الثلاثاء ١ آذار (مارس) ٢٠٠٥
بقلم نجمة خليل حبيب

ربيع لم يزهر

هون بركة الفضة

اجا العصفور يتوضى

هذا لقطه

هذا ذبحه

هذا شواه

هذا أكله

وهذا قال له

زي زي زي

تصفق جدته بيديها المعروقتين, وتنجح امه في طبع قبلة مجلجة فوق خده قبل ان يتمكن من الانفلات من بين ذراعيها. جدته عجوز سمينة تلبس رداءا فضفاضا وتحزم شعرها بمنديل رقيق مربوط تحت الرقبة يعبث بربطته كلما حضنته لتقبله. جدته تعطيه قطعة بسكوت محشو كلما سمح لها بتقبيله, هو لا يحب قبلات جدته . قبلات امه اطيب ورائحتها اذكى

ـ ربيع غزال (يقول وهو يتفلت منها)

ـ ربيع حمار

ـ لا غزال.

ـ حمار حمار

ـ غزال غزال

ويروح يضرب، بكلتا يديه الصغيرتين، حضنها الذي يملأ المقعد مولولا صارخا حتى تقر بأنه غزال

. . . . . .

سمياه "ربيع" تيمنا، فقد جاءهما على كهولة ونثر مجيئه في صحراء حياتهما رذاذا نديا من امان واعدات. . . أمسى الاب اكثر رقة ودعة، وهو الذي ما مارس من الحياة الا خشنها قولا وفعلا. وتعزت الام به عن كل ما حرمته في صباها البكر من متع الحياة, فهاتين العينين الحالمتين! ، كعيني جده ، تكمن فيهما جنتها وتختصران عمرها كله : ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

قبل ان يعي الكلام كناه أبوه "أبو عوض" وقلبه مفعم بكل ما تحمله هذه الكنية من معاني الامل بالمستقبل .

ـ لا أحد يسمي عوض في هذه الايام (اعترضت مريم)

ـ لا يهمني ما يسمون. إبني وانا حر. . . أسميه على ذوقي (مصرا على لفظة إبني)

ـ لا حبيبي المثل يقول: تاكل ما تحب وتلبس ما يحب الناس

ـ شو هالفلسفة الفارغة . الرجل هو الذي يزين اسمه

لا نفع من الكلام ما هذا الطبل ( تقول في سرها)

يضيف: لو كانت الاسماء بفلوس كان الكل سمّى خرا

أم عوض صامتة كعادتها . الوجه جامد لا تنم تعابيره عن اي موافقة او عدمها

ـ مثل قرميِّة السويِّد هذه المرأة. لا أعرف كيف تحملها ابو عوض، الله يرحمه، كل هذا العمر وخلّف منها دزينة اولاد.

وبالغت الام بالاحتفاء بربيع . . . لقد كان آخر ثمرة في رحم قارب النضوب. وعرفت كل المزارات والكنائس في المحيط والجوار شموعا مضاءة على نية ربيع , حتى الله يحميه ويرد عنه عيون الحاسدين . ويوم برز له أوّل سن طافت صحون السنونية على كل أنحاء المخيم

ـ يوم عرسي ما تكلفت مثلما تكلفت " مريمة " اليوم ! ! . . .

ـ والله لولا الاحوال الصعبة بالبلد لعملت أوزي بدل القمح ! ! . . .

ويوم عمادته كادت تدعوه عرسا .

ـ ماذا تركت للفرحات الكبيرة ؟ ! . . .

فترمقه بنظرة عتب وتتمتم بعض كلام دون أن يغيّر اعتراضه من واقع الحال شيئا . هي تعرف انه ليس جادا في لومه وما اعتراضاته إلا من باب الزكزكات لإثارتها . . . هي تقرأ في عينيه ذلك الفرح الطفولي والرضى الذي يجاهد لإخفائهما وقد تهمس في أذنك:

ـ قلبه طيب. مثل قلب طفل صغير. يظن أن الحب والحنان تكسر مهابة الرجل وتهين كبرياءه"

جاء "ربيع" الى هذه الحياة في فترة ضبابية قاتمة من تاريخ المنطقة, قبل حادثة بوسطة عين الرمانة بأشهر قليلة وفيما هو يخطو خطواته الاولى المتعثرة ضرب زلزال الغضب المخيم الصغير الذي ولد فيه. هّجر من هجّر وقتل من قتل وبقيت فيه أقلية قالت مريم فيها "بضاعة غب الطلب"

ـ(نحن يا روح أمك) مرة رهائن ومرة اعداء ومرة مصدر ابتزاز ومرة فشة خلق لكل ناقص يريد ان يتمرجل.

. . . . . .

كان أبو ربيع يسعى خلف رزقه في إحدى دول الخليج عند سقوط المخيم في أيدي الميليشيات. أصابه هلع. وصلته اخبار أقاربه وجيرانه الذين ماتوا في تلك الحملة المسعورة غير المتكافئة: عديله نعوم الذي سيق من بيته ولم يعرف مصيره, جارهم شعيا, الذي سحل تحت الدبابة , إبنة "ابو بشاره" التي اغتصبت واحرقت . . . الاطفال الذين لا يتجاوز عمر اكبرهم الستة عشرة واعدموا خرّاج المخيم . . . ولكنه اطمأن على ربيع وامه فقد كانا من بين القلة التي لفحتها نار الج! نون دون ان تحرقها.

تقول مريم ان زوجها, كان مختلفا هذه المرة، أمسى كلامه اكثر رقة وخفتت تلك الخشونة في لهجته وتعامله معها

ـ ست ولا كل الستات يا مريمه. أخت الرجال والله. الله يقدرني وأعوضك عن كل ما تحملتيه لوحدك في ايام الشدة . . .

ـ ولا يهمك أبو ربيع . محسوبتك قدها وقدود

ـ غصبا عني يا مريمه. والله لو كان ممكن ما بقيت ساعة واحدة بعد ما سمعت الخبر

(.لم تجب وظلت مطرقة بالارض) ظن أنها تشّك بصدق كلامه فأضاف:

ـ انت ست العارفين. المطار كان لا يعمل وكان من الجنون ان آتي عن طريق البحر بهذه الوثيقة التي يعتبرونها تهمة

قالت وسحابة حزن وألم تموج في عينيها:

ـ أنا شكرت ربي الف مرة لأنك كنت مسافر. كل اللي صار كان بدو يصير بوجودك وبعدمو .ما كان بالامكان تعمل أي شي. . . من يدري؟!. يمكن، لا سمح الله، لو كنت, كنت رحت مثل كل اللي راحوا

ـ أكيد راحوا . . . عطا ونعوم وابو نبيل وغيرهم, أكيد راحوا؟! . . . مش ممكن يكونوا مفقودين؟ . . . أسرى؟!. . . أي شي من هذا النوع؟! . .

ـ بعد كل هذه المدة ! ! . . يا حسرتي عليك يا عطا حرق قلب أمه . . . لا رأته ولا ودّعته ولا ناحت فوق راسه ولا وّصته أن يسلم . مات ميتة رخيصة لا أحد يعرف كيف حصلت. هل طيور السماء أكلته أم وحوش الارض أم اسماك البحر؟! . ! . . يا حسرتي عليه كان يتمنى أن يموت فوق تراب فلسطين . أنظر كيف حصلت ميتته على أيدي ناس ليس لهم اي علاقة باليهود ولا بفلسطين ولا بيننا وبينهم ثأر. . .

. . . . . . . . . . .

لم يمض على وجود "ابو ربيع" ساعات حتى سمع صوتا يقول:

ـ الريس يريد ان يراك ( عرف أنه هو المقصود فهمس في سرّه)

ـ خير إن شاءالله

ـ الاوامر تقول ان تكون عنده بعد نصف ساعة

فركت مريم راحتي يديها بعصبية وقالت هلعة: يا عدرة ماذا يريد

ـ إهدأي يا إمراة , ماذا يريدون ؟! . . . يريدون . . . فلوس

ـ فلوس فلوس , ألا يكفيهم ما أخذوا ويأخذون؟ كل يوم والثاني يدقون الباب : مساهمة, حسنة , تبرع. شحار اسود. . . يقطعها من عيشة

. . . . . .

في غرفة كانت قبل شهور مكتبا للكفاح المسلح الفلسطيني اقتعد وراء المكتب ذاته، مع تغيير جذريّ بالكليشيهات، رجل لا يختلف كثيرا عن سلفه. قد يكون أقصر قامة، أكثف شاربين أو اقل سمرة ولكن امرا ما يجمعهما، كلاهما اعطته هذه الطاولة بعض امتيازات على باقي خلق الله.

تكلم دون ان يرفع عينا صوب محدثه:

ـ أنت عوض؟

ـ نعم سيدنا

ـ اين كنت كل هذه المدة

ـ في أبو ظبي

ـ أكيد ابو ظبي؟. أليس في سوريا، مثلا، تتدرب مع الزعران؟

ـ وحياتك سيدنا، أنا لا علاقة لي، لا بالزعران ولا بالباشوات, من عشرين سنة وانا في الخليج, كل سنة او سنتين أزور العيال لشهر او شهرين واعود من حيث اتيت

ـ لا تظن ان أمرا يفوتنا. نحن لا نخصي كلاب هنا. . نحن نعرف البيضة من باضها! . ولولا اننا نعلم انك رجل نظيف ما كنت وصلت حضن زوجتك. قل لي، ماذا فعلت بالغربية ؟ انت لم تأت رأسا من المطار الى هنا. صح؟!. . ـ صح سيدنا. . . قضيت الليلة عند أخي الذي يسكن راس بيروت

أخوك ! ! . . أخوك ! ! . . . لم نعلم ان لك أخا في الغربية

ـ أخي يسكن في الغربية منذ زمن بعيد. منذ أن تزوج . . . زوجته بيروتية. تكبرت على المخيم . كانوا لا يزوروننا إلا بالمناسبات المهمة

ـ وهل لأخيك علاقة بالزعران

ـ يطول عمرك سيدنا، لو كان لأخي أي علاقة كنتم انتم اول العارفين . . . أخي لا يعرف إلا وظيفته وبيته، حتى ان زوجة أخي لا تتوقف عن شتم المسلحين

ـ وكيف رأيت الغربية؟

ـ زبالة وعجقة سير وفوضى. الباعة المتجوليين في كل مكان . لا نظام ولا ترتيب . الحمرا ما عادت حمرا

ـ تستأهل الحمراء ما حل بها. هم أووا المخربين. جعلوها مثل الزريبة. هؤلاء الهمج لا تليق بهم إلا المزابل. على كل ينضربوا

ظل مطرقا بالارض فيما أكمل "الريّس" كلامه

ـ حيف على الرجال يا عوض! كنت اظنك صاحب نخوة. هكذا تأتي من السفر ولا تمر لتسلم وتشكرنا على حمايتنا لأمك وزوجتك وابنك؟! . .

ـ سي. . . سي. . . سيدي

ـ يعني أنتم كيف تحسبونا؟ جمعية خيرية؟. . بير بترول ؟. . أمم متحدة؟. . وكالة غوث للاجئين؟ . . نحن نحميكم ونسهر على راحتكم كل هذا ببلاش؟

ـ عذ. . عذرا يا ريس , انا. . . أنا . . . ما فا. . فاتني الامر

مد يده الى جيبه، أخرج بضع اوراق نقدية ووضعها امامه على الطاولة.

ـ هل من أوامر أخرى حضرة الريّس؟

أشار الرجل الى محدثه، أن إنصرف.

استدارعوض خارجا فسمعه يردد: كنا نأمل ان تكون اكثر كرما. على كل، خيرها بغيرها

بلع عوض ريقه ودس يديه في جيب بنطاله ثم اتجه مطأطئا الرأس صوب البيت لتقابله رائحة الكبة المشوية التي تفخر مريم باتقانها، فتزيل عنه بعض كربته.

. . . . . . . . . . .

. . بدأ الصبي يعتاد والده. لم يعد يختبئ في ثوب أمه كلما اقترب منه يداعبه بل امسى يقهقه ضاحكا وهو يغافله ليلكزه من الخلف. كانت هذ القهقهات زغردات تجلجل في دم عوض وتملؤه نشوة غريبة لم يعش مثلها على مدى عمره كله. . . تمتع بربيع حتى الثمالة واحس إحساسا غريبا تجاه هذه المرأة. أهو الحب ! ! وبمثل هذه السن ! ! . . . العشرة؟! الرفقة؟ وجود شخص تستطيع ان تقول امامه أني فرحان إن فرحت وحزين إن حزنت ؟ ! . . . شخص يلملم ذّله في هذه الايام العصيبة ! ! . . . يوم تزوجها أحس انه يقوم بواجب ليحقق ر! غبة أم عوض. لا . لا صّحح صديقه محمود. هي الوحدة اكلت قلبه على مدى سنين طوال موزعا بين الكويت والبحرين وقطر والامارات وصولا الى بغداد والموصل . . . رفاقه وحتى إخوته الاصغرون تزوجوا وامسى لهم اولاد فانهارت كل دفاعاته امام منطقها

ـ الزوجة يا ابني سند للرجل. تحميه من بنات الحرام. تحافظ على ماله. تؤمن طلباته. المرأة تكمل الرجل

ـ لست بحاجة الى مرأة لتكملني . . . أنا الله خلقني كاملا . . . أنا أحافظ على مالي بنفسي وبنات الحرام لا خبز لها عندي . . . عشرين سنة في بلاد الغربة تعلمت أطبخ وأغسل وأكوي وأعضّ على المخدة وأنام. قولي غير هذا الكلام يا أم عوض.

هذه المرة كان يداعبها فقط. يستعدي لهفتها. هو يحب عصبيتها المكتومة التي تتحفز دائما للانفجار ثم لا تني متراجعة متهيبة. أشفق على القلق في عينيها فقال: بأمرك يا ست ام عوض لن اسافر الا وانا عريس . ايعجبك هذا الحال يا! ست الستات ؟! . . . فركعت على الارض تقبلها

. . . . . . . . . . .

انتقاها تقاربه عمرا . . . هي الاخرى "فاتها القطار". ففي عمر الزهور، كما يسمونه، ايام تتفتح الانوثة للحب والزواج, كانت مشغولة بإطعام أفواه صغيرة عجز الاب اللاجئ الذي لا يحسن صنعة عن إطعامها, واذ صحت على نفسها بعد ان اشتد عود هؤلاء كانت فرصها قد أمست شبه معدومة. . . هي الان على ابواب العقد الرابع, لذلك لم تتردد ولو للحظة واحدة في القبول. اعترض كبير إخوتها على هذا الزواج

ـ هكذا زيجة ستضعك في حبس . . . عوض! . . . من بين كل الرجال يصير زوج اختي !! . عقله مثل حجارة الصوان. عمره ما كان له صديق . . . قاس بطبعه وزادته الغربة والبعد عن الاهل قسوة. معه ستكونين في منفى، والاهم من كل هذا، إذا الله طعم ورزقتم بولد لا يمهله العمر ليربيه. قطع العقد الرابع بسنوات , وانت لم تعودي صغيره

تنصت ولا تعلق . لم يقل شيئا لا تعرفه، إلا ان نيران عانس كانت أقوى من كل نيران ووصمتها أصعب من كل المنافي والحبوس . . . وبعد، فان الرب كريم. غدا يتغير، عندما يصير له عائلة يتغير. المخيم كله يتكلم عن عاطف كيف اصبح بعد الزواج. حتى ان بعض الخبثاء يقولون: عاطف قبل وضفه وعاطف بعد وضفه. وانا لست أقل من وضفه

ـ ليس عوض يا مريم . . . ليس عوض. . . عوض لا يتغير, مقطوع من صخر . . .

ـ أجرب حظي , اي شيء احسن من الذي انا فيه . . . كلكم غدا تتزوجون وتنشغلون بنسائكم واولادكم وابقى انا مثل مال الوقف . غدا يستغني المعمل عن خدماتي, أصبح بعدها عالة عليكم أو خدامة لزوجاتكم وازواجكم . . . ولو الله تعطف ورزقني ولدا يكون عوضي من الدنيا. ربك كبير هو يربي الجميع

ثم كان زواجا سريعا ومختصرا , زواج كهلين خشيا أن يسبقهما الركب، فلا يكون لهما، ككل باقي خلق الله، بيت وعائلة واولاد

لم يشعلهما حب يذيب ما في شخصيهما من اختلاف، بل جمعتهما محنة واحدة: فكلاهما عانى نكبة فلسطين طفلا وتحمل عواقبها يافعا واحس بالوحدة كهلا.

كان منغلقا على نفسه وكانت لها علاقات متواضعة في محيطها، كما كان لها بعض اهتمامات سياسية وآراء في الحياة جمعتها من هنا وهناك متأثرة بأخ أعمق ثقافة وأكثر تجربة او بأخت تعلمت وتوظفت فخبرت الدنيا. وتعتمد, على حياء، في ثقافتها الجنسية على مقالات كانت تنشرها مجلة الحسناء . . .

تزوجا على عجل. لا مقدمات ولا خطوبة. وعلى عادة كل من ارتفعت طبقته المادية قليلا أنشأا لهما, في المخيم, مسكنا على طريقة الشقق الحديثة. كان بيتا أنيقا لا إسراف في أثاثه و! لا تقتير. سعدت مريم ببيتها الجديد . زينته بستائر كانت قد اعدتها منذ سنين فعلاها اصفرار ولكنها أصّرت على تعليقها والمباهاة بها. مطبخها ـ على صغره ـ كان معرضا لكل انواع التطاريز . تندر عوض: هذا مطبخ او صندوق فرجة

وتغمزك من خلف ظهره استخفافا بجهله وقلة تقديره

ـ غدا عندما يجيء الكتكوت. . . (يقول بلهجة متوعدة مازحة)

أحقا سيجيء الكتكوت " . . . معقول ان تحمل في هذه السن؟ ! . . . فهي قد قاربت الاربعين
ـ الله كبير. نساء كثيرات أخصبت ارحامها حتى بعد الاربعين. أم! امها سنوات قليلة وهي ليست طماعة. ولد واحد يكفي

الا أن رحم مريم كان خصبا ما أنضبه إهمال السنين، اشهر قليلة وتكور بطنها. اجمل شعور عاشته على مدى عمرها كله. لن تنسى ضربات الجنين الاولى على جدران رحمها ولن تتوقف عن سرد هذا الحدث وفعله في نفسها حتى الرمق الاخير من حياتها

ينتفخ بطن مريم وتمضي ايامها تتحسس هذا البطن. تحادث الجنين. تغني له. تشد على ثوبها وقد تمسك يد من تصادف وجودها بقربها قائلة : انظري كيف يرفس. . . تحسسي تحسسي حركته ما أنشطها. منذ أسابيع حملها الاولى انشغلت بجهاز المولود. جهاز تكلمت عنه الجيرة والاقارب. وكانت غرفته عرضة لكل انواع الدنتيلا . . . (من وراء ظهرهاينفكهون)

ـ كأنه اول حبل في التاريخ

ـكأن القادم اميرالمؤمنين أو فاتح الاندلس

ـ قولي ابن مريم تمجد لاسمها

يقولون ويقلن ومريم منشغلة بذلك النبض الملائكي الذي لا تحسه إلا من حملت عند حافة نضوب بئرها. أقصى ما تتمناه ان يكون المولود صبيا لتكتمل فرحةعوض

ـ تقول مريم ان الدنيا لا تكاد تسعها. . . كل ما في الوجود يضحك . . . الاب المقطوع من صخر , تصايح ابناء الجيران في الجوار, تعليقات حماتها السمجة, وحتى نداء أسعد, بائع السمك, الحاد كأزيز صرار لجوج, صارت كلها امور مفرحة تدعو للبهجة.

قد تتظّلم بين الحين والاخر فتشكو هذا الزواج الذي حرمها متعة الدردشة

(عوض يتأفف كلما مرت بي صديقة قديمة , يصيبه خرس إذا صادف مرور والدي في الشارع ودعوته على فنجان قهوة . . . همه من الدنيا كاس وفراش . . . حتى عندما يريد ان يغازلني يقول مريم ممتازة طبخها طيب ! . حتى انه يمنني بفحولته : اللي صايرلك لا يصير لبنت اربعتعش . . .). إلا انها لا تلبث أن تستدرك: هذا الجنين تعويضي عن كل ما لحق بي من غبن على مدى عمري كله. أحس اني ما ظلمت ولا أهنت وما ضحيت. ما عادت تعليقات عوض تهمني.

تتظلم ولا تنتظر منك ردا او تعليقا ولا يعنيها إن كانت شهادتك لها أو عليها.

زغردت أعراس في دمها يوم ولد "ربيع". أرسلت صحون "المغلي" الى الجيران والاقارب الاصحاب، المحب منهم واللامبالي. صحيح ان عوض عرف بالامر واعترض ولكن اعتراضه لم يقدم ولم يؤخر

. . . . . . . . . . .

أسابيع مضت على رجوع " أبو ربيع" وكل نبضة في عروقه تنضح ابوة . إمتلأ بربيع حتى كاد يحس نفسه صغيرا صغيرا قادرا على الطيران والقفز خلف الفراشات. فهو يلاعبه "الغميضة" حينا,و"مين نقفك يا زعرورة" حينا آخر، ولا يتورع عن المشي على اربعة وهو فوق ظهره يزقزق فرحا:"حا يا حماري حا". قد يركض معه خلف الطائرة الورقية أو يصحبه الى الدكان القريب فيشتري له الحلويات والمشروبات الغازية , وإذ يعل! و صوت مريم غاضبة معترضة, يهمس في أذن ربيع كلاما ما، وينفجران ضاحكين غير آبهين باعتراضاتها. . . كان عوض سعيدا بعائلته، يفتقد بمرارة الكثيرين ممن كانوا قبلا اصدقاء وجيران وأقارب. تأقلم قدر الامكان مع الاوضاع المستجدة فأقام بعض علاقات سطحية مع الوافدين الجدد الذين هجرتهم الجهة الاخرى ( يبرر قائلا: هم بالنهاية ضحايا,مثلنا مثلهم). اعتاد امتصاص الاحساس بالمهانة الذي كان يعتريه كلما مورس عليه فعل عليائي او كلما اضطر للقيام بعمل ما مجاراة للظروف، واعتاد تهدئة نوبات الغضب التي كانت تجتاح مريم كلما أجبرت على دفع تبرع لا ترغب به. يقول مهدئا غيظها

ـ بسيطة يا مرى اللي تعرف ديته اقتله . . .

ـ نحن هنا مكسر عصا. عنزه جربانة. رغيف ذره، مأكول مذموم

ـ بيفرجها الله يا بنت الحلال

ـ نحنا هنا رهائن. مقطوعين من شجرة. دعنا نلحق بأهلنا وناسنا في الغربية

ـ ومن قال لك أن الغربية أحسن؟ ! . . . الكخ اخو الكمخة. . . على الاقل نحنا هنا عارفين ما ينتظرنا, بينما هم هناك كل يوم مفاجأة جديده: إسرائيل من ناحية وتنظيم من هنا ومنظمة من هناك, محاسيب في هذا الحي ومنتهزي فرص في حيّ آخر . . . طولي بالك ! ! . . . مع الايام يملون ويتركوننا بحالنا . . . الوضع صعب علينا وعلى كل الناس , مرحله وتمر. . .

ـ وكمان العمر يمّر

ـ تحت في الغربية أزمة إيجارات. لا نستطيع ان نشتري بتحويشة العمر شقة معرضة للهدم او للاحتلال في كل لحظة. إصبري يا مريمه, اصبري. الصبر مفتاح الفرج

ـ "ربيع" هنا وحيد, لا ابن عم ولا ابن خالة يلهو معه, وحده مع هذه اللعب الصماء . . . ما أتعس حظك يا ربيع! . يا ليتك جئت قبل زمانك الاسود هذا! ! . . . في هذا الزمن، لا خالة تدلل ولا جدة تحضن وتخبر القصص ولا جارة حنونة تداعب. . .

. . . . . . . . . . .

ظهيرة يوم تشريني مثقل برطوبة خانقة وفيما عوض يقتل الوقت بلعب طاولة زهر مع احد الكهول أمثاله، (واحد ما كان ليرمي عليه تحية الصباح لولا هذه الظروف الضاغطة) يثرثران بين نقلة زهر وأخرى

ـ حظك طيب يا "ابو ربيع"، ليس في الزهر فقط، بل بالحياة أيضا. يكفي انك كنت بعيدا ليلة الجنون تلك

ـ ليلة الجنون تلك كانت عليّ اصعب مما كانت على كل الناس. يعني انت عندما تكون ما عائلتك تطمئن عليها كل دقيقية ولكن، عن بعد، يجن جنونك بين اطمئنان واطمئنان . . . يكفيك شماتة الشامتين. والله كنت ارتكبت جريمة تلك الليلة

ـ أف! ! . . . الى هذه الدرجة

ـ وحياتك اخي "تّيم" كنت قتلته . . .

لم يلق تيم حجر الزهر من يده بل تطلع في عيني محدثه يطلب المزيد من التفاصيل

ـ يا اخي الواحد أعصابه كانت تلفانه، لا يتحمل الذبابة إن طنت، وقام عرص مستثور ينظِّر ويعطي احكاما. قال يا سيدي أن مخيمنا كله خونة. قال نحن خذلنا الثورة. صحيح نحن خذلنا الثورة اخي تيّم؟! ! . . انا سمعت ان الثورة هي التي خذلتنا. هم كانوا ينفخون برؤوس الشباب، يقولون لهم إذا انفتحت المعركة نحن نصلها من صبرا الى مخيمكم. صحيح هذا الكلام ! ! . .

ـ صحيح او كذب. أمر ما عاد منه فايده . . . أكمل أخي "أبو ربيع". أكمل حديثك

ـ تعرف اخي تيّم، أنا لا احسن الكلام. قمت من مطرحي ومسكت برقبته وقلت له: خرى عليك وعلى ثورتك. كلكم على إجري. انا لا يهمني إلا زوجتي وابني. انشالله كلكلم بتحتلكم اسرائيل! مش بس الكتائب! . . . كان اختنق بين يدي لولا ان تدخل الحاضرون وفصلوا بيناتنا. . . أخي تيم هم أكلوا دجاج ونحن وقعنا بالسياج, فعلوها وهربوا وتركونا ملطشة للذي يسوى والذي ما يسواش.

ـ انت ما شفت الذي صار اخي ابو ربيع. ما كان قدام الناس إلا الهرب او الموت. . . أيييه. . . حسرة عليك يا هالمخيم! كان زينة كل المخيمات. . . كانوا إخوانا يقولون عنه المخيم البرجوازي

ـ برجوازي قال! . . . شوية مظاهر كذابة، بعض عائلات اشترت غسالة او براد تسمي هذا برجوازي؟!. . .

ـ صاحبك كمال, كمال ما غيرو ! . . مسؤول الكفاح المسلح . كان يقول ما شاء الله بناتكم مثل بنات الحمرا بيلبسوا على الموضة وبيتنزهوا على طريق الدير مع الشباب . . .

ـ اسم الله على أمه هوه . إساله ماكانت أمه تقابل الشباب على طريق العين بزمانها؟! . . آي والله لولا همة ابو جورج كانت الجرادين أكلتنا. . . هذه الخشش اللي بتعتبروها بيوت, هي جحور ارانب في بلاد غير هذه البلاد.

ـ لا. لا اخي عوض. . . انت غلطان. مخيمنا ايام زمان كان مفتخر. يكفي انو المخيم الوحيد اللي كان فيه مدرسة توصل للباكلوريا. وموقعو, يا عيني. . . يشرح القلب. . . الناس عايشه مثل عائلة واحدة

ـ والله عمرهم ما عاشوا عائلة واحدة. كانوا يتشاجرون على تنكة المي وعلى شبر أرض ما هي أرضهم. ينهشون بلحم بعضهم مثل الذياب. . . كفروا أهالي مخيمنا. بطروا. من شان هيك صار فيهم اللي صار

ـ على سيرة الكفر, برأيك اين ذهبت روح هالكافر نقولا؟

ـ نقولا! ! . . . بقيت روحه بين حجارة المقهى الذي جرفوه على رأسه. كأنه لا يزال هناك. كأنني لا أزال اسمعه يتهكم ويشتم ويؤلف الزجليات القارصة ب"ابو مفلح" وأمثاله من المؤمنين. يروي النكات البذيئة ويدبر المقالب المحرجة برجال ونساء الدين

ـ كان أكبر كافر

ـ وهل انت مؤمن اخي ابو ربيع؟! !

ـ والله لا أدري! ! . . مؤمن كافر! . جبان عاقل! . عكروت مصفى! . . . لا اعرف ما أنا

صوت الملقب ب"الديك" يسمع من بعيد

ـ من قلة الرجال صار "الديك" ابو علي ( قال تيّم متهكما)

قال عوض كالمحدث نفسه

ـ يقولون انهم كانوا معتقدين أن الانفاق التي تحت الجبل كانت ملآنه سلاح وفدائيين أغراب

ـ وصدقت قولهم. الكل يعرف ان المخيم ما فيه شيء منذ حرب الجيش والفدائيين في ال 73 . والله انهم كذابين. هم كانوا يعرفون كل شتلة بندورة بهذا المخيم. لو انهم شكوا بوجود مقاومة ما كانوا تجرأوا وافتعلوا المعركة بهذه الاسباب التافهة. كان لهم عيون بيننا اكثر ما يوجد! سوس في عدس الاعاشة . غير مستبعد تكون أنت أخي ابو ربيع عين عليّ وتسجل اقوالي ها ها ها . . .

ـ صحيح انهم اعتقلوا صوماليين في المخيم

ـ معقول هذا الكلام الفارغ؟ لو كان في مقاتلين حقيقيين كانوا دخلوا المخيم باقل من ثمانية واربعين ساعة؟! . ـ يقولون ان بنت ابو بشاره كانت على علاقة غرامية مع شاب من الكفاح المسلح هو الذي اغتصبها واحرقها وليس هم

ـ تخريف. . . كلام لا يصدقه إلا من كان بلا عقل . سيناريو لا يصح إلا في الف ليلة وليلة

ـ والله هذه حرب قذرة

ـ تتكلم مثل الرفيق عمر رحمه الله. متى كانت الحرب غير قذرة هه؟! . . . أعط أمك بقبرها سلاح تصير عنتر. لو مسيحك تيسر له سلاح ما كان قال : من ضربك على خدك الايمن أدر له الايسر

الصوت يغيب ويعاود, يقترب ويبتعد. من مسافة سمعه يقول:

ـ بلّغي عوض الريس يريد ان يراه في المكتب حالا . . .

تطلع الى زميله بنظرة ذات معنى، اطبق طاولة اللعب, استعان براحتيه لتشدا ازر ركبتيه وجرجر رجلين وهنت قواهما الى مكتب الريس

يتلقاه صوت الريس ملعلعا:

ـ يبدو يا عوض ان الهواء النقي يلائمك . . . ما شاء الله , ما شاء الله ! !. . . الصحة عال العال , كيف رايت المخيم؟ جميل من دون الاوغاد. . . ها ! !

بقي صامتا. . .

ـ سمعت بمعركة المتين يا عوض؟ . . . غدروا بنا. أوغاد!

(إبيّض وجه عوض وتساءل في سّره)

ـ ماذا وراء هذه المقدمة؟ أيكون في نيته أخذه الى الجبهة؟ او الانتقام لضحاياه بواسطته؟ حاول ان يقول كلاما يجامل بل يمالئ, كما اخبر مريم بعد ذلك, ولكنه لم يكن قادرا إلا على التأتأة. أكمل "الرّيس" كلامه دون ان يلتفت الى أسيره:

ـ بالمختصر نحن بحاجة الى دم. أصابات الشباب كبيرة. الشباب لهم علينا حق. واجب على كل من يعيش في هذه المنطقة ان يؤديه. . . هم يبذلون كل دمهم لاجلنا . . . أنت وامثالك في هذا المخيم يجب ان ترفعوا راسنا وتثبتوا أنكم من! ا وفينا

عاد الى البيت مهزوما , إرتمى على سريره , خاطبته فلم يجب , أعادت السؤال وأعقبته بشتيمة لهذه العيشة فبقي صامتا. لجأت الى حيلتها إياها، اعدت فنجان قهوة، بقي على ذهوله لم تثره رائحة القهوة التي يصغر أمامها عادة. بقي محملقا في السقف. كان ما أصاب زكريا قد أصابه. صمت كالموات قام بينهما الى حين ثم قال كالمخاطب نفسه. . . يريدون دمنا

ـ ماذا؟ ! . .

يريدون دمنا

ـ من ؟ وكيف؟ ولماذا؟

أخذوا منا دم , "تبرع" يعني. وشدد على الراء

جحظت عيناها وخرس لسانها عن الكلام. . . تابع عوض بعد حين

ـ لو ان كلامه كان أقل تبجحا ! ! لو انهم سألوني رأيي ولو من باب رفع العتب فقط! ! . . . لو انهم ضحكوا عليّ وقالوا ان الامر من باب الانسانية , لو . . . لو . . . لو . . . حتى اليهود ما أذلونا بهذه القسوة . اليوم أخذوا نصف ليتر دم , ماذا لو احتاجوا غدا لنصفين؟ لثلاثة؟ لدمنا كله؟. . ماذا لو احتاجوا الى عين!؟ كلية؟ طحال ؟ ! . . . ماذا افعل ؟!. أأستطيع ان أقول لا ! ! . . .

مع انبلاج الفجر كان ابو ربيع قد اعد حقيبة سفره وتسلل قاصدا بيت أخيه ليرجع بعدها من حيث اتى إلى المقلاة (على حد قول شيخ روايتنا "ابو فايز")

وفكرت مريم, أتجاريه ؟ تترك كل شيء وتهرب الى الغربية ؟ الهرب الى اين , الى حيث تأوي امها؟ ثلاث صبايا وام مكوّمات في شقة مفروشة من غرفة نوم واحدة على الطابق العاشر في إحدى بنايات المهجرين؟ بناية مورس عليها كل انواع الانتهاك فلا مصعد ولا كهرباء ولا مياه وحتى درجات سلمها مثلمة غير آمنة ؟ ! . إلى بيت شقيق زوجها وهي التي تكاد لا تعرفهم ؟ ! . او إلى بيت أختها الذي يتحمل ابنها عامرمسؤولية إعالة الاسرة؟ ! . . لا أحد يحمل احدا هذه الايام. كل همه على قده . . . ستبقى وتتحمل. لن تكون مثل هؤلاء الثلاثة الذين حاولوا الهرب الى الكويت. قصة سمعتها يوما من! راديو دمشق وسمعت تعليق المذيعة عليها: قصة ثلاثة فلسطينيين هربوا في خزان ماء الى الكويت فكان نصيبهم ان ماتوا في قلب الخزان ثم طرحوا فوق مزبلة . . .لن تسمح لربيع في المستقبل ان يتهمها كما كان يفعل المرحوم عطا مع والدها, كانت تشفق على كهولته, ارتجافة شفتيه، تقوقعه حول نفسه كلما قسا عليه عطا بالاتهام

ـ هربتم. لو أنكم بقيتم كنا اكلناهم بلا ملح

ـ نحن لم نهرب يا ولدي. . . هم طلبوا منا إخلاء البلد لمدة اسبوعين ثلاثة

ـ تضحكون على انفسكم وعلينا بهذا الكلام

ـ العين لا تقاوم مخرز يا ولدي

ـ كان يمكن لليد ان تمتد للمخرز بمخرز. . . أنتم أكلتم الحصرم ونحن نضرس إلى ما شاء الله

ـ قد يكون جهلا ولكنه والله العظيم ليس تخاذلا يا بني . عمك إبراهيم باع أحسن بقرة عنده واشترى بارودة وجدتك تبرعت بكل صيغتها للثوار. أبونا "ابو فريد" كاد المطران ان يرمي عليه الحرم لانه كان يخبئ الثوار في الكنيسة . يا ابني الانكليز كانوا الى جانبهم , العرب كانوا مع الانكليز, العالم كله تآمر علينا, كنا ضعفاء مستوحدين غير منظمين

ـ كلام فارغ! ! . . . لماذا لم تتنظموا؟ منذ ال 36 وانتم تعرفون أن اليهود طامعين بالبلاد. ماذا فعلتم ؟ نظمتم إضرابا دام ستة اشهر وبعده نمتم على حرير. . . اتكلتم على جيش الانقاذ. جيش الانقاذ فعل كذا. جيش الانقاذ وصل الى نقطة كذا. جيش الانقاد جيش الدول السبعة. جيش الانقاذ جيش العروبة. نمتم على عسل الانقاذ حتى فات الخازوق

ـ لا. لا. .يا مريم هناك كان الوضع مختلفا. هناك كانت البلاد بلادهم والارض أرضهم والحق حقهم والعدو معتد آت من الخارج, في حين ان نحن هنا لاجئين. لا الارض ارضنا ولا الدولة دولتنا. . . لآ! لا! . . . لا تصح المقارنة ابدا يا مريم. (ولكنها لا تلبث أن تستدرك )

ـ ماذا يعني ان الارض ليست أرضنا؟ حتى العبيد لهم حقوق افضل منا. منذ ثلاثين سنة ونحن نعمّر هذا البلد. ندور مثل ثور السقي. . . ماكينات المعامل أكلت اصابعنا. هذا البيت كان خربة, تعبي وتعب زوجي عملوا منه مسكنا لائقا. أمي إنقصم ظهرها وهي محنية فوق شتول البندورة والخيار تقطفها وتوضبها لتباع في المدينة بأغلى الاسعار. ابن عمتي مات تحت ردم البناية التي كانوا يبنونها في جونيه, وتريز فقدت عينها في معمل الحرير المجاور. جرجورة اندفن بالمقلع وهو يقص الحجارة ليبنوا منها المباني الكبيرة في بحمدون وصوفر وعاليه ليأوي اليها السياح والمتمولين. نحن نبقى هنا بالبرد والجوع، بالحرب والسلم، نبني البلد بدمنا وعرقنا وإن عز العمل يسافر رجالنا يهجروننا ونعيش الزواج بالمراسلة لنؤمن لقمة عيشنا وعيش اولادنا . . . نحن غرباء! ! . . . لا والله ! . . . الغرباء هم الذين يتركون البلد من اول طلقة. الذين هربوا الى باريس ونيويورك ولندن وغيرها. الذين اغتنوا على حسابنا وحساب أمثالنا من الفقراء ثم راحوا يصرفون أموالهم على التفاهات في بلاد الاجانب. . . تفلسفي تفلسفي يا مريم, كلامك مثل الضراط على البلاط

ظلت مريم وأمثالها تقاوم كل الضغوط. تلذعها الاهانة وتكتوي بنيران الشماتة صابرة صامتة. يكفيها هذا "الديك" الذي ظن نفسه ديكا على دجاجات غابت ديوكها. يقشعر بدنها كلما سمعت صوته ينعق في الجوار, ويكتسحها عرق بارد وتكاد تصاب بالدوار كلما احست ان وقفته سوف تكون عندها. يعلم الله كيف استطاعت ان ترد أذاه عنها كل هذه المرات. ربما لانه كانت هناك دجاجة اسهل يمارس عليها رجولته, او ربما لانه لم يكن له رجولة فاعلة واقصى ما يستطيعه هذه النظرات الشرهة والنكات البذئية . . .

ـ رضينا بالهم والهم ما رضي فينا. تعقب مريم إذا ما سالتها لماذا الان وبعد كل هذه المدة من سقوط المخيم؟

ـ يا حبيب امك نحن سلع عندهم. الان عنّ لهم استبدال السلع.

. . . . . .

ـ عليك يا أم عوض ان تخلي الغرفة وتسكني مع كنتك، أبلغي مريم أيضا ان الريس قرر ان كل بيوت المخيم هي ملك الحزب. نحن نقرر من يسكن ومن لا يسكن فيها، ثم ان بيتها كبير, تسكنين انت وهي في غرفة ونريد ان نضع عائلة مهجرة في الغرفتين الباقييتين. أبلغيها أيضا اننا عندنا شروط حتى نقبلكم هنا. لا علاقة لكم بأيّ كان في الغربية لا من بعيد ولا من ق! ريب , تحبون أهل الغربية إذهبوا اليهم , رجل بالغرب ورجل بالشرق غير مسموح

ـ لم تجب أم عوض بأي كلمة ولا بان عليها أن القرار فاجأها.

ابتعد بضع خطوات ليقف عند باب آخر. لملمت أم عوض أعوامها السبعين وأصلحت منديلها وتوجهت الى حيث تسكن كنتها وحفيدها. طرقت الباب فسمعت صوت ربيع يساوم أمه: أنا . أنا. أفتح. . قرفصت وفتحت يديها على وسعهما: باط. . . باط . . . باط. . . ركض الصبي فحضنته وراحت تدغدغه وهو يقرقر ضاحكا بصخب. أخبرت ام عوض كنتها ما كان من أمر الديك فلم تعلق بكلمة. نسيت مريم ان تسأل حماتها ان تبقى للغذاء ولا حتى لشرب فنجان قهوة . تعلق الصبي بذيل ثوبها فنهرته أمّه على غير عادتها . تطلع مستغربا لهجتها الحادة التي ما تعود مثلها وراح يبكي بكاء صاخبا ويلبط الارض بقدميه الصغيرتين. ركضت نحوه تطيب خاطره وتعتذر عما بدر منها. لم يرض إلا بعد ان وعدته بسيارة سبق جديدة وصندوق كبير من علكة شكلتس

لم تنم مريم تلك الليلة . كثيرا ما خطر ببالها ان تترك هذا المخيم النحس ولكنها كانت تقول إنه على نحسه يبقى المكان الوحيد الذي عرفته مكانا لها في هذا العالم. في أزقته قفزت الحبلة وهي طفلة وعلى طريق الدير كانت تتغاوى عندما تستطيع شراء فستان جديد وخلف فرن ابو شبلي عرفت لاول مرة الخوف الممزوج باللذة عندما قرص حليم الازعر حلمتها. فوق هذه العتبة لصقت العجينة ولصقت معها صك براءتها من عنوستها وفي هذه الغرفة صرخ ربيع صرخته الاولى. هي ضنينة بما بذلته من جهد وعرق في تحسين البيت على مدى سنوات وسنوات. هذه الغاردينيا زرعتها يوم بدأ ربيع خطوته الاولى وبسببها مدت يدها لاول مرة اليه وضربته لانه قصف أغصانها. ضربته عن لا وعي، وبعد ثوان راحت تبكي وتدعو على نفسها بالموت وعلى يدها بالكسر. والعريشة ما شاء الله كم حملت هذه السنة . كانت أمّها تقول ان السنة التي تركوا فيها فلسطين كان الزيتون "نازل من عيونو", سنتها كانت سنة خير ما شاهدوا مثلها من قبل. حتى الطيور أتخمت على البيادر . . . ثم لا تلبث ان تستدرك : وعلى ماذا اتحسر؟! ابي كان يملك ارضا اكبر من ارض المخيم كله وتركها وهرب . ! خاف من اليهود , فضل سلامة اولاده وظل طول عمره يكرر: ظفر ولد يسوى كل الزيتون والقمح والعنب . . . المال يروح ويجيء اما ابن آدم فإذا راح لا يرجع . . . حسرتي عليك يابا ضيعت اثنين من اولادك بالبلاش لا دفاعا عن زيت ولا عن زيتون

. . . . . . . . . .

ساعات قليلة وكانت مريم تكدس ما استطاعت حمله في سيارة أجرة يملكها احد جيرانها الجدد وانطلقت الى الغربية. لم تكن وحدها, كان قد سبقها, وتبعها من بعد, بعض العائلات التي يشابه وضعها وضعهم . تجمعت العائلات في حديقة الصنائع. أقاموا لايام في خيم صنعوها من البطانيات والشراشف ثم ما لبثت اتصالاتهم ببعض النافذين في المقاومة من ابناء مخيمهم ان اثمرت وبعد اخذ ورد تمت مصادرة إحدى البنايات التي لم اكتمل بناؤها بعد. فتحت عنوة وأوى إليها هؤلاء المهجرون الجدد. وقد عرفت فيما بعد ببناية عكر للمهجرين

كان مهجرو بناية عكر آخر قافلة من قوافل مهجري ذاك المخيم الذي سقط بايدي المليشيات منذ بدايات الحرب اللبنانية. قليلا ما يذكره السياسيون او الكتبة الصحفيون عندما يعددون مآسي الشعب الفلسطيني إبان الحرب اللبنانية, فهو مخيم صغير كان سقوطه سريعا وضحاياه من حيث العدد قليلة، أو لانه ليس له بكّايات على حد تعبير ام عوض.

كان نصيب مريم غرفة في الطابق الثاني من البناية أوت إليها مع وحيدها. وفي غرفة اخرى سكنت ام مع بناتها الثلاث, الوسطى في مثل سن ربيع. وفي ثالثة كهلان كبر ابناؤهما وتفرقوا في ديار الله الواسعة وفي رابعة أوت أم عوض. اتفق الجميع على أن تكون القاعة الفسيحة (التي يسرح فيها الخيّال) على حد تعبير أم عوض, شراكة بينهم وكذلك المطبخ الكبير. شكرت مريم ربها لان ابو ربيع كان غائبا. وجوده كان سيعقد الامور . لم تتصل بأد من أاربها وعندما جاء سلفها(أخو زوجها) يطمئن عليهم بعد ان أسى اطمئنانه مجاملة رخيصة نفثت احتقارها له في وجه حماتها

ـ لا تؤاخذيني خالتي ام عوض. إبنك هذا ما فيه دم. لولا العيب والحيا كنت دحرجته عن الدرج. حيف على الرجال! كأننا لا لحمه ولا دمه. حتى الاغراب اتوا ليطمئنوا علينا

ـ معذور يا بنيتي. امرو مش بإيدو

ـ كان أشرف له لو ظل عامل نفسو مش عارف, ولا هذه الزيارة الباهتة مثل وجهه

. . . . . . . . . .

ظلت ام عبدو لايام تطوف على ساكني البناية

ـ يا إهل الخير! يجب ان ننظم أمورنا حتى لا يصيبنا ما أصاب غيرنا. واجب أن نحافظ على هذه البناية حتى لا تصير مثل غيرها من بنايات المهجرين. ما نريد تصير بنايتنا مثل بناية الجمال والبوتاجي.

ـ في بالك تؤلفي حكومة خالتي ام عبدو؟ 0( قال جمال هازئا)

ـ أسكت انت يا طويل اللسان. لا يطلع منك إلا تعليقات بايخه. تركنا الحكومة لأمثالك. تفضل حضرتك أرينا شطارتك

ـ لا خالتي ام عبدو. أنت أخبر بهكذا حكومة

أقامت ام عبدو حكومة النسوان: فرضت على كل عائلة بضع ليرات لتأمين نظافة المدخل والدرج. حذرت المهملات من ترك ابنائهن يعبثون ويخربون في المدخل ولم تتوان عن التشهير بمن تمسكها بالجرم المشهود وهددت بأخذ غرامات من مثل هؤلاء إذا تكرر الامر.

الفاضي يعمل قاضي قال البعض متفكها, نفسها تاخذ محل ابو عمار قال آخر. الوجاهة صنعة قال غيره. إلا ان الجميع عندما يجد الجد يحترمون نخوة هذه المرأة الستينية, فبفضلها حافظ المكان على قدر من النظافة إذ قل ان ترى خربشات على الحيطان او اكياس نفايات عند مداخل الشقق. واكثر من ذلك فقد كان يتم لك ان تتمتع بمصعد ينقلك بين طبقاتها من وقت لاخر.

ألف المهجرون مسكنهم الجديد ففرح الصغار بالحياة المدينية التي أتاحت لهم متعة التسكع في الشوارع ومشاهدة المتاجر الانيقة والمقاهي الرصيفية والناس من مختلف الاجناس. وشكت العجائز عيشة العلب هذه وترحموا على ايام المخيم

ـ سقى الله ايام زمان! . . . كان الواحد لو وقف امام باب بيته كل النهار فلا يضجر, كل عابر سبيل يتوقف، يلقي السلام، يسأل عن الاحوال، يخبر قصة، ينقل إشاعة، كنا كعائلة واحدة,،نسلّي بعضنا بعضا, تمرالايام دون ان نحس بثقلها

ـ ألله يجازي الذي كان السبب

ـ خالتي أم عوض! لا نفع من التذمر. المخيم ليس فلسطين (تعلق مريم)

ثم كان الرابع من حزيران

طائرات تملأ سماء بيروت . . . رؤوس تطل قلقلة من فوق الشرفات . . . مدارس صرفت طلابها قبل انتهاء الدوام. أمهات هرعن يلملمن اولادهن من هذه المدرسة وتلك. بلبلة وزحمة سير خانقة وسائقون لجوجون لا يحيدون ايديهم عن الزمور. . . ربات بيوت تتنادى متسائلة حائرة ترى من ا! لمقصود هذه المرة؟!

ـ ضربوا المدينة الرياضية

ـ ضربوا الفاكهاني

ـ ضربوا في صبرا وشاتيلا

عادوا في اليوم الثاني والثالث والرابع . غاراتهم تزداد شراسة. . . إذاعات. . . إذاعات. . . كل تغني على ليلاها. كل تذيع ما تتمنى حصوله. واحدة شامتة ببيروت وناسها واخرى تتهدد وتتوعد وتبشر ما بشر به احمد سعيد في حزيران السابق . اخبار متضاربة وإشاعات محبطة للعزائم. توجسات وتطمينات لا تطمئن. سواتر رملية ترتفع عند كل مفترق وامام كل منشأ او بناء يعتقد انه ذو أهمية. سيارات عسكرية تجوب الشوارع والازقة ليل نهار، زعيق سيارات الاسعاف لا يهدأ إلا ليعاود الزعيق. مكبرات صوت تدعو للتبرع بالدم وأخرى ! يطلق من فيها صرخة غاضبة شاتمة لإفساح الطريق وثالثة يطلق من فيها النار في الهواء لسبب مماثل

قطعوا العاصمة عن الجنوب. قصفوا جسر القاضي . . . الجسر الاسود. . . جسر الدامور. . . يتكلمون عن مواجهات بطولية في صيدا وعين الحلوة وعند جسر خلدة والناعمة وعن استسلامات وخيانات في هذا الموقع وذاك. ويدرك البيروتيون أن الامر أكبر من مجرد انتقام لسفير مات ف! ي لندن .

كان "ابو ربيع" قد عاد من غربته مصمما عدم الرجوع اليها ثانية.

ـ كافيها الله , مستورة والحمد لله . . . العمر ينتهي والعمل لا ينتهي . . . أريد ان ألحق العشاش قبل ما يطّيرو . . . يريد ان يستقر ويتمتع بربيع يكبر امام عينيه ويناديه "ابو عوض ".

كانت عودته في الثالث من حزيران، عشية بدء الهجوم الناعب على بيروت. شكر ربه لأنّه وصل قبل إقفال المطار ليكون الى جانب أسرته في هذه الايام العصيبة.

سره المكان الجديد الذي استقرت به العائلة. فالبناية ضخمة قوية العمدان . . . عشرين قذيفة لا تؤثر فيها . . . ويضرب بيده بقوة تاكيدا لكلامه . . . اي طيران لا يزحزح هذا العمود . . . المكان احسن من اي ملجأ من ملاجئ البنايات المجاورة . ومن ناحية ثانية اليهود"بناديق" يهمهم الراي العام. لا يمكن ان يضربوا هذي البناية ! ! . . . أنظر المستشفى من شرق . . . وبيت العميد من غرب . . . وكذا من جنوب !! . . . لا , لا . . . لا يمكن ان تستهدف اسرائيل هذه البناية . . . بيروت مليئة بالبنايات ,لماذا هذه؟ ! . . .

.

ربيع يدرج لاهيا عن كل خطر، فقد سرت في عروقه طمأنينة نقلتها له امه بتماسكها ورباطة جأشها، فلم تكن لتروعه ما يسمعه من اصوات القذائف والطائرات ما دام حضنها حاضرا لهدهدته ودرء الاذى عنه . هي من جهتها حاولت اقصى جهدها ان تلبي كل طلباته، حتى بعد ان أقفرت المدينة من كل متاجرها , كانت تنتهز فرصة بعض هدؤ فتقصد المحل الوحيد الذي بقي يعمل ويؤمن لبيروت وناسها ضروريات البقاء, ولشد ما كان ينغص عيشها يوم يكون القصف شديدا ومتواصلا لا تتمكن معه من الوصول الى المتجر, فتتنهد وتقول : يقبرني نام زعلان . . . ما في ببسي ولا بوظه اليوم . .

ـ مجنونه هذي المرى ! ! . . . وكأن الدنيا بالف خير ! ! . . . كل الهم اللي نحنا فيه وهي همها البوظة والببسي لربيع . . . ويلوي فمه مقلدا صوتها "يقبرني نام زعلان " . . . ماذا لو نام زعلان! ! . . . سقطت نجمه من السما؟!. . . عيب يا مرى! . . الدنيا قايمه قاعده وانت مش شايفة إلا طيز ربيع

ـ إبق ساند العمود حبيبي . . . إذ بعدت عنّه يسقط السقف على رؤوسنا ! ! . . .

ولا تثيره سخريتها , بل يبتسم في سره ويعجب لهدؤ أعصابها . . . ويتساءل في سره : من اين لها هذه القدرة على تجاوز الحاضر ؟ ! ! . . . كيف تستطيع ان تعيش يومها عاديا؟ . . . ! ترحب بساكني الطبقات العليا الذين جاؤا يحتمون عندهم . . . تعد لهم القهوة إذا تيسر . . . تحّول انتباه ربيع عما يجري في الخارج . . . تقص عليه قصص الشاطر حسن وعلي بابا والاربعين حرامي . . . تشتت انتباهه عندما يصر على الخروج الى الشرفة . . . تعوضه عما حرمه من ألعاب بصنع مركب او صاروخ ورقي . . . ولا تنسى أن تتفقد مؤنة السهرة من شمع وبطاريات وحبوب اسبرين .

ـ كلك لا تزيدين عن شوال طحين , من اين لك هذه القدره ؟ !

ويهزها اطراؤه المغلف بسخرية محببة , فهو الغزل الوحيد الذي يجيده

ـ من وجودك يا سندي . . .

ضيوف بيروت يزدادون يوما بعد يوم. جاؤوا من الضاحية والمخيمات. عائلات وافراد ميليشيات من مختلف التنظيمات. الناس في كل مكان، يملؤون المكاتب والبنوك والمساجد والكنائس والمدارس ومداخل البنايات . . . أمست المدينة كخلية نحل اعتدى عليها صبي اهوج فضعضع سكونها . . . ! وما شكت بيروت . . . وما ضاقت بأهلها وضيوفها بل فتحت لهم صدرها وحاولت ان تضمهم الى جوفها علها تستطيع رد الاذى والشر عنهم. حتى كهوفها تخلت عن لياليها الحمراء لتحتضن من قصدها لاجئا. . . تضاعف عدد اللاجئين الى بناية عكر, كل عائلة استضافت عائلة اخرى او اكثر من الاقارب والاصحاب الذين كانوا يعيشون في المناطق المتطرفة. جاؤوا من الدامور والناعمة والشويفات وحي الس! لم وبرج البراجنة وحارة حريك والغبيري وغيرها

الايام تمر والاعصاب تتوتر والحاجات اليومية تمسي اصعب منالا

بيروت تزداد أسى يوما بعد يوم. حصار ذوي القربى اشد ايلاما من شارون ودباباته.

ـ يقال أنهم يدوسون ربطات الخبز المهربة على المتحف بأرجهلهم.

ـ البارحة صادروا البنزين الذي يحمله سائق الى الغربية وهددوه بحرقه بالبنزين الذي يحمله لو فعلها ثانية

ـ الحرب على ناس وناس (هدرت ام يعقوب وهي ترى احد المسلحين يحمل الخبز الى أقربائه)

ـ لو كان عنده دم كان استحى ووزع الخبز على كل الجيران. ناس حقيرة ما عندها نخوة. تفوه عليه وعلى السلاح اللي حامله

ـ أنا أمس دفعت خمس وعشرين ليرة ثمن ربطة الخبز (علّق ابو طلال)

ـ والله العظيم أنا درت الحمرا كلها وما حصلت على قنينة مي (يقول ابو سامر)

ويرتفع صوت طلال منغما العبارة المعلقة فوق عمود الكهرباء "صامدون هنا . صامدون هنا. فوق هذا الدمار الرهيب فيجيبه سامر ايوب يا ايوب

"صامدون . . . صامدون", والتوقيع أيوب. كلمات يقرأها البيروتيون وضيوفهم, ينفعلون لها مرة سلبا ومرة إيجابا ولكنهم لم يكونوا في النهاية إلا ايوب.

إلا ان أيوب مريم بدا لجوجا فقد امتلأ قلبها بالقلق وهي تستمع الى اخبار تقدمهم السريع فشتمت المقاومة وكل رجالاتها.

سقطت صيدا . . . سقطت صيدا. . . أسروا اعتقلوا. . . حرقوا اختطفوا. . . خانوا استبسلوا. . . جمعوا الناس على شاطئ البحر . . . مقنعون جاب! وا على الجموع. . .

صارت مريم كالمجنونة وضعت يديها فوق رأسها وراحت تدور دورات دائرية كثور هائج. . . الكلاب , الخنافس يختبئون خلف كيس الخيش. الجبناء هم هم في كل حرب مثل الوطاويط لا يظهرون إلا في الظلام. . .

المسرحية هي ذاتها. كأن للحرب طقوسا ثابتة لا يجوز إلغاء اي حلقة من حلقاتها. لا يهم ان كانت حربا صغيرة او كبيرة، بين عدوين حقيقيين او بين أخوين يتنازعان على تركة باهتة. التقليد هو ذاته. إبن آدم هو إبن آدم في كل زمان ومكان: منتصر متنمر ومنهزم تمارس عليه غطرسة ترضي غرور المنتصر. وكلاب يتنكرون لأهلهم وناسهم ويتعاونون مع المنتصر ولانهم يخجلون من فعلتهم يختبئون خلف كيس من الخيش.

كيس الخيش هذا عرفته مريم وجها لوجه قبل عدة سنوات ليلة سقوط مخيمها بأيدي المليشيات اليمينية.

كانت ليلة كانونية قاسية جنت فيها الطبيعة، سكبت السماء كل مائها وهدرت الرعود ولمعت البروق فاختلط الامر على سكان ذاك المخيم الصغير الرابض فوق رابية صغيرة شمال بيروت. إطلاق رصاص غزير، اصوات مدافع وهدير دبابات. . . تباطأت مريم في الذهاب الى الملجأ أوّل الامر لظنها انها مجرد مشادة عابرة كمثل ما كان يحصل من حين لاخر, لا تريد ان تروع ربيع , فمطبخها آمن نسبيا, ستأوي اليه الى حين تنتهي "الهمروجة". إلا ان الامر لم يكن همروجة عابرة هذه المرة. كان القصف يشتد زخمه, والرماية تثقل وتتكّثف. إنتظرت بضع وقت ولما أحسّت ان الامر مختلف, هرعت مدثرة ابنها ببطانية الى أقرب ملجأ.

ملجأ أي ملجأ ! ! . . . قل وكر ارانب . . . تغلغلت مريم بين النساء فقد اوسعت لها العجائز مكانا

ـ خطيّه ! . . . وحيد وأبوه غائب

أصوات مدافع. اصوات رعود. صراخ اطفال مرعوبين

ـ يا رب فرجك ورضاك .

أجراس كنائس تسمع من بعيد.

ما معنى هذه الاجراس في هذا الليل ؟! . . . وتعلم فيما بعد انها رسائل وشيفرات خاصة بين الجماعات المهاجمة

بعد ليلة طويلة من الخوف والترقب ومع انبلاج الخيوط الاولى لصباح الثالث عشر من كانون الثاني كانت مكبرات الصوت تولول في الاذان تدعو أبناء المخيم للتجمع في ملعب كرة القدم القائم على اطراف المخيم . على الجميع الامتثال للاوامر. كل من تلكأ سيطلق عليه النار دون إنذار. سرت همهمات وتكهنات وتساؤلات.

إحتلوا المخيم

. . . .

دثرت الامهات أطفالها بما كن يحملنه من بطانيات وطأطأن الرؤوس مذهولات واتجهن مجموعات الى المكان المسمى. الرجال صامتين مذهولين والنساء مذعورات كالهررة التي داهم صغارها خطر لا قوة لها برده . . . زمر من المسلحين تنهر وتأمر وتشتم. . . . مسلح ظلف يخدش حياء صبية فيمد يده الى محارمهما بحجة التفتيش عن سلاح . . . كهل وقح يطلق شتائم داعرة موجها كلامه حيث تتجمع النساء . . . جشع تجوب أصابعه حيث يمكن ان تكون العجائز قد خبأت بين الاثداء

ـ النساء عن يمين والرجال عن يسار (صاح مكبر صوت)

كان الهواء كانونيا قاسيا ألا ان الامطار الغريزة كانت قد توقفت, فكأن السماء رأفت بهؤلاء المقهورين العزل إلا من خزيهم. حاولت مريم ان ترد لذعة البرد ما أمكنها عن ربيع، تضمه إلى صدرها، تطمئنه على ان كل شيء سيكون على ما يرام

شلة من المسلحين تجوب الصفوف تحدق بالوجوه . قسم منهم كان مقنعا باقنعة سوداء مثقوبة عند العينين. كان الواحد من هؤلاء يمر بين الصفوف , ينتقي احدهم و يلكزه بطرف حذائه ويقول بلهجة غاضبة آمرة: (الى المقدمة) . عدد! كبير من الرجال اقتيد من الطابور . ثم جال عليهم مقنع آخر انتقى بعضا منهم , رفعت مريم بصرها، كان ابو صليبا بسنواته السبعين بين من اصطفاهم المقنعون . ضربه هذا بمؤخر رشاشه. أولادك! أين اولادك؟!. . لم ينبث ابو صليبا بكلمة. كانت عيناه قد جحظتا, وركبتاه قد وهنت تحت جسمه النحيل وسمعت له حشرجة, ثم سقط أرضا. التقطه اثنان من المسلحين وقذفوا به خارج الطابور

مجموعة من الشبان لم ينبت الزغب فوق شفاهها بعد, نحيت جانبا سيقت تحت سياط الاهانات والشتائم الى ما لم يعلم حتى الان

ينتصف النهار والجموع لا تزال مسمرة في العراء المكشوف على البحر من غرب وعلى جبال صنين البيضاء من شرق . يبدو ان أمر المخيم انتشر في الجوار. . . أنسباء وأصدقاء وفضوليين جاؤوا إما للفرجة والشماتة او لمد يد العون لصديق او نسيب

تقدمت أم الياس بقامتها الضخمة : أنا لبنانية وهذه هويتي

ـ لبنانية !. . وماذا تفعلين هنا يا بنت الكلب ؟ انتشل البطاقة من يدها ومزقها فراحت تولول وتلطم خديها فما كان منه إلا ان رفسها بكعب حذائه ونهرها قائلا : أكومك بدمك إن سمعت صوتك

شرقت بدمعها وراحت تنشج نشيجا مكتوما لم تستطع سواه لاشهر عديدة بعدها.

لكزت روزيت مريم المقرفصة الى جانبها. أشم رائحة حريق . لم يكن خوفا ما عقد لسانها كان غيظا ومرارة واشمئزازا جعلها تغرز أصابعها في لحم وجنتيها حتى كادت تدميهما

حوالي عصر ذلك النهار أحس المجتمعون إزديادا في رواح وغدو المسلحين , وسرت همهمات

ـ المطران , المطران. . . لقد حضرالمطران فلان ليتوسط لابناء رعيته. يبدو ان الوساطة نجحت بعض الشيء, فقد توقفت الجرافات عن الصرير.

مريم تداري قلقها وغيظها بهدهدة ربيع حينا وبالشد على يدي حماتها مشحعه حينا آخر او باختلاس نظرة الى مقدمة الطابور الذي بدأ يتناقص. تسمع نداء على اسم ما فتعرف ان صاحب الاسم قد رزق بقريب او نسيب لديه حظوة جاء يتوسط له ويخرجه من الطابور. تتشاغل بربيع. تهدئ روعه كلما ابدى تأففا , والطفل من جانبه بدا هادئا قليل التذمر,على غير عادته, تراه هو الاخر احس خطورة الموقف! أمر لا تزال مريم ترويه متعجبة كلما برزت الذكرى في البال

بدا الارهاق فوق وجه مريم، فربيع لم يفارق صدرها دقيقة واحدة

ـ أعطيني اياه اريحك قليلا (قالت حماتها)

خليه نايم. . .

ـ اذهب واتدخل عليهم

ـ هص. . .

ـ رجليّ يابسين مثل عود الحطب

ـ عارفة

ـ أجرب يا بنتي. شو راح يصير

ـ مثل ما صار لأم الياس. . .

ـ بس هيك حرام

ـ مصيرهم يصرفونا

نودي على اسمها. إستغربت الامر وتسارعت دقات قلبها. عنّ لها أن تتجاهل النداء ولكن حماتها حسمت الموقف وقالت:

نعم. نعم حاضر حاضر. (وهمست لكنتها: قومي يا بنتي نشوف شو القصة)

بخطوات متعثرة تقدمت والصغير مكوم فوق صدرها، صوت لهاثه المسموع أقلقها، قد تكون صحته توعكت . تبعتها أم عوض. شاب بلباس مدني يتقدم نحوها يحاول ان يأخذ الصبي من بين يديها

يستفيق الصغير مذعورا، يزداد تشبثه بصدر أمه. ويردد هلعا ماما، ماما

ـ الحمد لله على السلامة تانت مريم. . .

رفعت رأسها لترى أمامها شابا في حوالي العشرين من عمره. نحيل ذو ملامح دقيقة وعينان وادعتين حزينتين. تأملته للحظات ثم قالت باستهجان

ـ من ؟ شربل!

كيفك تانت مريم ؟ عرفتيني؟

ولو ! . معقول ما أعرفك يا قصب الضريت؟

ابتسم للقب الذي اطلقته عليه عند قدومه الى المعمل لشدة نحوله. ثم قال:

ـ لي اكثر من ساعة اسال عنك. ماذا اقول لهم ؟ مريم! ! . . . في عشرين مريم في المخيم. آسف. أنا لا اعرف اسم عائلتك. أقول مريم التي كانت تعمل في معمل الحرير. متجسمة حنطية كبيرة شوية بالعمر، تزوجت من سنتين فقط. سمعتني مرى وقالت هذه مريم زوجة عوض

ـ ضحكتني يا شربل

ـ معك حدا يا تانت

ـ معي حماتي وجارتي

ـ تعالوا معي. تقدم من المسلح المسؤول عن الطابور، همس بأذنه كلاما، رمق الصحب بنظرة مكابرة ثم هزّ رأسه علامة الموافقة. إلتفت شربل الى مرافقاته وأشار لهم ان إتبعوني

ـ والله فيك الخير يا شربل كيف تذكرتني

ـ ولو يا مريم! العشرة لا تهون إلا على اولاد الحرام. فطاير السبانخ اللي كنت تضيفيني اياها بعد طعمها تحت اسناني

ـ ابن أصول والله. الله يجازيك بالخير. غيرك نسي أكثر من الفطاير

ـ صار عليكم شي

ـ بعدنا طيبين.

نذهب الى عندنا ترتاحوا شوية وبعدين. . .

صارت مريم ورفيقتيها خلف الشاب. حاول ان يواسيهنّ فاتجه بكلامه الى الصبي

ـ خفت عمو ؟! فانكمش الصبي وغرس راسه بصدر امه

ـ شدة وتزول يا مريم

ـ الله يرضى عليك يا ابني (قالت أم عوض) ان شاء الله نكافيك يوم فرحتك

انا ناطر مريم تجيب بنت . هي وعدتني تكون حماتي

ـ . . . .

عند مدخل المخيم قالت مريم:

ـ شكرا يا ابن الاصول. كثّر الله خيرك يا بني. يكفي الى هذا الحد. سنذهب الى بيوتنا نتفقدها

ـ لا . لا. مستحيل اترككم. تعالوا معي حتى تهدأ الامور.

ـ مشكور يا ابني . نذهب نتفقد بيوتنا ويسوانا ما يسوى غيرنا. نحنا ما عندنا شي نخاف عليه

ـ يعني هيك بدكن؟

ـ إيه يا ابني هيك كتير منيح

ـ متل ما بتريدي خالتي مريم. أنا تهمني راحتكم. من جهتي أنا سأوصي "الديك" عليكم. هو ابن ضيعتنا. وسأمر لاطمئن عليكم غدا

تركهم ليتجه الى حيث كان قبل ساعات مكتبا للكفاح المسلح. ركب سيارة فولسفكن قديمة طغى صوت محركها على صوت هجوج ومجوج الاتي من الطابور

. . . . . . . . . . .

بعد ليلة الغضب امسى المخيم غير المخيم. بيوت محروقة وأخرى مهدمة وثالثة خربّت ونهبت بفعل فاعل. حيطان استبدل ما كان فوقها من شعارات بشتائم ولعنات داعرة. مسلحون يخطرون ويتصايحون لغير ما سبب . . . قلة من بقايا عائلات من بينها مريم وصغيرها وحماتهاغالبت طوفان الغضب وبقيت لتكّون فيما بعد مأساة بناية عكر.

عندما يهجع الليل وتطمئن مريم على ان المسلحين ناموا او سكنوا تستمع همسا الى إذاعة "المرابطون". تعلم ان الشباب الذين هربوا يوم سقوط المخيم وهم مجموعة المليشيا التي كانت فيه قد انقسموا الى ثلاث مجموعات

ـ يا حسرتي عليهم ماذا يفهمون عن الحرب والسلاح؟! . . مساكين , أطفال. مجرد طلاب مدارس.

وماذا يعلمون عن الانسحابات . . تراهم اصطادوهم كالارانب. الله وحده يعلم كيف ماتوا. يقول المذيع أنهم عذبوهم ونكّلوا بجثثهم. ويقول احد الناجين الذي وصل الى راس بيروت أنّ مارون المعروف بابن وضفة اعطيت جثته للحام حتى يقطعه . . . لماذا؟!. . . يعلق المذيع " لان اسمه كان مارون" ومن اسمه مارون يستاهل ابشع العذابات لانه خان الاسم الذي يحمله. . . من إذاعة الى إذاعة. محطة تقفل واخرى تبدأ ومريم وراء خبر لم يأتها. لم تعرف شيئا عن عطا. كان سيصير مهندسا نهاية تلك السنة

لم تر مريم الستة عشر طفلا الذين تتراوح اعمارهم بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة الذين جيء بهم في اليوم التالي من بناء مدرسي يقع عند اطراف المخيم . . . تقول حماتها انها رأتهم ممددين فوق بلاط الكنيسة العاري، أجساما غير مستوية. ايديهم مربوطة الى الخلف بعضهم باعين مفتوحة وآخرون شوهت صورهم . . . أكثرهم لم تكن له أمّ أو أخت تبكيه، والاخر الذي صودف وجود امه او اخته انكرته كما ان! كر سمعان معلمه. . . الجثث ممددة. جال حولها بخطوات غاضبة شامتة شاب في مثل سنهم: انه إسبر. إسبر الذي كان بالامس فقط يجلس الى جانب اي منهم على مقعد دراسي واحد, ولطالما تقاسم وهاني وميشال وغسان "كدوشة" اللبنة او منقوشة الزعتر. جاء اليوم ليشتمهم ويدوس فوق رؤوسهم ويصدر الاوامر لكاهن الرعية : لا تصل عليهم اطمروهم كالكلاب . . .

ـ والله انا طار عقلي يومها(قالت أم عوض) ما عرفت حالي شو قلت. هانت روحي عليّ. قلت على مدى صوتي

يرضيك ما حصل يا أبونا؟! . . هذا ما أوصى به السيد المسيح؟ . . . قل كلمة يا أبونا. . . الست خادم رعيتنا؟. هكذا يخدم الخادم رعيته؟! . . ظل ساكت ما رفع عينو صوبي. . . مالك ساكت قلت. . . يهود هذول؟!. هم اللي صلبوا المسيح ؟!. . .

ـ أنتم جلبتوه على أنفسكم.

ـ تجاوزات صغيرة لشوية صبيان تستاهل كل الذي صار

ـ تجاوزات صغيرة! ! . . . تسمي ما فعله إدوار يوم السبت الاسود تجاوزات صغيرة؟ ما ذنب ابناء الجوار إذا كان حاجز على النهر خطف أخاه. وبسلامته أنيس لماذا لم يحسب حساب للجيرة عندما تعدى على الشبان اللي كانوا يبيعون جريدة الحزب عند الاستقامات؟ وأبو شيبة عايبة "أبو يعقوب"، من الصبيان كمان؟. ما ترك اي رذيلة إلا ونسبها لي.والكل طيبوا له,. ما حدا قال له اسكت عيب هذا الكلام

ـ من يأكل ثوم تفح راحته ثوم يا ابونا

ـ والله انتم في هذا المخيم تحولون البخور الى ثوم . . .

. . . . . . . . . .

لن إذاعة صوت الثورة التي تصلها مشوشة استنتجت مريم ما حصل لآل بشاره. وتتذكر: يوم جاء ابو بشارة منذ بضعة سنوات الى المخيم واشترى قطعة ارض خرّاجه. فرح اهل بلدته كثيرا يومها. الامر بالنسبة لهم كان أكثر من مجرد مغترب يشتري ارضا، كانت مسألة إخلاص وولاء من مهاجر منهم اغتنى ولم يذهب حيث الاغنياء يذهبون بل اختار العيش حيث أهله وناسه ولو قرب مخيم . يومها هلل اهالي المخيم والتفوا حوله وتبرع اكثر من واحد للمساعدة وأولمت اكثر من عائلة على شرف العائد من افريقيا ليعيش بين اهله وحمولته. البناء المؤلف من ثلاث طبقات والقائم خرّاج المخيم من شرق كان اول ما هاجمه المسلحون

كانوا أربعة مسلحين احتجزوا جميع اهل البيت في غرفة واحدة . . . الام والاب والصبية الثلاثة واختهم التي لم تتجاوز الاربعة عشر ربيعا : نريد واحدا منكم ليدلنا على غرف البيت للتفتيش. جال في الوجوه ثم اشار الى ميرفت. أنت ! ! تعالي

عقد الخوف لسان ابي بشاره : تأتأ وهو يقسم لهم ان لا حد في البناية. أنا واولادي فقط

ـ فلسطيني خسيس . . .

ـ ولكني لبناني , تفضل شوف. . .

ـ إدحشها بتيزك هذه البطاقة. . . اين سلاحكم؟. سلموا سلاحكم

ـ س. . سيدي نحن جماعة مسالمين . . . ما في عندنا سلاح و. . وح . . . وحياتك سيدي . . . نحن أتينا الى هذه البلاد من سنتين فقط

ـ أتيتم تشاركون في قتل المسيحيين وإقامة فلسطين بدل فلسطين التي بعتوها لليهود

فتح فاه فاخرسه .

ـ انت! ! . . . تعالي ستدليننا على منافذ البيت

. . . . . .

صراخ مكتوم يطرق مسامع المحتجزين . . . تململ الاب, إنها ميرفت، همّ يستطلع الامر فكانت بندقية المقاتل الاخر اسبق منه، اردته جريحا بين زوجته وابنائه. . . بعد وقت أحسه المحتجزون دهرا، نودي على المسلح الذي بقي للحراسة، خلا بعدها البيت من ايّ حركة. عالج بشاره! باب الغرفة الذي أقفل عليهم من الخارج فتمكن من فتحه بعد لأي. حرروا انفسهم من القيود التي وضعت على أيديهم وأرجلهم وأسرعت الام تنادي: ميرفت . . ميرفت. . أين انت يا حبيبتي ؟ ! . .

جابت انحاء الغرف. لآ أثر لميرفت. طالعتها رائحة حريق يختلط بالشواء من النافذة الغربية , أرتمت ارضا . . يا حسرتي عليك يا ميرفت. . . يا ولدي يا حشيشة قلبي ماذا جرى لك؟!

وتهمس حنة بالقصة وتقول: "ابو بشاره أعلن إسلامه بعد الذي حصل". قالتها عشرات المرات الى ان جاء من يقول لها ان تخرس فالحيطان لها آذان وما من شيء يبقى همسا في هذا المخيم. على كل فعلى من تقرأ مزاميرك يا داود ؟ ! . . لم يبق في المخيم إلا شلة من الخائفين الذين التصقت وجوههم بالارض لا يجرأون حتى على الاصغ! اء لثرثرتها .

هذا الصغير هو عزاؤها الوحيد في هذه الحياة القاسية، له وحده تغني وتقص القصص ما يفهم وما لا يستطيع عقله الصغير ان يستوعب . . . تروي له، مفتخرة، حكاية هروب جده البطولي من السجن الذي كان اليهود يضعون عليه حراسة مشددة. وتقص عليه قصة هروبهم من قريتهم الجليلية الى إحدى قرى الجنوب اللبناني والعيش في "الشوادر"، وتحكي له عن عملها وهي طفلة لم تتجاوز اعوامها العشرة في المعمل المجاور, والعمل المرهق الذي كان يسحق طفولتها. وما لم تخبره مريم لربيع، قصتها مع رئيس العمال (الفورمان) رجل له عينان جاحظتان وكرش تهدل، لا يتوقف عن توعد هذه وانتهار تلك. كانت يومها طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة من العمر عندما حاصرها في غرفة منفردة! بعد ان طلب منها تنظيف المكان بعد انصراف الشغيلة. فاجاءها من خلف. رفع طرف ثوبها. اعتراها رعب ماحق، فراحت تصرخ وتولول وهو يحاول كم انفاسها دافعا بها لحصرها في احدى زوايا الغرفة. . . لا تعرف كيف؟ ومن؟ ومتى؟ انقذت من وحشيته. وتتذكر أيضا&! nbsp; المسكينة سلوى. قيل في موتها الاقاويل، إذ قذفها البحر بعد ايام من اختفائها في مكان يعرف ببركة الست. تأولوا كثيرا في حق الطفلة ولكن مريم متأكدة ان السبب هو ذاك الوحش االبشريّ. الله وحده يعرف إذا كانت الطفلة قد رمت بنفسها من فوق الصخور ام أنه هو الذي فعل ذلك

. . . . .

ترى أين هي اختها كوكب الان؟! . ماذا حل بها وبابنائها؟ ! لماذا لم تترك الضاحية وتاتي الى عندها؟ هنا اكثر أمانا. هنا بيروت، القلب، والقلب أكثر قدرة على الصمود. لولا عوض وعصبيته لدبرت امر رواحها الى هناك واتت بهم بالقوة. ماذا ينتظرون؟ ! . . ليذهب عامر مثل ما ذهب ابوه بشربة ماء؟ ! . هو كأبيه مملوء بالكبرياء المتفائل، أمر واحد يختلف به عنه: إنه أقل تهورا واكثر إحساسا بالمسؤولية تجاه العائلة. ليته بقي هناك , ليته ما قطع دراسته بعد ان خطف ابوه واستشهد. ليته قبل ان يقيم بين ابناء مخيمه الذي أووا مهجرين الى فنادق وشقق الحمرا والروشة. قال لها يومها

ـ خالتي, انا لا أتكبر عليهم. أنا أحقد عليهم جميعا! ! . . . أحملهم دم أبي, هؤلاء الجهلة او الخونة، لا استطيع ان اجزم، هم الذين أوصلوا المخيم الى ما وصل اليه. كان يمكن للامور ان تسير بشكل افضل لولا رعونتهم واستلشاقهم بحياة الناس.

كانت مريم تذرع أرض الشرفة جيئة وذهابا على غير ما هدى. تشخص ببصرها شمالا، صوب طلعة السجن حينا وتتطاول بعنقها يمينا صوب الشارع الموارب حينا آخر. لو أنهم يأتون. . . قلبها لن يقوى على مصيبة أخرى. تسند خدها بيدها ! اليسرى وتغيب في صمت حزين: كم من غصة مريرة جرعت يا مريم في هذا العمر المشؤوم؟. على من تبكين يا مريم؟ على الاخ الذي ضاع في الجبال ؟ على الاب الذي راح بحسرة أولاده؟ ام على ابناء العم الذين خطفتهم جولات طائشة بين فتح والصاعقة لخلاف على امور تافهة؟ او على سامح الذي راح مع من راحوا في المدرسة خرّاج المخيم؟ . . . يا عدرا ردي عن عامر . . . يا ام يسوع إحمي عامر .

فرملت سيارة, تسارعت دقات قلبها, تتطاولت بعنقها. لقد جاؤوا. . . بل هم بعض عائلة قادمة من الضاحية. من بقي من عائلة الخطيب بعد مجزرة تل الزعتر. أم خالد وابنيها وائل وحسن وابنتها عبير. انهم آتين عند انسباء لهم في الطابق الرابع . وإذ امسوا موازاة شقتها فتحت الباب

ـ الحمد لله على السلامة خالتي أم خالد

ـ الله يسلمك يا بنيتي

ـ كيف الحالة بالضاحية خالتي أم خالد

والله يابنتي الحالة صعبة. الضاحية ساحة حرب لا تهدأ حتى الملاجئ ما عاد فيها أمان. الليلة الماضية قصفوا مدخل ملجأ الرويس. كنت رحت ان وأولادي مع من راحوا فيه. عبير بسلامتها رفضت نروح على الملجأ. كأن الله نطق بلسانها.

ـ لماذا كل هذه المرجلات الفارغة ما دام اليهود سوف يربحون في النهاية؟ لماذا كل هذه العذابات والتضحيات ليوفروا الارواح. . . يسلموا. أمرنا لله

ـ لا يا بنتي ليست مريم التي تقول هذا الكلام

ـ اكتوى قلبنا خالتي ام خالد, كل ما كبر جيل نرسله بلا ثمن للذبح . حرام, حرام يكفينا ما عانينا

ـ قدر وكتب علينا يا مريم . حكمة ربنا. لا يجوز الاعتراض على مشيئته

شدت على يد محدثتها وقالت بصوت معتذر خجول

ـ سامحيني خالتي ام خالد . والله انا صايره مثل المجنونة

لعلعت سيارة اسعاف، اطلق بعض من فيها الرصاص في الهواء. هرع الصغير خائفا واندس في ثيابها. هددهته الى ان هدأ وعادت تراقب الطريق من على الشرفة. ناداها معترضا لتعريضها حياتها للخطر, تأففت. أعاد النداء. يريد فنجان قهوة هذه المرة

ـ ملعون ابو القهوة (قالت في سرها) قنينة الغاز صارت على الاخر. كيف سأغلي لك القهوة بعدها؟

ـ إذا عشنا حتى تخلص

ـ تمتمت : امثالك لا يموتون. الموت للشجعان. أمثالك يشرشون في الارض مثل نوح . لم تعد تحتمل حتى لو قال ما احلى الكحل في عينك . . . تزعجها تعليقاته. كلها سمجة وجائرة . لا يعحبه العجب . دائما يشتم هؤلاء الشبان وينتقدهم. "ماذا يفعلون هنا؟ المعركة هناك وهم يشبحون هنا"

لا فائدة من الرد عليه هو لا يسمع ولا يعذر . . . نريدهم ملائكة! ! . . . هم بشر والبشر يخطئون.

أردف, محاولا جرها الى الكلام:

ـإسمعي , إسمعي ! ! . . سيدة أصيبت برصاصة طائشة امام باب منزلها في شارع كليمنصو. قلت لك لا فائدة منهم. ظلم شارون ولا ظلمهم

لم تجب فتابع

ـ فارت القهوة على النار . أشم رائحة حريقها. ماذا جرى لك ؟ أين عقلك؟

ـ . . .

وضعت فنجان القهوة فوق الطاولة وجلست صامتة شاردة الفكر. تذوقها وقال: قهوتك خفيفة اليوم

هذا كل ما بقي من بن

ـ على هذا المعدل نحن مهددين بمجاعة . اليوم بدون قهوة وغدا بدون غاز وبعدها . . .

ـ جهنم الحمرا ( قالت في سرها)

ترى لماذا لم تأت اختها كوكب؟! ليتها تستطيع الذهاب الى هناك واحضارهم , ولكن ماذا تفعل بعقل عوض متشبث برأيه عنيد، لن يسمح لها. قلبها على أختها. إذا حصل شيء لعامر تروح فيها. . . مسكينة كوكب! ! . . . كادت تفقد عقلها بعد حادثة خطف زوجها. لم تصدق أنهم قتلوه. حجزوها معه تلك الليلة. أطلقوها بعد عدة ساعات وابقوا عليه. . . كل من كان معه وأطلق سراحه أكد انهم صفّوه, ولكن كو! كب صارت مثل المجنونة، تصدق ولا تصدق. تقطع الامل وتتثبث به. تندب وتبشر. مرت عليها أيام كانت تتمنى فيها الموت. كانت تهيم على "شواطئ البحور" كلما سمعت ان هنالك جثة قذفها البحر. استعرضت كل انواع الجثث، البالي منها وما لم يبل. المنتفخ والممصوص, العارى والذى ما زال عليه بعض كساء . . الكل خاف عليها. ظلت لشهور تكلم تفسها بصوت عال. تلوم نفسها :"أنا السبب . . . أنا غبيه. . . أنا أسأت التصرف . ما كان يجب ان اتركه معهم . كان يجب ان ابقى معه. أنا قصرت في حقه. لو أني رجوتهم! . . . لو أني تدخلت عليهم! . . . لو أني عرضت عليهم مالا! . . . أنا غبية ومجنونه وجبانه. خطيّيتك برقبتي يا نعوم. . . الله يسامحني على قلة حيلتي"

وتبكي البنتين والصغير نعمان تحت اللحاف. . . جنت كوكب. توقفت عن الذهاب الى الكنيسة. تعتبر كل المسيحيين مسؤوليين عن قتل نعوم . . .

ـ حبيب قلبي عامر, قطع دراسته وجاء عندما فتح المطار. مجيئه خفف من مصاب كوكب.

لم تنم مريم ليلتها تلك، ظلت ناصتة الى الشارع ترصد حركة كل سيارة. جيبات عسكرية تمر متباطئة حينا مسرعة حينا آخر, مفتعلة السرعة في القليل من الاحيان. رجال محاذرين وآخرون يصطنعون اللامبالاة , ذهب ليلها ولم تذهب مخاوفها

قلبي لن يحتمل مصيبة جديدة . أسترها يا رب

لعلعت سيارة إسعاف في طريقها الى مستشفى الجامعة الامريكية . أطلق احد ركابها رصاصا غزيرا في الهواء . إنتهرها من الداخل : أدخلى جوا . أدخلي جوا . ما حدا فاضيلك ان اصابتك رصاصة

ـ ترى كيف هي حال الناس هناك ؟ كيف عاملوهم , ماذا فعلوا بهم؟ هل اصابهم ما اصابنا على ايدي المليشيات؟ ! ! . .

ـ كفي عن الندب يا امرأة. كل واحد يأخذ نصيبه في هذه الدنيا ندبك لن يفيد احدا

ـ سمعتك تقول صاروا على طريق المطار هل هذا صحيح

ـ لا . لا . أنا ابالغ. أشاكس ابو مطلق فقط. دخلوا صيدا ولكن ماذا يمنعهم عن المطار أو غيره؟! ! . .

ـ سترك يا رب. . .

وعددت كم من الناس اصبحوا تحت الاحتلال الان . ترى اين سيرسمون الحدود الجديدة ؟ عند الاوزاعي كما تقول أساطيرهم ؟ هل سيتحقق لها ان ترى اصدقاءها واقاربها الذين أمسوا تحت الاحتلال, ام ان فلسطين جديدة ستقام بينها وبينهم؟ متى يأتي دور بيروت؟ ماذا ستفعل لترد عن ربيع وجوههم المنفرة إن حصل ودخلوا قلب المدينة؟!. .

ـ يا رب ! ! . . . أكرمني بميتة، أيّ ميتة، قذيفة، رصاصة قناص. . . ولكن لا تجعلني ارى وجوههم الكالحة. ماذا سيحل بربيع لو مت يا مريم؟! . هل سيحسن عوض تربيته؟ هل سيتزوج ويجيء له بخالة تذّله؟ ماذا لو متنا نحن الاثن! ين؟ أنا وعوض!. . . من يقوم على تربيته؟ العم؟ الخالة؟ النسيب ؟ ماذا لو تخلى عنه الجميع ؟ ! لآ . لا . . . لن يفعلوها الكل يتمنى أن يكون له ولد مثل ربيع خصوصا وأنه لن يكون عالة مادية على أحد, ما جمعه ابوه في سني اغترابه كاف لتربيته. . لآ . لا . . . إخز الشيطان يا مريم . . . ( قالت لاستبعاد هذه الافكار السوداء من رأسها )

راحت الى ربيع ضمته الى صدرها كما لم تضمه من قبل. غلغلت أصابعها في شعره وراحت تقص عليه قصة الشاطر حسن والاميرة نور جوات سبع بحور . غفا فوق ذراعها. أشاع وجهه الملائكي بعض اطمئنان في نفسها

تسللت على مهل الى الطابق الرابع هنأت ام خالد بالسلامة

ـ خالتي ام خالد قلبي يغلي على اختي كوكب . قلبها لن يحمل مصيبة جديدة إذا حصل اي شيء لعامر تروح فيها. .

ـ تصبري بالله يا بنتي يسواهم ما يسوى غيرهم، إن شاء اله ما يصير إلا كل خير.

ـ عامر عنيد مثل والده، الله يرحمه. خالتي ام خالد! ! . . . هذا الصبي تلاقيه التحق بالفدائيين. ابوه قبله عملها . في حرب 48 كان يعمل في شركة التابلين في حيفا، ترك العمل وجاء بعروسه الى القرية ودعها عند امه, والتحق بالثوار. كان يحارب من موقع لموقع ولما سقطت فلسطين سقط نعوم معها. لم تعد له معنوياته الا بعد ان قامت المقاومة

ـ محظوظ يا بنتي من مات قبل هذا الزمن الاسود. على الاقل مات وعنده أمل بأيام أفضل. تعرفين يا مريم, أنا في أوقات كثيرة أحسد إبني خالد لأنه استشهد من أول يوم تحاصرنا فيه. لم ير الذل الذي رأيناه أيام الحصار. لم ير أولاده يتلوون من! الجوع قدام عينه. شو بدي أحكي لأحكي؟! . . قلبي كان يتفتت عليهم. لا شيء في الدنيا أصعب على قلب الام من رؤية اولادها جوعانين قدامها. . . لو كان في يدي لقطعت لحمي لهم. حرق قلبي حسن وهو يتلوى ويقول كسرة خبز يما حتى ولو معفنة . ضربت راسي بال! حيط من غيظي. . . يا بنيتي ما في ولا بيت فلسطيني الا وفيه شهيد أو مفقود أو ضحية

ـ الى متى؟ ألى متى هذا الموت المجاني يا أم خالد؟!. .

ـ حتى ربك يريد يا بنتي.

ـ ومتى يريد؟!. .

ـ حكمته!. . . لا اعتراض على حكمته. كانت حكمته أن يستشهد ابني وبنتي فيما أصاب أنا مرتين وأظل عايشة

في المرة الاولى كانت الاصابة بالجرة. غبت عن الوعي ولما استرديت وعيّ كانوا يتفكهون من حولي. بادرتني ام يوسف مازحة: "وضوء الهنا ام خالد". وفي المرة الثانية اصبت في كتفي لم اشعر بأي وجع حتى وصلت البيت وضعت الجرة فوق المصطبة ثم غبت عن الوعي. لما فقت عرفت ان رصاصة رقدت في كتفي, بقيت هناك لعدة اشهر حتى سمحت الظروف بنزعها

خالد ! بكري خالد!. . . استشهد من اول اسبوع في الحصار, ما عرفنا كيف دفناه. . .

حسرتي عليك يا خالدة هي الثانية كانت منضمة الى الفدائيين وعندما انسحبوا الى الجبل انسحبت معهم. . خالدة يا خالده، صبية متل قلب النهار , ليتني كنت فداك يا حبيبة! . ليتني زوجتك ابن خالتك في فلسطين! . الله وحده يعرف كيف قضت . . . هل تعذبت؟ هل قالت يما ؟ هل ماتت عطشانه ؟ هل تشهدت قبل ان تسلم الروح ؟ ! . . حسرتك بقلبي للابد يا خالدة.

وتتدخل عبير

ـ يما أبوس رجلك كفي عن هذه السيرة. يقف شعر رأسي كلما مرت هذه الايام في رأسي.

صمت ثقيل عمّ الحضور. قطعته أم خالد عندما راحت تخبر هازئة كيف انفجر وائل غاضبا عندما وصلوا الى مقر البلدية في حارة حريك : " دلوني على "أبو عمار" و "جورج حبش" و"نايف حواتمه". سأطخهم كلهم"

تستعيد أم خالد لهجتها الخفيضة المتأسية

ـ من يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته. من شاهد كيف سحلوا الرجال والجرحى على طريق الدكوانة ينسى كل خساراته الشخصية. ماذا يعني لو استشهد لي ولد أو بنت؟! . . . عائلات بحالها سحلوها دفعة واحدة. مخيم بكامله كان يستشهد بين الدكوانة والمتحف

.! . . . . . . .

جاؤوا على غير ما توقع . كان فكرها مشغول في كيفية تأمين ربطة الخبز. البارحة نجت باعجوبة من القذائف التي انهمرت فجأة على شارع جاندرك وهي في طريقها الى الفرن هناك, وأمّ فؤاد اخبرتها بخيبتها الكبرى فقد انتظرت ثلاث ساعات امام باب الفرن وانتهى بها الامر بصرخة عليائية شامتة من الفران: "تفضلوا بلا مطرود. نفقنا لهذا اليوم". وتعلق ساخرة: " لم يرحم توسلاتي، ولا أثّرت فيه قائمة الادعية الطويلة العريضة التي رشقته بها من رأسه حتى أخمص قدميه"

رأتهم امامها. هكذا بلا مقدمات، فما سمعت هدير سيارة ولا كانت شاخصة ناحية الطريق ولا حتى انهم كانوا في فكرها تلك الساعة. أشبعتهم ضما وشما, امطرتهم بالاف الدعاءات والتهنئة بالسلامة . أين نعمان . . . اين نعمان ؟ سيفرح ربيع لمّا يشوفو. اين هو؟

ـ نعمان بقي هناك , مع المقاومين. . . آخر أخباره أنه في حي السلم في جبهة مشتركة للدفاع عن الضاحية

وتدخل عوض.

ـ لماذا تركتيه يذهب, كلهم حطب للنار, مجرد صور على الحيطان, الذين هم أكبر منهم ما استطاعوا ان يصمدوا اكثر من خمسة ايام. لماذا لا تتعظون يا ناس؟ !

امتعضت, ولكنها لم تعلق, لم تعد تطيق اي كلام يقوله هذه الايام

أفردت لهم مكانا في زاوية من الصالة الكبيرة ورصتها بالفراش لتكون مكان نومهم وجلسوا يتبادلون ما في الجعبة من اخبار وطرائف . ظل عامر منهمكا في قراءة الصحيفة, لم يعلق على اراء عمه عوض فهو ما احبه يوما وما كرهه. علاقتهما مجرد علاقة رجلين شاءت لهما الظروف ان يلتقيا بين مناسبة واخرى , ولو ان عوض، في غياب عامر، لا يني يمدحه ويثني على نبله وتضحيته في ! سبيل إخوته, وقد يشاركه من وقت لاخر لعب طاولة الزهر. يتحداه ويمازحه بتعليقاته، فهو عنده حمار زهر. ابن مدارس لا ينفع للعب الطاولة

أيام مرّت. لم تنته المعركة بخمسة ايام كما كان يردد عوض. بدأ النفور يطفو على السطح وتبرز آثاره للعيان بين عامر وزوج خالته. عوض لا حديث له إلا هؤلاء المسلحين "الخريان": ( يطوفون الشوارع. . . يشفطون بسيارات الرنج روفر. . . يرعبون الاطفال برصاصهم الملعلع في الهواء . . مثل الوحوش يغزون الافران ويأخذون الرغيف من طريق الاطفال والعجزة المحتاجين.

يتحفز عامر للرد على عمه عوض. ولكنه احتراما لسنه ورتبته العائلية يبتلع كلامه. يردده في سره:

( وانت ماذا فعلت ما شاء الله؟!. . . لولا خالتي لمّت من الجوع. لم تساهم حتى في قنينة ماء لطفلك. رجل من قلة الرجال. لولا ام عامر لتركت لك البيت ورجعت بهم الى الضاحية. العيش معك تحت سقف قرف وجرب وموات

رنده تحاور أمها. هي تريد اللحاق بشبيبة النجدة الشعبية في بئر حسن وكوكب تعارض

ـ يعجبك اقعد مثل العجائز؟

ـ ويعجبك ان تموتوا كلكم وتتركوني وحدي؟ شو بدي بفلسطين لما كلكم بتموتوا؟ يكفينا ما قدمناه. هل الثورة لنا وحدنا؟ لتقدم كل عائلة مثل ما قدمنا.

- له! له! يا ام عامر ما هذا الكلام

- هذا الكلام من هذا الحكي. انت يا مفعصوعة بدك تشيلي الزير من البير؟ واحدة مثلك تخاف من الصرصور تقدر تشوف دم وتعالج جرحى؟

ـ معك حق يا أم عامر, في الظروف الطبيعية أنا أجبن من صرصور. بس الوضع اليوم مختلف.

ـ انت رقيقة يا رنده, قلبك ضعيف لن تتحملي المشاهدات الماساوية! اناس يموتون, وآخرون يئنون. بعضهم يولول, وبعضهم يشتم والبعض الاخر يوصي قبل ان يستشهد . الحرب ليس لعب اولاد يا رنده

ـ ولأنها ليست لعب اولاد يجب ان اذهب وأساهم . أنا أخجل من نفسي إذا ظليت اتطوى من البلكون للشباك. لازم اعمل شيء. شيء افتخر فيه قدام اولادي بالمستقبل. يعني أقول لهم على الاقل أنني ما قعدت اتفرج بينما الناس يموتون. . . أرجوك ! . قولي الله يوفقك يا ابنتي.

ـ آ. . آ . . ه. . . هّم البنات للممات

ـ لا يا ام عامر لا هّم ولا شي. أنت مضخمة القصة اكثر من اللازم. أنا لا أحبك ان تزعلي مني. على مدى عمري ما عصيت لك امرا. انا بنت مرضية كل عمري. سامحيني هذه المرة

تتجه كوكب بالكلام صوب عامر

ـ قول كلمة يما. عِّقلها. أشكمها. مش أنت أخوها الكبير ومكان ابوها؟

بقي عامر مصرا على قراءة جريدته. صحيح انه جبان ولكن ليس لدرجة ان يمنع الشجعان عن ممارسة شجاعتهم. في أسوأ تقدير يمكنه في غد ان يتباهى بها وبنعمان. اخو البطل او البطلة. أو أخو الشهيد او الشهيدة.

معارك شرسة تدور على مداخل بيروت: غارات طيران. قصف دبابات. قذائف على هذا الحي وذاك. إذاعة المرابطون تصاب بقذيفة وتتوقف عن البث. إذاعة صوت الثورة تقول: لن يستطيعوا التقدم ولو خطوة واحدة ابعد من المتحف فقد أعلن المدافعون عن المدينة قرارهم: كله إلا عروس المدائن. الصحف والاذاعات المحلية تموج بالاعلاميين فهذا الشامت وذاك المتعاطف. مندوب رائح وآخر غاد. تصريحات لهذا الوزير وتصريحات مضادة لذاك النائب. قليلون اخجلتهم الحالةغير الطبيعية فأخرستهم. . . أبواق سيارات الاسعاف لا تنقطع , طلعات الطيران تزداد حدة يوما إثر يوم. حرب من نوع مختلف تشن على بيروت وناسها. حرب نفسية كما سماها المتحذلقون. . منشورات ترميها الطائرات فتتساقط فوق الشرفات وعلى الارصفة وقد تتطاول واحدتها على قيلولة نائم في غرفة نومه . منشورات تدعي النصيحة فتطلب من ناس بيروت إخلاء المدينة وتعدهم بالنجاة إن سلكوا هذه الطريق او تلك. منشورات تظهر التعاطف وتبطن التهديد والوعيد. . . بعضهم فعلت الحرب النفسية فعلها في قلوبهم وصدقوا ما قالته المنشورات. بعضهم استطاع الهرب من بيروت وبعضهم اصطادته حواجز المليشيات ولم يعرف مصيره الى الابد

الحصار يشتد. لا ماء ولا كهرباء. قصف شرس ضعف إزاءه بعض البيروتين فقامت بينهم بعض اصوات تستغيث واخرى تطلب من المقاومين الانسحاب فالنير الذي ترزح تحته المدينة لم يعد ليطاق وصمود الاهالي يهن يوما بعد يوم

تخلى عوض عن نظريته القائلة بان الشقة أكثر امانا من الملجأ وتظاهر أنه يفعل ذلك تحت إلحاح مريم, على الاقل في الملجأ يخف إحساسه بزخم القصف ويريح أذنيه من ازيز الطائرات الذي لا يهدا. كان ذلك اليوم من اقسى ايام الحصار, سبع عشرة ساعة من القصف المتواصل. غص الملجأ بسكان البناية وبعض سكان البنايات المجاورة. تجمعوا على حلقات يقتلون الوقت بالثرثرة المجانية ولعب الورق والتنظير للمرحلة القادمة. . . وزّع أبو مطلق ما تبقى في علبة سكائره فقسمت السيكارة الواحدة نصفين وحتى النصف الواحد تناوب عليه أكثر من فم . مريم لا تملك إلا بقايا رغيف , وهي محظوظة, فمنذ ايام لحقت بسيارة عسكرية محملة خبزا للمقاتلين, رجتهم ان يعطوها بعض أرغفة, تمنعوا اولا, فالكمية جد محدودة لا تفي إلا بالحد الادنى الذي يحتاجه المقاتلون, ولكن واحدا منهم رمى لها بربطة متجاهلا اعتراضات الاخرين. إحتفظت بها لربيع كانت تخبئها عن أعين المتلهفين وما سمحت لابي ربيع ان يمد لها يدا

قهقهات تتصاعد عالية من إحدى زوايا الملجأ. زمرة من المراهقين تحلقت حول استاذ درويش الذي أخذ يقص عليهم بعض المواقف المضحكة التي مرت معه في حياته التعليمية وما يحوم حولها, على حد تعبيره. انفجروا بركانا من الضحك وهو يخبرهم كيف اسودّ وجه الاستاذ سعيد خجلا عندما استلم ذات يوم مجلة بلاي بوي مرسلة له بالبريد المضمون.

ـ فلقني أستاذ سعيد. طالع نازل ينتقدني. في كل مجالسه أكون أنا الملحد والكافر وأبو لهب ومخرب عقول الاولاد ولولا الحيا لقال انني المسؤول الوحيد عن ضياع فلسطين. . . رجوته أكثر من مرة . "إكفيني شرك يا رجل"، فما استمع! . دخّلت أستاذ واصف واسطة بيني وبينه فاستأسد صاحبنا وظن نفسه جرير العرب. والله هذا كان أقل شيء يمكن أن افعله به

ـ وعرف انك انت صاحب المقلب؟

ـ الرجل كان خجلان يتحاشى الكلام عن الموضوع مع اي كان . انتم يا ابنائي تعرفون كيف تكبر الاشاعة الوسخة في مخيماتنا بين ليلة وضحاها يصير لها اولاد واحفاد وابناء عم وخؤولة ايضا(اعجبتكم كلمة خؤولة هذه؟ ). ثم لنفرض انه عرف ماذا يستطيع ان يفعل؟ يشكوني للمدير؟ طز! . فهو كمان قلبه مليان من استاذ سعيد.

وأخبرهم عن مقالب اقل بريقا كتلك التي كان يدبرها لمفتش المادة كلما جاء يزوره حتى تأدب وخفف من ثقل دمه.

ـ انا ما قلت شيء. هذا الازعر حامد همس في اذنه : استاذ درويش له صلة قرابة ب"أبو نضال" . . . استاذ درويش حية من تحت تبن . . . يعقص ويلبد. يا ويل من يضعه في قائمة انتقاماته. . .

ثم قص عليهم كيف مثّل دور الاخرس والاطرش على أكمل وجه عند حاجز بئر حسن الذي تجاوزه مسرعا في إحدى المرات التي كان بها متأخرا على طلابه. . . ولم ينس يوم تصدى لعمود الكهرباء فصدمه, إلا انه لم يكن اكثر صلابة من راسه. وببراءة يقول:

ـ أما إدعائي باني النقيب احمد الخطيب يوم خطف جارنا ابو جورج من بيته في الحارة فوالله أمر لم أقصده. جاء هكذا. الظروف دبرته. أنا اتصلت بمركز القيادة من منطلق واجب الجيرة, لأشهد ان جاري رجل طيب وانا اعرفه من عشرين سنة وليس له اي اتصالات مشبوهة مع الشرقية. سألوني مين حضرتك. قلت أعطيه اي اسم, فقلت احمد الخطيب. (أقسم بالله ان الخطيب المقصود ما جاء على بالي ساعتها) ارتبك الرجل وصار يقول عفوا سيدنا. بأمرك سيدنا. دقيقة ويكون الريس معك. اخونا ظن انني احمد الخطيب ما غيرو وانا سقت فيها وافرج عن الرجل بالحال.

كوميديا متجولة هذا الرجل علق أبو مطلق

ـ عمي ابو مطلق أنت اقرب الى الباب إسال صاحبك "ديّان" ماذا يريد ليكف أذاه عنا! ! . قل له الاستاذ درويش وكل الاجيال التي مارس حذلقته التربوية عليها, مستعدين ان يعتنقوا الدين اليهودي. ! فقط كفّ اذاك عنا.

وتعالت القهقهات والتعليقات:

ـ يناسبك ان تكون يهودي ابو محمود. أنفك كبير مثلهم ولونك اسود مثل يهود الحبشة.

ـ وراسك مفلطح تليق عليه القلوسة. تلبسك لبس

ـ راسك يابس يحمل دق على حيط المبكى

ـ وتناديني لأشعل لك النور يوم السبت .

ـ وتاخذ ربا مثل شيلوك

ضحكات هستيرية تسمع من إحدى زوايا الملجأ إنها عايدة, الملقبة بالكونتيسة, تنفث دخان سيكارتها بحركة مسرحية وتسند رجلا الى الباب وتنفخ صدرها الى الامام يهمس عدنان الخبيث: والله انها تدعوني لاخذها

ـ استغفر الله يا ولد . . . حرام التعرض لاعر اض الناس

ـ كثيرات تثور شهوتهن عند الخوف. . . ست أميره, ما غيرها, ربة الصون والعفاف, نامت مع هذا النجس فتحي بس لانها كانت خايفة . خلوة خمس دقائق فقط اطفئ ظمأ هذه النمرة وأتركها قطة. أريحها من هذا الجنيز واحرر ما لا يستطيع حبسه

ـ عيب يا ولد تأدب! كلنا لنا بنات وامهات واخوات لا تنهش اعراض الناس

خجل وانضم الى مجموعة من الفتيان تراهن على الطرة والنقشة

آخرون يتهامسون متهكمين: شرفنا أستاذ رغيد. نزل من برجه العاجي. تواضع وعاشر هؤلاء الهمج رواد الملاجئ.

ـ كأننا رواد البارات

ـ غدا يشرب معنا الاركيلة

ـ ويشاركنا في دق ورق

ـ ويقبل ان نشاكسه إذا انتهى مغلوبا

ـ عيني عليك يا إسرائيل كم قللت من قدر الاكابر! .

في زاوية أخرى كانت ريما ذات الاربعة عشر ربيعا تحدج عامر بنظرات غاضبة وتهمس في اذن رفيقتها

ـ هذا المغرور رفض ان يأخذ مني دم. رحت لأتبرع وقفت بالطابور أكثر من ساعة ولمّا صار دوري، قال لا يا شاطرة بعدك صغيرة. أنا صغيرة ! ! . . . لا والله بل هو كبير اكثر من اللزوم. وتقرب فمها من اذن صديقتها: لكنني انتقمت منه. . . نفّست له دواليب سيارته الاربعة

وتروي ام مروان قصتها مع زيت البطاطا: محروق دينو أقوى من قنابل النابالم . كانت تقلي البطاطا لاولادها عندما سقطت قذيفة على شرفة منزلهم, شدتها ابنتها من الخلف فانصب الزيت فوق بدنها كله

ـ يخليه لامه عامر لولاه ! ! . .

ـ الله يسامحك يا عامر. كان الزيت أدى خدمة ل"ابو مروان"

أبو شبلي يلقي محاضرته اليومية عن فوائد العرق : يشفي من الصداع والارق. يفتح النفس على الاكل . يفيد في وجع الاضراس ويجعلك قادرا على القيام بواجبك الليلي مع شجرة الجميز (غامزا بطرف عينه الى ام شبلي)

مريم ترقب هذين المراهقين حسن واليسار فيمتلئ قلبها حبورا لمشهدهما يسترقان النظرة او كلمة الغزل وربما القبلة الخاطفة. . . الله يسلمهم ليتمتعوا بشبابهم

مشادة عنيفة تدور بين "ابو ربيع و"ابو مطلق" تدخل فيها عامر

ـ ليرحلوا عنا قبل ان يقضوا علينا

ـ عيب هذا الكلام يا عوض. ولو! . . . بلد حمانا وفتح لنا بيوته وقدم شبابه فدائيين يحاربون معنا نتخلى عنه بسهولة. . . . نهرب مثل قليلي الاصل؟!. .

ـ لا اثق بأحد فيهم. . . عندما يحق الحق سيتركوننا ويهربون. سيديرون ظهورهم لنا ويتركوننا نحن الشعب الاعزل نقلع شوكنا بايدينا

ـ لا يا عمي اسمح لي بهذه (قال عامر). الجماعة بشهادة العدو قبل الصديق يستأسدون في الدفاع عن المدينة . يواجهون جيش انهزمت قدامه كل جيوش العرب. هم يردون جميل بيروت التي فتحت ابوابها لهم وحضنتهم. ولو ان سلامتهم الشخصية وحدها هي ا! لهدف لكانت القصة انتهت من أول ايام الاجتياح

ـ يقومون بواجبهم!. يحمون هذا الشعب! هه! ! . . . بل يحمون غرورهم وعنجهيتهم. غرورهم سيقتلنا جميعا

ـ زوّدتها عمّ عوض

ـ لا عمّي ما زوّدتها. همّ إللي زودوها. ماذا فعلوا لنا منذ بدأوا ثورتهم ؟ بسببهم تهجرنا من بيوتنا، خسرنا اولادنا ورزقنا! ! . . . لو بقينا لاجئين كان أسلم لنا وأشرف

ـ لو بقينا لاجئين كنا بقينا خونة وبائعي أرضنا لليهود وأصغر ابن حرام يتمرجل علينا. انت بنفسك اخبرتني عن الدعايات التي كان يروجها المكتب الثاني عن جبن الفلسطينيين. نسيت يوم روجوا دعاية ان خمسمئة شاب من عين الحلوة كتبوا كتابهم بليلة واحدة عندما انطلقت إشاعة ان المنظمة ستجند الشباب غير المتزوجين؟ ! . . انا كنت صغير يومها. انت حكيت هذه القصة الف م! رة قدامي, وغيرها وغيرها كثير. هذا الصمود وهذه البطولة التي لا تعجبك هي الرد الحقيقي على كل المتجنين على الشعب الفلسطيني

ـ ألبطولة, الصمود, الشجاعة, الفداء. . . يضحكون عليكم بهذه الشعارات الطنانة . . . دائما تجربون وتخسرون, دائ! ما تعيدون القصة من اولها بلا فائدة, جهود ضائعة! ! لماذا لا توجهون جهودكم لشيء اكثر فائدة؟ لو ان هذه الطاقة التي تبذلونها للبطولة بذلتموها في تحسين أنفسكم , في سبيل الانسانية أما كان أنفع؟! . . لماذا لا تكونون علماء وادباء ومخترعين بدل ان تكونوا أبطالا وشهداء . . . انظ! روا اين كان اليهود واين اصبحوا, كانوا قبلا العظماء في كل بلد: أنشتاين وماركس وبتهوفن و. . . و . . . عندما تلهوا بالسياسة, بالبطولة يعني, لم نعد نسمع عن عظيم بينهم

ـ . . .

ـ قل لي ماذا حققت لك الثورة؟ ! . قتلت أبوك شابا وحملتك مسؤولية عائلة ولدا . هجرتك من بيتك واضطرتك لقطع دراستك وبدل ان تكون طبيبا قد الدنيا أنت الان مجرد موظف بالدرجة السادسة. عدا عن ذلك، جعلت نصف اللبنانيين اعداءنا والنصف الثاني على طريق ان يمسي عدوا . ا! بوك لولا جنونه بالثورة كان حيا يرزق . ابوك كان مهووسا منذ ال48

ـ أبي ما كان مهووسا! ! . . . ابي كان بطلا

ـ ماذا جنى من بطولته ؟ ! ! . . . أي عاقل لا يعمل ما عمله أبوك في كمب النبي يوشع . خمسة مفاعيص ببواريد تلفانة هاجموا موقع فيه مئة مجند

ـ ومع ذلك احتل دبابة. . .

ـ صدفة. . . حّظ. . . أبوك كان متهور.

أبي وأمثاله يدفعون دينك ودين امثالك . . . كل عمرك قضيته بالخليج تجمع فلوس. هل عشت شبابك يوما؟ هل انضممت الى تنظيم ؟ هل هزك خطاب سياسي؟ هل تحمست لزعيم ؟ هل شاركت في مظاهرة؟ هل قبلت فتاة يوما؟ هل لطشت واحدة في الطريق. هل كتبت رسالة غرام لحبيبة؟ . الله العل! يم انك ما عرفت النسوان حتى تزوجت خالتي

ـ إخرس يا وقح

وخرس وترك الملجأ ليستأجر غرفة في فندق لم تقبله إدارته زبونا إلا بعد كفالة واحدة من زميلاته الاجنبيات. وكانت الغرفة التي انضمت اليه فيما بعد امه واختاه يعادل إيجارها ضعفي راتبه.

. . . . . . .

غريب أمر ست الدنيا هذه ! ! . . . تمنح حنانها ودفئها بلا حساب . . . تنفعل شوارعها ومقاهيها بالحدث اليوم لتعود وتنفعل بضده غدا . . . تتبنى كل الملتجئين اليها , تؤاسي غربة الغريب وتؤنس وحشة المتوحد كما انها تجاري فجور المترفين بالحرير والخمور . . . حتى بحرها يعتريه هدوء حزين ايام الانكسار والحزن , وغضب ساخط عند الشدائد. . . تتبنى كل عريق واصيل وبديع , ولا تتنكر لصعلوك او لقيط .

محيّر أمر هؤلاء البيروتيون الذين في الظروف العادية لا يلقي واحدهم تحية الصباح على جاره كيف خلعوا فردانيتهم ووحدانيتهم وتعاون غنيهم وفقيرهم, عالمهم وجاهلهم, متحذلقهم وبسيطهم على التصدي لتحديات الحدث! ! . . . قطعت عنهم المياه والكهرباء فقصدوا جوف المدينة يستسقون من آبارها الارتوازية واحتالوا على العتمة بموّلدات تشترك اكثر من عائلة في شرائه وتأمين الوقود له. حتى التجار بدلوا من انواع تجارتهم. قامت البسطات الشعبية مكان الواجهات الانيقة. بسطات تؤمن للمحاصرين حاجاتهم الاساسية من بطاريات وشموع وقناديل كاز وفوانيس ومعلبات. بسطات تستخف خطر القصف وطلعات الطيران والعبوات الناسفة وتفترش الارصفة ومداخل البنايات :

من اين تعلم هؤلاء الصغار المكابرة وامتصاص الخوف وتحويله الى شجاعة ومواجهة؟ ! . كنا نحن الكبار نترع في يأسنا وكانوا هم يلاحقون المناشير المحذرة التي ترميها الطائرات المعادية يقرأونها متهكمين ساخرين. جوني يشير بواحدتها صوب مؤخرته وإيهاب يعقب ضاحكا مشيرا بالوسطى صوب السماء : خذوا . . .

ترى ما الذي يحمله الغد لهؤلاء الشجعان الصغار؟ هل سياتي يوم يخجلون فيه من شجاعتهم هذه؟! . . . هل سيندم واحدهم على ما يفعله اليوم ويرى فيه عنتريات فارغة؟!. . .

صوت متوتر ينبعث من إحدى الاذاعات المحلية

ـ لا استطيع, مستمعي الكرام, أن أصف لكم ما أشعر به وأنا أرى هذا الازدحام الغريب على المعابر، فبعد يوم امس المجنون من القصف ها هي الاف السيارات تعود الى بيروت المحاصرة. الناس يدخلون طواعية الى الحصار: بعد يوم الطيران الفظيع أقسى ايام الحصار، وصل عدد السيارات التي دخلت بيروت خمسة الاف سيارة في يوم واحد. . .

صرخ من الداخل : إقفلي هذا الراديو . . . هذا الخرا الذي يتمرجل من تحت سابع أرض يقزز النفس. هو في أمان ويتمرجل على الناس الذين تحت الخطر. . . العرصات بدهم يصمدوا باولاد غيرهم. إن كان شجاع يحمل إذاعته ويروح يبث من المواقع مش يتخفى باوكار الارانب.

درْا لشره خفضت صوت الراديو

مذيعة ذات لكنة جنوبية تحذر من المخبرين المتعاملين مع العدو :

ـ إنهم مندسون مثل السوس بفول الاعاشة. يحصون على المدينة وناسها انفاسهم . . . عند كل منعطف , في زاوية اي مقهى , على حدود كل رصيف وفوق كل مزبلة ينفثون سمومهم. يتلونون كالحربايات، يتسترون باثواب المقاومة وينفثون نتنا وحقارة وفحيحا دني! ئا ؟ ! ! . . . يدعون وطنية مبالغا فيها وعند ساعة الصفر يخلعون براقعهم فتظهر من تحتها وجوههم الصفراء الخسيسة ؟ ! ! . . . كلنا نعرف ابو الريش . . .

شهقت مريم . أبو الريش, هو ذاته! ! . . . كم مرة توقفت وانقدته حسنة

وتكمل المذيعة:

ـ ابو الريش الذي عرفه سكان شارع الحمراء ورواد مقهى "الهورس شو" على وجه الخصوص , رجل كث الشعر واللحية , رث الثياب , قذر الهيئة , يكلم نفسه بصوت عال , يتفكه اهل الحي ورواد المقهى معه كواحد من صعاليك الشارع وينادونه متهكمين أبو الريش ابو الريش . . . أبو الريش هذا لم يكن إلا سوسة تنخر قلب بيروت وشارعها ومقاهيها

عجبا كيف تدور الدوائر كمثل لمح البصر ؟ ! ! . . . لقد شهدت بيروت صورا اوجع من الحصار وقسوته واعمق ذلا من الهزيمة ومرارتها . ولشد ما آلامها رؤية الناس يعوفون بيوتهم ويركضون مهرولين إذا ما وصل الى علمهم ان "ابو فلان" زار هذه البناية أو البناية المجاورة . . . ولطالما شوهد كبار الاباء وحتى الاب الاكبرمكوما على نفسه في المقعد الخلفي لسيارة ما, في مرآب مهجور من مرائب شارع الحمراء ! ! . . .

وسيلة الاعلام الوحيدة المتبقية هي الترانسستور , وقد احتال احدهم على بطارية سيارته فاسترق منها بعض كهرباء لتشغيل جهاز التلفزيون . . . تعطلت محطة إلارسال المرئي شبه الرسمية, فامست مصادر البيروتيين مقتصرة على تلفزيون الطرف الاخر.

صور المجتاحين المعتدين وهم يسبحون على هذا الشاطئ وذاك. . . باقات الزهور وحفنات الرز التي ترشق بها دبابابتهم. كلمات الذم والقدح، خطابات التهديد والوعيد للفلسطينين والمتعاونين معهم. رئيس ميليشياوي يسلخ عن بيروت وناسها كل صفة إنسانية فيقول: "انا لا أعتقد أن في بيروت مدنيين ابرياء"

أحست مريم خدرا كالموت يدب دبيب النمل في كل خليلة من خلايا جسدها صحت منه على ما هو أوجع مما شاهدته على شاشة التلفزيون. . . أكثر زعماء ميليشيات الطرف الاخر تطرفا يترشح لرئاسة الجمهورية. صفعة أحستها اقوى من الحصار ووجعه والقصف وضحاياه . . . تألمت مريم وتمنت الاّ يعلو الامر عن مجرد المناورة العابثة وخفف من ألمها إستنكار بيروت واستهجانها لهذا الترشيح

ـ هذا تحد واستفزاز لكل اللبنانيين. كيف يصير رئيس جمهورية لكل لبنان من شرب الشمبانيا فوق جثث بعض اهله

ـ عمي ابو مطلق جهز "بقجتك" . . . لجأة جديدة عن قريب بإذنه تعالى

ـ فشر ما يشوفها . . . ترشيحه مناورة فقط

ـ لا عمي ابو مطلق الرجل يأخذ أجره

ـ فشر . . . ماتت الرجال حتى يحكم البلاد "ولد" متل هذا! ! . . .

ـ عمي ابو مطلق حضر حالك. إما البحر وإما القبر

ـ أعوذ بالله يا رجل ! ! . . إستغفر ربك ابو محمود

وملأت الضحكة العريضة والعينان اللمعتان ببريق النصر، شاشة التلفزيون على وسعها، وراح الرجل يخطب ويتوعد. يتوعد الفلسطيني الذي باع بلاده وجاء يأخذ لبنان بديلا . . . اللبناني الذي استقوى بالغريب. . . مليشياويّ كان فيما مضى "فتى العروبة الاغر" يطالب بالحسم العسكري"

ـ عجبك ابو مطلق "شمعوننا" متطرف أكثر من "شمعونهم"

وكانت إجابة ابو مطلق مذهلة للجميع . . . فردة حذائه المكسور الكعب تلطم وجه الشاشة وتخرسها . نظرنا صوب الرجل كانت عيناه قد جحظتا حتى كادتا تخرجان من ماقيهما, وتفاحة رقبته تطقطق صعودا وهبوطا . . جميع الانظار اتجهت صوب الرجل بانذهال , ! ناديناه فما نبس ببنت شفة. امسك درويش بذراعه, هزه برفق اولا, ولما لم يستجب هزه بعنف واقبل كل من كان حاضرا يعرض شطارته. كان ابو مطلق قد تسمر قطعة خشب يابسة. حملوه الى قسم الطوارئ , غادره بعد ساعات وقد فقد قسما كبيرا من ذاكرته وقدرته على الكلام السوي.

الحصار يزداد شراسة ونساء بناية عكر جعلن من ممراتها مكانا لخبز المرقوق والثرثرة وتناقل الروايات، ما صدق منها وما كان من تأليف الخيال النشط. شهد ملجأها ازدحاما غير عادي فقد بدأ يقصده الكثير من سكان البنايات المجاورة, وقد يستضيف بين الحين والاخر مقاومين جاؤوا للاستراحة وأخذ بعض قيلولة. لم يكن سكان بناية عكر يهجرون بنايتهم عندما يقصدها المقاتلون . . ترى! ! . . أ لمثل هذا الامر العادي والبسيط، أصابهم ما أصابهم ظهيرة ذلك السادس من آب؟!

السادس من آب

بدأ الحصار شهره الثالث وبيروت لا تزال تمشي درب جلجلتها وحيدة ما مسحت مجدلية جبينها المنهك ولا وآساها سمعان بصمت . . .

والسادس من آب تميز تلك السنة بشمس كئيبة وسماء مغبّرة غير ما نعهده في آب من شموس مكتنزة وسماوات ضاحكة . . . وهواؤه محمل برطوبة لزجة تزيد من ثقل الهموم على اعصاب المحاصرين المنتظرين، بما يشبه اليأس، قولة حق وانصاف بمدينتهم .

والسادس من آب يوم هادئ إذا ما قيس بغيره من الايام المجنونة التي سبقته . يوم كاد يخلو من أزيز الطائرات الناعبة . . . يوم انتهزها البيروتيون فرصة للخلود الى شيء من السكينة وإلتقاط الانفاس . . . ترك بعض الناس ملاجئهم لتفقد شوارع مدينتهم , وبعض قصدوا أقارب وجيران للاطمئنان على احوالهم , وبعض بدأ يستعد ليهيء نفسه وعائلته لليلة قاسية متوقعه كما هي الحال بعد كل هدوء.

عند الساعة الثانية وبضع دقائق ، سمع أهالي بيروت عموما وسكان منطقة الصنائع خصوصا طلعة جديدة للطيران

ـ حومت طائرتان حربيتان في محيط حديقة الصنائع ( أعلنت الإذاعة)

لم تكمل المذيعة كلامها حتى سمع دوي مكتوم لقذيفتين متتاليتين.

شعرت كوكب وكأن هزة ارضية ضربت المكان . . . تضعضعت الصحون والفناجين من على رفوف المطبخ، وتأرجح السرير تحت جسد عامر الذي كان يغتصب قيلولة قلقة . . . وأصابت رجفة غريبة اطراف عزّة اللتي كانت تقلب صفحات مجلة شبابية. . . وقبل أن يستفيق الثلاثة من ذهولهم جاء صوت المذيعة ليعلن أن الطيران الحربي الاسرائيلي قصف محيط حديقة الصنايع . . .

لا . . . لم يكن قصفا . . . كانت قذيفة واحدة يتيمة . . . ولم يكن على حديقة الصنايع . . . كانت شيئا جديدا لم يعرف له مثيل من قبل اخترق قلب تلك البناية التي لجأ اليها منذ سنوات قليلة بعض الذين قذفتهم المنطقة الاخرى لا لذنب جنوه , بل لان بعض امراء الحرب ضاق بلهجتهم المميزة . . . وصححت الاذاعة معلوماتها , وسميت البناية المقصوفة بالاسم , فهرعت كوكب وابنها وابنتها الى البناية يطمئنون على مريم وعائلتها. قبل وصولهم المكان بلحظات سمعوا صوت انفجار آخر

ـ هي قذيفة أخرى انتبه يما (قالت كوكب)

ـ هذا صوت إنفجار (قالت عزة)

ـ إنها سيارة مفخخة (صرخ عامر)

كادت عزة تصاب بالاغماء وهي ترى أشلاء مصاب مقذوفة على الرصيف، هرع عامر بغير ما تفكير فشدته امه من الخلف:

ـ يا مجنون يمكن يكون في واحدة تانيه.

. . .

إلتفت عامر الى أمه مذهولا:

لم يكن هنالك بناية ما . . . لم يكن هنالك شظايا موزعة هنا وهناك . . . لم تكن البنايات المحيطة القديمة مصابة بأي أذى . . . وكان المستشفى ما زال يربض في مكانه . . . كان وكأن صندوقا كرتونيا فارغا سحق تحت قدمين قويتين فاطبقت جوانبه بعضها فوق بعض

. . .

علّق أحد الاعلاميين:

مئة وسبعون قدريا كانوا يسترقون بعض هدوء . . . ربما كان بعضهم يرتشف فنجان قهوة . . . او يسترق كبوة قلقة . . . أو منشغلا في مشادة كلامية تافهة مع زوجته . . .مئة وسبعون شخصا بينهم ام تحتضن طفلا في حوالي الثامنة من العمر! وقد تمّ التعرف من خلال بقايا حلق في أذن الام على أنهم ربيع وأمه وابوه وجدته

.


مشاركة منتدى

  • hi ms habib
    i read your story "rabih lam uzhir" , but i think you are biased against the christian melitias in your story. you figured them as monsters only while you didn’t say anything about the other melitias in west beirut. i know many people from AD_Damour who suffered like your heros and more but you ignored them. i hope you be more fair in your next comimg stories
    regards
    mathew

  • I authenticated the event as it happened
    yes i memtionrd Ad-Damour suffering
    mistakes that palestinian melitia s did in ras beirut and the young man Charbel from who helped Mariam and her mother in law out of the attabour
    لي اكثر من ساعة اسال عنك. ماذا اقول لهم ؟ مريم! ! . . . في عشرين مريم في المخيم. آسف. أنا لا اعرف اسم عائلتك. أقول مريم التي كانت تعمل في معمل الحرير. متجسمة حنطية كبيرة شوية بالعمر، تزوجت من سنتين فقط. سمعتني مرى وقالت هذه مريم زوجة عوض

    ـ ضحكتني يا شربل

    ـ معك حدا يا تانت

    ـ معي حماتي وجارتي

    ـ تعالوا معي. تقدم من المسلح المسؤول عن الطابور، همس بأذنه كلاما، رمق الصحب بنظرة مكابرة ثم هزّ رأسه علامة الموافقة. إلتفت شربل الى مرافقاته وأشار لهم ان إتبعوني

    ـ والله فيك الخير يا شربل كيف تذكرتني
    and
    ومن قال لك أن الغربية أحسن؟ ! . . . الكخ اخو الكمخة. . . على الاقل نحنا هنا عارفين ما ينتظرنا, بينما هم هناك كل يوم مفاجأة جديده: إسرائيل من ناحية وتنظيم من هنا ومنظمة من هناك, محاسيب في هذا الحي ومنتهزي فرص في حيّ آخر . . . طولي بالك ! ! . . . مع الايام يملون ويتركوننا بحالنا . . . الوضع صعب علينا وعلى كل الناس , مرحله وتمر. . .

    About damour i said:
    أنا لا أحقد عليهم يا رنده. لو كنُّا مكانهم لفعلنا مثلهم. استشهاد أبي وأخي وأختي أمر طبيعي في زمن الحروب. . . أليس بينهم أيضا من استشهد أبوه وأخوه وأخته؟
    حاصرونا حتى كدنا نموت جوعا!
    كُنّا أعداءهم. . . منذ متى يرحم العدو عدوه؟
    غدروا بالجرحى. . . ومنذ متى كان المسلح نبياً أو قديساً؟
     نحن ما نكّلنا بأهل الدامور بمثل ما فعلوا هم في تل الزعتر(تجيب رنده)
     ولكن أهل الدامور كلهم تهجّروا. المذنب منهم والبريء. وكثيرون ماتوا فقط لأنهم داموريون.
    This paragraph about ad-damour came in a different place not mentioned here

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى