الخميس ١٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم جمال القيسي

شرفة أرملة

لابد أن أقتلها.
على حين (سرحة) انبثقت تلك الفكرة.
إنها توغل في إيذائي.. تلح على استثارة تستثير أعصابي.
إذا قلت لها أن الطقس بارد أشعلي لو سمحت المدفأة قالت أن الجو حار وهي لا تحتمل إشعال المدفأة.
اقترح:
 هل أذهب الى الغرفة الأخرى وأشعل المدفأة فأنا أشعر بالبرد.
تعقد حاجبيها:
 المهم ان تبتعد عني. أليس كذلك!
تربكني هذه المرأة.
اقترح ان أتدفأ بملابس ثقيلة وأن البس فروة الصوف.
تقول بقرف:
 (فروة) أبيك تذكرني بحياة البداوة وتبدو حزينا اكثر مما أنت فيه حين تلبسها.
حار فكري فيها..
ماذا تريد؟
أقول لها محاولا التوفيق بين رغبتين:
 إذا كنت تشعرين بالدفء.. خففي من ملابسك وأرتدي أنا ملابس ثقيلة غير فروة الصوف.
ترد علي ردا قاسيا كأنها تواجه جيشا:
 وبعد، هل تصر على مناكفتي.
اتوسل اليها ان لا تصرخ في وجهي، فأنا يزعجني الصوت العالي والصراخ.
فيعلو صراخها:
 أنت لا تشعر بي إطلاقا.
بهدوء اهمس لها:
 أولم أكفك روحا وجسدا؟!
تقول -كاذبة-:
 كلا. أنا لا اشعر بك إطلاقا.
بي رغبة جامحة للخروج من المنزل لا ألوي على أمل. أشرد بعيدا وقد تناوبت على ذهني خواطر شتى، يعيدني صوتها المؤذي الى واقع بغيض.
بعصبية ظاهرة تقول:
 لقد مللتك.
بهدوء أسألها:
 كيف؟
تزفر وتقول ببرود قاتل:
حقا انك تافه.
أتصنع الهدوء قاسرا نفسي ان تكتم غضبة الحليم.
أقول:
 تافه بمعنى توصيفي أي أني سطحي ولا معنى لي؟ أم تافه بمعنى أني حثالة؟
تصمت،واعرف انه الصمت الذي يسبق الشتائم.
وتصرخ بصوتها الحاد المؤذي:
 مللتك لأنك حثالة، وأنك تفضل التسكع في الشوارع والجلوس في المقاهي على....
كدت أقاطعها لكنها قالت وهي تشير بيدها مهددة:
 اسمع. اعلم أني تزوجتك شفقة عليك.
تصمت قليلا وبلهجة لم افهمها:
 وكنت أظن أني قادرة على جعلك أنسانا سويا.
أقاطعها رغما عنها:
 أولم تقولي لي في بداية تعارفنا بأني مثقف وان لم احمل شهادة جامعية....
تقاطعني بصراخ حاد:
 أنت تعرف أني انتشلتك من وحل الفقر والحاجة والفاقة وقبلت بك زوجا..كي انهض بك.
ثم تتنهد وتقول:
 من أنت ومن أبوك! ومن أنا ومن أنت، تقرأ دائما. تحترف المقاهي وتدمن السأم
لا فخر لك في حمل أي مؤهل علمي وأنا طبيبة وأبي تعرف من هو وأخوتي كلهم تعرفهم وأخوانك تعرفهم.
أصمت بحزن، ليست هذه المرة الاولى التي اسمع منها تجريحا كهذا.لأنه ماكان لأهلي ذنب جنوه في هذه الدنيا سوى انهم فقراء بجدارة.
سألتها والدمعة تترقرق في عيني:
 ماذا كنت تبتغين من زواجي غير ان تنهضي بي؟
ها أنا اسأل هذا السؤال بعد زمن على زواجنا؟!
تقول ببرود وابتسامة صادقة أو حقيقية على شفتيها:
 بصراحة مطلقة. لوسامتك، ولكي لا يقال بأنه فاتني قطار الزواج. في مجتمع لا يرحم يا بني!
ضحكت واردفت كأنها تلقي محاضرة:
 كيف سينظر المجتمع الى طبيبة جميلة جدا تجاوزت الثلاثين ولم تحظ بعريس؟!
حرت في أمر المرأة.. هذه المريضة وذكرتها بأنها لطالما أطلقت عليّ صفة المرهف والحساس. في بداية تعارفنا
تطلق ضحكة مجلجلة وتقول
 أنت غبي. كنت اصطادك.
أقول بخبث حقيقي:
 وهل الجميلات يصطدن من لاجاه له ولا قبيلة،ثم فلنعترف أنت لست جميلة جدا لا بل ولا جميلة _ حتى!
تصعق.
تصيح مستنكرة وقد اصابت كلماتي منها مقتلا كما اي انرأة تقال لها هذه العبارة:
 أنا لست جميلة؟!
قلت بكل صراحة.
 إطلاقا.
قالت بما يشبه المناظرة:
 لم تقل هذه الكلمة إلا هذه الليلة.
 لأني مرهف وحساس وحقيقي ولا أرغب بجرحك.
 ولم حافظت على حساسيتك الى هذه الليلة.
حرت جوابا.
قلت بحيادية مطلقة:
 المجتمع لا يرحم وأنت ترغبين صفة (مطلقة) على (عانس).
أومأت برأسها وكأنها تكلم طفلا.
 نعم.
قلت بأسى بالغ:.
 أما أبوك فلأنه سارق كبير لم يكن أبي ليشبهه وحاشى له ذلك.
قالت مناكفة وبسخرية:.
 واخوتي؟
 الولد سر أبيه.
متنمرة زفرت:
 وبعد؟
قلت بيأس تام:
 قد مللت هذي الحياة معك يادنيا.
قالت توغل في إيذائي:
 اذكرك اني لا أرغب بأن يكون لنا ابنا أو ابنة من رجل على شاكلتك.
آنذاك كانت تصب المرارة في شراييني!
أقول جادا:
 أنا حساس ومرهف، وبودي لو يطلق عليك المجتمع الذي لا يرحم صفة ألطف وأخف وطأة من مطلقة.
تضحك وتعلو ضحكتها: ماذا ستفعل أيها الحساس؟
وقبل ذلك هل أنا غير جميلة؟
تقولها مجروحة وبتزلف لعلي أغير رأيي.بغتة ودونما مقدمات أهب من مجلسي.

****
قام من مجلسه وصفعها وأحس انه يصفع الدنيا بكل حقارتها.
وخرج من الغرفة باتجاه الشرفة.
وصاح بصوت خاله قويا:
 دنيا.
تجاهلت صوته.
رفع من صوته الضعيف ليخرج قويا صاخبا:
 يادنيا.
تقول بسخرية: ماذا يا حساس؟
بصوت حزين قوي يصرخ:
 تفوووو.
قالها وهو يلقى بنفسه من شرفة شقتهم الواقعة في الطابق السادس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى