الخميس ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم أحمد عيد مراد

رسالة إليها!

(غالبًا ما يتغلَّب الشعر على واقعٍ يجد الكاتب نفسه مؤتزرًا به، ولا يريد منه خلاصًا، ليملي على صاحبه ما يبعده عمَّا هو فيه وإن كان لا يريد ذلك. فالشعر وحي وعاطفة تتحكَّم في النفس وتتغلَّب عليها، ليصبح الشاعر وسيلة لإلهام، وناقلاً أمينًا لما يُملى عليه، ولكن بكلمات تلوِّن اللوحة كريشة فنَّان يشارك فيها الناظرين. فلا ضير في أن أبتعد عن السياسة ومخاطبة العقل قليلاً لأنيب عنها بعض أحاسيس قد تراودنا جميعًا من وقت لآخر:)

نحن معشرَ الأدباء والكتَّاب والشعراء كثيرًا ما نكتب للآخرين، نغنَّي آلامنا أفراحًا لنخفيها عنهم، وندعهم يهيمون في خيالاتنا موهمينهم أنَّنا ننعم في سعادة تترجمها كلماتنا التي تعبِّر عن مكنون أنفسنا. نفعل ذلك على أمل أن نصادف نحن أنفسنا ما نتمنَّاه للآخرين.

وشتَّان بين ما أخطَّه لكِ الآن، وبين ما تخيَّلته من واقع حدسي، ومن فرط الإبحار في سدرة مستقبلٍ تمنَّيته أن يستتبَّ أديمه لكلانا فنبحر فيه، نرنو إلى المستقبل بعيون يسجرها الأمل ويفعمها الهناء. خلت آنذاك، يوم أن التقينا في الهمس وتبادل المشاعر، واحتراق الأشواق أنَّني واجدٌ صفاء الحياة في إنسان يقدِّر المشاعر ويسمو بنُبلها. خلت أنَّ مَن فتحت له قلبي وأسكنته في جوارحي، يبادلني مثلها لتتعانق روحانا ونتوحَّد كلانا في صيرورة شئتِ ألاَّ تكون.

والآن يكتب القلم بحرقة الألم وانفعال العدم. أكتب لا لأتبيَّن الحقيقة، فقد علمتُها. أكتب لا لأعبِّر عن مشاعر الإحباط ولوعة الجرح في القلب، فهذا إن كان، فليس بغريب عن قلوب الشعراء والأدباء والكتَّاب. فقد عجمت عوده وخبرته، ولن يفيد فيه التكرار أو المكثُ في سدرته. فكم من مستقبلٍ نتخيَّله ونعيش في أوهامه، يغدو ماضيًا لا نأسف عليه، وإن رسفنا في قيوده. وكم من قيدٍ تركت آثاره في أرواحنا نُدبةً، ولكنَّنا واسينا النفس لنسمو على الجرح، ولا نأسو على ماضيه!

أكتب لأدعك تعلمين أنَّ الإنسان الذي أوشك أن يترك قدره يقبع تحت رحمة قضائك قد أدرك أنَّه سَلِمَ من مَغبَّة الإقدام على مجهول لستِ كافية له، أو قمينةً به. أكتب لأُعلِمَ مَن أوليتها القلبَ ومحضتها الحبَّ أنَّها غيرُ جديرة بكلاهما، وغيرُ قادرة على إيلائهما.

أكتبُ لأقول إنَّك تعيشين في وهم الحاضر واستحالة المستقبل، بينما كنتُ أعيش وهمَ المستقبلِ في خداعِ الحاضر. وبينهما، أو بيننا كما يقول نزار، أبحرٌ وجبال:
كَلِماتُنا في الحُبِّ تَقْتُلُ بَعْضَها إنَّ الحُروفَ تَموتُ حينَ تُقالُ
ويبدو لي أنَّ كلماتك لي كانت تموت قبل أن تُقالَ. وهنا مكمنُ الداء في علاقة غير سويَّةٍ، أو على الأقلِّ، لم تكن سويَّة من جانبك.

ولستِ بحاجة لأن تعرفي أنَّ الحياة لا تستوي والموتَ. وإذا ما اخترتِ أنت نهايةً لحياةِ حبٍّ كاد يورِقُ ويينعُ، فأنا أُوثرُ غير هذا. وهذا أنت لستِ جديرة به.

ومع الجرح في القلب، والألم في النفس، أقول لك سامحك الله. وأتمنَّى لكَ السعادةَ التي كنتُ قادرًا على أن أعطيكها، ولكن آثرت أنتِ أن تقضي على برعمها، وتقتلي زهرة مستقبلها.
فلتذهبي حيث شئتِ مودَّعة بدعاء الرحمة والغفران. ولكن، هذا فراقٌ بيني وبينك.

ودعيني أهمس في أذنك قبل أن أقول شكرًا لك: إنَّ خسارتي في رهاني عليك لا تتعدَّى خسارة مقامر، أدرك بعدها سوء ما يفعل، فثاب إلى رشده، وجمع نفسه وسار دون أن يلتفت إلى الواراء. فلا تفرحي.

لا تََفْرََحِِي إِنَّ الزُّهُوْرََكََثِيْرَةٌ

(1)
الحبُّ أرَّقَنِـي وَضَجَّ بِمُهْجَتِـي
وَلَطَالَمَا خَسِـرَ الرِّهَـانَ رِجَالُ
وَتَرَكْتُ خَلْفِـي طَيْفََ حُبٍّ زائِفٍ
يَنْفِي الجَوَابَ وَمَا أتاهُ سُـؤالُ
قَدْ كُنْتِ حُلْمًا فِي جُفُونِ مُسَهَّدٍ
أَوْ هَمْسَــةً فِي نُطْقِهَا تُغْتَالُ
غَامَرْتُ فِي حُبٍّ وَكُنْتُ مُرَاهِنًا
فَِإذَا الرِّهَانُ كَمَـا الظُّنًـونُ خَيالُ
قَدْ كُنْتِ وَهْمًا فِي حَقيْقَـةِ شَاعِرٍ
وَاليَوْمَ ظَـنٌّ وَاهِـمٌ وَمُحُــالُ
(2)
فَلْتَذْهَبِي، لا تَرْجَـعِي لا تَرْجَعِـي
إنِّي بِمَكْرِكِ قَــدْ عَرَفْتُ مَكَانِـي
وَسَئِمْتُ حُبًّا فِي المَـزَادِ عَرَضْتِـهِ
وَتَرَكْتِنِي مِـنْ غَيْرِ ذَنْـبِ أُعَانِـي
بَعْضُ النِّسَاءِ كَمَا الخُيُوْلُ عَرَفْتُهَا
وَوَجَدْتُ فِيْهَـا مَا دَمًـا أَبْكَـانِي
الوَهْـمُ أَسْـعَدَني بِحُلْمٍ مَــرَّةً
وَعَلَى الحَـوافِرِ غَيْرَهَـا أَلقَانَي
(3)
إِنِّي هُزِمْتُ، وَلَسْـتُ أَنْدُبُ وَاقِعِي
فَمَعَ الهَزيمَـةِ قَدْ وَجَـدْتُ كَيَانِي
وَجَمَعْتُ أَشْـلائِيْ أُلَمْلِمُ بَعْضَهَـا
وَتَرَكْتُ خَلْفِـي مَاضِيًـا أَشْـقَانِي
وَوَجَدْتُ أّنِّـي فِيْ فِرَاقِـكِ رَابِـحٌ
فَتَوَهَّمِـي إنَّ الحَيَـاةَ أَمَانِــي
(4)
لا تَعْجَبِي إنْ جَاءَ شِـعْرِيَ وَرْدَةً
مَسْـلوبَةَ الإِحْسَاسِ وَالأَشْـجَانِ
فَإِذَا شَـمَمْتِ العِطْرَ فِيْ أَنْفاسِهَا
فَلَقَدْ كَتَبْتُ بِلَوْنِهَـا أَحْزَانِـــي
لا تَعْتَبِي إنْ جَـاءَ رَدِّيَ قَاسِـيًا
أَنْتِ التِي فِي الحُبِّ شِئْتِ هَوَانِي
(5)
إنَّي زَرَعْتُكَ فِـي خَمِيْلَتِي وَرْدَةً
فَزَهَتْ بِضَـوْعِ أرِيجَهَا أَفْنَانِـي
فَقَطَفْتِهَـا لِلْغَـيْرِ يِلْثُـمُ ثَغْـرَهَا
وَتَرَكْتِ شَـوْكًا جَارِحًا أَدْمَـانِي
لا تَفْرَحِـي إنَّ الزُّهُـوْرَ كَثيرَةٌ
تَنْمُوْ وَتُوْرِقُ فِيْ رُبَـى بُسْتَانِي
لَكِنَّهَا فِي رَمْـلِ قَلْبِـكِ مَيْتَــةٌ
لا خَيْـرَ فِـيْ حُبٍّ بِـلا وُجْـدَانِ
إنِّي أَرَدْتُكِ فِـي حَيَاتِـيْ وَحيْـدَةً
وَأَرَدْتِنِـي فِيْـكِ الشَّـرَيكَ الثَّانِي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى