الخميس ١٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم رانية عقلة حداد

سيادة النموذج السينمائي الأمريكي

"... ستون بالمئة من الأشياء التي اختبرها في حياتي هي أمريكية... فبالحقيقية أنا أمريكي... لكن لا استطيع الذهاب هناك للتصويت... لهذا أصنع الأفلام عن أمريكا ".

من منا لا يشارك المخرج الدينماركي (لارس فون ترير) في تجربته، احساسه، ورؤيته هذه، من منا على امتداد رقعة العالم لم يسيطر النموذج الامريكي على ثقافته، نمط حياته، وسلوكه، من منا لا يرتدي الجينز ويأكل الهمبرغر، نشعر باننا أمريكيون رغم المسافات التي تفصلنا عنها، من هنا ينطلق مدير الانتاج والباحث المصري (محمد خضر) في بحثه الثاني المنشور في سلسلة دفاتر الاكاديمية... من مظاهر سيادة النموذج الامريكي ثقافيا، اقتصاديا، واعلاميا على العالم، الى تعريف العولمة الملتبس والزئبقي، وخطورة ازدواجية معاييره، والعولمة كنظام اقتصادي، ثقافي، اعلامي تقوم على سياسة الاسواق المفتوحة، هي المفهوم الذي استندت اليه الولايات المتحدة الامريكية في بسط هيمنتها منذ الحربين العالميتين وفي ظل ضعف قدرة الطرف الاوروبي... فخططت الى تغيير الواقع الثقافي في العالم ليتقبل مخرجات سوقها، وتعزيز قيم الاستهلاك لديه، من خلال توظيف وسائل الاتصال في خدمة هذه الاغراض، حيث كانت السينما على رأس هذه الوسائل التي ساهمت بذلك.

من هنا... من السينما الامريكية يواصل محمد خضر بحثه في العودة الى بداية تأسيس هذه الصناعة حيث وصلت الى أوجها بعد الحرب العالمية الاولى كاحد اهم واكبر الصناعات، فمعرفة البدايات (نشأت نظام الاستديو في هوليوود، ونظام النجوم...) تقود الى فهم الفكر والالية التي مكنت نموذجها السينمائي من السيادة، من ثم عرض موجز للاستديوهات السبع الكبيرة (استوديوهات والت ديزني، سوني، العالمية، بارامونت، فوكس، الاخوة وارنر، وميترو جولدون مير)، هذه الاستديوهات جعلت من هوليوود نموذج مؤسسة أمريكية عملاقة.

يستطرد الباحث دراسته في استعراض انواع الانتاج في صناعة السينما الامريكية؛ من الانتاج بميزانيات ضخمة وطاقم ضخم، الى الميزانيات الصغيرة والطاقم الضخم، الىميزانيات وطاقم صغيرين،ويستكمل محمد خضر بحثه في عامودين اساسيين في صناعة اي سينما؛ توزيع الافلام، ومصادر تمويل الافلام الامريكية، حيث تحتل الكيانات السينمائية الكبرى (هوليوود) احدى كفتي الميزان، اما الكفة الاخرى فتشمل شركات الانتاج المستقل، المتخصصون، فالبنوك، التمويل الاجنبي...، حيث وصلت نسبة عدد الافلام الروائية الطويلة التي تساهم فيها هوليوود 42.3% من مجمل الافلام المطروحة بالولايات المتحدة، اي ما يقارب نصف الافلام المنتجة، اما نصيب افلام هوليوود من ايرادات دور العرض فتشكل ما نسبته 92%، فيما ما نسبته 8% فقط تشكل نصيب باقي الصناعات السنمائية الاخرى (من باقي الولايات المتحدة، او دول أجنبية)، هذه النسب تشير بشكل جلي الى مدى تأثير هوليوود في صناعة الرأي العام الامريكي والعالمي، كذلك اعادة صياغة ثقافتنا نحن كشعوب مستهلكة لهذا الانتاج، حيث شهد العقد الاخير من القرن العشرين لاول مرة تجاوز الايراد الخارجي للسينما الامريكية عن ايرادها الداخلي بما يتجاوز احيانا خمس اضعاف ماحققته في سوقها الداخلية.

(ميترو جولدون مير) هو الاستديو، او احد الكيانات السينمائية الكبرى الذي انتخبه الباحث ليتناوله تفصيليا كحالة دراسية في مبحثه قبل الاخير؛ من حيث نشأة الشركة وتطورها، المراحل العصيبة ماديا التي مرت بها، وكيف تم تجاوزها، استراتيجية الشركة، خطة العمل؛ الانتاج، التوزيع، التسويق...

لابد لصناعة تجاوز عمرها المئة عام ان تكون قد اخذت القوانيين التي تنظم امورها نصيبها من التعديل والاستحداث بما يتناسب وحماية الملكية الفكرية وملكية المنتج (الافلام) في ظل التطور التكنولوجي الذي يفتح الباب واسعا على السرقات، فخصص الباحث حيزا مناسبا في مبحثه الاخير للحديث عن مجمل هذه التحديثات، التي يمكن اي صناعة سينمائية أخرى الاستفادة منها.

ويبقى القول أن هذه الارقام المرعبة لكن الحقيقية المذكورة أعلاه عن حجم انتاج وتوزيع الافلام الهوليوودية داخليا وعالميا - بالتالي حجم استهلاكها عالميا كمنتج ثقافي قبل كل شيء - يتطلب منا ان نتوقف ونفكر عميقا لمن تعود ملكية رؤوس أموالها؟ ما هي الاجندة التي تقف خلف هذه الافلام؟ ما الرسالة التي تختبئ بين ثناياها؟ والى اين ستقودنا؟ وكيف ممكن لنا ان نواجه هذا الطوفان او بالاحرى الغزو الامريكي الثقافي؟

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى