الجمعة ٧ تموز (يوليو) ٢٠١٧
بقلم عمرو صابح

زيارة جديدة لأنيس منصور

كان الدكتور عبد الرحمن بدوى أستاذاً لأنيس منصور بقسم الفلسفة بكلية الأداب، وكان رأى الأستاذ فى تلميذه "أنه يكذب كما يتنفس، وأنه يكذب على نفسه لو لم يجد أحداً يكذب عليه".

اشتهر أنيس منصور منذ بداية عمله بالصحافة بالكتابة عن تحضير الأرواح وقراءة الفنجان، والمخلوقات الفضائية التى هبطت من السماء، و شيدت لنا الأهرامات ثم عادت إلى السماء مرة أخرى، ولعنة الفراعنة والوجودية والرحلات، ولم يعرف عنه أى اهتمامات سياسية غير مدح جمال عبد الناصر و تأييد ثورة 23 يوليو، وقد دبج مقالات عديدة فى الإشادة بالرئيس عبد الناصر وحكمته وزعامته المتفردة، كما كان وثيق الصلة بشقيقه شوقى عبد الناصر.

فور وفاة الرئيس عبد الناصر، كتب أنيس منصور:

"إننا فى عصر ما بعد عبد الناصر، نتكلم أكثر و نصرخ أكثر وهو لا يتكلم، ونخاف أكثر فقد كان عبد الناصر هو الأمان، فاللهم أرحم عبد الناصر، اللهم أرحم عبد الناصر و أرحمنا من بعده من أنفسنا".

ظل الأستاذ أنيس يرثى الرئيس عبد الناصر لما يزيد عن عام بعد وفاته، يبدو ذلك الأمر فى حاجة إلى طبيب نفسى بعد انقلاب أنيس منصور اللاحق على عبد الناصر و عهده، فالزعيم رحل ورجاله فى السجون والثورة تم الانقضاض عليها، فما داعى أنيس إلى النفاق إلا إذا كان مازال يتحسس اتجاه الرياح القادمة حتى يتبعها؟!!

بعدما أطمأن أنيس منصور إلى توجه السادات المعادى لعبد الناصر، ودعم نظامه للحملات الإعلامية لتشويه عبد الناصر وعهده ورجاله، شارك أنيس منصور فى حملة الهجوم على عبد الناصر وعهده بنشاط فائق، و وجه للرئيس عبد الناصر أبشع وأقذر التهم فى مقالاته، مما جعل السادات يقربه منه ويتخذه بوق معبر عن أفكاره، وفى عهد مبارك واصل أنيس منصور الهجوم على عبد الناصر فى سلسلة مقالات بعنوان (عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا) ثم جمعها فى كتاب بنفس الاسم، وظل أنيس منصور حتى وفاته يكتب مهاجماً عبد الناصر ومشيداً بالسادات، منتقداً الشعب المصرى الذى يمجد عبد الناصر ولا يعرف قيمة السادات!!

فهم أنيس منصور جيدا شخصية الرئيس السادات النرجسية المصابة بجنون العظمة، فلعب دورا خطيرا فى تضخيم العقد النفسية لدى السادات.

كان أنيس منصور هو أول من شبه السادات بالأنبياء فمرة يشبهه بالنبى نوح، وتارة بالنبى موسى وأخرى بالمهدى المنتظر.

وتوضح لنا مقالات أنيس منصور طبيعة توجهاته، فقد كان من أشد الصحفيين دفاعا عن مشروع بيع هضبة الأهرام المشبوه لمجموعة من اللصوص والأفاقين الأجانب لإقامة مشروعات سياحية على الهضبة الأثرية بعقد امتياز مدته 99 سنة، وقام بتصوير غضب الشعب المصرى على تلك الجريمة التاريخية بالفجيعة الوطنية.

وهو رائد التطبيع مع إسرائيل فى الصحافة والثقافة وظل حتى وفاته وطيد الصلة بالصهاينة ومدافعاً عنهم.

فلم يهاجم إسرائيل وقادتها مطلقا بينما انصب هجومه على عبد الناصر والفلسطينيين والعرب عامة.

وعندما ظهرت شركات توظيف الأموال الإسلامية فى مصر كان أنيس منصور من أشد المؤيدين لها، ودبج المقالات فى الإشادة بها وعمل مستشارا إعلاميا لعدد منها. وعندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الاسرائيلى كتب يقول:

(ما يجرى من مقاومة بالأراضى المحتلة يتم تحت تهديد من منظمة التحرير الفلسطينية)!! للتهوين من شأن الانتفاضة والإيحاء بكونها تتم تحت ضغط من الخارج وليست نابعة من مأساة الشعب الفلسطينى.

وعندما تولى بنيامين نتنياهو رئاسة وزراء إسرائيل للمرة الأولى وشاعت نكات تسخر من أسمه فى مصر، كتب يوضح معنى أسمه وأنه أسم جميل يعنى (عطية الله) مستنكرا السخرية منه، بينما كان هو نفسه الذى كتب أن صوت الرئيس عبد الناصر أخنف وأن الحقد يطل من عينيه.

والملفت للنظر فى قصة أنيس منصور الذى توفى عن 87 سنة، وأصدر أكثر من 160 كتاب كما كان يتفاخر، ان محاولة البحث عن مشروع فكرى له كصاحب لكل هذا الكم من الكتب لن يجدى شيئاً، فلن يجد الباحث إلا مجموعة من كتب التسالى والترجمات عن الغير، والتى تحمل حكايات وأحداث كتبها وصاغها عشرات المرات تحت مسميات مختلفة، ولا تحمل أى إضافة مفيدة للفكر العربى و الثقافة العربية ولن يبقى منها شيئا فى مستقبل الأيام.

فى السطور التالية سأقوم بسياحة سريعة فى بعض كتب الأستاذ أنيس منصور، لنكتشف معاً تناقضاته وأكاذيبه بقلمه، ولنبدأ بكتاب "من أوراق السادات" طبعة دار المعارف.

يقول الأستاذ أنيس منصور فى مقدمة كتاب (من أوراق السادات) أن كتابه تفريغ لجلسات طويلة مع الرئيس السادات، يحكى الرئيس الراحل فيها قصة حياته، وإن كان تركيزها الأساسي على العلاقات المصرية السوفيتية فى عهدى الرئيسين عبد الناصر و السادات.

أول ما يخطر بذهن القارئ أن الكتاب يحوى مذكرات جديدة للرئيس الراحل كانت فى حوزة الأستاذ أنيس، ولكن يتضح لنا أن تلك المذكرات نشرت من قبل على صفحات مجلة أكتوبر التى أنشأها الرئيس السادات، وقام بتعيين الأستاذ أنيس رئيسا لتحريرها، كان الرئيس السادات يأمل أن تنافس مجلة أكتوبر مجلة الحوادث اللبنانية التى كانت تحظى بشعبية واسعة فى العالم العربى، ولكن الأستاذ أنيس فشل فى مهمته رغم الإمكانيات الضخمة التى وفرها له الرئيس الراحل.

يقول الأستاذ أنيس فى المقدمة التى وضعها للكتاب (لم يلجأ الرئيس السادات إلى ورقة أو كتاب ينقل منه بعض ذكرياته أو خواطره أو يراجع ما جاء فيها من تواريخ)!!

تبدو هذه العبارة شديدة الصدق خاصة عندما تتعلق بالرئيس السادات الذى كان معروفا عنه كراهيته للقراءة وللأوراق والوثائق، وحبه للحكايات التى كل شهودها وأبطالها أموات، وإن كان هذا يعطينا فكرة عن قيمة الكتاب.

كتب الأستاذ أنيس على الغلاف الأخير للكتاب (نجد فى هذه الأوراق رصدا دقيقا لأحداث ثورة يوليو سنة بسنة و كشفا لأسرار ثورة مايو وتوثيقا تاريخيا لمعركة أكتوبر باليوم و الساعة و الدقيقة).

هكذا كما يوحى لنا الأستاذ أنيس إننا سوف نجد فى تلك الأوراق تاريخ مصر لمدة تزيد عن 25 سنة، وسوف نكتشف معا زيف كل تلك الكلمات بل أن أخطاء التواريخ لا تعد فى ذلك الكتاب ومنها:

أن كوسيجين زار مصر يوم الثغرة 16 أكتوبر1973 بينما وقعت الثغرة مساء يوم 14 أكتوبر 1973 بعد فشل قرار السادات بتطوير الهجوم نحو المضايق.

وأن الانفصال السورى عن الجمهورية العربية المتحدة تم يوم 26 سبتمبر 1961 بينما كان الانفصال فى يوم 28 سبتمبر 1961.

يكتب الأستاذ أنيس على لسان الرئيس السادات أنه فى أغسطس 1967 كانت قد مرت على معرفته بعبد الناصر 19 سنة بينما هو يعرفه منذ عام 1938 أى منذ 29 عاما.

وفى صفحة 243 من الكتاب صورة للسادات بالملابس العسكرية يعبر أحد الجسور من غرب القناة إلى سيناء وحوله قادة القوات المسلحة وأمامه المصورين والتعليق المكتوب عليها:

(الرئيس السادات مع القوات المسلحة لحظة العبور)، بينما الثابت تاريخيا أن حرب أكتوبر لم يتم تصويرها لدواعى السرية، وأن المشاهد والأفلام التى تذاع عنها هى تصوير لمناورة تمت عام 1974، وكانت طبق الأصل من معارك العبور عام 1973، كما أن الرئيس السادات لم يزر سيناء أثناء الحرب ولم يكن مطلوبا منه ذلك، والصورة التى كتب عليها الأستاذ أنيس هذا التعليق تتم فى جو من الاحتفالات.

ننتقل الآن لكتاب أخر للأستاذ أنيس أسمه (عاشوا فى حياتى) فى صفحة 658 من الكتاب طبعة مكتبة الأسرة سنة 2000، يروى الأستاذ أنيس هذه الواقعة عن لقاء جمعه بكوكب الشرق أم كلثوم والكاتب الكبير كامل الشناوى ودار الحوار بينهم عن أحوال مصر بعد هزيمة 1967.

فى الحوار يصور الأستاذ أنيس الرئيس عبد الناصر كشخص غائب عن الوعى، ويروى وقائع نقاش ساخن بين أم كلثوم و كامل الشناوى بحضور أنيس منصور تأثرت خلاله كوكب الشرق بآراء كامل الشناوى والأستاذ أنيس عن مصر وعبد الناصر بعد النكسة!!

كل هذا يحكيه أنيس منصور بمنتهى الأريحية، بينما يخبرنا التاريخ أن الأستاذ كامل الشناوى توفى فى 30 نوفمبر 1965، قبل النكسة بأكثر من عام ونصف، فمن الذى حضر وتكلم مع أم كلثوم و أنيس منصور فى تلك الجلسة؟!!

هل هى روح الأستاذ كامل الشناوى ؟!!

و هل حضرها الأستاذ أنيس ؟!!

ونواصل سياحتنا فى بعض كتب الأستاذ أنيس منصور:

فى كتاب "عبد الناصر المفترى عليه والمفترى علينا" للأستاذ أنيس منصور طبعة دار نهضة مصر، فى صفحتى 21، 22، كتب الأستاذ أنيس أن الرئيس عبد الناصر أمر بوقفه عن الكتابة يوم 27 ديسمبر 1961، بينما هو يستعد للسفر إلى الجزائر، وان قرار وقفه عن الكتابة جاء بسبب مقال له عن العز بن عبد السلام، وبسبب أرائه عن قانون تأميم الصحافة، وانه ظل موقوفاً عن العمل مدة طويلة أحس فيها بالضياع!!

فى مقدمة الطبعة الأولى لكتابه "حول العالم فى 200 يوم" التى صدرت فى نوفمبر 1962، يشكر أنيس منصور إدارة مؤسسة أخبار اليوم التى أرسلته ليجوب العالم ويكتب عن رحلته، ويقول انه خلال زيارته لأستراليا كان الأستراليون ينادونه "مستر ناصر" لأن كل مصرى هو ناصر!!
هكذا يا أنيس!!!

فى كتابه " فى صالون العقاد كانت لنا أيام" طبعة دار الشروق، كتب الأستاذ أنيس منصور فى صفحة 626، أن الأستاذ العقاد قبيل وفاته بيومين، سأله خلال زيارة أنيس له عن سبب منع الرئيس عبد الناصر له من الكتابة، كما أن العقاد بدا مستاءً بسبب علم عبد الناصر بمرضه وإرساله مندوب له من الرئاسة لسؤاله إن كان يحتاج لأى شئ؟!!

والآن لنحاول مراجعة حكاوي الأستاذ أنيس:

أولاً: رحلة الرئيس عبد الناصر للجزائر كانت فى مايو 1963 وليست فى ديسمبر1961.

ثانياً: مؤسسة أخبار اليوم المؤممة هى التى أرسلته فى رحلة حول العالم طوال عام 1962، وهى الرحلة التى كتب بعدها كتابه "حول العالم فى 200 يوم"،الذى صدرت طبعته الأولى فى نوفمبر 1962!!

إذن كيف تم إيقافه فى 27 ديسمبر 1961!!ثم إيفاده بعدها لرحلة تخطت 200 يوم على حساب الدولة التى تمتلك مؤسسة أخبار اليوم؟!!

ثالثاً: بخصوص الأستاذ عباس محمود العقاد الذى يدعى الأستاذ أنيس انه قابله قبيل وفاته، وسأله عن سبب إيقاف الأستاذ أنيس عن الكتابة، كما بدا مستاءً لسؤال الرئيس عبد الناصر عن صحته!!

توفى الأستاذ العقاد فى 12 مارس 1964، بينما الأستاذ أنيس كتب انه مُنع من الكتابة فى 27 ديسمبر 1961!! أى بعد عامين و3 شهور من إدعاء أنيس سؤال العقاد له عن سبب إيقافه، فهل نسى العقاد كل تلك المدة سؤال أنيس عن ذلك ولم يتذكر إلا قبيل رحيله؟!!

مؤخراً أذاعت القناة الثانية بالتليفزيون المصرى فيلما تسجيليا عن المفكر العملاق "عباس محمود العقاد"، يتحدث فيه أفراد أسرته من داخل منزله عن شخصيته ومواقفه وذكرياتهم معه.
خلال الفيلم ذكر الأستاذ "محمد رستم" ابن أخت العقاد ان كتاب "فى صالون العقاد.. كانت لنا أيام" لأنيس منصور، الخيال فيه أكثر من الحقيقة، وان أنيس منصور لم يكن من المداومين على حضور ندوة العقاد الأسبوعية فى سنواته الأخيرة، وان الكثير من المواقف التى ذكرها أنيس على لسان العقاد لم تحدث، وان وقائع مرض ووفاة العقاد فى كتاب أنيس منصور مخالفة لحقيقة ما جرى فى الواقع.

كما قالت الأستاذة "عايدة العقاد" ابنة أخى العقاد انه بعد ذيوع نبأ وفاة العقاد فى 12 مارس 1964، وصل لبيت العقاد موظف من رئاسة الجمهورية وأبلغ أسرته ان الرئيس عبد الناصر يريد أن يعرف هل أوصى العقاد بدفنه فى مكان معين أم لا؟

ولما أجاب أفراد الأسرة بالنفى، وإنهم قرروا دفنه بجوار والدته فى أسوان، قال لهم الموظف ان الرئيس عبد الناصر أمر محافظ أسوان بإعداد ضريح يليق بالعقاد فى بلدته أسوان، وان يكون فى مكان متميز بالمدينة، كما سيتم عمل تمثال له بأسوان، وان رئاسة الجمهورية تكفلت بمصاريف الجنازة وسيقل جثمان العقاد قطار خاص من القاهرة لأسوان يحمل كل الراغبين فى تشييعه لمثواه الأخير، وبالفعل أقيمت جنازة مهيبة للعقاد فى اليوم التالى لوفاته، ودُفن فى ضريح مهيب ببلدته أسوان.

وأظن تلك الشهادات من أسرة الأستاذ عباس محمود العقاد تنسف كل دعاوى وحكايات الأستاذ أنيس عن علاقته بالعقاد، وأحاديث العقاد معه قبيل رحيله.

رابعاً: الرئيس جمال عبد الناصر للأسف هو الذى منح أنيس منصور جائزة الدولة التشجيعية فى أدب الرحلات سنة 1963 عن كتابه "حول العالم فى 200 يوم".

لم يكتف الأستاذ أنيس منصور بتقديم ترجمات محرفة للكتب الأجنبية ووضع أسمه
عليها دون ذكر أسم المؤلف الحقيقي، ولم يحترم عقول قراءه بمراجعة ما يكتبه ويحشوه بالكذب والتلفيق واختلاق الوقائع.

فهل يمكن لأحد أن يثق فى صدق سطر واحد خطه الأستاذ أنيس منصور بقلمه بعد تلك السياحة السريعة فى بعض مؤلفاته؟

قديماً قالوا "إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً"، يبدو ان تلك النصيحة لم تمر على الأستاذ أنيس منصور رغم ولعه بالحكم والمأثورات لفلاسفة وشعراء غربيين وعرب وترجمته لها، وبالطبع وضع أسمه عليها لكى ينسبها لذاته!!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى