في الرمال، صور في العاصفة، دماغ في عجيزة، وسلالم الصمت بات واضحا أن حازم كمال الدين، لا يتبع المفاهيم المسرحية السائدة، والأساليب الفنية المتحجرة، والتسطيح الساذج، بل يجرؤ بوعي على اختيار طريق التجريب ـ التخريب.

مسرحية الأسفار من تحقيق: حازم كمال الدين (تأليف وإخراج)، عبد الوهاب عبد الرحمن (دراماتورغ)، عهود ابراهيم (تمثيل)، اسعد راشد (تمثيل)، علاوي حسين (تمثيل)، حميد عباس (تمثيل)، باسم الطيب (تمثيل)، طه المشهداني (تمثيل)، سامر الصراف (موسيقى)، جاسم وحيد (تقنيات)، اخلاص العزاوي (أزياء)، عباس خضير (اكسسوار)، حسين رشيد (ادراة انتاج/العراق)، يوكا وكاسر (ادارة انتاج بلجيكا)، عامر نايف سلطان (اعلام)
انتاج:
الفرقة الوطنية العراقية للتمثيل. جماعة زهرة الصبار المسرحية البلجيكية

تعرض المسرحية في مختلف المسارح في بلجيكا وألمانيا من 3 حزيران حتى السابع عشر من ذات الشهر. وستكون المسرحية مترجمة الى اللغتين الالمانية والفلامانية.

إنتاج مسرحي عراقي بلجيكي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى