السبت ١ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم حسن أحمد عمر

حلم قديم وواقع أليم

أثناء عمرى السابق وفى مرحلتى الطفولة المتأخرة وبداية الشباب كنت أستمع لقراءة القرآن الكريم فى الراديو أو العزاء او فى المنزل من أحد شيوخ القرية الذين يقرؤن فى البيوت بقصد إحلال البركة فى المكان وكنت أحب القرآن جدا وكنت أطرب لسماعه بل كنت ابكى أحيانأ من جمال صوت المقرىء الملىء بالخشوع.

الغريب اننى كنت فى طفولتى متأكدا ان هذا الكتاب العظيم (القرآن) لابد وانه يحمل كل معانى الخير والحب والسعادة للبشرية جميعأ حيث ينظم حياتهم بشكل جميل وينصحهم بأسلوب ربانى معجز وينير لهم ظلمات حياتهم , وتأكد داخل قلبى ان هذا القرآن لا بد ان يسير فى إتجاه واحد لا غير وهو إتجاه النور ولا يمكن ان يسير فى طريق الظلام تعالى الله علوا كبيرا.

اى ان القرآن يدعو فقط للحب فلا يمكن أن تجد فيه آية تدعو للبغض والكراهية والحقد , ويدعو للسلام فلا يمكن ان تجد فيه آية واحدة تأمر ببدأ الحرب والإعتداء على أحد ولكن توجد آيات تأمر بصد الإعتداء والإنتصار لحرية الإنسان حتى لا يصير الدين الربانى ملكأ لأحد من العباد بل يصير الدين كله لله.

بمعنى أن يترك امر الدين والتدين أو عدم التدين للواحد الديان هو وحده عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا وهو وحده القادر على محاسبة عبيده على ما قدموا وأخروا , فأنا كإنسان استطيع أن أراقبك من الخارج فاراك تصلى فاظنك تقيأ وانت قد تكون عكس ذلك , وقد أراك حول الكعبة الشريفة تؤدى مناسك العمرة أو الحج فاعتقد انك صالح وقد تكون أنت غير ذلك وقد ألتقى بك فى رمضان صائمأ او هكذا تبدو لى ولكنك قد تكون غير ذلك , وقد نتصادف وأنت توزع اموالأ على الفقراء فاظنك من عباد الله المخلصين وانت من ألدّ اعداء الله تعالى ..
كيف ذلك ؟؟

أما عن الصلاة فقد تؤدى رياءأ (الذين هم يراءون ويمنعمون الماعون)، واما عن حجك فقد تكون ذاهبأ لشراء إسم الحاج، وأما عن الزكاة فقد تكون رءاء الناس (كالذى ينفق ماله رءاء الناس) وأما عن الصيام فقد تكون مفطرأ ونحن لا نعلم , إذأ كيف يفصل فى ذلك ؟.

لان المسألة ... مسألة العبادة والتقوى والخشوع للواحد الأحد.... مسألة غيبية من الأساس فلا يتأتى لمخلوق ان يفهمها أو يزنها او يتنبه لحقيقتها فتلك مسألة عظيمة لا يمكن أن يعلمها غير الله تعالى فيحاسب عليها برحمته وقدرته وعلمه.

ولست أدرى لماذا عندما كبرت رأيت بعض الاشياخ والمجتهدين والمفسرين يحاولون إدخال أشياء فى عقلى تتناقض مع ما كبرت عليه من معتقدات فى الدين والقرآن العظيم فبدلا من السماحة التى كبرت على أنها من أهم أخلاق القرأن وجدت القسوة والقهر والدعوة لمقت الآخرين أصحاب الديانات الأخرى وتكفيرهم ودحض معتقداتهم ووجدت الدعوة لقتل المخالف فى الرأى بعد إقامة حجج الإرتداد عليه ورأيت بحورأ من الدماء تسيل تحت إسم الدين والتدين وأبرياء يقتلون وأطفال يغتالون وشيوخ يقهرون ومفكرين يكفرون ويطردون او يهربون وكل ذلك تحت غطاء وستار الدين والتدين .

رايت الخوف يحل محل الامن ورأيت النفاق يحل محل الفكر الحر والرأى الجرىء الغير خائف , ورايت المداهنة تحل محل الرجولة والثقة بالنفس والكرامة الإنسانية , فلو حاولت التفكير ولو قليلأ فيما حولك من افكار ومعتقدات وآراء وأعملت عقلك قليلأ ثم صرحت بذلك لكان السيف – سيف الإرهاب—مسلطأ عليك متهمأ إياك بمحاولة النيل من الدين وهدمه رغم علمى الأكيد أن الدين الذى هو من عند الله ومن لدنه ومن وحيه لا يمكن للبشرية كلها هدمه حتى لو صممت على ذلك وجيشت الجيوش , إذ كيف للمبادىء الراسخة أن تهدم ؟ إنها تهدم وتعدم فعلأ— وفقط — من الخوف والقهر والإرهاب والإرغام والإجبار وقتل الحريات الشخصية وسفك دماء الفكر المستنير.

كانت الدنيا فى صغرى كأنها جنة وكان القرآن ينيرها ويمحو ظلامها ويملؤ القلوب ببهجة التقوى والقرب من الله تعالى , ولكن الدنيا صارت جحيمأ من المدافع والقنابل والقتل والتفجير والإختطاف وتقطيع الأوصال بحجة نصرة دين الله ، فهل دين الله فعلأ يحتاج لكل تلك الدماء حتى ينتشر ؟ ولو إنتشر فهل يثبت فى القلوب ؟ أى هل الخوف من السيف والقنبلة والقتل وحد الردة يمكن أن ينتج لنا قومأ يعبدون الله حقأ ويتقونه ويخافون عقابه هو ؟ أم يخرج لنا قومأ يخافون التعذيب والتنكيل والقتل وتنفيذ حد الإرتداد عن الدين أى قومأ من المرائين والمنافقين والخاشعين للمخلوق والخائفين فقط من المخلوق وليس من الخالق , وبذلك , وبكل هذا الكم الهائل من التخويف وحرق الامن ينشأ شعب جاهل يكره الدين من داخله وينفذ مناسكه من خارجه خوفأ من العقاب والعذاب على يد المخلوق وليس على يد الخالق سبحانه.

مع كل التناقض الرهيب المفزع بين ما نشأت عليه من رأى حول الدين والقرآن وبين ما رأيته وعاصرته بعد دخولى فى عمر الفهم والإدراك الكاملين قررت مراجعة القرآن وقراءته على مهل فى عشرين عامأ مضت فلم أجد فيه غير الدعوة للحب والسلام والعدل والكرامة الإنسانية وحرية الدين والرأى والمعتقد والفكر واحترام عقائد الآخرين فلهم دينهم ولى دين.

فمن اين جاءت تلك العصبية وكيف نشأت وكيف انتشرت وكلنا يعلم مدى سماحة الرسول الخاتم مع اهل الديانات الأخرى وحتى مع الكفار الذين لم يعتدوا على المؤمنين ولم يظاهروا عليهم احدا وكلنا يعلم انه عليه السلام لم يمس كفار مكة بسوء بعد الفتح المبين لمكة المكرمة ولكنه عليه السلام قال لهم إذهبوا فأنتم الطلقاء ولم يفرض عليهم دين الإسلام بل تركهم يختارون ما يشاؤن من عقائد طالما عاشوا فى حالهم ولم تمتد ايديهم بسوء لأحد , ولقد كرم رسول الله فى هذا الموقف العظيم حرية العقيدة والفكر والمنهج طالما عاش الآخرون آمنين لا يضرون أحدا ولا يدبرون المكائد ضد احد.

هكذا كبرت وتعلمت وهذا ما فقهته عن خاتم الرسل والأنبياء عليهم السلام الذى كان خلقه القرآن وكان قرآنأ يمشى على الارض وكان يرفض إيذاء اى كائن حى فما بالك بالإنسان المكرم ؟.

وهكذا عرفت وايقنت وتأكد لى أن كل الافعال التى يقوم بها المتشددون والمتزمتون هى أفعال من وحى خيالهم ومن واقع فكرهم وثقافتهم التى استقوها من تراث قديم عبثت به كل الأيادى الحاقدة على الإسلام وكتابه النير ورسوله الكريم , كما تأكد لى براءة القرآن العظيم من كل دعوة قتل بلا مبرر او تدمير او تفجير او إغتيال أو حرق الأمن او التنغيص على الناس او فرض الرأى بالقوة , كل ذلك برىء منه الله تعالى وكتابه الكريم ورسوله الحكيم.

لن أقتنع ان دين الله العظيم يمكن ان يدعو للحرب او القتل او سفك الدماء ولكن أقتنع انه يدعو للحب والتآخى بين الشعوب والتسامح بين البشر ولا يمكن لدين الله العظيم ان يكون فيه توكيل لبعض البشر بمحاسبة البعض الآخر قبل الموت اى فى حياتهم الدنيا ولكنى اقتنع أن الأمر كله لله والحكم كله لله فهو سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور وغيره لا يعلم وغيره لا يحيط بالكون علمأ وغيره ضعيف وغيره فان وغيره ميت وغيره يمرض وغيره لا يستطيع ان يمنع نفسه من الشهوات والذنوب , فيا ايها المتألهون على العباد رويدا رويدا , واتقوا يومأ ترجعون فيه إلى الله واتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة وعليكم الدعوة لدين الله بالتى هى أحسن وما الله بغافل عما تعملون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى