الأربعاء ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٢
بقلم علي بدوان

سوسيولوجيا اليرموك وجيرانه

مخيم اليرموك، بقعة جغرافية كبيرة نسبياً، يتبع إدارياً لمدينة دمشق، حيث يلاصقها من جهة الجنوب، عبر حيي الميدان والزاهرة. فيما تحيط به من باقي الجهات والجوانب أحياءاً سورية مكتظة، غالبيتها أحياءاً شعبية، منها أحياء عشوائية لكنها رسمية قامت على أراضي زراعية (طابو زراعي) تابعة لمناطق من غوطة دمشق الشرقية، ومنها أحياء (مُخالفات)، ومنها مايسمى بأحياء (الطَبَب) التي أقيمت فوقها منشأت سكنية متواضعة دون شرائها أراضيها بإعتبارها أملاك عامة.

فإلى الشرق من مخيم اليرموك، وعلى أمتداد نحو كيلومترين طولاً، يتجاور مخيم اليرموك مع حي التضامن عبر شارع فلسطين، وصولاً للجنوب الشرقي من اليرموك حيث تقع بلدة (يلدا) التي تتجاور في تلك المنطقة مع مخيم اليرموك، وصولاً إلى الجنوب من اليرموك حيث تقع أحياء الحجر الأسود، والجزيرة. أما غربي اليرموك فَتَحِدَهُ بساتين منطقة القدم والجورة والعسالي والأعلاف التي يفصلها عن اليرموك أتوتستراد شارع الثلاثين (شارع الشهيد عدنان غانم).

إن تداخل مخيم اليرموك مع جيرانه، ليس تداخل جغرافي فقط، بل هو تداخل إنساني بالدرجة الأولى، بين شعبين ملتصقين، وقد أدى وظائفه في ولادة (سوسيولوجيا) إجتماعية واحدة بتأثير فلسطيني طاغٍ، دفع عموم سكان مخيم اليرموك من سوريين وفلسطينيين للصراخ بالصوت العالي : بين فلسطين وسوريا .. إحترنا على أي وطن نتوجع!!!!

وفي تلك السوسيولوجيا، بات "سوريو مخيم اليرموك" فلسطينيين أكثر من كونهم سوريين، وهو مادفع بقطاعات واسعة منهم للإنخراط في العمل الوطني الفلسطيني وفي صفوف مختلف الفصائل الفلسطينية، فعدد الشهداء السوريين في العمل الفدائي الفلسطيني يقارب نحو ثلث شهداء الثورة الفلسطينية المعاصرة.
إن منبت تلك السوسيولوجيا، أنها قاربت أيضاً من الزاوية الطبقية الوضع "الطبقي والإجتماعي" بين حال الفلسطيني اللاجىء قسراً من أرض وطنه فلسطين وقد خرج من فلسطين (يد من الأمام ويد من الخلف: على حد تعبير المثل الشعبي الفلسطيني) وبين حال سكان تلك العشوائيات الذين كانوا إجمالاً من منابت طبقية فقيرة ومتواضعة (وبعضها من منابت طبقية مسحوقة) ومن فقراء الأرياف والمحافظات البعيدة ومن ومهمشي المدن (الذين كان يُطلق عليهم الماركسيين العرب في أدبياتهم مسمى "البروليتاريا الرثة")، ومن طالبي العمل والمياومة (العمل بالأجر اليومي) في سوق الرزق في المعامل والمنشآت والبنى التحتية في العاصمة دمشق ومحيطها.

ومن المهم، الإشارة إلى أن المناطق المحيطة باليرموك تضم بين ثناياها خليطاً من عموم أبناء الشعب السوري من كل المحافظات وحتى من كل الطوائف، وهو أمر أوجد حالة غنية من الإلفة والتفاعل بين الجميع وساعد على حالة الإنصهار الوطني، وقد ساعد على هذا الأمر أيضاً الحالة الوطنية الفلسطينية التي كانت ومازالت على الدوام حالة جامعة لاتقبل بمنطق الطوائف، بل تذم وتَلعَنَ أَصحابَها. فالزيجات المختلطة تميّز الحالة الفلسطينية في سورية، فهناك المئات من الشبان أو الشابات الفلسطينيات ممن إقترنوا بسوريات أوسوريين من كافة الطوائف والملل.

وفي المقابل، كان ومازال فلسطينيو سورية ومخيم اليرموك، الأجدر من جيرانهم على شق طريقهم الصعب والقاسي بالرغم من وجودهم كلاجئين خارج أرض وطنهم التاريخي، وقد يكون السبب في ذلك نتيجة إنشدادهم الرئيسي نحو همهم الوطني ونحو بوصلتهم المتجهة نحو وطنهم فلسطين، فضلاً عن التجربة التي دعكتهم في مراراتها وعلقمها، ودفعت بهم نحو حفر الصخر بأظافرهم لتحسين أوضاعهم، والتركيز على تعليم أبنائهم، وهو أمر جعل من مخيم اليرموك (ورغم السيولوجيا المشتركة) متمايزاً في هذا الجانب عن حالة سكان العشوائيات المحيطة به، فبات مخيم اليرموك مدينة كبيرة وعامرة وخارج إطار مايسمى بالعشوائيات وفق التقسيمات المرسومة والمصنفة في وزارة الإدارة المحلية السورية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى