الخميس ١١ تموز (يوليو) ٢٠١٣
بقلم مصطفى الغرافي

رأي في الإعلام المغربي

من يتأمل المشهد الإعلامي المغربي من خلال استعراض أعمدة الرأي سيكتشف أن بعضها كان يحظى بمتابعة عالية وهو ما يظهر جليا من خلال نسبة المقروئية المرتفعة التي كان تحظى بها أعمدة الرأي التي كان يواظب على كتابتها كل من عبد الكريم غلاب "مع الشعب" و" عبد الرفيع الجواهري "نافذة" ومحمد الأشعري "عين العقل".

لقد كانت كتاب هذه الأعمدة ينجحون في جذب انتباه القراء نظرا لما يطرحونه من قضايا لها ارتباط وثيق بحياة الناس ومشاغلهم. كما أن تمكن هؤلاء من وسائل الأداء جعلهم ينجحون في إقامة تواصل مؤثر وفعال مع قرائهم. فهؤلاء الثلاثة جاؤوا إلى الصحافة من بوابة الأدب وجميعهم يحترفون الكتابة الأدبية ويزاوجون بين الصحافة وممارسة جنس أدبي واحد أو أكثر. وهو ما مكنهم من اكتساب أدوات التعبير بطريقة تدفع القارئ إلى التفاعل مع المضامين الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تنطوي عليها كتاباتهم. يمكن أن يضاف لكل ذلك التزام كاتب الرأي تجاه قارئه مما يجعل القارئ يثق في آرائه ويتبع توجيهاته. أما في الوقت الراهن فقد تغيرت الأوضاع تماما خاصة بعد التطور الهائل الذي شهدته وسائط الاتصال الحديثة، مما نجم عنه ظهور الصحافة الالكترونية التي أصبحت تمثل منافسا قويا للصحافة المكتوبة.

كما أنها أتاحت للأشخاص مساحة أكبر للتعبير عن الأفكار وتصريف القناعات من خلال التعليق المباشر على الأحداث والتفاعل معها. وربما يكون عمود رشيد نيني "شوف تشوف" حالة استثناء بين كتاب أعمدة الرأي في الصحافة المغربية حيث كان يحظى بنسبة متابعة عالية بالنظر الى القضايا السياسية والاجتماعية التي كان يثيرها ثم أسلوب الكتابة الذي يجمع بين اللغة المبسطة المطعمة بالدارجة وبين السخرية المحببة التي تفتح شهية قارئ الجرائد الذي هو "قارئ عام" في الأعم الأغلب. إن هجرة "الرأي" إلى المواقع الالكترونية (المدوّنات والمنتديات والمواقع الشخصية، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي) يجعلنا في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في مفهوم الكتابة الصحفية عموما والأدوات التي تعتمدها لتوصيل الفكرة والتعبير عن الرأي. لقد أصبح "الخبر" متاحا في المواقع الالكترونية وما نحتاجه هو "التحليل" و "التعليق" و"الرأي" بدل التركيز على "المعلومة". كما أن قارئ اليوم يفتقد الأسماء الإعلامية الكبيرة بمواقفها وقناعاتها وتاريخها النضالي مثل الصحفي المصري محمد حسنين هيكل مثلا الذي يملك القدرة على خلق "رأي عام" وتوجيهه. كما أن الإعلامي المغربي اليوم مطالب بتعميق معرفته من خلال الانفتاح على مختلف المجالات الفكرية والمعرفية خاصة تلك التي لها اتصال مباشر بأداء رسالته الإعلامية مثل النظريات والنظم السياسية وعلم الاجتماع ونظريات التواصل.

وهو مدعو كذلك الى التمرس بطرائق التعبير وأشكال الصياغة لأن توصيل المضامين الإعلامية يتطلب إحاطة بوسائل الأداء اللغوي والأسلوبي؛ أي كل ما له علاقة بالصياغة التعبيرية المؤثرة. فما من شك أن امتلاك اللغة والكفاية التواصلية يمكنان الكاتب الصحفي من توصيل رأيه بطريقة ناجعة ومؤثرة. المضمون الجيد لا يكفي وحده بل ينبغي أن ينضاف إليه الأداء الجيد إذا أردنا أن نضمن لخطابنا الإعلامي الفعالية المطلوبة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى