الاثنين ٢٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم راندا رأفت

ساديزم... القادم أجمل

ساديزم هي المجموعة القصصية الأولى للكاتب (محمد الغزالي)، المجموعة تحتوي على 8 قصص، تجذبك من على الرف وسط آلاف الكتب بداية من اسمها الغير تقليدي في عالم الأدب، نجح الكاتب في إثارة فضولك من خلال عناوين القصص، (خطة نابليون)، (طبعا أنا ملحد)، (البديل)، (البدين)، (آسر)، (رسالة من أنثى)، (الفراشة)، (ساديزم).

بدأت المجموعة بقصة (خطة نابليون)، يظهر فيها قدرة الكاتب الرائعة في سرد الأحداث ممزوجة بالفضفضة، وهو نفس الأسلوب الذي اتبعه الكاتب خلال قصص مجموعته.

وكان ربط موفق بين أحداث القصة ولعبة الشطرنج، كأن الحب لعبة، هي تلعب بقلبه وهو يظن أنه يعلمها أذكى لعبة في العالم الشطرنج.

يشعرك الكاتب من أول القصة، أن البطل هو حاتم، أثناء استعادة أو تذكر تفاصيل قصة الحب الفاشلة ويحادث نفسه.

ثم ما يلبث أن يبدأ بتعريف نفسة لحاتم؛ ربما ليبعد الشبهة عن أن حاتم هو بطل القصة!، فيقول: "أنا باهر رشيد محاسب في شركة أدوية...."، لكن لم أجد أي منطقية في تعريف نفسه لحاتم، خاصة أنه في نهاية القصة يؤكد على أن حاتم هو صديق الطفولة (أي أنه يعرفه خير معرفة)، ورغم ذلك تدور كل تفاصيل القصة في إطارالفضفة لحاتم، مما يطرح تساؤل لماذا لا يكون حاتم هو البطل، ولماذا أرهق الكاتب قصته بإضافة شخصية جديدة.

وفي نهاية القصة يفاجئك الكاتب بأن البطل في حالة من الغيبوبة في المستشفى وما يحدث ماهو إلا أحلام، فإما أن تبتسم وتتخيل أن القصة ما هي إلا مزحة، وهذا اعتفد أنه نوعا من الاستهزاء بالقاريء، أو على الأرجح أن الغيبوبة ووجوده في المستشفى هو من أثار الخيانة.

القصة الثانية بعنوان (رسالة من أنثى)، يعبر فيها الكاتب عن رفضة لما تتعرض له المرأة من تحرش جنسي، يستخدم الكاتب أسلوب التعبير بلسان المرأة، وكأنها محاكاه لأسلوب نزار قباني في بعض قصائدة، وخاصة أنه استعان في مقدمة القصة بجزء من قصيدة (رسالة من امرأة حمقاء، لنزار قباني).

وهو أسلوب أراه غير موفق من قبل الكاتب، وخاصة أنه بالغ كثيرا في وصف بعض المواقف والأحداث، ما جعله يبدو متكلفا، فمثلا يقول: " أتعرف حينما أتيت القاهرة لأول مرة حذرني صديق من المشي منفردة، مازلت أذكر عبارته القاسية هنا مش كندا هنا مصر..."

أيصل الأمر إلى التحذير من السير في شوارع القاهرة؟ لربما يصل الأمر إلى تحذير حقيقي بعد الساعة الواحدة صباحا، وأنا أجزم أن القاهرة مازالت أكثر عواصم العالم أمنا، أما كندا وأمريكا وأوربا فإن الخروج فيها ليلا محاط بمخاطر جمة للرجال والنساء على السواء، علمت ذلك عن يقين خلال معرفتي ببعض الذين سافروا إلى أمريكا وأوربا.

كما أن الكاتب كرر تلك الفكرة في أكثر من فقرة:" أنت لا تعرف ياصديقي العزيز ماذا لاقيت حين حاولت أن أمشي على قدمي في وسط البلد..."

رغم أن أهم تكنيك للقصة القصيرة هو الاختصار وعدم التكرار الذي قد يسبب في ملل القاري قبل أن يكمل القصة، فمن المعروف أن القصة القصيرة هي التي إذا حذفت منها فقرة لا يمكن أن تكمل قرائتها.

وربما لو عرضت نفس الفكرة على لسان رجل، لكان أكثر واقعية واستطاع الكشف عن كثير من الجوانب نفسية جديدة خاصة بعالم الرجل، ولاسيما وأن الكاتب محلل نفسي.

ثم يربط الكاتب بين الحجاب والأخلاق وينتقد معادلة المجتمع في ربط عدم الحجاب بالانحلال الأخلاقي، وهذه الفكرة أيضا تكررت في أكثر من فقرة

ثم يقع الكاتب في خطأ فيقول: "لم تفهم كلماتي سأشرح لك...أعني..."

هذا الاستطراد يجعل القاريء يشعر بأن الكاتب يستخف بعقله، وخاصة أن ما بعدها لم يختلف عن ما قبلها حتى في شكل الصياغة ولا في المضمون، على الكاتب أن يضع في اعتباره أن قاريء الأدب ذا طبيعة خاصة.

وفي نهاية القصة يدخل الكاتب مبالغة آخرى: "من تكتب عن همومها من منطق الرجال امرأة حمقاء". وهذا ليس حقيقيا فالمرأة تكتب عن همومها منذ عصر الجاهلية ولعلنا جميعا نذكر شعر الخنساء الذي مازال يعلم الشعراء رجالا ونساءا.

وينهي الكاتب القصة بكلمة (لا تعليق)، لكن لم يذكر لنا من الموجه له الرسالة.. هل هو محرر في جريدة يحرر باب مشاكل القراء كما نرى في الأفلام الأبيض والأسود، أم هو صديق قديم مثلا!؟.

وقصة (البديل) بطلها شاب يعاني من خيانة حبيبته، وهي نفس معاناة البطل في قصة (الفراشة)، القصتين متشابهتين إلى حد كبير، سواء في أسلوب القص المعتمد على البوح، أو في الأحداث التي تعبر عن خيانة المحبوبة بمعرفة أكثر من شخص في وقت واحد، ويخيل لي أن أحد القصتين تمثل عبء على المجموعة؛ باعتبارها تكرار للقصة الأخرى، فكان من الآحرى بالكاتب أن يحذف إحداهما.

نلاحظ في المجموعة أن كل قصص الحب فاشلة بسبب خيانة المرأة وميلها لمعرفة أكثر من رجل في وقت واحد، ومن خلال وصف قصص الحب تبدو جميعا متشابهة مع قصص الحب التي تدور في رحاب الجامعة، والتي غالبا ما تنتهي بالفشل بمجرد التخرج، أو أن الطلبة أثناء فترة الجامعة يمرون بأكثر من قصة حب.

أما قصة (ساديزم)، وقصة (آسر) فلهما نفس الطابع الذي يعرضقصة بطل مصاب بمرض نفسي.
والكاتب هنا يعرف المرضين (السادية) و(التوحد) قبل الدخول في أحداث القصة، ولعل الكاتب اقتبس صفة الطبيب النفسي ناسيا أن يكتب نوعا من الأدب، فقاريء الأدب كما ذكرت سابقا ذا طبيعة خاصة لا يفضل أن يرى المعلومة أمامه مباشرة لكنه يفضل أن يكتشفها من خلال النص الأدبي، أن يبحث عنها في الكتب والمراجع، بل أن لجوء الكاتب إلى شرح طبيعة المرضين في مستهل القصة جعلتها أشبه بكتب علم النفس المتخصصة التي تشرح لك المرض ثم تأتي بحالة مرضية كمثال.

وربما لهذا السبب جعل جميع من تحدث عن المجموعة يتعاملون معها على أنها كتاب متخصص في علم النفس، وخاصة وأن الكاتب أيضا متخصص في علم النفس.

وبغض النظر عن المقدمة جاءت القصيتين من أكثر قصصة المجموعة تميزا من حيث الحبكة القصصية وتتابع الأحداث.

ويحضرني تساؤل (ولست متخصصة في علم النفس)، هل المريض النفسي يكون على علم بأنه مريض نفسيا؟ هل من يتلذذ بالشر يدرك أنه يحب الشر؟ أشك في ذلك، فحد علمي أن المريض النفسي مجرد أن يدرك مرضه فهذه أكبر مراحل العلاج.

وفي قصة ساديزم، نجد البطل عل يقين تام بمرضه، ويحدد أهدافه في إيذاء الناس: "حلمي بسيط للغاية، حلمي هو أن أصبح كائنا من نار.... مهما كانت قوتك فإن ضربك للنار حتما سيؤلمك بينما يجعلها تتراقص قليلا مع ترنح الهواء...".

أما قصة (أنا ملحد) فقد جاءت متميزة جدا، واعتبرها هي الإضافة التي تركها الكاتب من خلال مجموعته الأولى، حيث عبر بها عن شاب أختار بنفسه طريق الإلحاد، رغم محاولات صديقة لإثابته إلى رشده، من ناحية آخرى الكتابة عن العلاقة بالله من الكتابات الشائكة التي يتربص لها المجتمع والذين ينصبون أنفسهم لحماية الدين، وإن كان الكاتب أنقذ نفسه لظهوره معارضا لبطل القصة من البداية وحتى النهاية.

والقصة الأخيرة أيضا جاءت موفقة، وهي قصة (البدين)، جاءت في إطار علاقة جمعت بين مدون ومدونة عبر الشات، وكيف يمكن لمحادثة أن تغير من تفكير شاب وأن توقعه في الحب، وعندما تقابلا صدمها بشكله البدين الذي توصل له بسبب حادثة، فسببت له عده نفسية افقدته الثقة في ذاته، فسافر إلى الخارج ورغم أن الغربة أعادته إلى رشاقته إلا أنها أفقدته روحه الجميلة وأصابته بجفاء أفقده أقرب أصدقاءه.

قصة البدين أيضا إضافة في عالم الكتابة القصصية وخاصة أن الكتابة الأدبية عن عالم الأنترنت مازال محدودا.

نلاحظ في المجموعة القصصية بوجه عام حب الكاتب للسرد والإطالة في الوصف، حتى كاد يفضلة عن أحداث القصة نفسها، وتكرار معاني بعض الفقرات، وهذا يتنافى مع تكنيك القصة القصيرة، كما سبق، كما أن القاريء اليوم في عصر الإنترنت وثقافة الصورة لم يعد لديه من الصبر والوقت ما يسمح له بالقراءة المطولة بل يريد أن يصل إلى الخلاصة مباشرة، ولعله من هنا ظهر ما يسمى بالقصة القصيرة جدا.

امتاز أسلوب الكاتب وخاصة في الحوارات العامية بلغة شبابية واقعية دون تكلف الكلمات، حتى تجد أن بعض الجمل سمعتها من قبل أو قلتها.

التجربة بوجه عام تستحق الإشادة، وتوحي بأن التجربة القادمة ستكون أهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى