الخميس ١٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٥
بقلم فاطمة الزهراء فلا

دائرة الخداع بين النقد والشرك

لغة معنى كلمة "نقد" هو الفحص والتمحيص في مكنون الأشياء وكشف جوهرها، ومنها عُرف الذهب والفضة بالنقدين، وعرفت النقود بذلك للدلالة على ضرورة فحصها والتأكد من أصالتها ونقاء جوهرها وخلوها من شوائب المعادن الأخرى.
ومع مرور الأيام امتد هذا المفهوم وهو النقد وتشعب في حياة الناس - خاصة في وقتنا الحاضر - وأصبح يتداول بكثرة في أوساطنا الاجتماعية والإعلامية والثقافية والعملية وغيرها, ولأن اتحاد كتاب مصر بالدقهلية يتواصل مع أعضائه , فقد نظم أمسية ثقافية كبيرة لمناقشة رواية ( دائرة الخداع ) للأديب عبد العليم البري وقد ناقشها أ.د علي الغريب بين جمع كبير من الأدباء والشعراء والمهتمين بالحركة الثقافية , وقد بدأتها الشاعرة فاطمة الزهراء فلا رئيس الفرع بتعريف النقد ..ثم ولج د علي الغريب في وضع الرواية علي طاولة التشريح , واستعرض المقدمة التي عرف فيها الأديب نفسه قائلا :

بأنه عاش حياته يعشق النيل , وركب الزوارق متجولا عائما علي صفحته , وولد بمدينة السنبلاوين وتلقي تعليمه في المنصورة , أما تعليمه الجامعي فكان في جامعة الإسكندرية التي عشقها طوال حياته.

ولخص الناقد الرواية بأنها تصفتحكي عن الفساد الذي انتشر في فترة ماقبل الثورة , متمثلا في الحزب الوطني الذي توغل في جميع أنحاء مصر منتشرا كالسرطان , ولأنه صاحب أسلوب متميز ورائد في النقد شعرنا معه بأن الرواية اجتماعية وسياسية في لآن واحد وأخذ يصف شخوصها فردا ..فردا وكيف عاشت غادة الحلواني زوجة محمد فهمي الدكتور البيطري ثم وفاته, وصور لنا كيف كانت حياة أرملة بعدموت زوجها الذي رحل مخلفا لها قطعة أرض..استمر في سرد الفساد الذي دمر مصر في غياب الحكومة أو بمباركة الحكومة , ومبدأ شيلني وشيلك خاصة في القروض البنكية
استمر الرجل في تحليل الرواية ذاكرا بعض العيوب التيشابت الرواية وتبعه الروائي الكبير فؤاد حجازي ساردا بعض الهنات التي قللت من قيمة النص , لكن ما جعل الليلة المتوهجة بمن حضروا ينطفئ أن بعض أصدقاء البري المقربين له , والذين يتسامرون معه في صالونه الأدبي بالسنبلاوين نقدوا الرواية نقدا وصل إلي حد التجريح وكأنهم يستلون خناجر لطعن الرجل الكريم , والمفروض أنهم يأتون وفي أيديهم باقة ورد عليها كلمة مبروك , ومن المفروض أن الليلة هي ليلة حفل توقيع للكتاب وهنا ثار الناقد الكبير وقال في حدة ..: بعد علي الغريب لا يوجد نقد ولا كلام..

والنقد البناء هو ما يدور حول مجال محدد وعمل معين بتجرد كبير عن التأثيرات الشخصية والعاطفية تجاهه، فالدخول إلى النيات والمقاصد ليس من النقد البناء وكذلك المساس بحقوق الآخرين المعنوية وجوانب حياتهم الشخصية أيضا ليس من النقد البناء مطلقا.

فالهدف إن كان ساميا هو إظهار نقاط تواصل واتفاق حول نقطة جوهرية واضحة ثم يكون البناء عليها تأصيلاً وتفريعاً؛ وصولا إلى إقرار الصواب وتعزيزه وكشف الخطأ وإزالته وإبراز السلبيات والعيوب لكي يسهل علاجها والتنبّه لها.
وعندها يكون هذا النقد مثمرا لكل عمل فهو يطوره ويرتقي به دون أن يدمره، وذلك لأنه مرتكز على أصول علمية صحيحة وناتج عن خبرة وتمرس ودراية، وهدفه ليس إسقاط الآخرين أو التقليل من أعمالهم ولا من أجل إبراز الذات؛ فانتقاد الآخرين لمجرد الإساءة لهم وانتقاص أعمالهم هو أمر سهل ولكنه أسلوب دنيء ورخيص ولا يعود على المصالح العامة للناس إلا بالضرر والهدم.

كما أن النقد البناء لابد أن يكون بعيداً عن الهوى والتعصب والأحكام المسبقة وغير المدروسة التي تسبب الكثير من الجدل والاختلاف غير المحمود؛ مما قد يسبب الفرقة أو يحدث منكراً أعظم من الصمت عنه وتركه، وهو الأولى أحيانا لما تقتضيه الحكمة والمصلحة العامة.

كما أن الناقد الصادق لا يتعسف في عباراته ولا يغلظ في أقواله بل يجب عليه عند التعبير عن رأيه أن ينتقي أعذب الألفاظ وأحسنها؛ بما يحقق الدرجة الواجبة من التواضع والاحترام للآخرين، فمن الوارد أن يكون الصواب مع الآخرين والناقد على خطأ، ولا يمكن الجزم لأحد بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة دائماً.

إن التعبير عن الرأي والمشاركة في النقد الإيجابي العام هو حق مشروع لكل شخص كما أنه – في بعض الأحيان - يعتبر واجبا يفرضه ديننا الحنيف وروح الانتماء للوطن والأمة لتحقيق المصلحة العامة وتغليبها.

ولكن يجب أن نتنبه جميعا إلى ضرورة الالتزام بالعدل والإنصاف والموضوعية والكفاءة والحكمة وعدم الإساءة والتعدي على الآخرين في ذواتهم وحياتهم الشخصية فهذه شروط لازمة ينبغي عدم تجاوزها نهائيا، فهي من يحفظ للنقد جماليته وبنائيته وفاعليته في مكانه الصحيح الذي يتوسط طرفي نقيض، فعن يمينه يذهب بتطرف ليبالغ في المديح والتزييف والتطبيل وخدمة العلاقات والمصالح الشخصية، وهذا تطرف مظلم، وفي المقابل على طرفه النقيض المظلم أيضا حين يتعدى على الآخرين ويذهب إلى بؤس الإساءة والتجريح

وكلمة أخيرة لي أنا حزينة جدا لمن يحاولون تشويه الجمال في العلاقات الإنسانية , وبعد التجريح الذي أصاب البري قام بشكرهم قائلا:

كلامكم سيكون في حسباني في العمل القادم..شكرا لكل من حضر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى