نشأتي في بيئة شعبية ذات متخيل ثري قادتني إلي عالم الأدب الشعبي
النصوص المقدمة لمسابقة ديوان العرب فى الشعر أوضحت اهتمام المبدعين الشباب العرب بقصيدة النثر
النقد الأدبي في العالم العربي لا يستوعب الكم الهائل من الإنتاج الأدبي مع إزدهار حركة النشر
نشأتي في بيئة شعبية ذات متخيل ثري قادتني إلي عالم الأدب الشعبي
للدكتور مصطفي يعلي منجز أدبي كبير ومتنوع، توزع إنتاجه الأدبي بين الإبداع القصصي، والدراسة الأدبية، والقصص الشعبي، والبحث البيبليوغرافي، وصدرت له خمس مجموعات قصصية، وثماني دراسات؛ خمس منها في القصص الشعبي، وثلاث في السرد. إضافة إلى الأعمال القصصية تحت عنوان: (خمسة وخميسة: خمس مجموعات قصصية). أثري د. مصطفي مسابقة ديوان العرب بأراءه التحليلية والتحكيمية حيث إنه شارك في تحكيم المسابقة في فئة قصيدة النثر.
وحول المسابقة وكواليس إختيار الفائزين وحول منجزه الأدبي كان حوارنا معه:
ما رأيك في النصوص المقدمة في مسابقة ديوان العرب؟
سأجيب باعتباري عضوا في لجنة تحكيم المسابقة فرع قصيدة النثر حصرا. وبذلك يمكنني القول إن مستوى النصوص المقدمة إلى المسابقة في قصيدة النثر، قد اختلف بين الجيدة والمتوسطة وغير المقبولة. لكنها جميعا دلت على مدى اهتمام المبدعين الشباب العرب بقصيدة النثر. كما تأكد من العدد الكبير من المشاركين في هذه المسابقة، ومن مختلف الأقطار العربية.
وما الذي تبحث عنه كمحكم في الأعمال المتقدمة للمسابقة؟
تعتبر قصيدة النثر آخر تجل لتطور الشعر العربي، خلال عصوره المختلفة. وبما أنها نوع شعري جديد، لهذا فإنها تتطلب تجربة عملية مثابرة، ووعيا نظريا من قبل المبدع. وبالطبع فإن ما يثير اهتمامي في عملية التحكيم، ما حققه النص من أحاسيس إنسانية، وقيم تعبيرية، وسمات جمالية، يضيق المجال عن حصرها هنا، لكن ما يقدر حق قدره هو نوعية التعامل مع اللغة. والمطلوب أن يقنعني النص أنه فعلا قصيدة نثر. وينسحب الأمر على المسابقات المخصوصة بالأنواع الإبداعية الأخرى.
ما أبرز السمات الفنية التي وجدتها في النصوص المقدمة؟
كان مستوى اختيار نوعية الموضوعات والتعبير عنها موفقا، في بعض النصوص، بسبب توفر موهبة التعبير بالصورة الشعرية، والحس القصصي، وتقنية التشظي، وجمال التكثيف، والإحساس العاطفي الشجي، وتداخل الذاتي مع الموضوعي عبر آلية الإيحاء، فضلا عن الصور الشعرية الجميلة، والإيقاع الداخلي المنساب في انسجام مع التجربة الشعرية، واستلهام الموروث من قصص معروف وأساطير إنسانية، واستحضار معرفي لغةَ وصورا مجازية تجسد معاناة الذات مع الواقع، وتباريح النفس وشكواها، وذلك عبر خيال شفاف ولغة معبرة.
كيف تخدم المسابقات الأدبية شباب المبدعين؟
إن مثل ذلك يتحقق من تشجيع إقبال المبدعين العرب على الإبداع والابتكار والإضافة، وخاصة من لدن الأدباء الشباب العرب، وأكيد أن المسابقات الأدبية، فضلا عن تأثيرها فيما يتعلق بالتشجيع على الممارسة الإبداعية، والتحريض على القراءة، وتطوير التجربة الإبداعية، فإنها تحث الأدباء الشباب من حيث لا تحتسب، على اعتبار المسابقة بالنسبة إليهم، مجرد محطة تليها بالضرورة محطات كثيرة، بصدد بلورة مسار تجاربهم الإبداعية الموفقة، وإغنائها بالتعهد والتجويد والابتكار.
كمبدع وأكاديمي كيف تري تأثير الدراسة الأكاديمية على أعمال المبدع؟
يلاحظ أن النقد الأدبي في العالم العربي جد شاحب، ولا يغطي أو يستوعب الكم الهائل من الإنتاج الأدبي، الذي عرفته الساحة الثقافية وازدهار حركة النشر، عدا ما ينشر بين الحين والآخر من قراءات نقدية في الصحافة والمجلات الثقافية، أو ضمن ما يصدر من دراسات نقدية، أو أن يتخذ موضوعا لندوة أدبية هنا وهناك في بعض الأقطار العربية. ومن هنا، يحضر منجز الدراسة الأكاديمية. ذلك أن الجامعات بما تتسلح به من معرفة معمقة ومناهج حديثة، قادرة على إنتاج الدراسات النقدية الرصينة. وفعلا هناك مئات إن لم نقل الآلاف من الدراسات النقدية حول الأنواع الأدبية المختلفة، وفي مقدمتها الرواية والقصة القصيرة والشعر والمسرح، أنجزت على مستوى كليات الإنسانيات، تتقدمها كليات الآداب، لكن دون التمكن من نشرها من طرف الكليات التي أنجزت فيها، إن على مستوى الماستر أو الدكتوراه، وما ينشر منها يترك صدى طيبا لدى جمهرة المتلقين، بينما يظل أكثرها سجين الرفوف.
وبالطبع، فلا شك أن الكتابات والدراسات النقدية حول الأعمال الإبداعية، تترك أثرا قويا في نفسية أصحابها من المبدعين، وهو ما يساهم في تعميق الإحساس بالمسئولية لديهم، إضافة إلى شحذ هممهم لتطوير تجاربهم الإبداعية، وتطلعهم لاكتشاف آفاق متوهجة في إنتاجهم.
بم يمتاز المشهد الأدبي المغربي؟
المشهد الأدبي المغربي شاسع، وممتد في الزمان والمكان، لهذا يمكن تلخيص صورته الحالية، في إقبال الشباب من الجنسين على الأدب بكل أنواعه، من رواية وقصة قصيرة وشعر ونقد. والدليل على هذا، كثرة الإصدارات الإبداعية، بصورة غير مسبوقة في المغرب. وقد تجلت هذه الحقيقة في كثرة توقيعات الأعمال الأدبية من شتى الأجيال، في المعرض الدولي 29، المنظم مؤخرا في العاصمة الرباط. وأيضا من مظاهر هذا المشهد، كثرة إقامة الندوات والمؤتمرات في أهم المدن المغربية كالدار البيضاء والرباط وطنجة وتطوان، إضافة إلى ما تنظمه بعض الكليات من ندوات أدبية، كما في تطوان والدار البيضاء والرباط وفاس وأغادير. على أن هناك ظاهرة تطبع المشهد الأدبي في المغرب، وأعني بها دخول بعض المدن الهامشية الصغيرة حقل التنشيط الأدبي، من حيث تنظيم الندوات والتكريمات والقراءات القصصية والشعرية. دون أن ننسى الإشارة إلى أن كثيرا من أدباء جيل السبعينات، ما زالوا يثبتون حضورهم في الساحة الأدبية بالمغرب، سواء بالكتابة والنشر أم بحضور المناظرات والمؤتمرات والندوات، أم بمزاحمة الكتاب الشباب في جني كبرى الجوائز، داخل المغرب وخارجه. وللأسف يغيب اتحاد كتاب المغرب عن الفعل الأدبي المغربي لأسباب ليس هنا مكانها.
ما سر اهتمامك بالموروث الشعبي؟
لقد جئت، إلى عالم الأدب الشعبي عامة، والقصص الشعبي خاصة، نتيجة نشأتي في بيئة شعبية ذات متخيل ثري في الثقافة الشعبية، بمدينتي العريقة القصر الكبير المغربية. وقد ازداد يقيني بقيمة هذا الأدب، حين ناقش المرحوم د. عباس الجراري أطروحته في موضوع (الزجل في المغرب: القصيدة)، والمرحوم د. محمد بن شريفة في موضوع (أمثال العوام في الأندلس)، في جامعة القاهرة سنة 1969، وذلك تحت إشراف المرحوم د. عبد العزيز الأهواني.
وحين جاء وقت اختيار موضوع البحث على مستوى دبلوم الدراسات العليا (الماجستر) سنة 1978 ودكتوراه الدولة سنة 1985، لم أتردد في اختيار موضوع متعلق بالواقع المحلي ومنجزه التخييلي الشعبي، للماجستر، واخترت لدكتوراه الدولة موضوع (القصص الشعبي بالمغرب، دراسة مورفولوجية). علما بأنني كثيرا ما وظفت بعضا من بلاغة الأدب الشعبي، في عدد من قصصي القصيرة.
وقد قادني الميل إلى هذا الأدب، والاقتناع بمدى جدواه وبلاغته الجمالية، إلى إدراجي لمادة (الأدب الشعبي)، ضمن مقررات شعبة اللغة العربية وآدابها، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، التابعة لجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، حيث كنت أعمل.
وقد وقف هذا الولع، وراء توجهي نحو معالجة قضايا وإشكالات خاصة بالدراسة الأدبية الشعبية والنقدية، وخاصة في مجال القصص الشعبي. وهكذا تعددت كتاباتي ومداخلاتي المهتمة بهذا القصص حصرا، فحققت بعض التراكم، بإنجاز مجموعة من الدراسات في الموضوع تجسدت في سبعة كتب في الموضوع.