الخميس ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم حسين حمدان العساف

ذهولات (سلاماً أيّها الحبُّ)

لأحمد القادري

مقدمة:

عنوانان لديوان واحد، الديوان الأول للأستاذ أحمد القادري، أصدرته دار المجد والطباعة والنشر في دمشق. الديوان صغير بلا فهرس، يقع في ثلاث وستين صفحة من القطع الصغير، يضّم ثلاث عشرة قصيدة، والأستاذ (أحمد) عرفته السَّاحة الأدبيّة في محافظة الحسكة قبل بضع وعشرين سنة، وكان له في هذه المحافظة، إسهام في الأمسيات الشعريّة والأدبيّة التي تقام في بلدته(عامودة) أقصى الشمال الشرقي في سوريّة، وفي مدينتي (القامشلي) و(الحسكة)، وسبق له أن درّس في اليمن معاراً بضع سنوات، ثم أقام في مدينة الحسكة مدرّساً لمادة الفلسفة، فمديراً لإحدى ثانوياتها فترة من الوقت، ثم ذهب إلى السعودية للتدريس في إحدى مدارسها، وأعرف الأستاذ عن قرب معرفة قديمة، وفي اليمن كتب قصائد، وردت في هذا الديوان، ويؤكد الأستاذ أن قصائد ديوانه، لم تكن حديثة كلّها، إنّما كتبها في أوقات مختلفة، وفي أماكن مختلفة، فمنها البعيد، ومنها القريب، وربما له قصائد أخرى خارج ديوانه، قليلة أوكثيرة، وأعتقد أنَّ قصائد هذا الديوان أكثر تعبيراً عن ميوله، وأقرب إلى نفسه من قصائده الأخرى. ولا أشّك أنَّ المؤلِّف راضٍ عن قصائد ديوانه هذا كلّ الرضا، وإلاَّ ما اختارها للديوان، ولا أعتقد أنّ إختياره كان متسرعاً أو مرتجلاً، أيتسرّع في الاختيار من كانت له تجرية في كتابة الشعر تجاوزت ربع قرن من الزمان؟ فالأستاذ يدرك مقدّماً أنَّ الدراسة تنتظر ديوانه، وليس من المعقول أن يدّخر قصائده الأكثر جودة لينشر في ديوانه الأوّل القصائد الأقّل. في البداية أشكر الأستاذ على تفضّله الكريم بإهدائي ديوانه، وهذا الإهداء مكرمة منهُ ترتّب علي حقّاً لا أجد رداً عليه أفضل من الاهتمام بديوانه، وإنًّ من مظاهر هذا الاهتمام دراسة الديوان الذي ظهر في وقت تدفع فيه المطابع إلى الأسواق كلَّ يوم عشرات الدواوين الهابطة التي لا تنتمي إلى الشعر ولا تمتّ إلى جوهر الأدب بصلة، يحفّزني على هذا الاهتمام قِدمُ الأستاذ في كتابة الشعر، قدم ينبغي أن يكسبه خبرة واسعة في ميدان الشعر، غير أنّه مثلما يكون من حقوق الصداقة علينا أن نهتّم بديوانه، فندرسه، فإنّ للأدب أيضاً حقوقاً علينا، منها أن نضع عواطفنا ومجاملاتنا جانباً، ونغلب العقل على العواطف والأدب على الصداقة ما أمكن، مهما تكن النتيجة التي تنتهي إليها دراستنا، رضي عنها المؤلف أوسخط عليها. وإني لأتمنّى أن لا يرضى الأستاذ بغير ذلك،

فالأدب يتأّخر ويتضرّر بالثناء الزائف على منتجه، وبالمجاملات التي لا تفيد، بينما ينهض ويتقدّم بالنقد البنّاء والدراسة الجَادّة. ولايحتاج الأستاذ إلى شيء ينفعه، ويغني تجربته، ويدفعها إلى الأمام مثل حاجته إلى النقد، ولكي لا أظلم المؤلِّف، فقد ناقشته في قصائده، قصيدة .... قصيدة، واطلعت على ظروف قصائده جميعها، وإذا كنت لم أدخل عالم المؤلِّف كما يحّب هو، ويرضى فقد اقتربت كثيراً منه، بما أراه ضرورة لا بّد منها لتكوين تصّور عن ديوانه، إن لم يكن دقيقاً، فهوقريب جدّاً من الدّقة.

موضوعات الديوان:

في الديوان ثلاث عشرة قصيدة، تسع منها غزليّة، وواحدة في الصداقة، وأخرى وجدانية، والقصيدتان الأخيرتان في الوطنّية والقوميّة. والقصائد الغزليّة التسع، أربع منها في زوجه(فائزة) التي أهداها الديوان بقوله (إلى فائزة..أنت آخر المرافىء..وأول الطريق إلى الواحة الغائبة)، وخمس في نساء أخريات . أما غزله بزوجه فهو في القصائد التالية: (طفلة الحب) و(حين تقولين أحبّك) و(عيناك تبتكران الحبّ) و(على حافّة الوهج )، وأمّا غزله بالنساء الأخريات، فهو في القصائد الخمس الباقية: (من أحاديث عينيك) و(بانوس أغنيات جميلة) و(من دفتر العشق) و(أودّع فيك انهياري) و(قصيدة لكندة). وله قصيدة في الصداقة بعنوان: (الأصدقاء) وقصيدة وجدانيّة فيها مناجاة بعنوان: (الطيور تسجد عند القلب) وقصيدتاه الأخيرتان جاءتا في آخر الديوان، واحدة منها تدعوإلى الوحدة العربيّة: (إلى من يهمّه الأمر) والثانية تدعوإلى إضرام شرارة الثورة القومية: (اليوميّات). وإلى ثورة الغضب الجماهيريّ(بالشوق والأمل)، ونستطيع أن نجمل القصيدتين الأخيرتين بعنوان واحد هو الدعوة إلى النهوض القومي لتغيير خارطة الوطن العربي المجزّأة. ويسبق كل قصيدة رسم، يحاول أن يعبّر عن عالمها، يتكرّر رسم لامرأة ذات ملامح واحدة في القصائد التي يتغزلّ فيها المؤلِّف بزوجه، لا يستبعد أن يكون لزوجه (فائزة)لا سيما أن الذي أنشأ رسومات هذا الديوان، هو صهره.

1ـ القصائد الغزليّة:

ويتبيّن أنّ موضوع الغزل هيمن على بقيّة موضوعات الديوان، وفي غزله يحاول المؤلِّف أن يقدّم لنا رؤيته في الحبّ، فالحب الذي يراه ليس حباً من أفق ضيقّ قاصر على الحبّ المتبادل بين الرجل والمرأة، ولكنّه حب من أفق أرحب، كما جاء في قصيدته(حين تقولين أحبك):

حين نحبّ
تهتزّ غصون الأشعار .. فرحاً
تركض عبر عيون الأطفال .. طيور الألق
يتغيّر طقس .. بلّـده الكره
أغنّي .. تخضر ّ فساتين الأرض
تنهض أشياء العالم
تكتب أوّل سطر في السلم
وآخر سطر في الحرب
ليبدأ زمن الحب
زمن هطول
الفرح الدائم

فالمؤلّف يرى بالحب اخضرار الأرض، وتخطّي الماّسي، وويلات الحرب، والتغلّب على الكره، ويرى أنَّ بالحب تُطوى صفحة الحرب، فيحلّ السلام والفرح الدائم، وهكذا تتسع رؤية المؤلّف في الحبّ حتّى تشمل الإنسانية كلّها. لكنّ هذه الرؤية يمكن أن تخضع للاختبار لبيان مدى صدقهاوتماسكها، ونقطة البدء في هذا الاختبار تكون في الصدق مع الذات والصدق مع الآخرين. فالصادق مع ذاته يمكن أن يكون صادقاً مع الآخرين، ومن صدق في حبّه لمن حوله من أصدقاء وأحباب، وأخلص في حبّه لهم، يصدق في حبّه لوطنه وأمته والإنسانيّة جمعاء. والحبّ بين الرجل والمرأة يصدق إذا اتسم بالوفاء والإخلاص، ولا يكون الحبّ الصادق بعبارات منّمقة، ولا بمبالغات غريبة، ولكن بمشاعر صادقة، وأخيراً المحبّ الصادق ليس ذاك الذي يتنقل بين كلّ حين من امرأة إلى امرأة، وإنما الذي يستقرّ على واحدة، وإذن علينا أن نميّز بين الحبّ الصادق والحب المتكلّف.

تعدّد النساء في حياة المؤلف:

غزل المؤلِّف، كما قلنا، طغى على ديوانه، وهوغزل حسّي مادّي، يهتمّ بتصوير المرأة من الخارج أكثر من الداخل، بل إنَّ المؤلّف لا يدخل عالم المرأة، وهوفي غزله المادّي يعتمد الألوان في وصفه شعر المرأة ووجهها، وجسدها،وخصرها، وجمالها. إلى آخره. فهومثلاً يشبّه شعر زوجه في قصيدته(طفلة الحب) بالسبائك الذهبيّة التي تشبه انسكاب الشموس:

ولما ترامت سبائك شعرك
مثل انسكاب الشموس
ويصّور شعر امرأة أخرى في قصيدته(من دفتر العشق)، فيشبهه بحقل حنطة، يتخبّأ فيه:
فشعرك كان حقل حنطة،اتخبّأ فيه
ويصوّر في القصيدة نفسها ثغرها، فيشبّهه بالنيذ المعتّق:
وثغرك كان نبيذاً معتّقاً
كم أسكرني
ويصّور وجه امرأة ثالثة في قصيدته(من أحاديث عينيك)، فيشبهه مرّة بقمر، ومرةّ أخرى بكتاب:
وجهك قمر وكتاب

وهومولع بعيون النساء الجميلة، فعيون نسائه متباينة الألوان والجاذبية، ففي قصيدته(من أحاديث عينيك) يشّبه عيني امرأة بالحديقة :

وعيناك مثل الحدائق ـ تحملني

عاشقاً للعصافير

فهما خضراوان :

وخضرة عينيك يغمرني ضوؤها

بينما نجد عيني امرأة تالية في قصيدته(بانوس أغنيات جميلة) زرقاوين:

وتوجعني زرقة عينيك – حين تخبئ أسرار قلبي

ويشبّه عيني إحداهن في قصيدته(من دفتر العشق) بالخلجان :

وعيناك يا ما سافرت

عبر خلجان عينيك

ويصف جسد إحداهن بأنّه(قدسي)، ويصّور خصر إحداهن، فيشبهه بـ (خصر النبي) في قصيدته(حين تقولين أحبك)، وإذن، ليس في حياة المؤلِّف امرأة واحدة هي زوجه التي أهداها الديوان فحسب، بل نساء أخريات، تغزّل بهن: منهن فتاة، تغزّل بها في قصيدة (بانوس أغنيات جميلة) كان يعرفها، اشتركت مع نفر من أصحابه في رحلة إلى إحدى عيون بلدة (رأس العين) السورية التي ترفد ينابيعها الجنوبية (نهرالخابو) شريان الجزيرة، تدعى (عين بانوس)، وأورد المؤلّف في هذه القصيدة أسماء أصحابه خلا اسم الفتاة، فاكتفى بذكر بعض أحرفه :
يقرأ الليل في صحف الماء

أنباء عاشقيْن
يبتدآن الحقيقة
يبتدآن الخليقة

ومنهن فتاة، أعجب بها الأستاذ، فأبدى لها حباً، وكان يلقاها في دمشق، أيام كانت تتردد إليها، فأنشأ لها قصيدة بعنوان(من دفتر العشق):

هل تدركين حدود هواي
الجبال نأت عن حملها .. والسمّوات لم تتسعها
فهي أكبر من كل شيء .
وهي أقوى من كل شيء
لأني أحبّك

ومنهن أيضاً فتاة يمنيَّة(زبيدية)، وجد نفسه ميالاً إليها، محبّاً لها، فأنشأ لها قصيدة لم يسمّها فيها، بعنوان: (أودّع فيك انهياري)

ولكنني أتدثر بالشوق حيناً
وحيناً يؤرقني صوتك
المترسب في قاع
روحي

كذلك أبدى المؤلِّف حبّاً لفتاة أو امرأة رابعة بين نسائه، أنشأ لها، قصيدة عنوانها:(الصداقة) يقول فيها:

وأحببت لفتة عينيك

تغرقني .. بالتساؤل الحلو

والفرح الطفل ..

ولم يكتف المؤلِّف بهذا العدد من النساء، وإنمّا وجد نفسه معجباً بشخصيّة امرأة خامسة إعجاباً ربّما بلغ به درجة العشق، سماّها(كندة)، أنشأ لها قصيدة بعنوان(قصيدة لكندة)، كانت (كندة) تكتب شعراً، تنشره جريدة ( الثورة )السورية، وكانت في إحدى قصائدها المنشورة تخاطب حبيبها، طبعاً غير الأستاذ، وتطلب منه أن يكفّ عن البكاء، وربمّا كان الأستاذ يعتقد أنّها ترى في حبيبها هذا رمزاً لجماهير الشعب، وأنّها ترمز في بكاء حبيبها إلى بكاء الجيل بأسره، لكن َّ المؤلِّف لم يدخل عالم هذه المرأة، فهل كانت تحبّه كما يحبّها، أم أنّ الأمر مختلف؟ وتغزلّه بالمرأة لايكون دليلاً على أنهّا كانت تبادله حبّاً بحب، وشوقاً بشوق، فالحب يكون أحياناً يكون من طرف واحد، لا يعرف الطرف الآخرعنه شيئاً. وليس لنا من مصدر يعكس لنا نظرة المؤلِّف إلى الحب والمرأة سوى قصائده التي قد تعكس حقيقة علاقاته بالنساء، أوجانباً منها. ولا نجد في غزله أثراً لتجربة عاطفية صادقة المشاعر. وكل ما رأيناه، تجارب عاطفيّة متفاوتة، هشّة ومبعثرة هنا وهناك، تعرضّ نفسها في أحسن الأحوال لكثير من التساؤلات والظنون، فهو يتصيد النساء بقناع برّاق هو البحث عن الصداقة أوالحب. ولنتعرّف إلى أسلوب تغزّله بالنساء. المؤلف أسدل الستار كما قلنا، عن عالم نسائه، لكننا نستطيع أن نستمد من قصائده إضاءات نسلّطها عليه، لعلها تظهر لنا شيئاً ممّا استتر، وتهدينا إلى معرفة شيء ما عن موقفهن من هذه العلاقة التي سعى إلى إنشائها، ليقيم عليها غزلاً ماديّاً هيمن على ديوانه.

تجاربه العاطفية تعتمد على المبالغات وتفتقرإلى المعاناة وصدق المشاعر:
فالأستاذ شغوف بالمرأة الحلوة، متعطّش إلى الجمال، يحسّ أنَّ في داخله حاجة شديدة إليهما، وأنّه بد ونهما يعاني فراغاً، لا سبيل إلى ملئه إلاّ بهمارغم زواجه من التي أهداها ديوانه، فهويبحث عن المرأة التي تروي عطشه إلى الحبّ والجمال والعاطفة. ولا يعنيه من المرأة إلاّ تلك التي تستجيب لما يحتاج إليه، أما شخصيّتها، وما تحتاج هي إليه من وفاء وصدق وإخلاص، فهذا كلّه ليس من شأنه. المرأة الحلوة هدف أساسي عنده، يسعى جاداً إلى تحقيقه بما يملك من أساليب لبلوغ هدفه، على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وأهم أساليبه للوصول إلى المرأة، أسلوب لوّن قصائده كلّها حتّى ليظّن القارىء أنه يمثّل شخصيّة المؤلّف نفسه، هو مبالغته الشديدة في حبّه لها، وإعجابه بجمالها تمهيداً لاستدراجها إليه، انظر إليه كيف يصف حبّه للفتاة التي كان يلقاها في دمشق، في قصيدته(من دفتر العشق):

حبّك رمح .. تجذّر في خاطري
حبك جرح بصد ري تعرّش

ثمّ انظر إلى مبالغته في وصف حبّه لها الذي لم يصل إلى درجة(الهوى) فحسب، بل إنَّ ثقل(هواه) عجزت عن حمله(الجبال) وحجم (هواه) لم تتسع له(السموات) بطولها وعرضها:

هل تدركين حدود هواي
الجبال نأت عن حملها .. والسموات لم تتسعها
فإذا ما رأى اليمنيّة، أعجب بها، وأحبّها، ثم عشقها في قصيدته(أودّع فيك انهياري)، صنع لها من بسمة عينيه تاجاً لعرشها، وأعلن لها، وإلى العالم كلّه أنّه لا ملك على العالم إلاّ حبيبته اليمنيّة:
 
وأعلن :
توجتك الآن
لا ملك في الأرض
غير حبيبتي

أمّا زوجه(فائزة) فلم يتّوجها ملكة على الأرض في قصيدته لها(حين تقولين أحبّك)، كما فعل مع اليمنية، وهواه لزوجه لا تعجز عن حمله الجبال، وحدود هواه لها، هذه المرّة، أضيق من أن تتسع له السموات. استغفر اللَّه! بل أنَّ المؤلّف لم يهو زوجه، وإنّما أحبّها، والهوى حبّ مستعر، كما يقول القدماء، وليس حبّاً عاديّاً، فالحّب لزوجه التي أهداها الديوان، والهوى لغيرها، ورغم أنّ عنوان قصيدته (حين تقولين أحبّك) يشير إلى لسان حال زوجه نحوه، إلاّ أن سياق القصيدة، لا يدلّ على ذلك، وإنّما يدلّ على لسان حال المؤلّف نحو زوجه لا أكثر ولا اقل، والغريب أنّه يعبّر عن حبّه لها همساً لاجهراً:

أحياناً أهمس في أذنيك(أحبّك)
فأفيق على صوت يملأ سمع الدنيا
يحسبه السامع رعداً .. (أحبّك)

والحق أنّ السامع لا يحسب همسه لزوجه رعداً، بل لا يكاد يصل إلى مسمعه، والهمس لا يكون رعداً، فهذه مبالغة شديدة، أفلا يجرؤ المؤلّف في وقت من الأوقات على البوح علناً، بحبّه لزوجه؟ هل كان يتكتّم عليها بعلاقاته مع النساء، أو يوهم النساء الأخريات، أنّ كل واحدة منهن هي كل شيء في حياته، وأن لا علاقة له بسواها. ولكي ينزع من نفسها كلّ أثر لريبة أو هاجس، راح يبالغ في تعلقه بها ليخلق أجواء الثقة بينهما، فيبدي لها، أنّه يظلّ مشتاقاً إليها اشتياقاً، يجعله غير قادر على فراقها فهي الأنس، وهي الحياة، وبدونها تخلع مدينة(إب) اليمنيّة ثوب الفرح، ويهرب منها الأنس، وتموت أطيار الحبّ. يقول في قصيدته(حين تقولين أحبك):

إني مشتاق .. مشتاق
وبدونك ( إب ) حزينة
قد هاجرها الأنس .. وماتت في عينيها
أطيار الحبّ
صيرّها البعد خراباً ..

والشوق إلى الفتاة اليمنيّة التي توّجها ملكة على الأرض استبد به في قصيدته(أودّ ع فيك انهياري)، وأعلن أنّه لا توجد ملكة على الأرض سواها:

ولكنني أندثر بالشوق حيناً
وحيناً يؤرقني صوتك
المترسب في قاع
روحي

ويرى الأستاذ في مبالغاته الشديدة أنّهاخير وسيلة لتعزيز ثقة من يتوجّه بحبه لها في سبيل الظفربها، إلاّ أنّ هذه المبالغات دفعته أحياناً إلى الغموض الذي ظهر أثره في الصور التي عكست إلى حدّ ما جانباً من علاقاته، فهويصّور في (من أحاديث عينيك) وجه الفتاة بأ نّه طريق النبييّن:

وجهك صار طريق النبييّن في أفق الوحي
وبعد أن يبالغ في( قصيدة لكندة):
تكونين فاتحة الانهمار .. وإلاّ فمن أين ينبثق الضوء
نراه يوغل في الغموض من خلال تلاعبه بالصور:
الشمس دمع النهارات
الشمس مرثية الليل
وفي قصيدته(حين تقولين أحبّك) يتحدث عن(اليد) التي تلوّح للأحباب الراحلين:
وكانت بالأمس مطاراً .. للوجه المشرق .
وحصاراً مألوفاً .. للجسد القدسي .
وكانت طوقاً ذهبياً ..للخصر النبوي .

غموض صور المؤلف:

ويخيّل إلى القارئ أن في الصور السابقة رموزاً لا سبيل إلى فهمها، وأنّ المؤلِّف بدأ يوغل في العمق إيغالاً يتعذّر فهمه، فيتساءل حائراً، ماذا يعني المؤلّف بقوله:(وجهك صار طريق النبييّن في أفق الوحي)، وبقوله:( الشمس دمع النهارت) و(الشمس مرثية الليل). فما هي الصلة بين وجه المرأة وطريق النبييّن، وبين الشمس ودمع النهارات، والشمس ومرثية الليل؟ فلا يهتدي القارىء إلى جواب! واليد مطار، والجسد قدسي، وخصرها خصر نبوي، فكيف يكون جسد المرأة قدسياً، وهل للنبي خصر نحيف رشيق، يمكن أن نشبّه به خصر الفتاة؟ ولماذا لم يفطن الشعراء القدامى والمحدثون إلى هذه التشبيهات؟ لقد غاب خصر النبي مثلاً عن ذهن هؤلاء جميعاً إلاّ عن ذهن مؤلّف الديوان الذي أحرز سبقاً بْيناّ في هذا الاكتشاف! ليس في الصّور السابقة عمق يدرك، أو يتعذّر فهمه، والديوان ليست فيه، رموز تذكر، والصور السابقة خادعة ومضلّلة، فللوهلة الأولى تبدو للقارىء أنّها أعمق من أن يفهمها على عجل، لذا يحسبها تفوق فهمه، ولكن إذا وقف عندها بشيء من التأمّل، يتبيّن له أنّها تنطوي على لغوو خواء لا طائل منهما، وغموضها لم يكن على القارىء فحسب، بل في ذهن الأستاذ قبل سواه. وما تلك الصّور إلاّ ضرب من التداعيات اللاشعوريّة، وتلاعب في الكلمات، لايشير إلى شيء، ولا يدل على شيء، وهذه ظاهرة لم يتفّرد بها مؤلّف الديوان فحسب، وإنمّا أخذت تشيع على نطاق واسع، في القصائد المنشورة في الصحّف والمجلاّت
والد واوين التي تلفظها المطبعات ودور النشرإلى الأسواق بغزارة. وربّما حاول المؤلِّف أن يلتفّ على شتات تجاربه العاطفيّة، ليجعل من منه تجربة حبّ متكاملة، حاول أن يتسامى بهاّ إلى مستوى الحب الصوفي مستخدماً في غزله بعض مفرداته التي تتكرر فيه لإقناعنا بصوفيّةحبّه أوغزله، يريد أن يطبع غزله بالصوفيّة والقداسة، لكنّ هذه القداسة لها حرمة ينبغي، في أقل تقدير أن تُحترم، وتُراعى،


مواقف نسائه من غزله وصداقاته:

وهذه المبالغات التي يراها سبيلاً ضرورياً للوصول إلى عالم المرأة، وتدفعه أحياناً أن يتستر خلف صوفيّة مضللة، وأحياناً غموض أجوف، تعكس حالة نفسيّة غير مستقرّة يعاني منها، لم تؤت ثمارها في أحايين كثيرة، ولم تدخله عالم المرأة، بل لم تستطع أن تغري المرأة إلى دخول عالمه كما كان يريد، وإنّما جعلت المرأة ترتاب من هذا الغموض، ومن هذه الصوفيّة، وهذه المبالغات، وهي تتساءل:لماذا كان هذا العاشق مبالغاً غامضاً؟ ولماذا لم يكن واضحاً ومقتصداً؟ وربّما أخذت تبحث عن حقيقة دوافعه إلى هذه المبالغات والغموض والالتواء والصوفيّة، وأظن أن المرأة التي اتجه إليها، تدرك ذلك، ولا أظنّ أنّ شيئاً من دخيلة نفسه كان يخفى عليها، ولا أستبعد أنّها كانت تقف منه موقف الحذر والحيطة لا موقف الثقة والاطمئنان، وربّما كانت تعبر عن موقفها هذا بأشكال مختلفة، فقد تلتّزم الصّمت، وربّما الصمت الدائم،وهذا ما يقلق الأستاذ:

يوجعني صمتك الأبدي
وأنت زاخرة بالمعاني

وقد تشكّ بصدق موقفه منها، ودوافعه إليها شكاً صريحاً، يلاحظه المؤلّف نفسه:

واليوم ألقاك تبتعدين عن اللحظة الآسرة

تراك تخافين شوك

العيون الرقيبة

أم الشك يحمل مركبك الحلو

وقد يكون ترددها في قبول صداقته التي يعرضها عليها شكلاً من أشكال موقفها نحوه:

أتكونين أغنيتي؟

أتبقين صديقة أيّامي القادمة؟

فلو كان المؤلِّف واثقاً من استجابتها له لما توجّه إليها بالسؤالين السابقين اللذين تفوح منهما رائحة الإحباط واليأس، والسبب في ذلك أنَّ المرأة لم تكن لتطمئن إليه، فكانت تتراجع عنه كلّما تقدّم إليها، وتتردد في قبول علاقاته كلّما عرضها عليها، ولوأ نَّه لمس من واحدة من النساء تجاوباً، لما لجأ إلى غيرها، ولكانت هذه العلاقة تعّمقت، فمشاعره نحو زوجه تفتقر إلى الوفاء لعلاقته مع نساء أخريات، ومشاعره نحو أي امرأة أخرى تفتقرإلى الصدق بسبب مبالغاته لها، وروغانه منها، فالحبّ الذي يعلنه، يفتقر إلى صدق المعاناة والمشاعروالوفاء، لكن الصدق الواقعي، لايعني بالضرورة الصدق الفني، ولا يعنينا منه إلاّ بما يفيدنا في الاقتراب من شخصية المؤلف، والتعرف إلى أسلوبها وطريقة تعاملها مع الآخرين.

2ـ قصائد المؤلف الوطنية والقومية:

فماذا يمكن أن تضيء لنا قصائده الوطينّة والقوميّة؟ هل يمكن أن يكون أسلوبه في تعامله مع الوطن والقوميّة امتداداً لأسلوبه في تعامله مع المرأة: أي يعتمد المبالغة وصولاً إلى هدفه الذي يخدم مصلحته الخاصة أم أنِّ له أسلوباً مخالفاً؟ وأود هنا أن لا أطيل الحديث عن قصيدتيه الوطنيّة والقوميّة اللتين وردتا في آخر الديوان:(إلى من يهمّه الأمر)و(اليوميات)وسأمر عليهما مرّاً سريعاً. وبداية أشير أنَّ للمؤلّف باعاً طويلاً في ميدان القصائد الوطنيّة والقوميّة، فما تكاد تحلّ على سوريا مناسبة من المناسبات التي توليها اهتماماً خاصاً، حتى نجده أوّل من يتغنّى لها بأعلى صوته، بل انه يسبق إليها كل َّمسابق، تشهد له بذلك منابر الجزيرة، ويشهد له كلّ من رآه واقفاً خلف الميكرفون، وكلّ من عرفه، أوسمع به. والمؤلّف في قصيدته (إلى من يهّمه الأمر)متوجِّع لحال الأمّة العربية من تمّزق وتشتّت، وترى الأمة في هذه القصيدة تعيش في كل جانحة من جوانحه، فوجهه(دمشق الشام)، وشفتاه (أناشيد الفرات يصبّ في بيروت) وقلبه مرة(رمل المغرب الأقصى، وأنحاء الجزيرة) ومرّة أخرى(القدس الحزينة) وجسده مبعثر (من ضفاف النيل حتَّى تونس الخضراء واليمن السعيد):

وجهي دمشق الشّام
شفتي .. أناشيد الفرات يصب في بيروت
قلبي المفتت .. رمل المغرب الأقصى
وأنحاء الجزيرة
قلبي هوالقدس الحزين
جسدي المبعثر من ضفاف النيل
حتى تونس الخضراء
واليمن السعيد
جسدي المبّدد فب الجهات
جسدي يحّن إلى توحّده
لكم يبّث نشيجه
ونشيده
من المحيط إلى الخليج .. ومن الخليج إلى المحيط

وخارطة الوطن العربي مرسومة في قصيدته، لم يغب عنها إلاَّ الجولان ولواء اسكندرونة السليب، وكيان الأمّة تمثّل في كيان المؤلّف، حتّى ليخيّل إليك أنّ حبَّه لأمتّه صرفه عن أي حبّ آخر، فلم يعد في قلبه موضع يمكن أن تنفذ إليه امرأة، ولم يعد لديه وقت يفكّر فيه بالمرأة، أويرتبط بها، وأنّى له ذلك، وأمّته تمّر في ظروف صعبة، ومن يحّب أمته، فلا بد أن يحبّ وطنه، وأراني أتفّق مع المؤلّف في قوله:(وطني مسبحة .. ويزاود كلٌّ في عشق هواها)، ولعلّه يوافقني أنَّ بعض المتأدبين والأدباء،والمتشاعرين والشعراء هم بين هؤلاء المزايدين أيضاً، ويوافقني أيضاً أنّ هؤلاء المزايدين انتهازيون بشكل فاضح لا يطاق، لم يعد أحد يصدقهم، أويستمع إليهم، أويقرأ لهم، فهؤلاء غدوا كابوساً ثقيلاً يجثم على صدر الوطن والأمّة، ولوأنّ الوطن والأمّة سلما منهم لكانا بألف خير، إنّ مصيبة الوطن والأمّة في أبنائهما هؤلاء تفوق أحياناً مصيبتهما بالطامعين فيهما من الغرباء والأجانب. ما أكثر المزايدين في حبّ الوطن والأمة! وما أكثر المزايدين الذين يتغنون بأمجاد الوطن والأمّة!

مفهوم الوحدةفي رؤيةالمؤلف!!

والمؤلّف يعرف ذلك حقّ المعرفة. وتراه في قصيدته:( إلى من يهّمه الأمر) وحدوياً في المقام الأوّل، ينادي بالوحدة، ويطالب بها، ويؤمن بها حّلاً لمشكلاتنا، وخلاصاً لنا من شتاتنا، قوّة لنا، نتجاوز بها ضعفنا،ولا شكّ أنهّ يدرك أنّ للوحدة أعداء في الداخل والخارج، يكيدون لها المكائد، ويتحالفون معاً على وأدها كلّما لاح في الأفق ما يبشّر بميلادها، وأنَّ كثيراً من الأنظمة تحارب الوحدة، لأنّها تجد فيها خطراً على وجودها ومصالحها، ويدرك أنَّ هذه الأنظمة لمّا رأت أهميّة الوحدة في حياة العرب، التفت عليها لإنهائها بكلّ ما لديها من أساليب الغدر والمكر والدهاء، فأخذت تحاربها باسم شعارات الوحدة حيث أخذت أبواقها تطلقها، لتخدّر بها جماهير الشّعب، وحين تنظر إلى عنوان قصيدته:(إلى من يهمّه الأمر) يخيّل إليك أنّك أمام(كاتب عرائض). فكتّاب العرائض يلجؤون إلى كتابة هذه العبارة في فترة من الفترات، يخاطبون بها دائرة لا على التعيين من دوائرالد ولة، يريدون بها توجيه المواطن، صاحب الحاجة إليها، وواضح أنَّ هذه العبارة مبهمة لا تشير إلى تحديد، ولا تدلّ على وضوح، وقد يتساءل القارئ عن هذا الذي(يهمه الأمر) ترى من يكون؟ غير أن سياق القصيدة يدلّ بوضوح على الجهة التي يبغيها المؤلّف، ليفضي إليها ما في قلبه من هموم وآلام :

خذوا قلبي اجعلوا .. أضلاعه

درعاً بوجه البغيض

فما الجهة التي علق المؤلِّف عليها آماله، معتقداً أنَّ مفتاح الوحدة بيدها؟ يقول:

خذوا ما شتتّموا .. واصنعوا لي وحدة !!

فإذن،المؤلّف، لا يتجه إلى الشعب الذي إلى وحدته، ولكنّه يتجه إلى النظم التي فتتت كيان الأمّة، إلى النظم التي تعدّها جماهير الشعب العربي يمينيّة، رجعية، عميلة، ثمّ إنَّ دور المؤلِّف في الوحدة، كما تبيّن في القصيدة، سلبي، بل لا دور له أبداً، لايناضل في سبيلها، ولا يحرّ ض الجماهيرعلى تحقيقها، كلّ ما هنالك أنّه يطالب الأنظمة المشبوهة أن تنجز له الوحدة، وبذلك يجرِّد الوحدة من رصيدها الجماهيري المؤمن بها حقّ الإيمان لتكون الوحدة برأيه، وحدة حكّام وأنظمة، وعلى هذا النحويعرض رؤيته في الوحدة التي تذكرنا برؤية أدباء ما بين الحربين لها، وهي رؤية رومانسيّة، سطحية في آن معاً.فكيف ينجز الوحدة من يشتتها؟ رؤية المؤلِّف، إذن، تخدم منهج الأنظمة التي(تشتتت) الوحدة . وإنَّ الحلول التي يرى فيها خلاصاً للجماهير من واقعهاالمجزّأ، ليست ثوريّة جذريّة ولا حتّى إصلاحيّة شكليّة، ولكنهّا حلول تخديريّة.

الديوان ملوّن بأحزان كربلائية:

وأودّ أن أشير إلى نبرة تشيع في قصائد الأستاذ، وتملأ أجواء ديوانه، حتّى لوّنته بها، هي نبرة الأوجاع والأسى والخوف والهموم المتماوجة في عالم أحزانه، ولهذه الأحزان سبب موجب، أراه يتمثل في حالة الإخفاقات المتوالية التي مُني بها المؤلِّف، سواء على شتات تجاربه العاطفيَّة المبعثرة، أوعلى صعيد طموحه الشخصي، وأرى أنه يستثمرأحزانه، ويدفعها إلى طريق معينة أملاً في أن يجد فيها تعويضاً عن إخفاقاته لا سيما ما يتصل منها بطموحه الشخصي، فهويعزف على وتر الأحزان مصطنعاً منه سيمفونية(كربلائيّة)، والأمثلة على ذلك كثيرة، أورد بعضها على سبيل المثال:

أكون حزيناً لأجلك
والحزن سيد هذي البلاد
ويقول :
تبرعم حزنك كالجلّنار نقيَّاً
ودوداً
كما يقول أيضاً :
في كلَّ مساء
يأتيني الحزن .. يطرق بابي
مثل صديق يأتي بعد غياب

ثم يتدارك المؤلف نفسه، فيضع حداً للأحزان التي لا تعبّر إلاَّ عن موقف سلبي من الواقع، فالحزن حالة انفعال لا حالة فعل،
والندب لا جدوى منه إذا لم يتحول إلى فعل، فلا بد أن تعقبه الثورة التي تغيّرخارطة المنطقة، وتجتاح المدن العربية:

مضى زمن الندب
وأتى زمن الولادة

فما زمن الولادة الذي يبّشر به في قصيدته (اليوميات)؟ إنّهَ برأيه، قادم لا محالة، يصنعه الحطّابون والفلاّحون والطلاّب والنسوة والعماّل، وهم يرفعون راية :

حيَّ على خير العمل
حيَّ على خير العمل

ويعلن في القصيدة نفسها عن (خارطة تهتز) وعن (سيل يجتاح المدن العربيّة)، فالمؤلف يبشربقيام ثورة مذهبية(تجتاح المد ن العربية)، ويعلن عن(خارطة تهتز)،كما يعلن عن( بعث الأيام المنتصرة)، و(موت الأيام المندحرة)، ويتساءل المرء:ماذا يعني المؤلف بـ (موت الأفكار المندحرة)؟ ألا يعني بها الأفكارالتي تعارض ثورته المذهبية؟ ويعلن أنّ(ورداً،والورد:لغةهوالأسد) سينهض:

ينهض في وطني ورد
يصنع للأطفال الغبطة
وللناس ـ الخبز ـ الأمن ـ الفرح
في وطني ينهض ورد
ومعاً نرسم شمساً وأزاهير وفلا
وينابيع مودة
ونصوغ الفجر الآتي..مزدهراً
بالشوق والأمل

وإنَّ نداء(حيَّ على خير العمل) الذي يلّح عليه المؤلِّف:(يتجذّر في قلب الناس حدائق إصرار وولاء)، ولعلنا لا نختلف في أن الوحدوي الحق ينظر إلى الواقع نظرة شاملة، تتخطّى الحدود الضيقة، والانقسامات المذهبية، والوحدوي الحق هوداعية التآلف لا التنافر، التوادد لا التباغض، يوحّد ولا يفرّق، لايوقد فتن النعرات المذهبيةوالطائفيةالتي مزّقت وحدة أبناء البلد الواحد والأمة الواحدة، ويحترم الرأي الآخردون أن يبشر بموت الأفكار التي تعارضه! ذلك أن الوحدة التي نسعى لإنجازها ليست وحد ة دينية،ولا مذهبية أوعرقية أوعنصرية أوطائفية أوقبلية عشائرية منغلقة على نفسها، وإنما وحدة منفتحة على الجميع، هي وحدة لجميع أبنائها على اختلاف مللهم ونحلهم وأعراقهم ومذاهبهم وألوانهم وعقا ئدهم، وحدة تؤمن بحق الاختلاف، وتؤمن بحرية الرأي والرأي الآخر، ويتساءل المرء:لماذا غيّبَ المؤلف الشعب صاحبَ المصلحة في الوحدة عن د وره؟ وهل يستطيع أن يقنعنا أنّ دوره هذا في مطالبته بالوحدة هوالدور المطلوب أم أنّ مفهومه للوحدةإنما هوتدمير لها؟ فإلى أي مدى نقض نفسه؟ وكيف نطمئن بعد هذا إلى سلامة رؤيته القوميّة، وإلى صدق توجهه القومي رغم كلّ ما مهّد لهذا التوجّه من مبالغات؟ إنّ من ينتهز الفرص، ويركب الموجة السائدة بمهارة، يبرع في ركوب الموجة التي تعقبها، ولكنه لايستطيع أن يقنعنا بصد ق مشاعره وإيمانه بما ينادي به، أويدعوإليه، ينبغي أن لا نجعل الأدب،والشعر مطية للانتهاز والارتزاق، وأن لا نتسلق الشعر للوصول الى منافع شخصية ضيقة، ومكاسب عابرة، فإننا نسيء بذلك إلى روحه، ونلوث نقاءه، الشعر أسمى من ذلك،
والشاعر الحقّ من يصدق مع نفسه ومع الآخرين، ولا يضللّ نفسه، ولا الآخرين، إذا كان الشعر عنده حقاً:(منارة تهوي .. لترتفع الحقيقة)
ويلفت النظر في ديوان الأستاذ شيئان بارزان:

أوّلاً – غنى الديوان بالصور، وهذه ميزة، أعترف للأستاذ بها، فأنت،والحقّ يقال، ترى الصور تتدفّق أمامك في القصيدة الواحدة، وتتماوج على إيقاعات مختلفة،وبعضها يبث في كيان القصيدة شيئاً من الحركة والرشاقة:

فـــــي كل مســــــاء
حــــين يلامـــس كــــفّ الظلمـــة
مرتعشــــاً وجه اللــــيل
وتغيب مدينتنا في بحر الـــــــنّوم
يتناثر رماد التعب الــــــــيوميّ
على أرصفـــــــــــــــــــة الذكرى

أبادر، فأقول:إن هذه الصور مكرورة، معاد ة، تزخر بها قصائد الشعراء والمتشاعرين ودواوينهم على حد سواء، ويمكن أن تجد هذه الصور في كلّ مكان، فهي،إذن، ليست إبداع المؤلِّف، وإنما يمتحها من محفوظه وقراءاته( وتحكي النجوم لنا.. عن الحبّ والمشتهى) و(حبك رمح ..تجذّر في خاطري) و(ساءلت عنك الرياح) و(عيناك ياما سافرت .. عبر خلجان عينيك) إلى آخره من هذه الصور الكثيرة، بل إنَّ بعض الصور الأخرى، غدا، لكثرة تكراره، ممجوجاً، نفرت منه الأسماع، ولم تعد تطيقه
الأذ واق:(رعب يغتال الأحلام العربيّة) و(تصرخ كلّ المدن المهزومة تحت سنابك خيل الروم) و( تنتظر اللاهب فيكم .. ونفير خيول النار) وانظر إلى ألفاظه التي صارت مبتذلة مستهلكة:

لتشــــــــــغل فيهـا نواة الـــــتوحّـــــد
فــــي زمــــــن العــــــــهــــــــــــــر
والقبــح واللغـــــــــة المـــــــــاكـــرة

ثانياً – مسألة تتصل بالشكل، فاللغة هي الأداة التي ينقل بها إلينا الكاتب والمؤلِّف والشاعر والمفكّر عالمه وأفكاره وتجاربه ومشاعره، ومهما اختلفنا في لغة هذا أوذاك، فإنّ شيئاً واحداً نتفق عليه، هوأنّ الذي يتعامل بالكلمة، أداة الاتصال بينه وبين الآخرين، يجب أن يكون ملمّاً بنظامها، مدركاً دلالتها وتطوّرها. أعرف أنّ في ديوان الأستاذ أخطاء مطبعيّة لا أقف عندها، ولكني سأشير إلى بعض أخطائه اللغويَّة والنحويّة والصرفيّة، وأتمنّى على الأستاذ أن لا يلتفَّ عليها، كما التفّ على صديقاته من قبل، فيعدّها، هي الأخرى، أخطاء مطبعّية، علينا أن نميّز بين الأخطاء المطبعيّة وغير المطبعيّة، ولا ندع الأوراق تختلط فيما بينهما، فالأستاذ عطف المنادى النكرة المقصودة(يانسوةُ)وهوفي محل رفع على المنادى النكرة غير المقصودة(يافلاحين) وهومنصوب،في قوله من قصيد ته(اليوميات):

إليَّ إليَّ .. يا فلاّحين ويا نسوةُ .. يا أيّتها البررة

ورفع ما حقّه النصب على المفعولية(عيناك)في قصيدته(حين تقولين أحبك):
أبصر أحياناً .... عيناك تجوسان في بؤبؤ عيني .
ولم يرفع الفعل المضارع بثبوت النون(ألا تسألوا)في قصيدته(على حافة الوهج):
ألا تسألوا .. العارفين بأسرارها
ألا تسألوا .. العاشقين موعده

ويبدوأن الأستاذ لا يدرك بعد، معاني أحرف الخفض، ووظائفها، واختلاف كلّ حرف عن الآخر، فهويقول في قصيدته(اليوميات):

تكتب ســـطراً من ملحمة التغيير

والصحيح أن يقول(في ملحمة التغيير)، وذلك لاختلاف دلالة (في) عن دلالة (من) ويقول:

الجبال نأت عن حملها .. والسموات لم تتسعها .

والصحيح:(نأت بحملها)،وجمع الأستاذ (ثمرة) على (أثمار) في قوله:

ثغـــــري يقطف من فــيء شــفاهك

أثـــمار قصائده

والصحيح أنّها تجمع على (ثمرات) أو( ثمر)

والغريب أن ّ المؤلِّف يذكّر المؤنّث، ويؤنّث المذكّر، وهذه مشكلة لغوية، يعاني منها بعض إخواننا ممن لايتكلمون اللغة العربيةفي بيوتهم، انظر إلى قوله :

حـــتَّى بتُ أحسُّ هواء الشّـــرفة
إذا تلسعــــــــــــني
تســــــــــــألني

فالذي يلسع(المضاف) (هواء) وهومذكّر، وكان عليه أن يذكّر الفعل(تلسعني) لا أن يؤنثه، وحين يعرّف (القات):(نبات معروف، يتعاطاه اليمنيّون في مجالسهم، وهي رمز للسّلوى) فقد أضمر (القات) وهومذكر بضمير المؤنّث (هي) قال:(القات هي) وكان عليه أن يقول(القات هو)، وأنّثَ المنادى وهومذكّر في قوله: يا أيّتها(البررة):

إليَّ إليَّ .. يا فلاّحين ويا نسوةُ .. يا أيّتها(البررة)

وفي قصيدة(الأصدقاء) يؤنّث الفعل (تغلي) وفاعله مذكّر(موج البحار) في قوله:(وتغلي بعينيك موج البحار) فكان عليه أن يذكّره، فيقول:( ويغلي بعينيك) وهوالأفصح . إنّ لغة الأستاذ تدعوإلى الدهشة حقّاً ! فمن ذا الذي يصدّق أنها لغة مدِّرس في ثانويات محافظة الجزيرة، يكتب الشعر، وتُنشر له القصائد قبل أكثر من ربع قرن؟ ومن كان على هذا النحومن الحماس الوطني والقومي، فلا بد أن يرافقه في الوقت ذاته حرص شديد على إتقان لغة هذه الأمة وهذا الوطن! وانظر إلى هذا الشطر الذي أعجبني:

وطني مسبحة .. ويزاود كلٌّ في عشق هواها

فقوله(مسبحة) يريد بها(السبحة)، لا يفيد الدلالة التي يريدها، وأنّما يفيد مكان السباحة، فهواسم مكان، وقوله:( يزاود ) خطأ، فالواوليست من أصل الكلمة، وكان ينبغي عليه أن يضع ( الياء) مكانها، لأنَّ الياء من أصلها الثلاثيّ المجرّد، فهي في الأصل من مادّة ( زَيَدَ ) لذا نقول ( مزايدة)، لا:(مزاودة) إنَّ إتقان الأستاذ اللغة لم يعد الآن وارداً في الحسبان، لأنّه غدا أمراً مفروغاً منه، ومسلّماً به، ليس اليوم ، ولا البارحة، وإنّما ينبغي أن يكون ذلك منذ فترة طويلة، ويفترض أن يكون الأستاذ، وقد تقدّمت به السن، تخطّى هذه المسألة بحكم تجربته الطّويلة في الكتابة، بل يفترض بدلاً من ذلك أن يتوغّل في عمق اللغة، وإلاَّ فمتى سيبلغ ذلك؟ هذا عدا الأخطاء العَروضيّة التي وقع فيها، وهويكتب شعر التفعيلة مبتعداً عن الشعر العمودي لافتقاره إلى الثقافة العَروضيّة الكافية، وأحسب أني أطلت الحديث،لكني سأشير على عجل الى بعض الملاحظات: منها أنّه صنّف نوعاً من الحبّ، أسماه(الحبّ الشعبي ) في قوله :

أنتِ الوطن
الــشَّــامل
أنت الحـــب
الشـــعبي
الشــــائع

فما هوالحبّ الشعبي الشائع؟ هل هناك حب شعبي وآخر غيرشعبي؟ ما الفرق بينهما؟ لاحظْ توالي (الشّينات) وثقل وطئها على السّمع والذّوق، ولاحظ توالي(الكافات)الثقيلة التي أفسدت موسيقا وفصاحة الشطر التّالي :

وساءلت قلبي .. عن خرافة أنّك كنت رحلتِ

مــن قال عنك .. رحلـــــــــــــــــــــــــتِ

وتلاحظ في قصائده من غير عناء التكرار الممل للأحرف والأدوات والأفعال والظروف الذي يبعد القصائد عن الفصاحة، ويدنيها إلى الركاكة، ويفسد عليها موسيقاها، ولن أضرب إلا مثلاً واحداً على ذلك، هوقصيدة(حين تقولين أحبّك) فهويكرر حرف الاستفهام (لماذا) وأداة النداء (يا ) وظرف الزمان (أحياناً) والفعل(أرى) و(كانت) تكراراً مملاً، كما تلاحظ ابتعاد القصائد عن روح الشعر، فلا ترى أنكّ أمام شعر يستهويك، أويستميلك إليه، وأنّما ترى أنك أمام نثر لا أكثر ولا أقلّ كلماته مرصوفة، وتراكيبه عاديّة لا توحي بشيء، اقرأ مثلاً قوله في قصيدة(الصّداقة):

لأنَّ الصّداقة نهر يدوم
والأصدقاء نجــــــــوم
وأفضّل دوماً جسور الصّداقة
تمتد بيني وبينك
لأنَّ الصداقة أقوى من الموت
أقوى من اللحظة العابرة

واقرأ قوله في قصيدة(اليوميّات) وهويسرد يومياته، ويخوض تفصيلات، لا فائدة منها بأسلوب أقرب ما يكون إلى السرد القصصي :

في كلّ صباح
أمضي صوب مكتبي العامر بالتّبغ
والشِّاي والضِّحكات
أصافح أكداس الأوراق المتراكمة من
القرن السَّادس للهجرة
وأبدأ كالعادة يومي باللعنات
أكتب في الصّادر والوارد

اقرأ تلك الأبيات وأبياتاً أخرى في قصائد الديوان، تجد كلاماً عادياً بعيداً عن الشعر،
ملاحظات على عناوين القصائد:

ولعلّك لاحظت أنَّ بعض عناوين قصائد الديوان لا شفافيّة فيها، ولا إيحاء، ولا تدلّ على مضمون قصائدها، فالمؤلّف لم يختر لديوانه عنواناً واحداً، كما جرت عليه العادة، وإنّما اختار له عنوانين اثنين:(سلاماً أيّها الحبّ) و(ذهولات)، واختار لقصيدته الثانية عنوانين أيضاً،هما:(الصداقة) و( من أحاديث عينيك) وفي حياته، كما رأينا من قبل دخلت أكثر من امرأة واحدة، فلماذا هذه (الثنائيّة) في العنوانين على الأقل؟ هل هي تعبير عن( ازدواجيّة) دفينة يعاني منها المؤلّف،أم تعبير عن سوء اختيار،أم تعبير عن تردد ناتج عن عدم ثقته في دقة اختياره، أم تعبير عن ثلاثتها جميعها؟ وبعض العناوين ليس مناسباً للقصائد، ولا يدلّ عليها،أويوحي بها،مثل (حين تقولين أحبَّك) حتّى عنوان الديوان نفسه( ذهولات) لم يكن دالاً بدقة على مضمون قصائد الديوان، وبعضها طويل جّداً:(الطيور الأليفة تسجد عند القلب)، وثمّة فرق بين أن تسجد هذه الطيور للقلب وبين أن تسجد عند القلب،فماذا كان يريد المؤلف على وجه التحديد؟ وبعضها الآخر لا يصلح أن يكون عنواناً مناسباً لقصيدة شعرّية، وإنّما يصلح عنواناً (للاستدعاء)أو(لعرض الحال) وهو: (إلى من يهمّه الأمر).
المؤلف يعدّ نفسه شاعراً!

وفي قصيدة (الأصدقاء) التي كتبها المؤلّف في اليمن، ورد تعريف مدينة ( زبيد) في الهامش جاء فيه: (كان الشاعر - أي المؤلّف - نزيلها عاماً كاملاً عاش فيها الأدب والشعر في مناخ الأصالة والإبداع) وأنا لا أرى أنّ هذا التعريف وضعته المطبعة د ون علم المؤلّف وإرادته، والمطبعة لا تتدخل، فتضيف إلى الديوان شيئاً، لا يعلم به المؤلّف، أويريده، فالتعريف ما جاء إلا من المؤلف نفسه، اعني بذلك أن المؤلِّف عدَّ نفسه شاعراً، فالشاعر، كما ينعت المؤلِّف نفسه، عاش في( زبيد) عاماً كاملاً، عاش كما يقول، الأدب والشعر في مناخ الأصالة والإبداع، أنا أعرف أنَّ شعراء كباراً،كانوا، في تواضع منهم، لا يعدون أنفسهم شعراء، مع أنّهم كانوا، باعتراف النّقّاد، شعراء كباراً، غزت دواوينهم الأسواق، ربَّما يعتقد المؤلّف أنّه سيغدوشاعراً متى روّج لنفسه هذه الصفة في وسائل الإعلام المختلفة ابتداء من ديوانه الأ وّل! ولهذا الاعتقاد ما يسوّغه، فوسائل الأعلام بدأت تمنح صفة (شاعر) لمن يكتب القصيدة، ويؤلّف الديوان بلا حساب ودون تأنٍ، فيكفي أن تنشر صحيفة من الصحف لزيد قصيدة، أوتنجز مطبعة من المطبعات لعمروديواناً حتّى يكون زيد أوعمروشاعراً، فتتحدّث عنه الأوساط على انّه شاعر، ومن يدري فلربّما تعدّه شاعراً كبيراً؟ وبذلك تساوي بين الشاعر والمتشاعر. هذه هي محنة الأدب والشعر في هذه الأيّام، المؤلّف منح نفسه صفة(شاعر)، وليته تواضع تواضع الكبار، فترك التقدير للآخرين، وأرجوأن لا يعدّني الأستاذ (ناقداً) كما عدَّ نفسه(شاعراً)، فأنا لا أزعم أنني(ناقد)، ولكنني قارئ أسعى مخلصاً لعرض ملاحظاتي وآرائي، فإن شاء أخذ بها، وإن شاء أعرض عنها، وأعود الى تعريف المؤلِّف مدينة (زبيد) الذي ورد في هامش القصيدة لأقف قليلاً عند كلمتين، وردتا فيه، هما(شعر) و(شاعر)، لا أريد أن أحدد لهما تعريفاً، ولا أعتقد أننا نختلف في تعريفهما، ولكن، أتمنّى على الأستاذ أن يوافقني أنَّ الشعر يحيا بالنقاء والإيحاء والشفافية والإبداع وصدق الإحساس والشعور، وصدق الرؤى وعمقها، ولعلّه يوافقني إذا رأيت أنَّ من لم يؤت ( موهبة الشعر)، ولم يكن ملّماً بلغته وعلومها، وبالعروض وعلومه، لا يكون شاعراً فــ (الإدعاء) قد يجعل الإنسان متشاعراً بعض الوقت، ولكنه لا يستطيع أن يجعله شاعراً طوال الوقت.

ظاهرة تكدّس الدواوين والحاجة إلى غربلتها:

عشرات الدواوين تصدر في سوريا كل يوم، تتلوها عشرات أخرى من بينها دواوين أصحابنا تظهر هنا وهناك في الحسكة أوالقامشلي أوبقيّة أنحاء الجزيرة، وعشرات القصائد تظهر كلَّ يوم، تكتب عنها وتنشرها الصحف والمجلاّت،دون أن تجد من يقرؤها، أويلتفت إليها، وأنا لا أنظر إلى ديوان (ذهولات .. سلاماً أيّها الحبّ) بمعزل عن الظاهرة العامّة التي ينتمي إليها، وإنّما أنظر إليه من خلال انتمائه إليها، فديوان الأستاذ بما لصاحبه من قدم ومزايا، أشرت إليها لم ينعزل عن الدواوين المكدّسة التي شكلت ظاهرة أخذت تتسع اليوم، يعاني منها الشعر والأدب والذ وق الأدبي الراقي، وسوف تنموهذه الظاهرة، وتتسع إذا لم تتصدَّ لها حركة نقدية تغربلها، أودراسات جادة، تسّلط الأضواء عليها، وتضعها في إطارها الصحيح، ودراسة الديوان تعكس هذه الظاهرة، فإذا لم يجد صديقنا الأستاذ في هذه الدراسة ما كان يأمل، فلأننا لم نجد في ديوانه ما كنا نتمنى، وعلى كل حال فخلاف الرأي بين الأصدقاء ينبغي أن لايفسد المودّة بينهم، ولصديقي الأستاذ خالص تقديري.

لأحمد القادري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى