السبت ٢٧ أيار (مايو) ٢٠٢٣
بقلم ديمة جمعة السمان

رواية مريم -مريام للأسير كميل أبو حنيش في اليوم السابع

ناقشت ندوة ليوم السابع الثّقافية المقدسيّة رواية" مريم مريام" للأسير كميل أبو حنيش، وتقع الرّواية الصّادرة عام 2020 عن دار الآداب في بيروت في 263 صفحة من الحجم المتوسّط.

افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:

أبدع الروائي الأسير كميل أبو حنيش بن قرية بيت دجن في رواية مريم مريام، إذ عكست الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقدّمت إجابة شافية وافية عن سؤالين يتم طرحهما دون أي إجابة مقنعة.

السؤال الأول: ما إمكانية التعايش السلمي بين الفلسطيني والإسرائيلي تحت سقف واحد؟

والسؤال الثاني: ما مدى رضا الشعب الفلسطيني عن اتفاقية أوسلو؟

قرأنا الإجابة بين السطور. أتت مقنعة وجليّة واضحة دون أي لبس؟ لا مجال للتعايش السلمي بين الذئب والحمل. وما كانت اتفاقية أوسلو سوى آخر مسمار في نعش أمل العودة إلى الوطن المسلوب.

أهدى الكاتب الرواية إلى الذين فضّلوا الموت عن الرحيل، إلى من قالوا نعم في وجه المستحيل، مسيح الشهداء، صديق الأسر والموت والفناء، رجل الموقف الأبيّ الذي لن نقبل فيه عزاء، عيسى عابد (أبو سريع) الفداء.

إلى من جعل الوطنَ جيشَه، ورفض أن يغتال الوطنُ بجيشهم.

وقد جاء تقديم الرواية بقلم نصير الأسرى، المحامي الحيفاوي حسن العبادي.

أجاد الكاتب في حبك الرواية، وربط الخيوط، واتباع أسلوب العودة بالذاكرة (الفلاش باك) التي أتت على ألسنة شهود عيان، فجاءت سلسة ومشوقة بكل تفاصيلها الدقيقة، كما قدّم معلومات تاريخية على لسان المناضل الفلسطيني أبو سريع، الذي كان أشبه بالموسوعة المتحركة، لا يعجز عن الإجابة عن أي سؤال يطرح عليه.

تتحدث الرواية عن الشاب إبراهيم، الذي عاش التيه بلا هوية تشكل له الشعور بالانتماء، وذلك على مدار عدد صفحات الرواية، إلى أن وجد الحقيقة واختار وجهته التي أراحت ضميره وصالحته مع ذاته.

فكيف لا يعيش الصراع الداخلي؟ فهو ابن اليهودية (شلوميت) ابنة مريام وآدم الذي قتل على أيدي الفلسطينيين بعد نكسة عام 1967. وكانت قد جاءت عائلتها من نيويورك، واستقرت في مستوطنة على أنقاض منازل المهجرين في صفورية بعد أن نجت من المحرقة بأعجوبة. أمّا والد إبراهيم فهو (الياس) الذي هجر من قرية صفورية عام 1948، وهو لا زال جنينا يسكن رحم أمّه مريم الفلسطينية، وابن محمود الذي سقط شهيدا وهو يدافع عن قريته صفورية قبل احتلالها. صفورية التي استبدل الاحتلال اسمها بِ تسيبوري بعد احتلالها، لمحو تاريخها وذكريات سكانها الأصليين قبل النكبة.

أمّا أخت إبراهيم (عنات) اليهودية، فهي ثمرة زواج أمه شلوميت وزوجها السابق اليهودي.

معادلة غريبة عجيبة، فمن عليه أن يتبع؟ وإلى أيّ معسكر ينتمي

عاش إبراهيم صراعا نفسيا مريرا. كان منبوذا من الطرفين. تعرض للتنمر من أقرانه. فقرر أن يبحث عن الحقيقة، ليجد نفسه ويتصالح مع ذاته.

وفي النهاية اختار أن يكون فلسطينيا، يدافع عن حق شعبه مظلوم، الذي عاش مرارة النكبة ووجع النكسة، وهُجّر من أرضه، وسلب حقه في العيش حرا في وطنه،

وممّا يذكر أن في الشريعة اليهودية يتبع الطفل ديانة أمّه! إلا أنّه قرر أن يخوض رحلة البحث عن الحقيقة. وقد كان لجامعة بيرزيت أكبر الأثر في اتخاذ قراره، إذ أشار الكاتب إلى دور الجامعة الهام في صقل شخصية كل من ينتمي إليها، وتشكيل هويته الوطنية الفلسطينية.

رواية أشبه بالملحمة، تناولت قضية شعب يتوق إلى الحرية، من خلال شخوص رسمها الكاتب بعناية، واختار أسماءها بذكاء، جعلها تتحدث عن ذكرياتها وآمالها وأحلامها ومشاعر الخذلان.

رواية لخّصت القضية، بلغة سليمة، وبطرح عميق، غاصت في دواخل الشخوص، وأخرجت مكنوناتها.

رواية أنصح بترجمتها إلى لغات العالم، كما آمل أن أراها مجسّدة على الشاشة الكبيرة فيلما، لينقل الحقيقة إلى العالم أجمع.

الحرية لأسير الحرية الأديب المبدع كميل أبو حنيش، ولأسرانا البواسل كافّة.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

رواية"مريم مريام"هي رواية الفلسطيني الذي هجر من قريته عام 1948، وقد اختار الرّوائي الأسير كميل أبو حنيش قرية صفورية المهجرة قضاء الناصرة كمثال لتصوير الناحية النفسية عند الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة، وكصرخة حق في أنّ الفلسطيني ما زال يحفظ ذاكرة نكبته ووجعه، وإن تغيرت الأسماء والأماكن، فصفورية تحولت إلى اسم آخر"تسيبوري"بينما أهل صفورية سكنوا في الناصرة في حي الصفافرة.

الرواية رمزية، تعبر عن الناحية النفسية والعاطفية عند الفلسطيني في مواجهته للتغيرات والصعوبات التي حدثت ما بعد النكبة، الصراع النفسي في مسألة حق العودة لأهل صفورية، وتتمثل بشخصية مريم الفلسطينية التي فقدت أهلها وزوجها في الحرب، ورفضها المساومة والتنازل عن حقها، وبالمقابل يعرض الرّوائي حنيش من خلال شخصية مريام اليهودية قضية اليهودي، الذي سكن القرى المهجرة وهو مؤمن في حقه بالاستيلاء على الأرض والمكان، من منطلق ادعائه بوعد الرّب لهم وقضية الهولوكوست وعذابهم في المحرقة، وادعائهم بأن العرب من اختاروا الحرب.

نجد الناحية النفسية عند إلياس ابن مريم الذي يسترجع طفولته أثناء النكبة وبعدها وبين أطفال تسيبوري حيث الملابس النظيفة والبيوت الجميلة، وأيضا يبرز الرّوائي التوتر عند الفلسطيني والمفارقة الغريبة في مساهمة بناء العامل الفلسطيني للبيت اليهودي، وما زال الفلسطيني حتى يومنا هذا يعاني من هذا الصراع، ففي الرّواية يقوم إلياس ببناء قرميد لليهود في مسقط رأسه في صفورية (تسيبوري).

كما تتجلى الناحية النفسية في شخصية إبراهيم الذي يمثل الأجيال الشابة، وفي صراعه ما بين حكايا الماضي والواقع. وفي سؤال لماذا يجمع الحكايات يقول:

"أحتاجها لأجمع شتات روحي المبعثرة"

ففي نسيج الرّواية التي تبني من خيوط الزواج المختلط بين إلياس العربي ابن مريم وزواجه من شلوميت اليهودية ابنة مريام، تكمن تفاصيل الصراع، وقد أحسن الرّوائي في جعل الشخصيات المتعددة بين العائلتين وخارجها تبوح بوجهة نظرها في مسألة حق الملكية للأرض والمكان، ومدى انتمائمهما لهما. فالرّواية تبحث في قضية الهوية والانتماء، وتنتصر في النهاية لهوية إبراهيم الذي يقرر انتماءه لجدته مريم وليس لمريام، أيّ لحكاية الفلسطيني الحق، والرّواية بأسماء شخوصها هي دلالة على الناحية النفسية القائمة في الرواية، إبراهيم أو أبرم، شلوميت أو سلام، مريم -مريام.

تطرح الرّواية عدّة تساؤلات بالنسبة لقضية اللجوء، حقوق الفلسطيني الذي هجر من مكانه وأرضه، حول هل بإمكانية الفلسطيني الذي هجّر من أرضه وبيته أن يسامح من اغتصب أرضه؟ هل يستسلم الفلسطيني للأمر السياسي القاهر؟ جاء أسلوب الرّوائي كميل أبوحنيش سلسا وانسيابيا، بضمير المتكلم على لسان إبراهيم، وهو ينقل رواية النكبة من خلال جدته مريم، وقد كان الاسترجاع الفني (فلاش باك) حاضرا يعيد ويصور تفاصيل الحرب والصدمة، جاء السّرد ممتعا يشدّ القارىء بأسلوب مشوق وبثقافته الواسعة، أحسن في صقل شخصيات الرّواية من خلال خلق الصراع حول الهوية والانتماء والأرض، وصوّر حالة التوتر، والقهر لدى الفلسطيني في حنينه لحبات التّين في صفورية، كما استخدم الوصف الجميل في وصفه لقرية صفورية، وبين علاقة الفلسطيني المتينة بأرضه من خلال أسلوب المقارنة التي أجراها بين مريم ومريام.

رواية "مريم مريام"إضافة إبداعية للعمل الأدبي داخل سجون الاحتلال.

وكتب المحامي حسن عبّادي:

يسعدني أن أكون مرّة أخرى مع رواية مريم/مريام التي تربطني بها علاقة وجدانيّة خاصّة.

تحدّث صديقي الأديب صبحي فحماوي في روايته "سروال بلقيس" عن فلسطين وأيّام الزمن الجميل الحاضرة في ذاكرة اللاجئين كلّ الوقت، فصالحة السمراء تتحدّث عن أيّامها الجميلة في صفّورية، في بيت حجر نظيف وعِلِّيّة مُطلّة على بحر عكا تحرسه بيّارة، أيّام الدراسة والموسيقى الكلاسيكيّة الغربيّة، والنشيد الوطني الفلسطينيّ، وحمده تستذكر زوجها الشهيد وذكريات تلك الأيام وبلقيس تستحضر تلك الأيام على أمل أن تعود...قريبًا.

قال عاشق صفورية، المرحوم طه محمد علي: "صفورية هي من صنعت منّي شاعرًا".

في الخامس من شهر كانون الأوّل عام 2018 رافقت إيفا(سميرة) حمده الزعتريّة بطريقنا خروجًا من الناصرة فسألتني عن بلدة صفّورية، فركنتُ السيارة لنطلّ عليها وتساءلتُ في أذنيها: "ما هو الأصعب، أن تنظر إليها صباح مساء وحُرمتَ منها أم أن تكون لاجئًا في الشتات، وكلاكما تحلم بالعودة إليها؟".

وحين قرأت رواية "تذكرتان إلى صفّورية" لصديقي الروائي سليم البيك تساءلت: لماذا يكتب الجميع عن صفوريّة؟ ووجدت الجواب حين قرأت رواية "ستّي مدللة" لصديقي مصطفى عبد الفتاح، لأنّها الجنّة المفقودة.

تركَت ستّي مدلّلة قريتها صفورية قسرًا، هُجّرت إلى لبنان وعادت متسلّلة لتسكن في قرية كفر-مندا الواقعة على مرمى حجر من صفوريّتها، تنتظر تحقيق حلمها بالعودة. خذلها الجميع فهرِمت، أرادت أن تستنشق هواء بيتها وحديقتها ... هواء صفورية. وصيّتها، وهي على فراش الموت، تسلّم مفتاح البيت الصفّوري لحفيدتها قائلة: "خذي يا صغيرتي هذا المفتاح، إنّه مفتاح بيتنا الكبير" حالمة بأن تُدفن هناك، مثلما فعلت الجدّة رُقيّة (بطلة رواية الطنطوريّة لرضوى عاشور) حين التقت حفيدتها على الجانب اللبنانيّ من السلك الشائك، تناولتها من فوق الأسلاك، قبّلتها، قامت بنزع المفتاح من عنقها، مفتاح دارهم في الطّنطورة الذي ورثته عن أمّها لتعلّقه بدورها على رقبة الطفلة، وهي تصرخ بصوت عال: "مفتاح دارنا يا حسن. هديّتي إلى رقيّة الصغيرة".

قلت لكميل حين انتهيت من قراءة مسودّة الرواية، وكان عنوانها المقترح "أرض السماء" وأحداثها "صفّوريّة" بإمتياز: "صفّوري يطلّ على صفّورية المدمّرة من حيّ الصفافرة النصراويّ، عادة يورّثها الجدّ للحفيد، لا تبعُد مرمى البصر، ولكنّها سُلبَت منه إثر النكبة؛ صفوريّة أجمل مكان في العالم، فردوسًا مفقودًا يحلم أبناؤه باستعادته يومًا ما".

أهلنا في الشتات والمنافي يعيشون هاجس العودة -عودةِ الروح الى الجسد. يلاحقهم كابوسٌ مزمن: الخوف أن يغادروا هذه الدنيا قبل تحقيق العودة... كلٌّ إلى "صفُّوريَّته".

كميل صاحب رؤية ورؤيا؛ فكتب، حين سمعت الجدَّة مريم: "يا حجّة، عقبال العودة لصفُّوريَّة"، أجابت بلهفة واحتضان وقُبلة: "هذه أجمل أمنية أسمعها في حياتي، لم يقُلها لي أحد منذ سنوات بعيدة".

نعم، لم ولن نرضى القبول بعودةٍ فرديَّة على شكلِ مِنَّةٍ من أحد. ولكلّ صفُّوريٍّ قبر ينتظره؛ ليُدفَن في تراب الوطن... في صفُّوريَّة.

كُتب الكثير عن صفوريّة، وكُتب عن الكويكات والطنطورة والشجرة، وحبّذا لو يكتب أدباؤنا عن باقي قرانا ومدننا المُهجّرة؛ لأنّه هناك ضرورة مُلحّة لدحض الرواية الصهيونية التي علّمونا إياها منذ الصغر. روايتنا الشفوية الصادقة مُهمّشَة ومُغيّبَة وآن الأوان لتدوينها، ولو عن طريق الأدب.

كان لي شرف توقيع الرواية نيابة عن كميل حين أشهرتها دار الآداب في معرض الكتاب الدولي في عمّان (وشاركتني زوجتي سميرة وكمال – أخو كميل).

همس لي كميل في إحدى اللقاءات في سجن ريمون/ صحراء النقب: "حلمي أن تُطلق روايتي الصفوريّة على أراضي صفورية"، وحقّقت له الحلم حين رتّبت مع اتحاد الكتاب الفلسطينيين الكرمل-1948 ندوة هناك؛ ليفرح فرحة منقوصة، وكم كان يرغب أن يكون بيننا. حوّلنا صفوريّة المهجّرة إلى حلبة مصارعة، يتصارع فيها التاريخ الحقيقي والطبيعي مع التاريخ المزوّر والاصطناعي.

وها هو كميل يكمل الحلم بتواجده في القدس الغالية على قلوبنا.

قلتها مرارًا وتكرارًا؛ تحرير البلاد بتحرّر كافّة أسرانا. وتبقى الكتابة متنفّس لأسرانا...إلى حين..الحريّة للعزيز أبو حنيش وأسرى الحريّة.

وقال عبد المجيد جابر:

افتتاحية الرواية:

ففي روايتنا هذه نرى أن الشخصيات الرئيسة كمريم وأهلها وزوجها محمود وأهل صفورية كلُّهم، وليس هؤلاء فقط، بل شعب بأكمله تحالفت كل قوى الشر في الأرض عليه، وأغلب الشخوص ومَن لم يُقتل منهم كلهم قد خرجوا وهاجروا من وطن مسلوب، والقليل منهم من عاد لمرابعه، وتشبث بتراب وطنه، ولاقى ويلاقي الظلم والعسف والتهميش والذبح والتعذيب، والوحدة الوظيفيّة في المقدمة دليل على جودة افتتاحيّة الرواية وتماسكها. فالوحدة الوظيفيّة، مهما يكن شكلها، قادرة على تحديد مسار الرواية، وطبيعة السرد فيها، فضلاً عن إثارتها شغف القارئ، وحفزه إلى القراءة، والتمهيد لبناء الشخصيات واختراق الأمكنة الروائيّة.

الرمز

زواج الياس من شلوميت يرمز ويمثل التعايش المشترك بين العرب واليهود وتناسي الماضي والأحقاد، وهذا الرمز في الرواية هو ثمرة زواج الياس من شلوم أو شلوميت ابنة مريام، ولكن هذا التعايش لم يتحقق، ودليل ذلك أنْ كان من ثمرة ذلك الزواج الابن إبراهيم أو أبرم الذي قضى فترة شبابه في حيرة وتخبط وفقدان للهوية والانتماء، وفشل الابن في تقريب وجهات النظر بين جدتيه: مريم ابنة صفورية اللاجئة والحالمة بعودة الحق لأهله، وبين مريام الصهيونية الناجية من محرقة الهولكست والجاثمة والقاطنة على أنقاض بيت مريم، وتعتبر أن هذه الأرض هي أرض إسرائيل، وهي أرض الآباء والأجداد.

أهميَّة المكان

يمثل المكان في القصّ، عنصراً مهما من عناصر السرد الروائي، ليس لأنه الفضاء الأفقي للنص فقط، حيث تدور الأحداث، ويتحرك الأبطال في دوائر متقاطعة، وتتضح معالم شخصياتهم وتنمو وتتحول، بل لأن المكان في كل أبعاده الواقعية والمتخيلة يرتبط ارتباطاً وثيقا بالجانب الزمني والتاريخي للنص وشخوصه، بحيث ينتج عن التفاعل (الزماني- المكاني) منظومة سردية تنتظم في الشكل الروائي الذي تمّ اختياره لتقديم الأحداث والأشخاص، وتفاعلاتهم النفسية والحركية مع المكان.

ويقوم المكان في القصة – بوصفه عنصرًا يتميز بخصوصية – بعدة وظائف في السرد، لعل أهمها: تكوين إطار الحدث، وتحريك خيال القارئ لتصور الأمكنة، واستخدام المكان مع دلالته الرمزية ليكون مؤشراً للأحداث. بيد أن المكان يؤدي دوره البارز-عبر تحولاته المستمرة- في الكشف عن كينونة استمرار اللا ثبات.

صفورية

وهي تمثل "المكان" مكان كل مدينة أو بلدة احتلها الصهاينة بفعل البطش والقوة والغدر والمكيدة، ولقد بلغ تعدادها خمسمائة بلدة ومدينة دمّرها المحتل، كانت للفلسطيني مكان أليف ويصبح خلال النكبة بفعل المحتل مكان طارد، وفضاء أجواؤه ملوَّثة، تتشظّى فيه الروح، وتعاني اغتراباً حاداً من بعد تعلق وأنس وارتباط وحب، ومن خلال هذا الفضاء يقوم الكاتب بتصوير علاقات التمزّق والضياع والقلق والتوتر والغربة، وفقد جمال الطبيعة من ينابيع وأشجار غناء متنوعة، وجلسات ودّ وسمر وذكريات حلوة، كانت في وطن استبيح واحتل؛ بفعل الغدر والقوة الغاشمة التي استخدمها المحتل، فاستخدم كل أدوات الحرب بما فيها الطيران، فعاني الأهل من تقتيل وتشرِّيد وفقد وجزع ولجوء، فمعظم علاقات المدينة مع المحتل كما يصوّرها النص القصصي تفتقد إلى الحميمية والنبل، فالشخصية بعد اللجوء تشعر بالغربة والضياع والفقر والتشرّد واللاجئ يئن من وجع المحتل، وأهلها ومالكوها الأصليين لا يدخلونها إلا بتصريح عمل؛ ليعملوا فيها كعبيد إن بقوا في الداخل.

ويحمل الراوي وهو يصف جمال طبيعة صفورية عدسته التصويرية؛ ليمدنا بصور شتى كيف أن مريم قد اعتادت أن تقضي وقتها مع الصبايا في جلسات ما قبل الغروب، مع الصبايا في كروم الزيتون والأدغال، يحلمن بالبحر المترائي أمامهن... وبالطبيعة الجميلة التي تسكن روحها، والمتمثلة بأزهارها البرية، وبشجرة التين العسالي، تلك التينة التي كان يسبقها محمود الذي تزوج بها فيما بعد، وتظهر قدسية المكان من خلال الزمن وهو الفجر(هذا قبل النكبة واللجوء) وفي مسيرة فعاليات ذكرى الخمسين للنكبة، حيث يتقاطع الزمان بعد النكبة بخمسين عاماً بالمكان "صفورية"، تشارك مريم المسيرة إلى صفورية وهي على عكازتها، فحال وصولها للمكان صفورية أول ما تقف على شجرة التين العسالية وجدتها كبيرة وهرمة والأشواك تحتها بفعل الإهمال، فأخذت مريم تتلمس أغصان أوراقها بحفاوة وتُمسِّد عليها بقداسة، وتحدِّثها وتستنطقها بتحبُّب، وتعانقها كحبيب يعانق حبيباً بعد طول غياب، وأخذت تقتلع الأشواك أسفل منها وتبكيها وتنتحب... وبعد أيام يأتي بنحاس الصهيوني فيشوِّه المكان ويقتلع شجرة التين، كما يقتلع الصهاينة أشجار الزيتون للعرب، وكأنهم يقتلون كل الجمال والحنين والارتباط والذكريات في نفوس الفلسطينيين.

مستوطنة سيبوري والناصرة العليا

تمثل قيام الكيان الصهيوني أو ما يعرف بدولة (إسرائيل ) وهو كيان هجين غير شرعي، غريب يمتهن البطش والصلف والغرور والتزييف وطمس التاريخ والحضارة، هو كذلك بالضبط والتمام ، إنها تجميعة مستحيلة الاتزان من مكونات الدولة التي تبدو في ظاهرها القوة والمنعة والثبات والاستقرار ……..إنها كيان عديم الاستقرار؛ لأنه ليس شرعيا ولا يمتلك الحق التاريخي ولا الديني ولا الحضاري ولا الأخلاقي، ولا يمتلك المبرر الوجودي أصلا، هذا الكيان الركيك يتطلب وجوده دعما غير محدود من أعتى الكيانات الاستعمارية في العالم ، فلولا الأسلحة الغربية والأمريكية لما أمكن لهذا الكيان أن يدوم يوما واحدا، فبريطانيا أمدت الصهاينة بمئتي طائرة قبل أن تنسحب من فلسطين قبيل النكبة، ولولا المؤامرات والألاعيب الاقتصادية التدميرية للمحيط العربي لما كان هنالك اقتصاد ولا بيع ولا شراء داخل هذا الكيان.

والمستوطنات مكان سكن مَن وفد غريبا من أقطار العالم، وتمثل مكان منعة له وتخزين للسلاح، وهي البديل عن القرى والبلدات الفلسطينية.

البيت

وبيت مريم وبيت أهلها يمثلان كل بيت في فلسطين زمن النكبة؛ وجاء تصوير البيت كمكان مغلق اختياري، نابض بالحياة والألفة والدفء العاطفي. إن البيت القديم، بيت الطفولة، هو مكان الألفة، ومركز تكيّف الخيال، وعندما نفتقده نعود إليه بكامل خيالنا ورقة أحاسيسنا ودفء مشاعرنا.

والبيت يعتبر المكان الأليف الذي يتشبث بساكنه، ويصبح الرحم للجسد بجدرانه التي تتقارب، كما يمتلك تلك الرومانسية والحنين إلى زمن الماضي، فلا يوجد حالم واحد يستطيع أن يظل غير مبال وهو يطالع صورة البيت، وبفعل المحتل يصبح هذا المكان مقبرة ومكان فجيعة لساكنيه ليقتل فيه أو يُطرد منه، وهذا المكان الأليف الاختياري يصبح في النكبة مكاناً طاردا معادياً.

نبعة صفورية

تمثل جمال الطبيعة في فلسطين، وهي مصدر حياة وخير ونماء لدى الفلسطيني، والصهيوني يخفي جمال الطبيعة، ويتدخل فيها ويبني عليها خزان ماء.

الكروم في صفورية

تمثل الخصب والنماء والجمال والذكريات الجميلة، وملقى الأحبة والخلان في كل كرم وفي كل بلدة احتلها الصهاينة.

المخيم

أكواخ وبيوت بائسة من الصفيح والطين، تحمل اسم "حي الصفافرة" ويمثل مكان البؤس واللجوء القريب من أرض الجذور في الداخل، وهو تعبير عن النكبة والضياع والتشتت والتشظي وللأحلام الغربة والفجيعة، والفقر بعد غنى واكتفاء وتذكر صفورية والماضي الجميل فيها، وفي المخيم يتحدث الناس عن جذورهم وبلداتهم المسلوبة والمدمرة، ويحلمون بالعودة إليها، حيث أصبحت ذكرى وحلماً، أطفاله بائسون بأسمالهم البالية ووجوههم المغبرّة، وكبار السن تعلو وجوههم الحسرة والفجيعة والشعور بفقد كل عزيز ونفيس. و" حي الصفافرة" رمز للمخيمات وما آل إليه الفلسطيني من سكن بائس بُعيد نكبته....ويرمز مخيم الصفافرة "المكان" لكل مخيمات الداخل الفلسطيني.

ومن خلال المكان ورمزيته وتلاحم الشخصيات وارتباطها فيه، عبّر الكاتب عن كل ما يريد، مستخدماً الأساليب السردية المتنوّعة والمتعدّدة، منها الذاتي، ومنها أسلوب الراوي المفرد، والاسترجاع، والحوار، والمونولوج، إلى غير ذلك. وقد جاءت هذه الأساليب السرديّة الدقيقة تخدم المكان والحدث معاً، وأظهرت ميزة الأصالة والخصوصية للمكان.

مخيم عين الحلوة

وهذا المخيم في لبنان رمز لكل مخيمات الشتات واللجوء، ومَن عانى من الظلم والفقر والحرمان والخذلان والبؤس والفواجع، وهو مكان جاذب للاجئين الفلسطينيين ممن فقدوا أرضهم وملكهم وعائلاتهم كعادل أخي مريم، وللمقاتلين الفلسطينيين م


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى