الثلاثاء ١٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم محمد الإحسايني

شعر التفعيلة ظواهر فنية

الجزء الأول: التدوير

تعريف التدوير: التدوير انقسام كلمة تقع بين عروضة البيت من الشعرالعمودي وبداية عجزه؛ فيوصف البيت حينئذ بأنه مدور أو فيه تدوير، وفي الشعر التفعيلي يقتصر الأمر على انقسام التفعيلة. مثاله في الشعر العمودي ، قول الحرث بن حلزة من البحر الخفيف:
ثم ملنا على تميم ٍ فأحرمْـ= نا وفينا بنات قوم إماءُ
فاعلاتن متفعلن فاعلاتن = فاعلاتن متفعلن فاعلاتن فعبارة" فأحرمنا "=[ فأحرمْ [،] نا اجتازت فاعلاتن في عروضة البيت مع بقية من كلمةأخرى كالتالي:[ نا، الدالة على الفاعل] إلى ضرب البيت حيث يمتد النفس الموسيقي المحدث بعد الوقفة الزمانية المفاجئة ليمتد بانتهاء عروضة البيت في القافية.وهذا هو سبب الهزة المطربة في التدوير.وذاك يسترعي ملاحظتين

أ‌- ف+ أحرم+ نا بكونها عبارة هي المنقسمة وليست التفعيلة فاعلاتن التي انتهت بانتهاء العروضة. ب- التفعيلة الثانية فاعلاتن في بداية الضرب انقسمت فأصبحت فا+[ التي ذهبت مع بقايا أحرمنا] علاتن الممثلة في: [وفينا]، خلافاً للذين يقولون بحصول الانقسام في " الكلمة" وحدها بالبيت فقط، لأن للبيت العمودي وحدته المستقلة موسيقياً. والتفعيلة المنقسمة إنما تقع في حشو وبداية الضرب في العمودي. التدوير في شعر التفعيلة: لا تستسيغه نازك الملائكة. عللت ذلك بـ - 1 أن الوحدة هي الشطر.لذلك ينبغي أن يبدأ بـ
كلمة لا بنصف كلمة [ ببعض من الكلمة أو العبارة على الأصح كما قدمنا] و كما أشارت إلى ذلك، عند جورج غانم- تقول نازك-[ ص 69 – قضايا الشعر المعاصر] من المتقارب: لأهتف قبل الرحيل

ترى ياصغار الرعاة يعود الـ
رفيق البعيد [ نداء البعيد، بيروت1975 ص18] - تلح على أن ينتهي شعر الشطر الواحد بقافية[ أو على الأقل بفاصلة] -2 ترى أن التدوير يتعارض مع القافية "... وهذه حقيقة تفوت الشعراء الناشئين وبسببها يضعون قوافيهم التي يجهدون لها أحياناً. " ص 97 .إنهما اكتشافان هي سباقة إليهما. غير أنها عندما أرادت تعزيز حججها وقعت في خطإ فادح لا يمحوه إلا شموخها ورزانة دراساتها، ودرجاتها الأكاديمية، وتحرياتها وكونها سباقة إلى إبدا عات في الشعر الحر ودراسات عن الشعر المعاصر، خاصة الآراء التي جاءت في مقدمة " شظايا ورماد" ووجه الخطإ في المحاجة، قولها الذي أرادت به تعزيز أطروحتها: " ...وإذا كان يريد – تعني جورج غانم- أن يجعل " يعود " قافية؛ ويحسب أن الشطر قد انتهى عندها، فكيف فاته أن بداية الشطر التالي[ الرفيق البعيد ]كانت حرفاً ساكناً هو همزة الوصل؟ ومتى كان البيت العربي يبدأ بساكن؟ "

مناقشة: صحيح أن العرب لاتبتدئ بساكن ولا تقف على متحرك.لكن إذا بدأ أحدنا بهمزة وصل من [ ال] – وهي هنا، ال شمسية، وحتى لو كانت قمرية- يقطعها [يحركها] فلا تعود حرفاً يُتوصل به إلى الساكن لأنها لم تقع في وسط الكلام.إذن: فوصل همزة[ ال] ليس مطلقاً بل نسبياً [ وسط الكلام فقط].ولذلك يمكن للبيت العربي أن يبدأ بـ [ ال]، قال زهير من البحر الكامل بعروضة حذاء وضرب أحذ مضمر:

السـِتر دون الفاحشات ولا=يلقاك دون الخير من سِتر/
مستفعلن مستفعلن فعَلنْ= مستفعلن مستفعلن فعْلنْ

وقال طرفة، من المديد:

الهبيب لافؤاد له= والثبيت ثبته فهمه

عدا الأرجاز التعليمية المبدوءة بالحمدلة.

ففي حال افتراض أن جورج غانم بدأ "الشطر" الموالي

ب [ ال] ؛ وهو جائز كما قدمنا بالأبيات المستشهد بها:

ترى ياصغار الرعاة يعود

الرفيق البعيد.

ماذا سيحدث؟

أن ينتقل وزن الشطر من المتقارب إلى المتدارك. وهنا سيضطرب الوزن رغم أن البحرين شقيقان. تسوق نازك في موضع آخر، شعراً لعبد الوهاب البياتي:

وهجرت قريتنا، وأمي الأرض تحلم بالربيع
ومدافع الحرب الأخيرة لم تزل تعوي هناك

ككلاب صيدك لم تزل مولاي تعوي في الصقيع

وكان عمري آنذاك

عشرين عام

وترى أن لفظة " صقيع " هنا كان ينبغي أن تكون قافية مجانسة للفظ " الربيع " ولكن الشاعر أضاعها لأنه جعل الشطر مدوراً ، فأصبحت القافية الفعلية " الصقي". أما عين الكلمة فقد انصرف إلى موضعها الصحيح في أول الشطر التالي[ ع وكان عمري آنذاك] لأنها تكمل الثغرة الفارغة في أول تفعيلة الكامل وقد تركها الشاعر مثلومة في أولها فلا بد لها أن تنغلق بالعين لتكتمل. وبذلك أصبحت الأشطر خلواً من القافية.":[ القصيدة المدورة في الشعر العربي الحديث / نص محاضرة في مهرجان المربد4 /نازك الملائكة- مجلة الآداب، العدد الثاني، شباط 1978 ص /ص 20 /21 ]

وبما أن نازك تمنع التدوير في الشعر الحر منعاً باتاً، فقد أنهت حسابها مع شعراء الشعر الحر الذين لجأوا عمداً - كما لجأت هي أيضاً إلى قصيدة التفعيلة – إل التدوير، فانغمسوا فيه كلاً على شاكلته، مشرقاً ومغرباً.بل تصنعتْ شعراً مدوراً لا شاعرية فيه – العبارة لها – لتبرهن للشعراء على ذلك: " طلعت نجوم الليل تفرش ظلمة الأحراش أحلاماً طريات ورش العطر خد الليل، والدنيا تلفع كل ما فيها بأستار الظلام المدلهم البارد القبريّ وانتاب المدى خوف من المجهول، يا قلبي تيقظ واترك الأوهام تجني كل باقات الأماني أمسك الجذلان بالأفراح والرغبات قد نفض النعاس وعاد يملأ مشرق الدنيا ضياء وابتسامات فدع فتن الصباح المشرق المسحور ينفذ لاتكن حيران مقطوع الرؤى..." الآداب عدد2 شباط 1978:و كتابها قضايا الشعر المعاصر ط4 . والنتيجة؟ أن تعاملها بمقاييس الشعر العمودي من حيث اعتماد هذا الأخير على نظام المصراعين، واعتماد الشعر الحر على نظام السطر، أو الشطر، حسب الطول والقصر، يحدث بلبلة في المنهج، ويحكم حتى على الشعر الحر بالزوال، لأنه فقد إحدى خصائه، أو كلها...

أمثلة من الشعر الحر المدور:

من المغرب:

الكشف عن التدوير في بعض القصائد من الشعر الحر:[ الجزء2]

قصيدة "الخوف" لـ أحمد المجاطي نموذجاً

هناك إشكالية ناتجة عن التوافق والتنسيق في الوزن حينما يسعى الشاعر إلى إيجاد فضاءات أخرى للإيقاع، يشترك فيها المكان[ الفضاء البصري الذي وفره الشاعر لكلماته] والزمان[الصوت الذي قد تـُلقى به قصيدته إلقاء كلياً أو جزئييا متقطعاً، كأن يقف الشاعر على كلمة معينة أو يرددها إن كان شاعراً خـَطابياً جماهيرياً، يستمد سلطته من الجمهور،والإلقاء،

أكثر من استمدادها من الشعر ذاته، أو كان شاعراً يهمس بالكلمة همساً، ويخاطب الروح والذوق، ويستمد سلطته من إبداعه الصموت، وتأملاته، أو من "مملكة الصمت"] وهذه الظاهرة، عرفها الشعر العربي قبل أن تستمد من الشعر الأوروبي، فهذا"غيوم آبولونير"[1] في قصيدته "لامندولين": القرنفل والخيزران، يعطي مساحة هامة لقصيدته في استغلاله للفضاء البصري فيصور "لامندولين" الموسيقية كتابة وبالخط اليدوي، ونبات الخيزران والقرنفلات، لميله إلى استغلال شاعرية المكان، بعد أن استنفد الشعرُ سحر الإلقاء، الخ... وكذلك فـَعل في " الحمامة المطعونة والنافورة" إذ رسم الشاعر بكلماته في القصيدة ذاتها، الحمامة المذبوحة، والنافورة معاً.هذه الظاهرة عرفها الشعر العربي، وإن كانت مرتبطة بالشعر العمودي،بدءً من التشكيل القافوي،وانتهاءٍ بتقابلات الجناس، خاصة جناس المضارع[2] واللاحق والمصحف.وقد عرف الشعر المغربي هذه الظاهرة في القرن 9 الهجري[3]، ومن ذلك أيضاً التشكيلات البصرية في " النخلة" لـ حمدون بلحاج" من شعراء القرن 13 الهجري[4]،إذ كُتبت على هيئة نخلة زادها الخط المغربي رونقاً وروعة.

إذن؛ فالوضع الذي تصفف به كلمات القصيدة الحديثة بما فيها شعر التفعيلة، له موسيقاه وإيقاعه في المجال البصري؛ ومع ذلك، هناك إيقاعات معينة مرتبطة ببنيات صوتية، في قصيدة "الخوف"،[بحر الرجز،مثلا، وبنيات مكانية، عن طريقة التصفيف، في "مملكة الصمت" ] وهذا هو ما يجعل "التدوير" في حاجة إلى الكشف عنه أمام هذه الملابسات.

التدوير في قصيدة "الخوف":[2]

للمرحوم أحمد المعداوي [المجاطي]:

1-الكلِـْمةُ الصغيره [ بكسر الكاف وسكون اللام ]

2 –تقالُ

3-أو تـُخط ّ ُ

4-قوق الماءْ

5- تمشي بها الرياحُ

6- أو تبثها الرمالُ
7–في الصحراءْ

8- تولدُ

9- أو تكونُ
10- أو تصوغــُها

11- مصادفات الصخبِ

12- والضوضاءْ

13- الكـِلمة الصغير ه

14- يسكبها الصباحْ

15- أوتهمي بها

16- الظهيره

17- ما بالها تكبرُ

18- في الهواءْ

19- تحجب وجه الشمس ِ؟

20- تلقي ظلها؟

21- تغمرني

22- بالرجع والأصداءْ

23- ما بالها؟

24- مملكتي مملكة الصمت ِ

25- اخسأوا

26- أمقتها كـَلـِمة ً [ فتح الكاف وكسراللام ]

27- قيلت لغير المدح ِ

28- والهجاء

1 –الكلمة الصغيره[ تفعيلتان من الرجز الأولىمستفعلن: والثانية فعولن:مخبونة]= لاتدوير سنشير إل التدوير بالفاصلة داخل معقوقين[،]
2- متف[،]...ع /

3-... لن متفْ[،]ع... /

4-... لن فعلانْ/

5- مستفعلن متفـْ[،]ع... /

6-... لن متفعلن متفـْ[،]ع... /

7-... لن فعلانْ /

8- مسـْ[،] تع... /

9-... لن متفـْ[،]... ع /

10- لن متفعلن /

11- متفعلن مستفـْ[،ع... [حال سكون الخاء للضرورة] /

12-...لن فعلانْ /

13- الكلمة الصغيره[ بفتح الكاف وسكون اللام]: مستفعلن فعولن/

14- مستعلن فعو[،]... /

15-لن مستفعلن[،] ظْ... /

16-...ظـَ فعولن[ ظهيره] /

17- مستفعلن مسـْ[،] تع.../

18-...لن فعولْ /

19- مستعلن مستفـْ[، ]ع .../

20- ...لن مستفعلن /

21- مفتعلن /

22- مستفعلن فعلان /

23- مستفعلن /

24- مفتعلن مفتعلن مسـْ[،] تـ... /

25- ...فـْعلن/

26- مستعلن متعلن[بفتح الكاف وكسر اللام من"كلمة"]

27- مستفعلن مستفـْ[،]... ع

28- ...لن فعولْ

ومهما يكن؛ فيمكن استنتاج وقوع التدوير في عدة أماكن، لأن القصيدة بكونها تفعيلية، وحرة، في آن، و"كلمة" غيرعادية محفوفة بالمخاطر، فإنها، من هنا، تكتسب أهميتها، ودلالاتها العميقة.هذه الدلالة أزلية، ومقترنة بـ الإنسان، منذ بدء الخليقة، الإنسان وحده.وهنا: هو الشاعر الذي يلتزم بالمسئولية المتوارثة من جده الأول:الإنسان. مثل هذه الكثافة من الأفكار، في حاجة إلى فضاء أوسع، بدل كتابة القصيدة على الشكل التالي، إذا فرضنا أن هذه القصيدة لا تقرأ كما تكتب، بل كما ينطق بها الشعر العربي الكلاسيكي طالما هي تطور منحرف للشعر العمودي. تنتمي القصيدة في إيقاعها، وقوامها الصوتي إلى[ الرحز]، كما تقدم؛ وهو من البحور الصافية:

الكلمة الصغيرهْ

مستفعلن فعولن

تقال أوتحط فوق الماءْ

متفعلن متفعلن فعْلانْ

تمشي بها الرياح أوتبثها الرمال في الصحراءْ

مستفعلن متفعلن متفعلن متفعلن فعْلانْ

تولد أوتكون أو تصوغها مصادفات الصخبِ والضوضاءْ

مستعلن متفعلن متفعلن متفعلن مستفعلن فعْلانْ

الكلمة الصغيره

مستفعلن فعولن

يسكبها الصباح أوتهمي بها الظهيره

مستعلن متفعلن مستفعلن فعولن

ما بالها تكبر في الهواءْ

مستفعلن مستعلن فعولْ تحجب وجه الشمس ِ؟ تلقي ظلها؟ تغمرني بالرجع والأصداءْ

مستعلن مستفعلن مستفعلن مفتعلن مستفعلن فعْلانْ

ما بالها؟ مملكتي مملكة الصمت اخسأوا

مستفعلن مفتعلن مفتعلن مستفعلن

أمقتها كلمة قيلتْ لغير المدح والهجاءْ

مفتعلن متعلن مستفعلن مستفعلن فعول.

ملاحظة: لاتدوير في هذا التشكل الإيقاعي، عكس التقسيم السابق.
إذن؛ فالشاعر يدعونا إلى مملكة الصمت، والتأمل ويعزز دعوته بقوله: " اخسأوا " يقول لنا: كفاكم خطابة، أنتجوا أفكاراً وموسيقى مغايرة ، لأن الشاعر قد اكتوى بأوجاع كثافة الكلمة التي" تكبر في الهواء،تحجب وجه الشمس"فهي أكبرمن الأوزان الرتيبة ذات الإيقاعات المألوفة." المدح" و"الهجاء" وهما الإيقاعان اللذان يشغلان مساحة شاسعة في الشعر العربي الكلاسيكي.

إلى هذا الحد، استفاد الجاطي مبدعاً، وناقداً، وأكاديمياً، من الظواهر الشكلية لمعاصريه

من شعراء التفعيلة، واستوعب إلى حد كبير أهم الظواهر الفنية لقصيدة التفعيلة المرتبطة أصلاً بالقصيدة العمودية. لكن ثمة إشكالية ترتبط بالمصطلحين: " الشطر و"السطر الشعري " فهل ينتهي" الشطر" أو" السطر" نهايته في البيت العمودي المركب من صدر وعجز [المصراعين]؟ أكيد أن هناك امتداداً يختلف بين الطول والقصر، خاصة أن الإيقاع في أي لغة، برتبط بالزمن أكثر بكثير من ارتباطه بالمكان.وهل يصح إطلاق" التدوير" إذن، على كل ماحدث؟ صورة كتابة القصيدة بالخط وتحليتها بالرسوم، قد لا يكون دائماً لغرض التمويه على القارئ بهذه الدعوى أوتلك، و لن يوهمنا ذلك، أن الإيقاع مجرد مكون شعري وهمي، إذ يمكن التماس الإيقاع عبر المستوي المكاني أيضاً. وإلى هنا يبقى الإيقاع ظاهرة فنية تفتـقر إلى كثير من الوضوح.وبالتالي: ماهي "القصيدة"؟ أليست سوى عالم منغلق على نفسه يتولد معناها من رنينها، لكن تآزر فنون متعددة فيها قد يولد معجزة ما، لم تكن تخطر على بال أحد؟ فالشاعر هنا عدو الإنشاد والحماسة المزيفة، والوصف الموضوعي، يبدأ رحلته الميتافيزيقة في "أفتتاح" بعنوان" الخوف"، إنها رحلة نحو "مملكة الصمت"، والأسرار...

هوامش:

1)Anthologie de la poésie française du XXe siècle

dePaul Claudel à René Char .Poésie/ Gallimard. p/p167,168

[2]،[3]،[4]:" من جماليات إيقاع الشعر المغربي" للد كتور عبد الرحيم كنوان.ص/ص: -446 -425

[5] "الفروسية" / أحمد المجاطي: افتتاح: "الخوف"ص/ص:9/10: منشورات المجلس القومي للثقافة العربية

الجزء الأول: التدوير

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى