الاثنين ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم ناصر الحجيلان

زواج «شختك بختك»

كان التعارف بين الناس في السابق ميسورًا لأنهم يعيشون مع بعضهم في القرى والحارات والمرابع، وفي الغالب فإن معرفتهم لبعضهم مرتبطة بالطفولة واللعب مع بعض. وحينما يكبرون ويفكرون في الزواج فإنهم لا يجدون صعوبة في التعرف على بعضهم. ولكن حينما انتقل الناس إلى المدن وتباعدوا ضعف التعارف بينهم واقتصر على معرفة الجوانب الشكلية المتاحة للشخص كاسمه وعمره وربما عمله ونسبه.

ومن هنا فإن من يريد الزواج من سكان المدن سيواجه صعوبة في اختيار الشريك المناسب. ولهذا فإن عملية الاختيار التي يقوم بها الرجل شبيهة بلعبة فارسية قديمة كنا نلعبها في مرحلة الطفولة اسمها «شختك بختك»؛ وهي عبارة عن لوح كبير فيه مائة مربع متشابهة مغطاه بورق خفيف؛ وكل مربع يخفي خلفه نوعًا من البضاعة. وعلى الشخص –بعد أن يدفع قرشين– أن يصوّب إصبعه نحو مربع معين ويخرقه ليجد بخته هناك. فقد يجد لعبة ثمينة أو حلوى أو لايجد شيئًا.

والواقع أن طريقة اللعبة تشبه طريقة الزواج عند بعض سكان المدن؛ فهناك عدد لا بأس به من السعوديين يختارون زوجاتهم بطريقة عشوائية تعتمد على الصدفة التي يُعبر عنها الناس في الغالب بالحظ. ولهذا فإن من ينجح في زواجه يسند نجاحه للحظ «الطيب»، والأمر نفسه لمن يفشل في زواجه فلن يتردد في نسبة ذلك إلى الحظ «الردىء» الذي رماه في هذه الزوجة.

وليس الأمر بعيدًا عن الزوجة التي تعتقد أن الحظ هو الذي جلب لها هذا الزوج الافتراضي من بين عدد كبير من الرجال المرشحين للاقتران بها. ولأن الناس تؤمن بموضوع الحظ ومايرتبط به من صدفة بشكل يفوق إيمانهم بقيمة العمل والجهد وتحمل المسؤولية الذاتية، فإن البحث عن زوجة لدى بعض الشباب هو قضية متروكة للأم أو للأخت بعد أن يضعوا مواصفات معينة لا يلبثون أن يتنازلوا عنها متى ماوجدوا تزكية قوية للفتاة.

ولهذا نجد الأم أو الأخت تبشّر الشاب بالعثور على فتاة أحلامه حالما تخطر ببالها أول فتاة؛ وفي الغالب تكون تلك الفتاة من بنات قريباتها أو معارفها. ويلاحظ أن الشاب حينما يقاوم فكرة قبول الاقتران بتلك الفتاة المرشحة ويبدي نوعًا من التمنّع والتردد، فإنه سيواجه سيلا من الإغراءات الحسيّة. والحقيقة أن تلك الإغراءات ليست سوى جرعة مضاعفة من الأوصاف المدهشة والنعوت الجميلة لتلك الفتاة حتى لتبدو وكأنها الوحيدة في الكون التي تحمل تلك السمات. ولكن الأمر قد يتغير إذا وافق على الزواج وخاصة إذا خطب وبدأ ينفذ عمليًا خطوات الزواج؛ فيلاحظ أن تلك الأوصاف الساحرة لفتاته تبدأ تقل تدريجيًا ويخفت توهّجها حتى تصل درجة تتشابه فيها أوصاف فتاة الأحلام مع أي فتاة أخرى.

ومما يجدر ذكره هنا أنه ليس ثمة مانع عند الخاطبة أن تنزع الأوصاف الجميلة من أي فتاة ترفض الطلب، وتستطيع بكل بساطة أن تلصق تلك الأوصاف على أي فتاة تقتنع بها أو تقتنع بأمها؛ وكأن تلك الأوصاف ليست أكثر من خلطة جاهزة في الجيب تصلح لأي شخصية!

وحينما يواجه الزوجان مصيرهما المحتوم الذي ساقه لهما الحظ، فإن تلك المواجهة ستكون غاية في الغرابة والطرافة. فكل واحد منهما قادم إلى عالم الزواج وعقلة مشبع بتصوّرات عن الآخر؛ وهي تصورات بعضها وهمي صنعه خيال الزوج أو الزوجة الخصب عن السيد «فارس الأحلام» أو عن «المعشوقة الساحرة»، وبعضها ناتج عن الضغوط النفسية والاجتماعية والموروث الثقافي لكل فرد منهما.

ومن المواقف الصعبة التي تواجه هذين الزوجين الحالمين أن هذه الفتاة المعزولة عن عالم الرجال طوال حياتها تطالب أن تكسر هذه العزلة في ليلة واحدة وأن تتجرأ على رجل لم تعرفه قط وربما لم تره ولم يرها قبل هذه الليلة. وفي المقابل يجب على هذا الرجل الذي صار زوجًا أن يثبت أنه على قدر من المسؤولية والحزم، وأن يتحاشى أي سلوك يمكن أن يفسّر على أنه ضعف في شخصيته؛ ذلك أنه يؤمن بأن «العود من أول ركزة» وأن «المرة ما تمشي إلا بالعسف».

ومن خلال هذه الروح المتشنّجة يظل عقل كل واحد منهما يبحث عن أي عيب أو ثغرة في الطرف الآخر ثم يتضخم العيب ويبدأ النفور بينهما يشق طريقة منذ البداية. والسبب في ذلك يرجع إلى وجود شعور باطني بأن هذا الشريك هو شخص مفروض بالقوة؛ ولهذا فليس هناك استعداد حقيقي للتقبل والتعايش. وبهذه الحال يسير مركب الحياة الزوجية لضحايا ثقافة المدينة؛ فيومًا يمشي ويومين يقف؛ و«كلٍ حظك ياحظيظ: ينجح كم ويسقط كم!».


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى