السبت ٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم أحمد الخميسي

رسالة من بهاء طاهر إلي المعارضة المصرية

في الأول من أكتوبر بعث الروائي الكاتب بهاء طاهر برسالة إلي إحدى صحف المعارضة، لكن أحدا في اعتقادي لم يتوقف عندها بالاهتمام الذي تستحقه بما في ذلك المعارضة التي كانت الرسالة موجهة إليها في الأساس. وخلال شهر كامل كانت دعوة بهاء طاهر تلح علي بإعادة الكتابة في الموضوع ذاته، أو التنبيه إلي الرسالة مرة أخرى. لكن على الصحافة كما يقولون أن تلاحق دائما الأحداث الساخنة التي جرفتني إليها دون أن تنزع من نفسي أهمية ما كتبه الروائي الكبير . والرسائل قديمة في الأدب العربي ، وكان القرن الرابع الهجري أزهى عصورها ، وقسمت إلي نوعين : الرسائل الديوانية التي تكتب في شئون الدولة وكان من أشهر كتابها أبو الفضل العميد ، والإخوانية وهي التي كان الأدباء يكتبونها في مختلف المواضيع . ومن أشهر كتاب الرسائل في تلك الحقبة بديع الزمان الهمذاني ، وأبو حيان التوحيدي ، والخوارزمي . وفيما بعد كتب الجاحظ رسائل صغيرة مثل (رسالة التربيع والتدوير ) وفعل مثله السيوطي . وظهرت رسائل الكندي ، وأخوان الصفا ، ثم ظهرت في أوروبا " رسائل فولتير الفسلفية " ، وكانت تلك الرسائل في واقع الأمر مقالات وإن لم تحمل ذلك الاسم .

ومع زوال ذلك العنوان ، احتفظ تاريخ الأدب برسائل الأدباء أنفسهم إلي أصدقائهم أو عشيقاتهم ، أو أقاربهم ، مثل رسائل بلزاك التي كان يكتبها لأخته لورا ويشكو لها فيها من " الطاحونة الدائرة التي يسمونها الحياة " ، و رسائل توفيق الحكيم إلي ابنته وكان يحثها فيها على عدم التبذير . ورسائل الكتاب إلي المحبوبة كثيرة جدا . إلا أن الرسائل التي ظلت لامعة في التاريخ كانت تلك التي يكتبها الأدباء في الشأن العام ، مثل رسائل الأديب الروسي الكبير ميخائيل بلجاكوف إلي ستالين ، ورسالة جابريل جارثيا ماركيز عن " ليل الضمير البشري " الخاصة بالوضع الفلسطيني ، وهناك أيضا كتيب صغير أقرب إلي الرسالة نشره في سبتمبر 1990 الكاتب الروسي المعروف سولجينتسين وهو خارج بلاده بعنوان " كيف نعيد بناء روسيا " ، وبيعت منه سبع وعشرون مليون نسخة ، أي أكثر بمئات المرات من كل ما باعته كل أعمال الكاتب الروائية ! والشائع أن الرسائل المتصلة بالقضايا العامة تكتب موجهة إلي الحكام ( شائع لكن ليس عندنا ) ، أو إلي الشعب ، لكن من النادر أن تجد رسالة موجهة إلي المعارضة التي ينتمي إليها بشكل أو بآخر الأديب نفسه صاحب الرسالة .

وتدخل رسالة الروائي العزيز بهاء طاهر في إطار الرسائل النادرة . وفيها لا يتخلى الكاتب الكبير عن رؤيته ، وموقفه ، ولكنه ينتقد بشدة الموقع الذي وجد نفسه فيه ، ومازال ، بملء إرادته . يقول بهاء طاهر في رسالته إنه بدأ يفقد حماسه لقراءة كل الصحف المعارضة والمستقلة والقومية بلا استثناء ، وأن الصحافة قد أوصلت الناس إلي حالة التشبع من الحديث عن كل الأخطاء ، إلا أن تلك الصحافة على حد قول بهاء طاهر : " لا تدل القارئ على أي مخرج ". وأن الصحافة تعلن للقارئ يوما بعد يوم ، وأسبوعا بعد أسبوع ، أن الكوراث باقية على حالها أو أنها تتفاقم . ويضيف بهاء طاهر بالنص : " في حين أن السؤال الملح المطلوب سماع إجابته هو : ما الحل ؟ " . ويختتم الكاتب رسالته القصيرة بقوله : " اسألوا أنفسكم واسألوا قراءكم عن الحل بدلاً من تزيدونا بما تنشرون هما على همّ وقبل أن تفقد الصحف آخر قرائها " . والسؤال الذي يطرحه بهاء طاهر هو السؤال التاريخي : " ما العمل ؟ "، وحين يطرح الكاتب ذلك السؤال ، فإنه لا يتوجه به إلي صحف المعارضة بقدر ما يتوجه به إلي المعارضة كلها ، وإلي أساليب عملها ، وإلي إعلانها خلال خمس سنوات عن عشرات إن لم تكن مئات من أشكال التحالف والجبهات والائتلافات ولجان التنسيق وغير ذلك من تسميات ضخمة منفوخة تعلو وتفرقع متلاشية مثل البالونات ، دون أن تراكم خبرة أو وسيلة أو رؤية . وقد كنت أرقب طيلة الشهر الماضي أن تستقبل المعارضة بجدية رسالة كتلك صادرة عن كاتب يتمتع بكل هذا التقدير والإعزاز، وأن تعقد الاجتماعات خصيصا لمناقشة كلمته ، وأن يدعى بهاء طاهر ، وغيره لحضور تلك اللقاءات ، لتستمع المعارضة باهتمام إلي آرائهم ، لكن شيئا من ذلك لم يحدث بطبيعة الحال ، لأن ما لدينا هو صحف توحي بالمعارضة ، وليس معارضة توحي بمواقفها عبر الصحف . ويظل سؤال بهاء طاهر معلقا : " ما الحل ؟ " ينتظر أن تجيب عنه قوى أخرى جديدة ، قادرة على أن ترى شيئا في الأفق .
***


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى