الخميس ٢٣ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم نهاد بنعكيدا

رسالة إلى السيد الرجل

بالأمس كنت قد انتهيت، حل بي موت أزرق دمر رئتي وكتم أنفاسي، استسلمت له ، طاوعته لأكسب بعضا من الوقت ، شهر أو عام أو عمر آخر ، حتى تأتي... ممتطيا جوادك الأسمر وحاملا سيفك البتار لتدمر الهواء الأزرق الذي حطمني وأسقطني في دهاليز من حياة مميتة مشلولة لا أشعر بها، عرفت أن الذي أتاني موت " ذكر"، فاستعملت مهاراتي الأنثوية وقدمت له جسدي طعما ليؤجل موتي في انتظار عنتر الذي سيأتي أو لا يأتي ، ككل الرجال أخذ الموت يداعب شعري يقبلني بحنو يسألني عن اسمي ، عن رقم هاتفي المحمول ، عن المقهى التي أتردد عليها لأخذ فنجان قهوتي السمراء الصباحية، كنت أجيبه من ذاكرتي بسخاء ، لساني لم يعد يذكر شيئا ، أصابني الهول والخوف والألم وأنا أنظر إلى حياتي الحزينة وسنوات عمري المعدود على رؤوس الأصابع تجمع رحيلها وتقبل ذكرياتي وصور رأسي الصغيرة وتودع الجيران وتقبل فرحي لتختفي . إلى أين ....؟ أجابتني بأسف : سنرحل .... ألا تشعري بما أنت في ؟ شلت حركتي وعلمت أنني في حضرة الموت ، أصارع أسبح ضد التيار والموج عال ، جاءني هاتف من عالم بعيد يخبرني أنني أوشك على الإنتهاء فلا داعي للمقاومة وأن أسلم نفسي دون خسائر، وأن الأمر لن يتعدى مجرد دقائق ، فقط لأجمع أغراضي وأودع عائلتي لينتهي الامر.

أن أنتهي....ليس بالشيء الصعب أو الأمر المستحيل، فلكل البدايات سحرها ولذتها وألمها ووجعها ونهايتها الاكيدة، ولكني لم أتوقع أن تكون نهايتي بهذه الزرقة والغربة ، على سرير بارد بعيدا عنك عن عينيك ويديك ، تمنيت لو كنت ممددة فوق سريري وانت إلى جانبي تسقط دمعاتك وتشد يدي وأنا أذكرك بحبنا وأوصيك خيرا بنفسك وبالوردة التي زرعناها سويا في حديقة المدينة العمومية ، تماما وكأني فاتن حمامة وانت عمر شريف في أيامه ، سيكون موتا أسطوريا لا محالة ، وسيكون الالم أكثر حنوا من الموت على حين غفلة ودون سابق إعلان .

انتظرتك فلم تأت ، دخلت في العد العكسي ، وصار البياض يسود والسواد يلوح لي بيديه من بعيد ، رأيت بعضا من النور ، وعرفت أنه نور الظلام من يدخله يخرج منه إلى ليل أبدي لا آخر و لا أول له .

آخر صباحاتنا ، كان منذ شهر ، افترقنا ، ودعتني على غير عادتك ...قبلتني أمام الملأ ...كأنك لن تراني بعد ذلك ، رقصت فرحا بقبلتك ، وبكيت وأنا أجمعها مع آخر متبقيات صور رأسي .
يا ربي سأموت ، حتى كيد النساء لم ينفع مع الموت ، فما دواء الموت ؟؟ صرخت ، فسقط مني جسدي وتحطم رأسي، لكني شعرت بأياد تعاود ترميمي من جديد ، قد تكون أنت ؟؟ قد يكون الاخر لا يهم انقذوني ، لا اريد مشهد فاتن حمامة ولا أريد دموع عمر شريف ، اريد فقط أن أعيش ولو بدون قلب ولو بدون ذكرى ، أعيش فقط لمجرد العيش ، ليس من أجلك أنت ولا من أجل أي أحد ، أعيش من أجل نفسي ، أعذرني ، تمسكت بك ، تمنيت أن تكون منقذي وأنا في بدايات الاحتضار ....لم تأت.... كعادتك ، سامحنى أريد الحياة حتى ولو بدونك ، أن أكون حتى ولو لم و لن تكون..... لأن الموت مسألة حياة أو موت .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى