الجمعة ٢٦ شباط (فبراير) ٢٠١٦
أم كلثوم لاتزال أغنية
بقلم فاطمة الزهراء فلا

خالدة في احتفالية طماي

أم كلثوم لم يكن لها أبداً أن تتبوأ تلك المكانة الرفيعة فى تاريخ أمتنا فهى الطفلة الفقيرة التى ولدت فى بيت متواضع فى قرية متواضعة هى طماى الزهايرة التى تتبع السنبلاوين بالدقهلية..

ولدت لأب فقير يعمل مؤذناً بمسجد القرية ويتقاضى عشرين قرشاً شهرياً.. ولكن الأب إبراهيم البلتاجى قرر أن يستثمر صوته الجميل فى مدح الرسول عليه الصلاة والسلام.. فكون فرقة من ابنه الأكبر خالد وبعض أقاربه وراح يطوف بالرى والنجوع يشجو بالمدائح والتواشيح النبوية ولم يخطط أبداً لأن تكون هذه الطفلة الصغيرة التى أصيبت بالرمد بعد أربعين يوماً من ولادتها عضواً فى فرقته المتواضعة ولكن الأم (فاطمة البلتاجى) التى باعت (كردانها) لكى تعالج ابنتها الصغيرة هى التى حددت منذ البداية خطوات هذه الطفلة، ولم تكن تخطط لأن تكون ابنتها (منشدة) لكنها أصرت على أن تذهب ابنتها إلى الكتاب لكى تتعلم، رغم أن (القرش صاغ) الذى كان يدفعه الوالد لشيخ الكتاب كان شيئاً كبيراً لكنه تناسى هذه الخسارة المادية أمام المكاسب الكبيرة التى كانت تحققها ابنته الشقية خفيفة الظل أم كلثوم حيث كانت قدرتها على التحصيل تفوق شقيقها كثيراً. كما اكتشف الوالد أن أم كلثوم تحفظ الأناشيد والقصائد التى درب عليها فرقته قبل أن يحفظوها فاتفق مع زوجته على أن تنضم أم كلثوم إلى الفرقة.. وهكذا كانت أم كلثوم منذ سنوات طفولتها الأولى تجسيداً لثورة حقيقية فى عالم المرأة، فهى المولودة عام 1898 وفى رواية أخرى فى 1904 حيث عالم الحجاب وعدم الاختلاط.. إلخ تذهب إلى الكتاب ثم تنضم إلى فرقة إنشاد لتجوب القرى الأخرى وقد كان والدها حريصاً على التقليد ويرفض أن يصدم المجتمع ولذلك قرر أن تلبس أم كلثوم (زى الغلمان والعقال) حتى لا يعترض أحد على غنائها باسم التقاليد والعادات.. وكانت الطفلة الفقيرة تحب (المهلبية) فكانت هذه الحلوى الرخيصة هى أجرها وهى المغناطيس الذي يجذبها إلى الغناء حيث كان الوالد يتفق مع أصحاب هذه الليالى على تقديم طبق (المهلبية) لأم كلثوم وبعد فترة أصبح يشترط تقديم (الكازوزة).. أيضاً، وظلت أم كلثوم تجوب القرى والنجوع حول طماى الزهايرة وفى كل محافظة الدقهلية لمدة تسع سنوات، إما أن يذهبوا سيراً على الأقدام أو يركبوا الحمير أو يركبوا القطار، وقد تعرفت أم كلثوم على الطفل رياض السنباطى الذى كان يغنى هو الآخر مع والده على محطة القطار فى السنبلاوين. وبعد أن طافت بكل قرى المنصورة بدأت تذهب إلى كل المدن الأخرى مثل المحلة ودمياط إلخ، وتصف أم كلثوم بدايتها قائلة (كنت أغنى بلا شعور ولا إحساس.. كنت أردد الأغانى كما أسمعها من أبى وكما أحفظها منه بلا أدنى إحساس أو معانى ولا إدراك للكلمات.. كنت أردد الأغنيات والتواشيح بطريقة التلميذ الخائب الصماء الذى يحفظ الكلمات دون أن يفهم معناها.. إلى أن دعتنى عزيزة بنت العمدة فى قريتنا فى الدوار ورأيت (الفونوغراف) لأول مرة فى حياتى، وانطلق القرص الأسود يغنى.. وكان للصوت الذى سمعته فعل السحر فى نفسى، هزنى من الأعماق هزاً وآثرنى تماماً حتى شعرت أنه يغنى.. كان المغنى اسمه الشيخ أبو العلا محمد، وكانت القصيدة التى يغنيهايقول مطلعها: أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعه

هي أم كلثوم التي خلدت اسمها من خلال رحلة كفاح عمرها أكثر من نصف قرن، ويمر علي ذكري رحيلها أكثر من أربعين عاما وهي لاتزال تعيش في وجدان العالم العربي، وهذا العام قررنا أن نحتفل بها في مسقط رأسها طماي الزهايرة مركز السنبلاوين بين الأهل والأصحاب والأحبة، وفي دار المناسبات التي تبرعت بأرضها من مالها الخاص.
وبين عبق صوتها الشجي أقيمت احتفالية كبري شارك فيها الجميع شعراء ومطربين وعزفين إنها فرقة أحمد زكي للموسيقي العربية التي أحيت الاحتفالية، استطاعت القافلة التي خرجت منقصر ثقافة المنصورة والتي ضمت الشاعرة فاطمة الزهراء فلا والدكتورة نجلاء سميح مديرة قصر الثقافة، والشاعرة مني المنير، والاستاذةوالأستاذة سهام بلح والاستاذة هدي، وكان بانتظارنا الشاعر الكبير محمد فتحي والشاعر الحسيني الشربيني والشاعر العالمي السيد فتحي والشاعر الأستاذ ايمن سلاة.

وفي قريتها اختلطت عظمة الست بعظمة التاريخ والشعب الذي احتفي بذكراها، جاء إلينا مشاركا المهندس محمد مدني رئيس المركز، والاستاذ حمدي سنور رئيس الوحدة المحلية بميت غريطة.
عظم الشعب الذي لازال يعشقها فهي إبنة الشعب وفنانة الشعب، بقدر بساطة الاحتفال إلا أنه حمل معاني كبيرة.
شكرا للمبدعين الصغار الذين غنوا لسومة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى