الأحد ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠١٨
بقلم جميلة شحادة

سَقام

لمْ يُمهلْني السَقَمُ، حتى ألملمَ حباتِ البَرَدِ
عنْ ورداتِ حديقتي الهاجعاتِ للسماءْ
فقدْ باغتَني، واحتلَّ قطعةً من جسدي
قالوا عنها، ليست بأهمِ الأجزاءْ

لقد باغتَني، وأنا أُحصي العشرةَ الأولى
من ليالِ الحُلمِ في بردِ الشتاءْ
وأمسحُ الغَبَشَ عنْ مرآتي
في ليلةٍ ظلماءْ

ما كنتُ أظنُ أنَّ السَقامَ يأتي بُغتةً
بلْ كحربٍ مُخططٌ لها، مُذْ خُلقَ الأشقّاءْ
يزحفُ فيها الجيشُ ببطٍ نحوَ الهدفِ
بعدَ أنْ غرسَ فيه القائدُ حبَّ الفِداءْ
وليتهم فَطِنوا، أنْ لا فداءَ فِ الاعتداءْ
ولا جزاءَ في الإيذاءِ وسلبَ الكبرياءْ

وها أنا الهدفُ أمامَ جيوشِ الأطباءْ
وها هم يتأهبونَ للجَرحِ، ورأبِ منثورَ الأعضاءْ
بمباضع من حريرٍ، ومشارط من وهجٍٍ وضياءْ
وجحافل ملائكةِ الرحمةِ، ينثرون الفلَّ على جَزعي
ويغمرون وجعي بماءِ الوردِ بسخاءْ
وبين هذا وذاك، كنت أسمعُ أمي تصلي لي في نومِها
وانا في سباتي القسري
أحصي عددَ الأمواتِ الأحياء
**
كنت أراها تتوسطُ لي عندَ اللهِ بلغةٍ بكماءْ
وانا في سباتي القسريّ أصارعُ آلهةَ بابلِ كالبلهاءْ
ألومُ عشتارَ على تحويلِها الرعاةَ الى ذئابٍ دَهماءْ
وأتهمُها بأنها سببُ الحربِ، وأنها من ذبح الشياه
وجعلَ الذئابُ تفترسُ الضعفاءْ

كنتُ أرى أمي تبكي ياسمينَ الشامْ
وماءَ الفراتِ، وقهوةَ اليمنِ، وبرتقالَ يافا وشمسَ بيسانْ
ثم على عجلٍ، تكفكفُ الدمعَ
وتنهضُ لتردَّ عني مَلكَ الموتِ الى السماءْ

كنتُ في سباتي القسريّ أتابعُ نشرات الأنباءْ
وأشاهدُ هند بنت عتبة تحثُّ الكفارَ الأشقياء
على العبثِ بمصائر الشعوبِ، وتحلّلُ سفكَ الدماءْ
تتخذُ لأحمر شفاهِها لونَ الدمِ القاني
وتبكي في نهايةِ النشرةِ، قتلَ الأبرياءْ

ثم، وأنا ما بين الرُقادِ والكَرَى
رأيتُ طاولةَ المُرتجى
يتحلقُ حولَها ملوكٌ وأمراء ورؤساء وزعماءْ
يتداولون الحالَ لحقنِ الدَمِ، ورأبِ الكسرِ بين الأعضاءِ
ثم بعد كدٍّ وشقاء، رفعوا رؤوسَهم وقالوا
بذلنا جهدَنا، وعلى الله الشفاء


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى