الأربعاء ١٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٣
بقلم فيصل سليم التلاوي

سيدي موسى

إنها القرية التي شهدت أبشع المجازر في المسلسل الدموي الذي عصف بالجزائر في عقد التسعينات من القرن الماضي، ثم طاف طائفه بالعراق فسوريا، ولايعلم أحد إلى أين سينتهي ولا متى سيتوقف،وقد كان الشاعر مدرساً في مدرستها قبل حوالي ربع قرن من كتابة القصيدة.

(سيدي موسى)
قريةٌ وادعةٌ تفترشُ السهلَ وتستجدي الغمامْ
هدَّها الإعياءُ والكدُّ ومالت لتنام
أغمضت أجفانها ذابلةً بعد الغروبْ
صفرةٌ في الأفق تبدو، وعلى الوجه شحوبْ
 
أيُّ هولٍ خبأته الريح في جوف الظلامْ؟
أيّ كابوسٍ رماديٍّ سيغتال النيام ؟
صبية ٌ، شيبٌ ، وأفراخ حمامْ
ضمّهم حضن وأعياهم سقام
هجع الجمع وناموا في سلام
 
( سيدي موسى )
إنني أعرفها
صحبةٌ تربو على عشرين عامْ
طالباتي كُنّ في الفصل كأسراب اليمام
أنني أذكر ليلى وخديجة
خضرة العينين من سهل "متيجه" (1)
وشموخ الأطلس العالي على الجبهةِ وشمٌ وضفيرهْ
نكهة الكرمةِ في الخدِّ ولون البرتقالْ
وارتعاش الشجر الأخضر في حضن التلال
يتمطى السهل خصبا تحت أقدام الجبال
ما الذي تحمله الريحُ وتسفيه الرمال ؟
ما الذي يزحف منهوما كأسراب الجرادْ ؟
ووحوشٌ تحمل الموتَ بأسنانٍ حِداد
تمطر الدنيا رصاصًا وحرابًا ونصالْ
 
صرخت ليلى، وضجت في السؤالْ :
- يا صغاري، أين أنتم ؟
هرع الصبية من رعبٍ وهولٍ وانبهارْ
واحتواهم حضن ليلى
خمسة ٌ، سادسهم في البطن
ما كحّل عينيه بميلاد نهارْ
رجفت ليلى وضمتهم وما طال انتظارْ
ولول الوحش وشبَّت في زوايا البيت نارْ
 
صهلت ليلى
أحاطتهم ذراعاها
وفاض الكون طوفان دماءْ
 
لم تكن تلميذتي ليلى وحيدهْ
حصد الموت مئاتْ
وذئاب الليل فرَّت في ثباتْ
تزرع الموت الذي يُعول في كل الجهات.
 
( سيدي موسى )
قريةٌ من ألفِ ألفٍ
ٍحُرمت طعم الحياةْ
لم تذق للنوم طعمًا
ألق العينين ماتْ
 
كل يومٍ وعلى أرض الجزائرْ
دم هابيل وآلاف المقابرْ
كل شبرٍ أنبت العزة في أقدام ثائرْ
فيه دمٌ ودموعٌ ومجازرْ
أفلا يرتدع البغيُ ؟
ألا تصحو ضمائرْ ؟
 
هذه الأرض المهيبهْ
قد خطت من فوقها بالعزِّ أقدام "حسيبةْ" (2)
كيف صارت فجأة أرض "جليلةْ" (3)
صرخت قاتلةً مقتولةً:
(آه ، ما ألعنه جرح القبيله) !
تربة المليون والنصف شهيدْ
صرخة الشعب الفدائي العنيدْ
فرحُ الأمةِ في أحزان هذا العصر
من يغتالهُ
فرح العُرْبِ الوحيدْ؟
شعلة "الأوراس" من يطفئها؟ (4)
من تراه المارق الباغي الحقودْ
سارق النور الإلهيِّ المجيد.
 
سكن الليل، وظلت ( سيدي موسى)
رايةً خفاقةً تحلم بالفجر الوليدْ
جثةً هامدةً تنتظرُ الميلاد والبعثَ الجديدْ
صوتها يقطر حزنًا ، يملأ الدنيا نشيدْ
جرحها النازفُ شلالاً وريداً فوريدْ
دمها المسفوحُ غدرًا
دمُ مليونِ شهيدْ.

( 1 ) سهل متيجة هو أكبر سهول الجزائر وفيه تقع قرية (سيدي موسى)

(2) هي حسيبة بنت بو علي، إحدى بطلات حرب التحرير ويطلق اسمها على أحد أشهر شوارع العاصمة الجزائرية.

(3) هي جليلة بنت مرة، أخت جساس وزوجة كليب وإحدى شخصيات حرب البسوس المشؤومة.

(4) الأوراس، سلسلة جبلية في شرق الجزائر اشتهرت بكونها أهم معاقل الثورة الجزائرية خلال حرب التحرير ضد فرنسا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى