الخميس ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٤
بقلم بشرى عوني الحديدي

رسالة لم تكتب بعد...

بسم الله الرحمن الرحيم

من الجسد الصغير المجروح إلى صاحبة العقل المجروح..تحية حزينة من الطائر المكسور من رفح...أما بعد:

فلقد أحببت أن أهنئك بأنني قد انضممت إلى أمي الثكلى و إلى خلاني .اليوم في عيد ميلادي العاشر, جاءت هذه الأشياء الحديدية الكبيرة التي على رأسها أنبوب طويل و دمرت القرية و ما فيها..آخر شيء كنت أذكره أنني كنت ألهو مع ميس ( أختي الصغيرة), و رأيت أشلاء تحت هذا الشيء الكبير,لقد صدمت في بادئ الأمر لأنني لم أفهم أن تلك الأشلاء الصغيرة هي ميس..تجمدت بذهول أمامها,وسط أصوات الرعد على ما أظن,و تدافع الناس.

مجزرة رفح

فجأة أصبحت أعدو من مكاني متوجهة الى جدتي..فرأيتها منهارة من البكاء وسط عويل النساء ,قالت لي أن آخر أخوتي نضال استشهد!تحجرت الدموع في عيني,لم أعرف ماذا كان علي أن أفعل,أأعزيها أم أنقل لها أن ميس في وضع غريب تحت هذه الأشياء الحديدية..أم.. لكن الذي أعرفه أنني تقدمت ببطء نحو جدتي،مسحت دمعها بكفي الصغيرين،و ضممت رأسها إلى صدري،لقد أحسست بصدى عويل جدتي و قد أفرغته في كهفه،و أحسست قلبي ينبض بقوة.

خرجت مسرعة من المنزل إلى موقع الدمار و الخراب و الأشياء الحديدية ...و موقع ميس ،مع أفكار غريبة،أتعرفين بماذا كنت أفكر بينما أنا أركض؟ كنت أفكر بك ...نعم كنت أفكر بك و بفشلك و خوفك من مكانك....و هل لا زلت تفكرين أين سيكون اجتماعك الفاشل لهذا العام و بأي قضية ستتناولين؟؟

صحوت فجأة من أفكاري على صوت تحطم الزجاج و صوت الرعد,لقد وصلت للمكان,لماذا أنا هنا؟لم أفكر...و لا أعرف لماذا قبلت الأرض و تمعنت لوهلة بهذا الشيء الحديدي و انطلقت نحوها و الحجارة تحتضن كفي الصغيرين...لعلي أجد ميس مختبئة وراءها،لكن...لكن لن أكمل لك...لن أكمل لك لأنك تعرفين ما حدث ,فقد كان كل شيء لونه أحمر من حولي،أما زلت مرتاحة و قد ثملت هذا اليوم أيضا من دمي و دم نضال و ميس ،و احتسيتيه مع ندمائك؟أم ما زلت عطشى للمزيد؟لتتمكني من التفكير أين سيكون اجتماعك لهذا العام؟؟

يا لك من مريضة!أنسيت دم أخي الكبير محمد الدرة؟أنسيت دم أختي الرضيعة إيمان حجو و صدرها الذي يحتضن القنبلة مع صيحات والدها الذي فرح بروحها الشهيدة و حزن على جسدها الضعيف؟؟ و أخي صاحب الشهور الستة ضياء؟؟الذين قتلوا قبل أعوام و بقيت بقايا صورهم محفورة بالذاكرة؟أظنني لن أطيل عليك و أنا أذكرك بهم أو أتلو قصصهم عليك من جديد.

ألا تفكرين بالتحرك بأي خطوة؟لا بأس و ان كانت صغيرة,أم أنك تريدين التخلي عنا كما تخليت عن أرض الرافدين و لم تنطقي حتى بكلمة!

أظنك سعيدة باحتواء الطفل المدلل الوسيم شارون!و تسعدين به قصرا!!لكنني لن أكذب مثلك ، ان أنت صمت فأنا لن أصمت و أنا لا أقبل باحتواء شيء ضخم متوحش في أرض القداسة فلسطين,ولن أقبل بنعت الخنزير بالوسيم!!على الأقل ساندي أحد أعضائك الشرفاء الذي نطق بالحق فنطقته المحاصرة،أظنك عرفت (ي.ع) و لكنك تتناسيه.

أتظنين أن هذه المعاناة لنا فقط و الراحة لكم؟!لا لا ,لا تحلمي بأي من هذا،فالمقصلة تنتظرك من بعدي و بعد أسرتي فلسطين و أبناء عمي بلاد الشام.

سأودعك الآن كما ودعتك رفح المسكينة,سأتركك و أنا أدعو لك بالنصر على شبح صمتك و خوفك,و بالنهاية أقبل جبينك اعتذارا مني على جرأتي و صراحتي غير المرغوب فيها.

و السلام المفقود ختام.

بسم الله الرحمن الرحيم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى