الثلاثاء ٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم خالد الخراز

خفاش في ضيافة الشرطة

أصحو فجأة من نومي، دون سبب محدد، أستجدي النوم بأن أعد الخراف في خيالي وهي تقفز فوق سور خشبي، أعد من واحد إلى مائة، ولكن دون جدوى، أشعل النور، وأبحث عن ساعتي، إنها الواحدة صباحا، لا زال الوقت مبكرا على الصحو.

إنها ليلة بيضاء جديدة، لا أدري لماذا أعاني الأرق هذا الأسبوع، أبحث بين كتبي المبعثرة في كل أرجاء الغرفة عن شيء يسليني، أفتح ألبوم صوري وأتصفحه صورة صورة، أقوم من فراشي بعد أن فقدت الأمل في عودة النوم إلى مداعبة أجفاني. صمت مطبق يلف المكان، أحس برغبة عارمة في الحديث إلى أي كان، تستهويني الفكرة فأسارع إلى هاتفي النقال، أطلب رقم حبيبتي فأجد هاتفا مقفلا، أقلب صفحات مذكرتي بعيدا.. ما العمل في هذه الليلة السوداء؟ وكيف أقضي وقتي حتى الصباح؟ أعود مجددا إلى فراشي أطفيء النور..أعد من واحد إلى عشرة ومن عشرة إلى واحد، لكن هذا النوم اللعين يرفض أن يأتي.. لا أدري لماذا أصحو عندما ينام الناس وأنام عندما يصحون !

تعود زملائي طيلة هذا الأسبوع.. علي وأنا نائم على سطح مكتبي، وتعودوا أيضا أن يحاصروني بأسئلتهم الملغومة.

 أين قضيت ليلتك أيها العفريت؟

 قضيتها في غرفتي.

 مع من أيها العفريت؟

 مع كتبي.

 اجعلنا نصدق يا رب !

ماذا سأقول لزملائي في العمل غدا عندما سيداهمني النوم.. اللعنة، يجب أن أنام، غدا سأعرج على الصيدلية لأشتري حبوبا للنوم حتى أتخلص من أسئلة زملائي وحتى أكون مثل بقية خلق الله، أنام ليلا.. وأصحو نهارا.

يرفضني النوم، وأتقلب في فراشي.. وأغير وضعية نومي.. لا شيء من ذلك يجدي، لقد أصبحت ليليا كالخفاش! أضحك من هذا التشبيه الذي أطلقته على نفسي.. تجتاحني مجددا رغبة الحديث إلى أ ي أحد أعود إلى إشعال النور أحمل هاتفي النقال، أتصل بحبيبتي، ولكن هاتفها ما زال مقفلا.. يا لي من خفاش تعيس. أدير عيني في أرجاء غرفتي، أحس بالاختناق، وفجأة تنبثق فكرة في ذهني: لماذا لا أتجول في الشارع بعض الوقت، ما دمت خفاشا.. تستهويني هذه الفكرة الجديدة، فأسارع إلى ارتداء ملابسي وأخرج إلى الشارع.. الجو بارد، ولكنه منعش، الشارع فارغ من المارة، أمشي فيه وحيد وصدى خطواتي على الرصيف يلاحقني، الأضواء في كل مكان، ولكن لا أثر لأي إنسان.
ألتجيء إلى سور حديقتي المفضلة، فما دامت مغلقة فليس لي إلا أن أجلس قرب سورها.. وددت في هذه اللحظة أن أدخن سيجارة، أن أفعل أي شيء فالملل والرتابة في كل مكان، ولكن من أين أشتري علبة السجائر؟ تبا لكم أيها النهاريون، ألا توجد خفافيش مثلي؟ أسلي نفسي برسم خطوط وأشكال على الأرض، وفجأة يقف أمام ناظري حذاء أسود.. إنه حذاء نسائي أرفع عيني متباطئا- ربما لأنه ليس حذاءا رجاليا-

 هل لديك سيجارة؟

 يفاجئني صوتها الذي يحمل نبرة خلاعة، أجيب باقتضاب:

 لا

 أتعرف أين يقع الحي الجديد؟

 نعم، إنه يقع في طرف المدينة

 أيمكنك أن تدلني على طريقه؟

 إنه "حي" بعيد ومن الأفضل لك أن تأخذي سيارة أجرة.

تجلس فجأة بجانبي قائلة: - لا بأس، سأنتظر هنا لعل سيارة أجرة تمر.. هل تنتظر أنت أيضا سيارة أجرة؟

 لا..أنا أنتظر الليل أن ينقضي.

 لماذا؟..هل أنت غريب عن هذه المدينة؟

 لا.

أعود إلى رسم خطوط وأشكال على الأرض تمد يدها إلي بعلبة علكة قائلة: تفضل!

آخذ واحدة، وتشرع هي في فرقعة ما في فمها من علكة، وأعود إلى رسم خطوط..تقوم من مكانها وهي تملأ الفضاء الصامت بفرقعاتها، تمشي قرب الرصيف ذهابا وإيابا، ثم تعود إلي مجددا وفي يدها ورقة نقدية.

  ألديك فكة مائتي درهم؟

  أنظر إليها مليا، ثم آخذ الورقة النقدية منها وأخرج ( الفكة) من جيبي، وفجأة تتوقف ( الفاركونيت) ويفاجئنا الضابط بقوله:
 ماذا تفعلان هناك؟ !

  تجيبه- اللعينة- بقولها: نشم الهواء !

  يترجل الضابط من (الفاركونيت) ويقترب منا وأوراقي النقدية ما تزال بيدي ويضع يديه على كتفينا قائلا بنبرة ساخرة: لدي مكان أنسب من هنا.. لتشما فيه الهواء !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى