الأربعاء ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٥
بقلم إبراهيم سبتي

حكاية الريح والأثر

مقطع أول قبل بدء الخاتمة..

يكلمك.. يسير بمحاذاتك، يجلس أمامك فى المقهى حاملاً صحيفة، يرتشف الشاى الساخن ويمشى بمعطف أنيق ونظارات برونزية وتفوح منه أغلى أنواع العطور..
فى إحدى الساحات العامة علق ملصقاً إعلانياً كبيراً كتب أسفله:
(خطر.. مميت، ننصحك بالابتعاد عنه.. لا تقترب منه، لأنه يتسبب فى تقطيع الأجساد وبعثرة الأشلاء البشرية).

توقيع: جمعية حماية الضوارى من الانقراض

مدخل: فى البلدة المجاورة، وحيث كانت الضوارى تتجول فى الشوارع، لا أحد يسمع لها عواء ولا تسبب أى إزعاج لأى شخص، قررت إدارة البلدة اعتبارها كائنات لطيفة!!

مدخل: شوهدت الضوارى فى البلدة المجاورة تتجول بحرية وتجلس فى المقاهى ساكنة وديعة وتعبر الشوارع من الأماكن المخصصة، ولا تسبب أى إزعاج لأى شخص، قررت إدارة البلدة اعتبارها كائنات أمينة ويمكن الاطمئنان إليها!!

تضاربت الأنباء حول اختفائه، يقولون بأنه ترك البلدة مهاجرة مكتئباً من آلامه. بعضهم يؤكد بأنه ما كان يرغب بالمغادرة لولا عاهته وعدم تصديقهم لحكايته.. لكن الأخبار تتفق بأنه فر فى يوم قائظ من صيف لاهب حارق.. الشيخ وحده يعرف السر أو هكذا يبدو للبعض.. يقولون إنه يعلم سر اختفائه، بل هو الشخص الوحيد الذى رآه قبل الرحيل..

الشيخ فى الستين. العقود التى عاشها يعرف كل أحداثها بدقة، راوية لكل الأحداث محدداً زمنها ومكانها.. لا أحد يعرف تماماً حتى كبار السن متى جاء هذا الشيخ إلى البلدة، الأخبار تتضارب عنه هو الآخر.. يقول البعض إنه ابن لبائع متجول مات فى البلدة تاركاً الطفل يتربى فى كوخ امرأة عجوز ماتت وهو فى العاشرة، ويؤكد آخرون بأنه جاء صغيراً جلبه بعض التجار وتاه عنهم فى الطريق.. يعرف كل تفاصيل الناس، يتوغل فى أحسابهم وأنسابهم، يسألونه عن جد ضائع أو منبع قبيلة، فيرد بثقة رجل عارف وبحنكة ودراية.. الرجل المعوق الذى اختفى فى يوم قائظ لابد أن يكون للشيخ يد فى ذلك.. الكل يقول بأنه يعرف السر.

لم يكن الشيخ راغباً فى تلقى أسئلة أهل البلدة المملة، لم يكن راغباً أبداً فى ذلك. لكنه يرد أحياناً بحنق قائلاً: هذا شيء خاص به، اسألوه! لا أعلم شيئاً مطلقاً..

فتلتقى العيون المذهولة فيما بينها وكأنهم لم يقتنعوا بما يردده. حبس الشيخ نفسه فى داره أياماً، لم يخرج أبداً.. لم يخرج ولو للحظة واحدة وكأنه اختار منفاه فى حياته وقبر نفسه به. فقد صارت أسئلة الناس ونظراتهم سهاماً تنغرز فى صدره الواهى.. الرجل المختفى ظل يشغل الناس، لماذا اختار ذلك اليوم؟ ولماذا حبس الشيخ نفسه فى بيته منذ عدة أيام أسئلة تقاذفها الألسن، النساء يتجمعن أمام بيوتهن.. الأطفال يتحلقون فى الأزقة.. المقهى الوحيد يعج بالرجال المصدومين.. هل نصدق حكايته؟ لا جواب.. لا جواب يريحهم ويطوى هذه الصفحة من حياة البلدة.

قبل ذلك اليوم القائظ، ظل الجريح حبيس نفسه محاولاً ترتيب نفسه بعد الحادث الذى لم يصدقه أحد، بل حتى لم يسمعه أحد.

لا يريدون سماعه، إنهم لا يصدقون أية كلمة من روايته حول ما جرى له.

لقد سرقه ذئب، سرق ذراعه فى جولة قاسية أسفرت عن اقتلاع ذراعه، ولم يكتف الذئب بذلك بل أخذها معه، صك عليها أسنانه واستدار هارباً نحو الوادى الموحش فيما ظل نازفاً متألماً متوجعاً يصيح بلا هوادة، يتمرغ فى تراب تبلل بدمه، لا أحد يهرع إليه، خمن بأن لا أحد يسمعه فظل يطلق صيحات هزت الأرض ولا أحد يجيب.. ظل طريح التراب باكياً واضعاً كفه اليمنى على مكان الجرح، مكان الخلع فيسقط بعدها بإغماءه لا يصحو منها إلا بعد أن ضربته شمس النهار الحامية. بعد ثلاثة أيام تقاطروا عليه فى غرفته الآيلة للسقوط ليروا ماذا حلَّ به وأين اختفت ذراعه.. لم يصدقوا ما حدث. صرخ أحدهم بعينين شامتتين: بلدتنا لم تشهد هجوم ذئب منذ عشرات السنين! أبحث عن قصة أخرى تقنعنا بها!

الأيام تمر عليه بطيئة متثاقلة يتمنى لو ينهض من رقدته والصراخ بوجوده أولئك الذين يتجمعون حوله كل يوم.. تمنى أن يقول لهم بأنه دفع ذراعه ثمناً لراحتهم.. دفع ذراعه محذراً إياهم من الذى قد يقع.. لم يصدقوا أبداً، يقولون لـه بأن البلدة آمنة عشرات السنين.. لم نر ذئباً أو نسمع به.. لقد أتيتنا بقصة غريبة لم نستطيع تصديقها ولا نسمح بتمريرها علينا..

قال عجوز يقف بعيداً..
ـ الذئب لا يكتف بخلع ذراع أو قدم.. إنه لا يبرح المكان حتى يتأكد من أنه أبقى العظام فقط..
إنه ينهى فريسته حتى آخرها!

رد آخر
ـ الذئاب المتوحشة لا ترحم أحداً، لا تدعه يرجع إلى أهله بذراع مفقودة واحدة!
لو قلت غير ذلك لصدقناك! حجتك ضعيفة ابحث عن غيرها!

وحده الشيخ الجالس قرب الرجل المفجوع صامتاً لم ينطق بكلمة، صامتاً وكأنه يريد سماع كل شيء قبل أن يقول شيئاً..

يمسك بمسبحته السوداء الطويلة، يحدق بأولئك الجالسين بجواره، ثرثرتهم تملأ الغرفة المتآكلة.. لم يتوصلوا لشيء بل لا يريدون أن يتفقوا على شيء أبداً.

قالوها بصراحة للرجل الراقد: إنك لا تستطيع تفتيت شملنا بحكايتك الملفقة.. لا نقبل من يؤيد خرافاتك اللعينة فلا يوجد بين صفوفنا من يفعل ذلك!

وحده الشيخ يملأ أذنيه بكلامهم وصخبهم، صامتاً يحرك أصابعه بمسبحته مطأطئ الرأس وكأنه ينتظر متى يفرغون من هرجهم.

وحده لم تبد منه أية حركة تؤيد كلامهم المثار حول الحادث.. لم يبد أية استجابة لجعجعتهم..
ينظر إلى الرجل الراقد المتألم نظرة لا تخلو من حزن إلى عينيه حيث بقية من بصيص نور شاحب ووجه أصفر خلا من الحياة وصار كخشبة يابسة نابتة فوق جسد هزيل.. فجأة ران السكون فى جوف المكان.. الصمت لف كل شيء وكأن الأرض قد انشقت وابتلعت الكل فى أعماقها.. امتدت العيون نحو الشيخ الذى رفع رأسه أخيراً.. رفعه وسط ترقب الحشد الصامت وقال:
ـ الذئاب تكاثرت فى الوادى وغدت خطراً علينا.. إنها شرسة جداً لا تترك فريستها ولو كانت على بعد مائة متر.. قبل عشرين سنة، وبعد مصيبة الفيضان الذى دمر البلدة، قدمت ذئاب كثيرة إلى المنطقة واستقرت فى الوادى..

إنكم تعلمون أنها هناك منذ سنين طويلة تتكاثر وتتناسل ولكنكم تحاولون أن لا تتذكروا.. استقرت بعد أن صار لها الوادى ملاذاً حصيناً ولم يجرؤ أحد من الاقتراب رغم كل أنواع الأسلحة التى يحملها بعضكم.. ويبدو أنها اخترقت حاجز الصمت الآمن وهجمت على هذا الرجل المسجى وخلعت ذراعه.. إنها قادمة.. قادمة إليكم.. لا أحد يهزم الذئب بل الذئاب ففيها الدهاء كله والخبث كله.. دهاء وخبث الضوارى والذئب أضراها كلها.. إن تلك الأفواج إن حضرت فإنها ستعيث خراباً فى كل شيء، ولكى لا تظلموا الرجل وحتى تنتهى الأقاويل والشكوك تذهب مجموعة منكم إلى مكان الحادث وتتأكد من الذى جرى.. فالدماء لم تجف بعد، سترونها واضحة جلية منتشرة على التراب.. سترون آثار أقدام الرجل ومخالب الذئب وعسى أن تصدقوا المسكين الغارق فى آلامه..

قال أحدهم قاطعاً كلام الشيخ وكأن كلامه تهدل أمامه لا يستطيع الإمساك به،
ـ إنك تصدقه إذن؟ يا شيخنا كلامه غير معقول.. لا ذئاب فى البلدة ولا فى خارجها. وجه الشيخ كلامه إلى ظل الرجل..
ـ بعد أن تتأكدوا من الحكاية أصدقها أسوة بكم!
ـ إنك لم تقل ذلك.. إنك تصدقه.. بل صدقته منذ البداية..
صاح ثان وتبعه ثالث..
ـ لنذهب فى الصباح وننهى تلك المهزلة..
ـ إن لقيته سأعلقه على عمود وأسلخ جلده وآكل من لحمه!
بهدوء رد الشيخ..
ـ قديماً قالوا من أراد قتل نفسه فليأكل لحم ذئب! حتى يعقوب أوصى أولاده قائلاً لهم: أخاف على يوسف من الذئب.. وعندما وصلوا إلى الصحراء ألقوة فى غيابه الجب، وفى الليل قالوا لأبيهم إن يوسف أكله الذئب ولم يقولوا غير الذئب.

فى أول خيوط الصبح لم يكن ثمة أمر ما يعيق بحثهم، ينتشرون فى مساحة الأرض الواسعة.. يحملون البنادق والرماح والهراوات والسكاكين، عيونهم ملتصقة بالأرض يبحثون عن أثر أو وشم من الدم فوق التراب.. كل شيء مغبر ضاع لونه.. الأحجار والأشجار ولا يبدو فى الأفق غير سراب مرتعش بعيد.. فى الأيام الأربعة الماضية ظلت العواصف الترابية تعبث بالأشياء وتدور بها وسط دوامة..

إنهم يعلمون أن بحثهم سيذهب سدى، يعلمون بأن الريح لم تبق على أثر وكأنهم يبحثون عن قشة وسط حقول من الأدغال.

صاح أحدهم من بعيد..
ـ لم تبق الريح على شيء أبداً.. لا أثر لدماء أو أقدام بشر أو ذئب يبدو أن الأشياء لم تبق على حالها، لنعد!

أحس أحدهم بأن فى لهجة صاحبه تكمن مخاوف من شيء ما لا يستطيع إظهارها.. ظلت حكاية الرجل وذراعه المفقودة تدفعهم للمحاولة، إنهم يبحثون فى الأرض البعيدة قرب الوادى ولكنهم لم يجرؤوا أبداً على الوصول إلى تخومه، فكلام الشيخ ما زال يرن فى رؤوسهم كمطارق من نار حامية..

يبحثون عن أى أثر لا ليثبتوا صدق الرجل الجريح بل ليتأكدوا من أن الذئاب اخترقت حاجز سكون البلدة وسوف ينقلب كل شيء على أعقابه، يتمنون بأن كل الحكاية تكون ملفقة وكاذبة.. لا يريدون أن تكون صادقة أبداً لأن فى صدقها كارثة عليهم حسب اعتقاد كل منهم الآن وهم يبحثون فى تلك الأرض القصية..

البر الموحش يمتد إلى أفق البصر الراكض نحو السراب.. لا شيء يحرك تراب الأرض غير هبة ريح أو عاصفة تطيح بسكون وصمت الأرض النائمة.. البر الموحش يمتد نحو الوادى الذى لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه..
ـ الشيخ الذى أخبرنا حكاية الوادى يبدو أنه يعلم الكثير الذى لم يقله!
ـ الشيخ يعلم كل الأشياء ولا أخاله أخبرنا بها كلها..
ـ أعجب لهذا الشيخ، إنه غريب عن البلدة ويعرف كل أسرارها..

وسط سعير الشمس اللاهب ينقبون فى كل الأرض. لم يجدوا أية آثار تدلهم على حقيقة حكاية الرجل.. قرروا العودة بعد أن أحرقت الشمس اللافحة وجوههم وكأنهم أدخلوا فى فرن هائل..

فى الليل وعلى أضواء باهتة، تجمعوا ثانية، كانت ثرثرتهم الواصلة إلى مدخل البلدة تصك الآذان وكأنهم فى مشاجرة وعراك بالأيدى.. ظلوا يبحثون عن شيء يردون به شكوكهم ويقنعهم بأن ذراع الرجل لم تخلع من قبل ذئب، لا يريدون أ بداً أن يكونوا الهدف التالى بعد ذراع الرجل.. فجأة شقت أمواج الصخب صرخة هادرة صادرة من الرجل الجالس فى الوسط..
ـ الحذر.. الحذر الذى لم نأبه به منذ سنوات.. الآن يحيق بنا الضرر من وحش يترقبنا.. يتربص بنا الموت سيأتينا من الوادى، علينا أن نصدق هذا الأمر ولو على مضض.. دار الوجوم على الوجوه المبهورة الخائفة..
ـ إذن الشكوك ستصبح يقيناً..
عاد الصوت الأول
ـ علينا تدبير أمورنا.. الضوارى لا ترحم أحداً.. لا تراعى حرمة جار آمن علينا إيجاد حل سريع.. لا تفيدنا ثرثرتنا.. لا تفيدنا بطولاتنا الفارغة.. فالعضلات مكانها هناك، قرب الوادى وليس فى هذا المقهى.
ـ قد تفيدنا أسلحتنا!
ـ الشيخ الذى أخبرنا بحكاية الوادى هو الوحيد الذى يعرف الحقيقة، أخمن أنه يعرف متى ستهجم علينا الضوارى.
ـ لا تكن مغالياً، فالرجل ليس عالماً بالغيوب، إنه واحد منا. إن متنا يمت، وإن هربنا يهرب معنا..
وسط هرج الجالسين مر صوت مدوٍ كالصاعقة..
ـ سأذهب لوحدى.. الليلة خارج البلدة لأتأكد من الحقيقة!

التفت الرجال إلى الصوت الراعد وابتسموا لـه بحذر وأنفض المجلس وتفرقوا إلى بيوتهم مسرعين. العواء يقترب.. البيوت الآمنة توصد أبوابها.. حظائر الماشية القريبة من البيوت مسورة بأسلاك شائكة.. العواء يقترب وتتصاعد معه اللهاثات ونظرات الترقب من ثقوب صغيرة فى الأبواب المواجهة للبر الموحش..

الكل يرقب ما سيحدث الليلة.. المواشى بدت خائفة مرتبكة تهتاج كلما سمعت العواء يقترب.. الشوارع الصغيرة المهجورة موحشة فى هذا الليل المخيف. لا أحد يجرؤ على الخروج فى تلك الدقائق الحرجة.. العواء يختفى فيتنفس الرجال الصعداء، لكنهم يحبسون أنفاسهم عندما يعود وكأنهم يترقبون موتاً يتربص بهم.

لم يبق الرجل الذى جلجل صوته فى المجلس طويلاً فى البرارى فقد جرجر أذياله الملتصقة بخيوط الليل المرتحلة.. الأرض المنهكة ترتشف آخر قطرات الأمانى الهاجعة فى جوف مسكون بألم باطن يعتصر الخوف الذائب خلف جدران ذلك الليل. لا دم ينزف من جروحه غير دم خيبته.. يترنح كالمخمور لا يعرف الثبات يتطلع نحو البلدة التى هدر صوته فى مجلسها مهدداً تطارده النظرات المريبة، بعد أن طاردته الوحوش التى أمعنت فيه جروحاً غائرة فى جسده ورأسه.. وقف عليه بعض الغرباء وحملوه على حصان وساروا نحو البلدة النائمة.. تقدم الحصان ببطء رغم ضربات السياط الموجعة، تقدم بهدوء فيما تدلت رقبته بخشوع وهو يسير على خيوط الدم المتناثرة على التراب.. دخلوا البلدة النائمة.. لا أحد فى شوارعها المهجورة، لا أحد يطل من شرفاتها رغم صيحات الرجال.. جريح.. لدينا جريح يموت.. يسيرون به بحثاً عن مكان.. فيما أطلت الرؤوس من فوق البيوت تنظر إلى الجسد المحمول بفزغ وسرعان ما عادوا إلى أجواف بيوتهم تاركين الرجال يصيحون ويلعنون: الذئاب بطشت بهذا المسكين.. فتعالت من داخل البيوت دقات المطارق العنيفة.. يحصنون الأبواب والنوافذ وفتحات المجارى ومصبات المطر.. يغلقون كل شيء يجنبهم خطر الموت القادم من الوادى.. وحده الشيخ ركض نحو الغرباء وحمل الرجل النازف إلى بيته..

* * *

ـ الموت صار قريباً منا!
ـ اقترح مغادرة البلدة!
ـ سننتظر، فلربما تكون هذه مناوشات سرعان ما تنتهى.. الشيخ لم يخرج منذ عدة أيام، رجلهم الذى مزقته الذئاب فى الليلة الماضية بدد كل الأمان الذى كان مخيماً عليهم. صاروا يدركون خطورة وضعهم.. الشيخ لم يخرج.. لم يعرف أحد سر هذا الاختفاء لكنهم كانوا أكثر قرباً منه. فأكثروا السؤال عنه.

فجأة تعالى صراخ نسوة باكيات وصياح رجال مفزوعين، فتصاعد الخوف.. من بعيد بدت أفواج الذئاب القادمة من جهة الوادى كأنها أسراب الجراد..
صاح رجل راكض..
إنها قادمة.. اللعنة عليها..

دوت بعض الطلقات النارية وانهالت الرماح من فوق السطوح.. اقتحمت الأبواب ودخلت المنازل فتعالت الصرخات المفزعة وولولت النسوة من داخل البيوت فيما هرب البعض نحو العراء تلاحقهم أنياب الموت من كل جانب ولاذ بعض الصبية خائفين خلف منزل الشيخ الموصد.

تصاعد غبار الأرض مع صخب صراخ الأنفاس اللاهثة التى غادرت البيوت فكان لها العراء الفسيح آخر للموت. بعد ساعة، صمت دوى الطلقات وهدأت النفوس تحت وابل من الدموع عند الأجسام الممزقة والأجزاء المتناثرة.. فى الليل خرج الشيخ حاملاً صرته الصغيرة وسط نحيب الأطفال والصبية.. خرج الشيخ مودعاً البلدة التى ضربها إعصار الذئاب المروع.. نظر إلى رجل هائج وقال بحزن..
ـ الرجل الذى فقد ذراعه كان صادقاً ولم تكترثوا له.. كان بامكانكم تلافى الموت والخراب.. لقد كانت ذراعه نذيراً بقدوم الموت.. اكتفى بخسارة ذراع واحدة وغادر بجسده هارباً من البطش لأنه أدرك ما يخبئه الوادى..
تقدم خطوتين وهو ينظر إلى البيوت التى ظلت أبوابها المحطمة مشرعة ثم أسرع متجهاً صوب الوادى وسط ترقب الناس المذهولين حتى اختفى فى الأفق المرتعش..

مقطع ثان بعد الخاتمة

شوهد السكان الذى ظلوا على قيد الحياة بعد هجوم الضوارى. قد ظهرت أنياب لهم تشبة أنياب الذئاب.. يجولون الأمكنة على قوائم أربعة باحثين عن فرائس سهلة وقد دخلت عيونهم فى تجاويف عميقة وبرزت أنيابهم طويلة حادة..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى