الخميس ٣٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠
بقلم محمد محمد علي جنيدي

خارج الحدود

لم تنعم بحنان الأمِّ فقد اصطفاها الله إلى جواره وهي لم تتجاوز ربيعها الأوَّل، لها ثلاثة إخوة يكبرونها، وفوقهم جميعاً الأخت الكبرى (سلمى) -يضاً- لم تتجاوز رؤيتها لأبيها أصابع اليدِّ الواحدة، لأنَّه كان دائماً -خارج الحدود- يبحث عن قوت أُسرته، هكذا بدأتْ سحر حياتها، وهي آخر العنقود لأسرة فقيرة مُتَدَيِّنة تُقيم بإحدى شوارع ضاحية شبرا – ولكن– مع كُلّ هذا فقد حباها الله بجمالٍ لا يُضاهيه جمال، فكم كانت ممشوقة القوام ناضرة الطَّلعة .. ساحرة العينين.

وفي ذات يومٍ .. فاجأتْ سحر أُختها الكبرى سلمى بقولها: ألا تسمعين أجمل خبر في الحياة لأُختك، قالت لها: خيراً يا بُنيَّتي، فقالت: قَبِلُوا ترشيحي في مُسابقة ملكة جمال مصر وإن شاء الله أنا الملكة أليس كذلك؟.. حقيقة كُلُّ الأعضاء المُنظِّمين للمسابقة بشَّروني بهذا، ما رأيك في جمالي( يا سلُّومتي)؟! –وهنا – قَيَّد الصَّمت لسان سلمى ولكنَّها عادتْ بعد حيرة تقول: سامحكِ الله يا سحر .. أقبلتي أن تستبيحكِ الأعين فيما يُغضب ربُّك ألا تخافين من عاقبة السَّير في هذه المُغامرة، وهنا قاطعتها سحر قائلة: مُغامرة!! ثمَّ ضحكتْ وقالت: نحن الآن في عالم مفتوح ألا تُشاهدين الفضائيَّات يا سلمى، ثمَّ هَمَّتْ بالانصراف ولكن سلمى عاجلتها قائلة: يا بنيتي.. يجب على كُلِّ إنسان أن يحترم عاداته وقيمه وبيئته ، وليتك تأخُذين هذا الأمر من باب (اتَّقُوا الشُّبهات) – لكن– سحر كانت قد اتَّخذتْ قراراً بالمُشاركة فأنهتْ الحوار بينهما بقولها: لا بأس يا أُختي .. دعيني أُجرِّب.

الطَّريف أنَّه أُعلن خلال نفس الفترة عن مُسابقة أُخرى تحت عنوان (ملكة جمال الأخلاق)، والأطرف أنَّ الجيران لإعجابهم بدور سلمى في خدمة أُسرتها ولرغبتهم في إسعادها تقدَّموا نيابة عنها بطلب مُشاركة لِلَّجنة المُنظِّمة للمُسابقة وهي لا تعلم شيئاً عن هذا، حَتَّى أتاها خطاب يفيد بإرسال سيرتها لهيئة تحكيم المُسابقة فتجاوبتْ مع الحدث احتراماً لرغبة مُحبيها، وبالفعل أخذتْ سيرتها تجتاز مراحل المُسابقة بنجاح.

في ذات يومٍ .. وبعد أن اجتازت الصَّغيرة أيضاً المراحل النَّهائيَّة لمُسابقتها واقتربتْ مِنْ مَنصَّة التَّتْويج، إذا بها تأتي أُختها الكبرى سلمى – وقد التزمتْ الصَّمت – فاحتضنتها سلمى بحنو الأُمِّ على صغيرتها، واجتهدتْ معها لتُصارحها بمشكلتها –دون جدوى – ولكنها بعد مرور وقتٍ لاذ كلاهما فيه بالصَّمت، قالت سحر: ماما سلمى .. أنا بخير لا تخافي ولكنَّني لن أُكمل هذه المُسابقة، الخجل يعتصرني، أشعر أنَّ العيون تخترق جسدي – أيضاً – هناك أشياء كثيرة لا أستطيع الإفصاح عنها لأنَّها لم تتجاوز مراحل الشَّك القوي فيمن يُحيطون بي –صحيح – كان رأيك يا أُختي، وبالفعل قد يُفلح مع هذا المناخ غيري ولكنَّني وأمثالي ليس هذا طريقنا وليست هذه بيئتنا .. ثمَّ انخرطتْ في البكاء مُسْتَلْقِيَةً على صدر أُختها وأخذتْ تُرَدِّدُ .. معاتبةً نفسها: لقد تجاوزتُ حُدودي .. لقد تجاوزت حدودي !!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى