الخميس ٥ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم إيمان بصير

رجاء الصانع توجه صفعة للمجتمع السعودي

شي ما دفعني لأن أكتب عن رواية "بنات الرياض" للكاتبة السعودية رجاء الصانع. فمؤخرا وبينما كنت أتسوق في أحدى المحلات التجارية في مدينة ديربورن الأمريكية ذات الغالبية العربية، سمعت طفلا لم يتجاوز الثالثة من عمره يرجو أمه أن تشتري له نوعا من الحلوى، وفوجئت أن الأم تقول له:

"أنها حرام... حرام". صار الطفل يبكي بأعلى صوته، وظلت الأم تكرر عليه:
"لا.. حرام... حرام".

هل يُخيل للمرء أن بعض أنواع الحلوى حرام؟ وأي ذنب يقترفه هذا الطفل إذا ما تناول تلك الحلوى! وهل يُعقل أن تسمع بهذا في مدينة أمريكية!

هل تشبه ديربورن الرياض في كثير من ملامحها؟

ذلك الحدث البسيط الذي بدأ وانتهى بلحظات وجودي قريبة من الأم وأبنها، ذكرني عندما تطرقت الكاتبة رجاء الصانع في رواية "بنات الرياض"، إلى تحريم بيع الورد في عيد الحب بل منع الاحتفال بعيد الحب(ص69)، ومن هنا رأيت أن هنالك ما يستحق الكتابة.

رواية بنات الرياض جاءت كالصفعة لمجتمع يدّعي القيّم الدينية ويطبق الشريعة، وهو يعيش ازدواجية الشخصية، فالعقل مشلول لشدة الخوف من خرق بعض العادات والممارسات، والحيرة بين الحرام والحرام. فالوجوه تغلفها أقنعة سرعان ما تتبدل حسب المكان والزمان والظرف، فمثلا نرى الشاب السعودي مثله مثل المرأة غير قادر على اتخاذ موقف تجاه مجتمعه، الذي يُـسجن بأكمله داخل صندوق تقاليد صارمة من أمثال جماعة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(ص 160، 161). ونراه أيضا يغير لباسه قبل أن تهبط الطائرة في مطار العاصمة السعودية
(ص 134، 135). كذلك تخلع المرأة العباءة وغطاء شعرها عندما تبدأ الطائرة في التحليق في سماء لندن (ص 73). أما الكاتبة فحددت موقفها منذ أول سطر خطته،
وقالت قولا لا يشبه ما يقوله البعض، أو ما لا يجرؤ البعض على قوله حول وضع الفرد السعودي، وبشكل خاص حول وضع المرأة في دولة عربية كالسعودية.

وهو مجتمع لا يختلف كثيرا عن أي مجتمع عربي آخر. فمثلا حال المرأة المطلقة واحد في أي دولة عربية، مدانة ومضطهدة. كل ذلك يصب في مستنقع تخلف هذه المجتمعات في علم الطب النفسي على سبيل المثال، وعجزها عن فهم العقلية الذكورية المتسلطة، وإيجاد النظريات التحليلية والعلاجية. لذلك لم تجد سديم كتابا واحدا لطبيب نفسي عربي يتحدث عن مشكلة تشبه مشكلتها، ويحلل سلوكية خطيبها الذي تخلّى عنها وهي في أمس الحاجة إليه. فلجأت إلى كتب الأطباء والعلماء الغربيين من أمثال سيجموند فرويد، من أجل فهم النفسية والسلوك البشري، لعلها تجد حالة تشبه حال الحبيب الذي تركها وغاب آخذا معه بعضا منها.

أما أن يكون الحديث عن دولة كالسعودية وأن تكون الكاتبة امرأة، فذلك يجعل الحديث أصعب وأخطر، والأمر تطلب شجاعة كبيرة من الكاتبة حتى تم نبش هكذا مجتمع. فرجاء الصانع رفعت صوتها عاليا كامرأة سعودية أولا وككاتبة وهبها الله الجرأة والتميز، وهذه القدرة على وصف حياة المرأة السعودية بأسلوب سردي رشيق خفيف الظل، لتدور بنا عدسة الكاتبة داخل مجتمع يعميه التعصب الديني، كتبت ذلك
ذلك من خلال رسائل الكترونية، مستخدمة نجاحات وإخفاقات وخيبات صديقاتها الشابات الأربعة في إيجاد الزوج المناسب والحب الرومانسي. وهو الحلم الذي حلمت به كل واحدة على طريقتها. وغاصت بنا الكاتبة عميقا إلى هواجس وهموم وحلم كل امرأة على حدة، وكيف تصطدم بواقع عادات وتقاليد بالية فرضتها عقلية الرجل، مستثنية النصف الآخر للمجتمع ألا وهي المرأة، مما جعل وضع الانحطاط والرجعية هما بلا شك حال المجتمع.

بعد أن انتهيت من قراءة الرواية، رأيت وجوه سديم وقمرة وميشيل وأم نوير باكيات كأنهن بورتريهات في صالة العرض ولم يتوقف عندهن أحد، لولا روعة الآداء الذي قامت به الكاتبة، حين أخذت على عاتقها المسؤولية وحملت إلينا صالة العرض غير تاركة لنا خيارا آخر وجعلتنا نلتفت ونتفاعل، فبذلك تكون قد دقت جدرانا لم يدقها أحد من قبل.

لم تكن الكاتبة دخيلة على المجتمع الذي كتبت عنه، فقد قالت قولها بجرأة غير مسبوقة لمجتمع أضناه عفن التقاليد والتمثيل والرياء. مجتمع قائم على الخوف من الغير، ومهموم بذنوب اختلقها لنفسه. مجتمع يعذب أبنائه ويدين بناته عند أتفه الأسباب. لذلك لا يستغرب أن تدان كاتبة كشفت عن مجتمع كامل يزاول حياته تحت جلدات السوط الخفي لمجتمع وسلطة واحدة، ولا يطول من حرية العيش إلا الحلم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى